15 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند.
شرح نورس الهاشمي
مسند أحمد:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمفَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ، قَالَ: “ارْجِعْ إِلَيْهِمَا، فَأَضْحِكْهُمَا، كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا”).
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند.
________
شرح الحديث
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلمفَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ) أصله أبوين لي، فحذفت النون، واللام للإضافة، ثمّ أُدغمت الياء فِي الياء، وفُتحت ياء المتكلّم (يَبْكِيَانِ) أي عَلَى فراقه لهما (قَالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (ارْجِعْ إِلَيْهِمَا) الظاهر أن ذلك بعد أن انقطعت فريضة الهجرة (فَأَضْحِكْهُمَا) بقطع الهمزة، منْ الإضحاك، أي أضحكهما بدوام صحبتك لهما (كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا) بفراقك إياهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو مشروعيّة البيعة عَلَى الهجرة، ووجه الاستدلال بالحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم إنما ترك مبايعة الرجل عَلَى الهجرة؛ لأجل أبويه، فلولاهما لبايعه. (ومنها): وجوب برّ الوالدين، والسعي فِي تحصيل رضاهما. (ومنها): تحريم عقوق الوالدين، وإدخال الحزن عليهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (32/ 236)
وَقَالَ الحافظ ابن حجر: والهجرة المسئول عنها مفارقة دار الكفر إذ ذاك، والتزام أحكام المهاجرين مع النبيّ صلّى الله تعالى عليه وسلم، وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة؛ لأنها كانت إذ ذاك فرض عين، ثم نُسخ ذلك بقوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: “لا هجرة بعد الفتح”. “فتح” 7/ 675 “كتاب مناقب الأنصار” حديث: 3925.
و أيضا جاءت أحاديث مطابقة تدل على من يريد الخروج للجهاد وترك أبويه يبكيان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع إليهما ويدخل إليهما السرور ويضحكهما، ومن هذه الاحاديث:
حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت أبا العباس الشاعر، وكان لا يتهم في حديثه قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: «أحي والداك؟»، قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد». رواه البخاري برقم (3004).
عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أجاهد؟ قال: «لك أبوان؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد» رواه البخاري (5972).
عن أبي سعيد الخدري، وفيه: “فإن استأذنا لك فجاهد وإلا فبرهما” وعبد الرحمن بن جاهمة عن أبيه: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردت الغزو وجئتك أستشيرك، فقال: “هل لك من أم؟ ” قال: نعم. قال: “الزمها فإن الجنة تحت رجليها” رواه النسائي 6/ 11، وأحمد 3/ 429، وصححه الألباني في “صحيح الترغيب” (2485).
قال الحافظ في الفتح 6/ 140: قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الابوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين
لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن.
وهل يلحق الجد والجدة بالابوين في ذلك الأصح عند الشافعية نعم. انتهى
قال ابن الملقن: وممن (أراد) أن لا يخرج إلى الغزو إلا بإذن والديه: مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد، وأكثر أهل العلم، هذا كله في حال الاختيار ما لم تقع ضرورة وقوة العدو، فإذا كان ذلك تعين الفرض على الجميع وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكل، ولا حاجة إلى الإذن من والد وسيد.
وقال ابن حزم في “مراتب الإجماع”: إن كان أبواه يضيعان بخروجه ففرضه ساقط عنه إجماعا، وإلا فالجمهور يوقفه على الاستئذان، روي ذلك عن مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، والأجداد كالآباء، والجدات كالأمهات. وممن صرح به ابن المنذر. وعند المنذري: هذا في التطوع، أما إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما، وإن منعاه عصاهما، هذا إذا كانا مسلمين، فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه، ولو نفلا، وطاعتهما حينئذ معصية. وعن الثوري: هما كالمسلمين، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هذا كله بعد الفتح وسقوط (فرض) الهجرة والجهاد وظهور الدين، أو كان ذلك من الأعراب وغير من كانت تجب عليه الهجرة، فرجح بر الوالدين على الجهاد. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (18/ 151).
قلت سيف:
تنبيه 1: في كلام ابن الملقن (أراد) وقال المحقق: كذا في الأصل، وعند ابن بطال (رأى)، انظر شرح ابن بطال 5/ 158.
تنبيه 2: حديث جاهمة، رجح الدارقطني رواية ابن جريج وهي مرسلة يعني عن معاوية بن جاهمة أن جاهمة أتى النبي صلى الله عليه وسلم. وراجع علل الدارقطني 7/ 78، فقوله (أن جاهمة) هذا موضع إرسال حيث لم يشهد معاوية بن جاهمة القصة. وراجع أيضاً علل ابن أبي حاتم 936 مع الحاشية
وله شاهد من حديث أبي سعيد لكن فيه دراج عن أبي السمح ودراج واه.
فلا يتقوى.