1485 التعليق على الصحيح المسند
جمع مجموعة عبد الله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————
الصحيح المسند:
1485 – قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا هاشم ثنا ليث ثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير أن رجلا من الأنصار حدثه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه اضجع أضحيته ليذبحها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للرجل أعني على ضحيتي فأعانه.
هذا حديث صحيح.
………………………………………
قال محققو المسند (38/ 234): إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه. هاشم: هو ابن القاسم الليثي، والليث: هو ابن سعد، وأبو الخير: هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري.
وأخرجه أحمد بن منيع في “مسنده” كما في “إتحاف الخيرة” (6492) عن أبي النضر هاشم بن القاسم، بهذا الإسناد.
وأخرجه مطولاً الحارث بن أبي أسامة في “مسنده” كما في “إتحاف الخيرة” (6493) عن يونس بن محمد، عن الليث، به. وأورد فيه قصة.
وانظر “فتح الباري” 10/ 19.
قلت: زاد الحارث في مسنده: ” … ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ إِنَّ نَاسًا ظَنُّوا أَنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ فَذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ قَالَ فَلْيَشْتَرُوا غَيْرَهَا ثُمَّ لِيَذْبَحُوهَا ” لهذا بوب عليه: باب فيمن ذبح قبل الصلاة.
بوب الامام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب من ذبح الأضاحي بيده ثم ثنى بباب: باب من ذبح ضحية غيره.
قال الحافظ: قوله: (من ذبح الاضاحي بيده): أي وهل يشترط ذلك أو هو الأولى وقد اتفقوا على جواز التوكيل فيها للقادر لكن عند المالكية رواية بعدم الأجزاء مع القدرة وعند أكثرهم يكره لكن يستحب أن يشهدها ويكره أن يستنيب حائضا أو صبيا أو كتابيا وأولهم أولى ثم ما يليه. وقوله: (من ذبح ضحية غيره) أراد بهذه الترجمة بيان أن التي قبلها وذكر الإمام البخاري تعليقاً: [وأعان رجل ابن عمر في بدنته].
وقال الحافظ ابن حجر: [أي عند ذبحها، وهذا وصله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: رأيت ابن عمر ينحر بدنة بمنى وهي باركة معقولة ورجل يمسك بحبل في رأسها وابن عمر يطعن] انتهى
و الإنابة في ذبح الأضحية فجائزة، وينبغي أن يوكل في ذبحها صاحب دين له معرفة بالذبح وأحكامه.
قال القرافي: كان الناس يتخيرون لضحاياهم أهل الدين؛ لأنهم أولى بالتقرب، فإن وكَّل تارك صلاة استحب له الإعادة للخلاف في حل ذكاته.
ولا ينبغي أن يوكل فاسقاً في ذبحها، ولا ذمياً، فإن فعل جاز مع الكراهة على قول جمهور أهل العلم.
قال الخرقي: ولا يستحب أن يذبح الأضحية إلا مسلم.
وقال ابن قدامة شارحاً لذلك: وجملته أنه يستحب أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم، لأنها قربة فلا يليها غير أهل القربة، وإن استناب ذمياً في ذبحها جاز مع الكراهة، وهذا قول الشافعي وأبي ثور وابن المنذر.
وحكي عن أحمد: لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم، وهذا قول مالك، وممن كره ذلك علي وابن عباس وجابر رضي الله عنهم وبه قال الحسن وابن سيرين.
وقال جابر: لا يذبح النسك إلا مسلم.
ولنا أن من جاز له ذبح غير الأضحية جاز له ذبح الأضحية كالمسلم.
ويجوز أن يتولى الكافر ما كان قربة للمسلم، كبناء المساجد والقناطر … والمستحب أن يذبحها المسلم ليخرج من الخلاف ليست للاشتراط. انتهى كلام ابن قدامة.
انظر: موسوعة البحوث و المقالات العلمية.
وجاء في ” الفقه الميسر ” لنخبة من العلماء: للذبح آداب ينبغي للذابح التقيد بها، وهي:
1 – أن يحد الذابح شفرته؛ لحديث شداد بن أوس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَة، واذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحَة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته).
2 – أن يُضجع الدابة لجنبها الأيسر، ويترك رجلها اليمنى تتحرك بعد الذبح؛ لتستريح بتحريكها؛ لحديث شداد بن أوس المتقدم قبل قليل. ولحديث أبي الخير أن رجلاً من الأنصار حدثه عن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أنه أضجع أضحيته ليذبحها، فقال رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – للرجل: (أَعِنِّي على ضحيتي) فأعانه.
3 – نحر الإبل قائمة معقولة ركبتها اليسرى. والنحر: الطعن بمحدد في اللَّبة، وهي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر؛ لقوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ) [الحج: 36] أي: (قياماً من ثلاث). ومر ابن عمر رضي الله عنهما على رجل قد أناخ بدنته؛ لينحرها، فقال: (ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -)
4 – ذبح سائر الحيوان غير الإبل: لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) [البقرة: 67]، ولحديث أنس – رضي الله عنه – (أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ذبح الكبشين اللذين ضحى بهما)
س67: سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله-: هل يجوز للشخص الحاج توكيل أهله في الأضحية؟
فأجاب بقوله: يجوز للإنسان إذا حج أن يوكل أحدًا من أهله الباقين في البلد، فيضحي عنه، وعن أهل بيته، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – وكَّل علياّ بن أبي طالب في ذبح ما بقى من هديه – صلى الله عليه وسلم -.
وسئل رحمه الله: ما حكم ما يفعله بعض الحجاج في الأضاحي، وهو نقل الأضاحي إلى خارج البلاد وذلك ببذل المال لشركة أو مؤسسة تقوم بشراء الأضحية وذبحها في بلاد أخرى؟ وجزاكم الله خيرَا.
الجواب:
فإن ما يفعله بعض الحجاج من نقل أضاحيهم إلى خارج البلاد لا شك أن هذا مخالف للسنة التي سنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، بل مخالف لأمر الله عز وجل كما سأبينه في هذه النقاط، فإن نقل الأضاحي إلى خارج البلاد يفوت به مصالح كثيرة:
المصلحة الأولى: إنه يفوت بذلك إظهار شعيرة من شعائر الله تعالى وهي الأضاحي، فإن الأضاحي شعيرة عظيمة من شعائر الله يتقرب الإنسان بها إلى ربه، فقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه،
فقال جل وعلا: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ)، والنسك عند كثير من المفسرين هو: الذبيحة، ومنها الأضاحي، فإذا نقلت إلى خارج البلاد أصبحت معطلة من هذه الشعيرة، إما في بعض البيوت، وإما في كثير منها، وإما في أكثرها إذا توسع الناس في ذلك، وليعلم أن المقصود بالأضاحي هو التقرب إلى الله عز وجل، وليس المقصود منها مجرد الانتفاع من لحمها كما قال الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) بين الضحية واللحم
فقال: “من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم”.
فقال رجل: يا رسول الله، نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة؟
فقال الرسول – صلى الله عليه وسلم -: “تلك شاة لحم “.
وثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين”، وهذا الحديث دليل واضح على أنه ليس المقصود من الأضاحي مجرد الانتفاع باللحم إذا لو كان الأمر كذلك لم يكن فرق بين المذبوح قبل الصلاة وبعدها، ويدل لهذا أيضًا أن
الأضحية خصت بنوع معين من البهائم، وهي: الإبل، والبقر والغنم، وقيدت بشروط معينة كبلوغ السن، والسلامة من العيوب، وكونها من أيام النحر، ولو كان المقصود مجرد الانتفاع باللحم لأجزأت بكل بهيمة كالدجاج، ولأجزأ بالصغير من الأنعام والكبير، ولأجزأت بالعضو من البهيمة وبالجميع، فالأضاحي لها شأن كبير في الإسلام، ولهذا جعل لها حرمات محيطة بها، فمن أراد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من ظفره، ولا من بشرته شيئًا حتى يضحي.
المصلحة الثانية التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: مباشرة المضحي ذبح أضحيته، فمن السنة أن يذبح المضحي أضحيته بنفسه؟ تقربَا إلى الله عز وجل، واقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يذبح أضحيته بنفسه (وقال أهل العلم إذا كان المضحي لا يحسن
الذبح بنفسه فليحضر الذبح بنفسه.
المصلحة الثالثة التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: إنه يفوت بذلك شعور الإنسان بالتعبد لله بالذبح نفسه الذي قرنه الله بالصلاة في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ).
المصلحة الرابعة التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: إنه يفوت الإنسان ذكر اسم الله عليها وقد أمر الله تعالى بذلك فقال سبحانه: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ)
وقال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا) وفي هذا دليل على أن ذبح الأضحية وذكر اسم الله عليها عبادة مقصودة بذاتها وأنها من توحيد الله وتمام الاستسلام له وربما كان هذا المقصود أعظم بكثير من مجرد انتفاع الفقير بها، ومن المعلوم أن من نقلها خارج البلاد لم يحصل على هذه الفائدة العظيمة.
المصلحة الخامسة التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: الآكل من الأضحية، والأكل من الأضحية مشروع إما وجوبًا، وإما استحبابًا، فإن من العلماء من يقول: يجب على المضحي أن يأكل من أضحيته، فإن لم يأكل منها فهو عاص لله تعالى لأن الله تعالى أمر بالأكل منها بل قدمه على إطعام الفقير فقال سبحانه وتعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) وقال تعالى: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)، ومن المعلوم أن نقلها إلى خارج البلاد يؤدي إلى عدم الآكل منها، فيكون الناقل مخالفًا لأمر الله تعالى ويكون آثمًا- على قول من قال بوجوب الأكل منها من أهل العلم.
المصلحة السادسة: التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: إذا كانت الأضاحي وصايا فإن نقلها يفوت مقصود الموصين بها؛ لأن الموصين حينما أوصوا لم يكن في بالهم أن يضحي بها خارج البلاد، ولم يكن في بالهم إلا أن تتمتع ذرياتهم وأقاربهم في هذه الأضاحي، وأن يباشروا بأنفسهم تنفيذها، ولم يخطر ببالهم أبدًا أن أضاحيهم سوف تنقل إلى بلاد أخرى قريبة أو بعيدة، فيكون في نقل أضاحي الوصايا مخالفة لما يظهر في مقصود الموصين.
ومع فوات هذه المصالح بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد فإن فيه مفسدة قد تكون كبيرة لدى الناظر المتأمل، إلا وهي: أن الناس ينظرون إلى الأضاحي إلى هذه العبادة العظيمة نظرة اقتصادية محضة،
أو نظرة تعبدية قاصرة، بحيث يشعر أنه استفاد منها بمجرد الإحسان إلى الغير، مع أن الفائدة الكبرى منها هي: التعبد لله تعالى بذبحها وابتغاء مرضاته.
وإني أحث إخواني على أن تكون أضحياتهم في بلادهم، وإذا أرادوا أن ينفعوا إخوانهم المتضررين في البلاد الأخرى، فإن أبواب الخير كثيرة، فلير سلوا إليهم أطعمة، ليرسلوا لهم ألبسة، ليرسلوا لهم
دراهم، كل هذا نافع بإذن الله مع إبقاء الشعيرة العظيمة تحت تصرفهم وبين أهليهم وفي بلادهم.
” مجموع وفتاوى رسائل العثيمين ” (25/ 83)