15 مختلف الحديث: رقـ ((15)) ـــــم.
وممن شارك (الأخ أحمد بن علي وسيف الكعبي، وعبدالله المشجري وسيف النعيمي محمد ويزن)
لخصها سيف الكعبي
بإشراف سيف النعيمي
-كيف التوفيق بين:
حديث عبدالله بن مسعود قال كنتُ معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في حرثٍ بالمدينةِ، وهو يتوكأ على عسيبٍ، فمر بنفرٍ من اليهودِ، فقال بعضهم: سلوهُ عن الروحِ، وقال بعضهم: لا تسألوه، لا يُسمعُكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسمِ، حدِّثنا عن الروحِ، فقام ساعةً ينظرُ، فعرفتُ أنه يوحى إليه، فتأخرتُ عنه حتى صعِدَ الوحيُ، ثم قال:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}.
وبين ما جاء في قول الله تعالى في حق عيسى عليه الصلاة والسلام (وروح منه)
وأيضاً سمى القرآن روحاً
وكذلك سمى جبريل روحاً
فهل المعنى واحد أو أن المعاني مختلفة؟
———————–
جواب الأخ احمد بن علي والأخ عبدالله المشجري:
(الروح) من الألفاظ التي خاض الناس في تعريفها وبيان طبيعتها، وتخبط الفلاسفة في تحديد ماهيتها والوقوف على حقيقتها، وهي في النهاية من المعاني التي استأثر الله بعلمها، ولم يجعل للإنسان سبيلا إلى معرفتها، عرف ذلك من عرف، وجهله من جهل، وكابر فيه من كابر، قال تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} (الإسراء:85).
وتخبرنا معاجم اللغة العربية عن مادة (روح) بأنها أصل كبير مطرد، يدل على سعة وفسحة واطراد. وأصل ذلك كله الريح. وأصل (الياء) في الريح (الواو)؛ وإنما قُلبت ياء لكسرة ما قبلها. و (الروح) – بضم الراء المشددة -: ما به حياة الأنفس، يؤنث ويذكر، ويُجمع على (أرواح).
هذا عن لفظ (الروح) لغة، أما ما وراء اللغة، فقد قال بعض أهل العلم: (الروح) جسم لطيف، أجرى الله العادة بأن يخلق الحياة في البدن مع ذلك الجسم.
ولفظ (الروح) ورد في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين موضعاً، وردت جميعها بصيغة الاسم، من ذلك قوله سبحانه: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} (النحل:2). ولم يرد لهذا الاسم صيغة فعلية في القرآن. أما قوله سبحانه: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون} (النحل:6)، فهو مأخوذ من راح يروح: إذا رجع وهو مقابل لـ غدا يغدو: إذا ذهب. وعلى هذا أيضاً قوله عز وجل: {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر} (سبأ:12).
ولفظ (الروح) ورد في القرآن على عدة معان، نذكر منها:
– الروح بمعنى (الحياة التي يكون بها قِوام الكائنات)، ومنه قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} (الإسراء:85)، فُسِّر (الروح) في الآية هنا على أنه العنصر المركب في الخلق الذي يحيا به الإنسان. قال الشوكاني: “اختلف الناس في الروح المسؤول عنه، فقيل: هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين”. ونقل الشوكاني أقوالاً أُخر في معنى الآية، ثم قال: “والظاهر القول الأول”، يعني ما تقدم.
– الروح بمعنى (بمعنى مَلَك من الملائكة)، ومنه قوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} (النبأ:38)، قيل في معنى الآية: إنه ملك من الملائكة. وقد نقل الطبري أقوالاً أخر في الآية، بيد أنه لم يقطع بواحد منها. ومال ابن كثير إلى أن يكون المقصود بـ (الروح) في الآية بني آدم.
– الروح بمعنى (القرآن والوحي)، ومنه قوله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} (الشورى:52)، قال ابن كثير: يعني القرآن. ونحوه قوله سبحانه: {ينزل الملائكة بالروح من أمره} (النحل:2)، قال القرطبي: الروح: الوحي.
– الروح بمعنى (جبريل)، ومنه قوله تعالى: {قل نزله روح القدس من ربك} (النحل:102)، يعني: جبريل عليه السلام. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس} (البقرة:87)، قال الطبري: الروح في هذا الموضع: جبريل.
– الروح بمعنى (النصر)، ومنه قوله تعالى: {وأيدهم بروح منه} (المجادلة:22)، قال الشوكاني: قواهم بنصر منه على عدوهم في الدنيا، وسمى نصره لهم روحاً؛ لأن به يحيا أمرهم. وقيل: (الروح) في الآية هنا بمعنى: البرهان.
– الروح بمعنى (الرحمة)، ومنه قوله تعالى: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف:87)، قال قتادة: أي: من رحمة الله. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء:171)، قيل في معنى الآية: معناه في هذا الموضع: ورحمة منه. قالوا: فجعل الله عيسى عليه السلام رحمة منه على من اتبعه وآمن به وصدقه؛ لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد. وهذا على قول في معنى الآية.
– الروح بمعنى (الراحة من الدنيا)، ومنه قوله تعالى: {فروح وريحان وجنة نعيم} (الواقعة:89)، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: فراحة من الدنيا. وقال الشوكاني: معناه الراحة من الدنيا، والاستراحة من أحوالها.
– الروح بمعنى (القدرة الإلهية على الخلق)، ومنه قوله تعالى: {فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} (الحجر:29)، أي: إن الإنسان مخلوق من خلق الله وكائن بقدرته.
هذه أهم المعاني التي ورد عليها لفظ (الروح) في القرآن الكريم، والمهم في هذا السياق أن ندرك أن معرفة حقيقة (الروح) ليس لأحد من سبيل إليها، بل هي مما اختص الله سبحانه بعلمها. ولعل الحكمة من إخفاء علمها عن المخلوقات، أن يتأمل الإنسان ويتحقق أن الروح التي جعل الله بها الحياة والراحة والقوة والقدرة والحس والحركة والفهم والفكر والسمع والبصر … هي من أمر الله، وهو يباشرها ويعايشها مدة حياته وطول عمره، ومع ذلك لا يصل علمه إلى شاء من كنه حقيقتها ودرك معرفتها، فكيف يطمع في الوصول إلى حقيقة خالقها وبارئها، {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير} (الأنعام:103).
وسأل بعض لجان الفتوى سؤال مفاده:
أريد أن أعرف السبب في تخصيص عيسي بن مريم رسول الله بالروح (روح الله) كما قال: بسم الله الرحمن الرحيم إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه صدق الله العظيم.
وعدم تخصيص سيدنا آدم بذلك مع أنه ورد في القرآن ما يدل علي النفخ في آدم من روح الله
بسم الله الرحمن الرحيم فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. صدق الله العظيم
أرجو الإجابة أفادكم الله.
الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تخصيص عيسى عليه السلام بروح الله للتنبيه على شرفه، وعلو منزلته بذكر الإضافة إليه، كما قال تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا {الأنفال: 41}. و قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ {الحجر: 42} مع أن الجميع عبيده، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصص وقيل لأنه رحمة لمن تبعه وآمن به، وقيل لان الله تعالى أوحى إلى مريم بالبشارة به، وقيل لأن روح القدس جبريل نفخ في مريم فحملت بإذن الله وبهذا يتميز عيسى عن آدم عليهما الصلاة والسلام.
قال البغوي في التفسير: وروح منه، هو روح كسائر الأرواح إلا أن الله تعالى أضافه إلى نفسه تشريفاً.
وقيل: الروح هو النفخ الذي نفخه جبريل عليه السلام في درع مريم فحملت بإذن الله تعالى، سمي النفخ روحاً لأنه ريح يخرج من الروح وأضافه إلى نفسه لأنه كان بأمره.
وقيل: روح منه أي رحمة، فكان عيسى عليه السلام رحمةً لمن تبعه وآمن به.
وقيل: الروح: الوحي، أوحى إلى مريم بالبشارة، وإلى جبريل عليه السلام بالنفخ، وإلى عيسى أن كن فكان، كما قال الله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ، يعني: بالوحي، وقيل: أراد بالروح جبريل عليه السلام، معناه: وكلمته ألقاها إلى مريم، وألقاها إليها أيضاً روح منه بأمره وهو جبريل عليه السلام، كما قال: تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ يعني: جبريل فيها، وقال: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا يعني: جبريل. اهـ
وقال الشوكاني: … وقيل: قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحاً ويضاف إلى الله فيقال هذا روح من الله: أي من خلقه، كما يقال في النعمة إنها من الله … وقيل روح منه أي: برهان منه، وكان عيسى برهاناً وحجة على قومه. وقوله منه متعلق بمحذوف وقع صفة لروح، أي: كائنة منه وجعلت الروح منه سبحانه وإن كانت بنفخ جبريل لكونه تعالى الآمر لجبريل بالنفخ. اهـ
وقال الألوسي في تفسيره ( … وقيل: جرت العادة بأنهم إذا أرادوا وصف شيء بغاية الطهارة والنظافة قالوا: إنه روح فلما كان عيسى عليه السلام متكونا من النفخ لا من النطفة وصف بالروح وقيل: أريد بالروح السر كما يقال: روح هذه المسألة كذا أى أنه عليه السلام سر من أسرار الله تعالى وآية من آياته سبحانه وقيل: المراد ذو روح على حذف المضاف أو استعمال الروح في معنى ذي الروح والإضافة إلى الله تعالى للتشريف … اهـ.
وأما عدم تسمية آدم بهذا الاسم فلا إشكال فيه فإن تسمية عيسى ثبتت بالنص، ولم يأت النص في آدم بذلك، كما لم تثبت تسميته بالكليم مع أنه كلمه الله كما ثبت في الآيات التي ذكرت قصته في القرآن.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في المراد بالروح في قوله تعالى في سورة ا?سراء {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إ? قلي?}
فقال بعضهم: إنه الروح الذي في ا?بدان وعلى هـذا، وقد دل القرآن الكريم وا?حاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أرواح الموتى تبقى بعد موت ا?بدان، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {الله يتوفى ا?نفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل ا?خرى إلى أجل مسمى} ا?ية.
وثبت «والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم ? يستطيعون أن يجيبوا»، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم «أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه».
قال الع?مة ابن القيم رحمه الله (والسلف مجمعون على هـذا وقد تواترت ا?ثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به) ونقل ابن القيم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله تعالى {الله يتوفى ا?نفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل ا?خرى إلى أجل مسمى}
(بلغني أن أرواح ا?حياء وا?موات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح ا?حياء إلى أجسادهـا) ثم قال ابن القيم رحمه الله: (وقد دل على التقاء أرواح ا?حياء وا?موات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما ? يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر).
فهذا هـو الذي عليه السلف من أن أرواح ا?موات باقية إلى ما شاء الله وتسمع، ولكن لم يثبت أنها تتصل با?حياء في غير المنام، كما أنه ? صحة لما يدعيه المشعوذون من قدرتهم على تحضير أرواح من يشاءون من ا?موات ويكلمونها ويسألونها فهذه ادعاءات باطله …
وما يدعيه هـؤ?ء الدجالون من تحضير ا?رواح إنما هـي أرواح شياطين يخدمها بعبادتها وتحقيق مطالبها وتخدمه بما يطلب منها كذبا وزورا في انتحالها أسماء من يدعونه من ا?موات، كما قال الله تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين ا?نس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهـم وما يفترون}
مجموع فتاوى ابن باز
قال ابن كثير: وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح هاهنا على أقوال:
أحدها: أن المراد [بالروح]: أرواح بني آدم.
قال العوفي، عن ابن عباس في قوله: (ويسألونك عن الروح) الآية، وذلك أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الروح؟ وكيف تعذب الروح التي في الجسد، وإنما الروح من الله؟ ولم يكن نزل عليه فيه شيء، فلم يحر إليهم شيئا. فأتاه جبريل فقال له: (قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقالوا: من جاءك بهذا؟ فقال: ” جاءني به جبريل من عند الله؟ ” فقالوا له: والله ما قاله لك إلا عدو لنا. فأنزل الله: (قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله [مصدقا لما بين يديه]) الآية [البقرة: 97].
” إن لله ملكا، لو قيل له: التقم السماوات السبع والأرضين بلقمة واحدة … “.
وهذا حديث غريب، بل منكر.
عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه قال في قوله: (ويسألونك عن الروح) قال: هو ملك من الملائكة، له سبعون ألف وجه …
وهذا أثر غريب عجيب، والله أعلم.
ثم نقل ابن كثير عن السهيلي معنى الروح ثم قال: فحاصل ما يقول – يعني السهيلي – أن الروح أصل النفس ومادتها، والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن، فهي هي من وجه لا من كل وجه وهذا معنى حسن، والله أعلم
قلت: وقد تكلم الناس في ماهية الروح وأحكامها وصنفوا في ذلك كتبا. ومن أحسن من تكلم على ذلك الحافظ ابن منده، في كتاب سمعناه في: الروح.
تفسير ابن كثير