1482 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالحميد البلوشي ومجموعة سامي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–
الصحيح المسند
1482عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد واصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة
—————–
قال العباد في شرح سنن ابي داود: وذلك لتعظيم شأن الانتهاب وأنه خطير، وأن الإنسان حين يأخذ الشيء وهو لا يستحقه يكون بذلك قد أخذ أمراً لا يجوز له، فالرسول صلى الله عليه وسلم أكفأ هذه القدور، وجعل يرمل اللحم بالتراب، أي يجعل عليه التراب، ومعنى ذلك أنه لا يؤكل وأنه مثل الميتة، فدل هذا على تحريم مثل هذا العمل، وأن الإنسان ليس له أن يأخذ إلا ما أحل الله له وما أبيح له وما أذن له في أخذه
ورد في الصحيحة
” إن النهبة لا تحل “.
قال الألباني:
أخرجه ابن ماجة (3938) والطحاوي في ” المشكل ” (2/ 131) وعبد الرزاق
(18841) وابن حبان (1679) والحاكم (2/ 134) والطيالسي (رقم 1195)
وأحمد (5/ 367) والطبراني في ” الكبير ” (1371 – 1380) من طرق عن سماك
ابن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال: ” أصبنا غنما للعدو، فانتهبناها، فنصبنا
قدورنا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور، فأمر بها فأكفئت، ثم قال:
” فذكره. وقال الحاكم: ” صحيح الإسناد “. وسكت عنه الذهبي، وهو كما قال
وخالفهم أسباط بن نصر فقال: عن سماك عن ثعلبة عن ابن عباس فذكره. أخرجه
الحاكم. وأسباط بن نصر كثير الخطأ كما قال الحافظ، فلا يحتج به إذا تفرد
فكيف إذا خالف. وله شاهد من حديث رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما
فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على
قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: ” إن النهبة
ليست بأحل من الميتة. أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة “. شك هناد.
أخرجه
أبو داود (2705) وعنه البيهقي (9/ 61) من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه
قلت: وإسناده صحيح. وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، منهم زيد بن خالد
أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ” نهى عن النهبة والخلسة “. أخرجه أحمد (4
/ 117 و 5/ 193) من طريق مولى الجهنية عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني
عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن زيد بن خالد لم أعرفه. ولعله الذي في
كنى ” التهذيب “: ” أبو حرب بن زيد بن خالد الجهني. روى عن أبيه. وعنه بكير
ابن عبد الله بن الأشج “. ثم رأيت الحافظ ابن حجر أورده في ” التعجيل ” لهذا
الحديث وقال: ” لا يعرف حاله، ولا اسم الراوي عنه “. ومنهم جابر بن عبدالله قال: ” لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة، فأخذوا الحمر الإنسية فذبحوها، وملؤا منها القدور، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال جابر: فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفأنا القدور وهي تغلي، فحرم
رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب
من السباع وكل ذي مخلب من الطيور وحرم المجثمة والخلسة والنهبة “. أخرجه
أحمد (3/ 323) من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عنه.
الصحيحة /1673
وفي الصحيحين:
– عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا -وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ- فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ، فَدُفِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا”. قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: إِنَّا لَنَرْجُو -أَوْ نَخَافُ- أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَت مَعَنَا مُدًى، أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: “مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ”.
قال ابن حجر:
قَوْله: (فَأَصَابَ النَّاس جُوع) كَأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَالَ هَذَا مُمَهِّدًا لِعُذْرِهِمْ فِي ذَبْحهمْ الْإِبِل وَالْغَنَم الَّتِي أَصَابُوا.
قَوْله: (فَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا) فِي رِوَايَة أَبِي الْأَحْوَص “وَتَقَدَّمَ سُرْعَان النَّاس فَأَصَابُوا مِنْ الْمَغَانِم”، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الثَّوْرِيّ الْآتِيَة بَعْد أَبْوَاب “فَأَصَبْنَا نَهْب إِبِل وَغَنَم”.
قَوْله: (فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزَة وَسُكُون الْكَاف أَيْ: قُلِبَتْ وَأُفْرِغَ مَا فِيهَا، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَكَان فِي شَيْئَيْنِ: أَحَدهمَا: سَبَب الْإِرَاقَة، وَالثَّانِي: هَلْ أُتْلِفَ اللَّحْم أَمْ لَا؟ فَأَمَّا الْأَوَّل فَقَالَ عِيَاض: كَانُوا اِنْتَهَوْا إِلَى دَار الْإِسْلَام وَالْمَحَلّ الَّذِي لَا يَجُوز فِيهِ الْأَكْل مِنْ مَال الْغَنِيمَة الْمُشْتَرَكَة إِلَّا بَعْد الْقِسْمَة، وَأَنَّ مَحَلّ جَوَاز ذَلِكَ قَبْل الْقِسْمَة إِنَّمَا هُوَ مَا دَامُوا فِي دَار الْحَرْب، قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنَّ سَبَب ذَلِكَ كَوْنهمْ اِنْتَهَبُوهَا، وَلَمْ يَاخُذُوهَا بِاعْتِدَالٍ وَعَلَى قَدْر الْحَاجَة. قَالَ: وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث آخَر مَا يَدُلّ لِذَلِكَ، يُشِير إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق عَاصِم بْن كُلَيْب عَنْ أَبِيهِ وَلَهُ صُحْبَة عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار قَالَ: “أَصَابَ النَّاس مَجَاعَة شَدِيدَة وَجَهْد فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا، فَإِنَّ قُدُورنَا لَتَغْلِي بِهَا إِذْ جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسه، فَأَكْفَأ قُدُورنَا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّل اللَّحْم بِالتُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ النُّهْبَة لَيْسَتْ بِأَحَلّ مِنْ الْمَيْتَة” انتهى.
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ عَامَلَهُمْ مِنْ أَجْل اِسْتِعْجَالهمْ بِنَقِيضِ قَصْدهمْ، كَمَا عُومِلَ الْقَاتِل بِمَنْعِ الْمِيرَاث، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمَامُور بِهِ مِنْ إِرَاقَة الْقُدُور إِنَّمَا هُوَ إِتْلَاف الْمَرَق عُقُوبَة لَهُمْ، وَأَمَّا اللَّحْم فَلَمْ يُتْلِفُوهُ بَلْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ وَرُدَّ إِلَى الْمَغْنَم، وَلَا يُظَنّ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ إِضَاعَة الْمَال وَهَذَا مِنْ مَال الْغَانِمِينَ، وَأَيْضًا فَالْجِنَايَة بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَع مِنْ جَمِيع مُسْتَحِقِّي الْغَنِيمَة، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَطْبُخ وَمِنْهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُمُسِ، فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُنْقَل أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْم إِلَى الْمَغْنَم قُلْنَا: وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ أَوْ أَتْلَفُوهُ، فَيَجِب تَاوِيله عَلَى وَفْق الْقَوَاعِد. انتهى
وَيَرُدّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ جَيِّد الْإِسْنَاد وَتَرْك تَسْمِيَة الصَّحَابِيّ لَا يَضُرّ، وَرِجَال الْإِسْنَاد عَلَى شَرْط مُسْلِم، وَلَا يُقَال: لَا يَلْزَم مِنْ تَتْرِيب اللَّحْم إِتْلَافه لِإِمْكَانِ تَدَارُكه بِالْغَسْلِ، لِأَنَّ السِّيَاق يُشْعِر بِأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُبَالَغَة فِي الزَّجْر عَنْ ذَلِكَ الْفِعْل، فَلَوْ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يُنْتَفَع بِهِ بَعْد ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِير زَجْر، لِأَنَّ الَّذِي يَخُصّ الْوَاحِد مِنْهُمْ نَزْر يَسِير، فَكَانَ إِفْسَادهَا عَلَيْهِمْ مَعَ تَعَلُّق قُلُوبهمْ بِهَا وَحَاجَتهمْ إِلَيْهَا وَشَهْوَتهمْ لَهَا أَبْلَغَ فِي الزَّجْر. وَأَبْعَدَ الْمُهَلَّب فَقَالَ: إِنَّمَا عَاقَبَهُمْ لِأَنَّهُمْ اِسْتَعْجَلُوا وَتَرَكُوهُ فِي آخِر الْقَوْم مُتَعَرِّضًا لِمَنْ يَقْصِدهُ مِنْ عَدُوّ وَنَحْوه.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُخْتَارًا لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره، وَلَا مَعْنَى لِلْحَمْلِ عَلَى الظَّنّ مَعَ وُرُود النَّصّ بِالسَّبَبِ. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَمْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُور يَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ أَجْل أَنَّ ذَبْح مَنْ لَا يَمْلِك الشَّيْء كُلّه لَا يَكُون مُذَكِّيًا، وَيَجُوز أَنْ يَكُون مِنْ أَجْل أَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا إِلَى الِاخْتِصَاص بِالشَّيْءِ دُون بَقِيَّة مَنْ يَسْتَحِقّهُ مِنْ قَبْل أَنْ يُقْسَم وَيُخْرَج مِنْهُ الْخُمُس، فَعَاقَبَهُمْ بِالْمَنْعِ مِنْ تَنَاوُل مَا سَبَقُوا إِلَيْهِ زَجْرًا لَهُمْ عَنْ مُعَاوَدَة مِثْله، ثُمَّ رَجَّحَ الثَّانِي وَزَيَّفَ الْأَوَّل بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلّ أَكْل الْبَعِير النَّادّ الَّذِي رَمَاهُ أَحَدهمْ بِسَهْمٍ، إِذْ لَمْ يَاذَن لَهُمْ الْكُلّ فِي رَمْيه، مَعَ أَنَّ رَمْيه ذَكَاة لَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي نَفْس حَدِيث الْبَاب. انتهى مُلَخَّصًا. وَقَدْ جَنَحَ الْبُخَارِيّ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّل وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ كَمَا سَيَاتِي فِي أَوَاخِر أَبْوَاب الْأَضَاحِيّ، وَيُمْكِن الْجَوَاب عَمَّا أَلْزَمَهُ بِهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ قِصَّة الْبَعِير بِأَنْ يَكُون الرَّامِي رَمَى بِحَضْرَةِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَمَاعَة فَأَقَرُّوهُ، فَدَلَّ سُكُوتهمْ عَلَى رِضَاهُمْ بِخِلَافِ مَا ذَبَحَهُ أُولَئِكَ قَبْل أَنْ يَاتِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ فَافْتَرَقَا. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَة مِنْ الْغَنَم بِبَعِيرٍ) فِي رِوَايَة [عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عند أحمد والدارمي: وقسم بيننا فجعل لكل عشرة شاة]، وَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قِيمَة الْغَنَم إِذْ ذَاكَ، فَلَعَلَّ الْإِبِل كَانَتْ قَلِيلَة أَوْ نَفِيسَة وَالْغَنَم كَانَتْ كَثِيرَة أَوْ هَزِيلَة بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَة الْبَعِير عَشْر شِيَاه، وَلَا يُخَالِف ذَلِكَ الْقَاعِدَة فِي الْأَضَاحِيّ مِنْ أَنَّ الْبَعِير يُجْزِئ عَنْ سَبْع شِيَاه، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِب فِي قِيمَة الشَّاة وَالْبَعِير الْمُعْتَدِلَيْنِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَة فَكَانَتْ وَاقِعَة عَيْن فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون التَّعْدِيل لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاسَة الْإِبِل دُون الْغَنَم، وَحَدِيث جَابِر عِنْد مُسْلِم صَرِيح فِي الْحُكْم حَيْثُ قَالَ فِيهِ: “أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِك فِي الْإِبِل وَالْبَقَر كُلّ سَبْعَة مِنَّا فِي بَدَنَة”، وَالْبَدَنَة تُطْلَق عَلَى النَّاقَة وَالْبَقَرَة، وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس “كُنَّا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر فَحَضَرَ الْأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَة تِسْعَة وَفِي الْبَدَنَة عَشَرَة”، فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِع بْن خَدِيج هَذَا.
وَاَلَّذِي يَتَحَرَّر فِي هَذَا أَنَّ الْأَصْل أَنَّ الْبَعِير بِسَبْعَةٍ مَا لَمْ يَعْرِض عَارِض مِنْ نَفَاسَة وَنَحْوهَا فَيَتَغَيَّر الْحُكْم بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَبِهَذَا تَجْتَمِع الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ، ثُمَّ الَّذِي يَظْهَر مِنْ الْقِسْمَة الْمَذْكُورَة أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيمَا عَدَا مَا طُبِخَ وَأُرِيقَ مِنْ الْإِبِل وَالْغَنَم الَّتِي كَانُوا غَنِمُوهَا، وَيَحْتَمِل -إِنْ كَانَتْ الْوَاقِعَة تَعَدَّدَتْ- أَنْ تَكُون الْقِصَّة الَّتِي ذَكَرَهَا اِبْن عَبَّاس أَتْلَفَ فِيهَا اللَّحْم لِكَوْنِهِ كَانَ قُطِعَ لِلطَّبْخِ، وَالْقِصَّة الَّتِي فِي حَدِيث رَافِع طُبِخَتْ الشِّيَاه صِحَاحًا مَثَلًا، فَلَمَّا أُرِيقَ مَرَقهَا ضُمَّتْ إِلَى الْمَغْنَم لِتُقْسَم ثُمَّ يَطْبُخهَا مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمه، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ النُّكْتَة فِي اِنْحِطَاط قِيمَة الشِّيَاه عَنْ الْعَادَة. وَاَللَّه أَعْلَم.
قَوْله: (أَوَابِد) جَمْع آبِدَة بِالْمَدِّ وَكَسْر الْمُوَحَّدَة أَيْ غَرِيبَة. يُقَال: جَاءَ فُلَان بِآبِدَةٍ أَيْ بِكَلِمَةٍ أَوْ فَعْلَة مُنَفِّرَة، يُقَال: أَبَدَتْ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة تَابُد بِضَمِّهَا -وَيَجُوز الْكَسْر- أُبُودًا، وَيُقَال: تَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ، وَالْمُرَاد أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا.
وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ تَحْرِيم التَّصَرُّف فِي الْأَمْوَال الْمُشْتَرَكَة مِنْ غَيْر إِذْن وَلَوْ قُلْت وَلَوْ وَقَعَ الِاحْتِيَاج إِلَيْهَا، وَفِيهِ: اِنْقِيَاد الصَّحَابَة لِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فِي تَرْك مَا بِهِمْ إِلَيْهِ الْحَاجَة الشَّدِيدَة. وَفِيهِ: أَنَّ لِلْإِمَامِ عُقُوبَة الرَّعِيَّة بِمَا فِيهِ إِتْلَاف مَنْفَعَة وَنَحْوهَا إِذَا غَلَبَتْ الْمَصْلَحَة الشَّرْعِيَّة، وَأَنَّ قِسْمَة الْغَنِيمَة يَجُوز فِيهَا التَّعْدِيل وَالتَّقْوِيم، وَلَا يُشْتَرَط قِسْمَة كُلّ شَيْء مِنْهَا عَلَى حِدَة انتهى من الفتح باختصار.
——