1489 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبد الله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————-
الصحيح المسند
1489 – قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا إسماعيل ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا كانا يكثران السفر نحو هذا البيت قالا أتينا على رجل من أهل البادية فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل يعلمنى مما علمه الله تبارك وتعالى وقال إنك لن تدع شيئا اتقاء الله جل وعز ألا أعطاك الله خيرا منه.
هذا حديث صحيح.
………………………………….
صححه محققو المسند
قال الألباني: ” وسنده صحيح على شرط مسلم ” انتهى من ” السلسلة الضعيفة (5).
قال تعالى:.ووهبنا لداوود سليمان نعم العبد إنه أواب (30) إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد (31) فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب (32) ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق (33)
لما شغلت سليمان عليه السلام الخيل عن ذكر الله تركها لله ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوضه الله عز وجل ما هو خير منها وهي الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب غدوها شهر ورواحها شهر فهذا أسرع وخير من الخيل.
* وهذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك، وقد يكون من غير جنسه.
قال ابن القيم رحمه الله:
” وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه: حق، والعوض أنواع مختلفة؛ وأجلّ ما يعوض به: الأنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى ” انتهى من ” الفوائد ” (ص107).
ومن أمثلة العوض في الدنيا، ما ذكره ابن القيم في كتابه القيم ” روضة المحبين ” (ص445):
” لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر، حتى غابت الشمس: سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد.
ولما ترك المهاجرون ديارهم لله، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم: أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا، وملكهم شرق الأرض وغربها “.
ولو اتقى اللهَ السارقُ، وترك سرقة المال المعصوم لله: لآتاه الله مثله، أو خيرا منه، حلالا.
قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)؛ فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه، بترك أخذ مالا يحل له، رزقه الله من حيث لا يحتسب ” انتهى.
وهذا التعويض لا يلزم أن يكون بشيء محسوس من مال أو نحوه، بل قد يكون ذلك بأن يرزق الله تعالى عبده درجة عالية من الإيمان واليقين والرضى بما يقدره الله تعالى، كما قيل لبعض الزهاد وقد رئي في هيئة رثة: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، وأنت تركت الدنيا فماذا عوضك الله!
فقال: الرضى بما أنا فيه “صفوة الصفوة” (2/ 397).
ثانيا:
وقد يكون هذا التعويض في الآخرة، وهو ظاهر، فإن من ترك شيئا لله عز وجل أثابه الله، وثواب الآخرة مهما قل، فهو أعظم من الدنيا كلها مهما عظمت.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله:
” فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا: لا يساوي ذرة مما في الجنة”.
انتهى نقلا من “فتح الباري” (6/ 14).
وقال السندي رحمه الله في “حاشية ابن ماجه” (1/ 356): ” ذَرَّةٌ مِنَ الآخرة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا” انتهى.
وقد جاءت بعض الأحاديث فيها النص على الجزاء الأخروي لمن ترك شيئا لله عز وجل.
روى الترمذي (2669) عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ: دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا) حسنه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (718).
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: (حُلَلِ الإِيمَانِ): يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ.
وروى أحمد (15637)، وأبو داود (4779)، والترمذي (2153)، وابن ماجه (4176) عن معاذ بن أنس أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ: دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ). حسنه الألباني في “صحيح ابن ماجه”.
وأهل التقوى والبصيرة لا يأبهون بالعوِض الذي ينالونه في الدنيا، بل كل همّهم ومنتهى آمالهم أن ينالوا العوض في الآخرة، بل إنهم إذا أدركوا من ذلك شيئا في الدنيا، فإنهم يداخلهم الخوف والوجل، يخشون أن يكونوا ممن عجلت لهم طيباتهم في الدنيا.
روى البخاري (1274): ” أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ:
قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ، خَيْرٌ مِنِّي، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي “، وفي رواية للبخاري (4045): ” وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ “.
فما دام العبد قد ترك شيئا مما نهاه الله عنه لا يتركه إلا لوجه الله عز وجل فالعوض له محقق، وهذا وعد من الله، ولن يخلف الله وعده.
قال السعدي رحمه الله في قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)
ولما كان الطلاق قد يوقع في الضيق والكرب والغم، أمر تعالى بتقواه، وأن (8) من اتقاه في الطلاق وغيره فإن الله يجعل له فرجًا ومخرجًا.
فإذا أراد العبد الطلاق، ففعله على الوجه الشرعي، بأن أوقعه طلقة واحدة، في غير حيض ولا طهر قد وطئ فيه (9) فإنه لا يضيق عليه الأمر، بل جعل الله له فرجًا وسعة يتمكن بها من مراجعة النكاح (10) إذا ندم على الطلاق، والآية، وإن كانت في سياق الطلاق والرجعة، فإن العبرة بعموم اللفظ، فكل من اتقى الله تعالى، ولازم مرضاة الله في جميع أحواله، فإن الله يثيبه في الدنيا والآخرة.
ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كل شدة ومشقة، وكما أن من اتقى الله جعل له فرجًا ومخرجًا، فمن لم يتق الله، وقع في الشدائد والآصار والأغلال، التي لا يقدر على التخلص منها والخروج من تبعتها، واعتبر ذلك بالطلاق، فإن العبد إذا لم يتق الله فيه، بل أوقعه على الوجه المحرم، كالثلاث ونحوها، فإنه لا بد أن يندم ندامة لا يتمكن من استدراكها (11) والخروج منها.
وقوله {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} أي: يسوق الله الرزق للمتقي، من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به.
{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك {فَهُوَ حَسْبُهُ} أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي [العزيز] الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له؛ فلهذا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أي: لا بد من نفوذ قضائه وقدره، ولكنه {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي: وقتًا ومقدارًا، لا يتعداه ولا يقصر عنه.