148 جامع الأجوبة الفقهية ص 189
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
مسألة: تعميم العضو
يعني هل يبطل الوضوء بترك موضع لم يصبه الماء.
جاءت نصوص كثيرة من السنة النبوية بالأمر بإسباغ الوضوء، وإكماله وإتقانه، فإذا غسل المتوضئ جزءًا من العضو الواجبِ غسلُه في الوضوء وترك جزءًا من العضو، فإن وضوؤه يكون باطلاً غير مجزئ، لدلالة النصوص على ذلك واجماع أهل العلم.
ومما يستدل به على ذلك عدة أحاديث منها:
– الحديث الأول: حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه، فأبصره النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: “ارجع فأحسن وضوءك”، قال: فرجع، ثم صلى”
اخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة، برقم (243).
– وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر على هذا الرجل الذي ترك جزءًا من قدمه لم يغسله، مما يدل على وجوب الإسباغ، وعدم ترك أي جزء مما يجب غسله.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على مسلم (3/ 132):
وفي هذا الحديث دليل على أن من ترك شيئا من أعضاء طهارته جاهلا لم تصح طهارته. انتهى
وقال صاحب إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 40):
في هذا الحديث دليل على استيعاب الأعضاء وغسل الرجلين، وأن تارك بعض وضوئه جهلا أو عمدا يستأنفه. انتهى
– الحديث الثاني: عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما؛ قال: رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتى إذا كنا بماء بالطريق، تعجل قوم عند العصر، فتوضئوا وهم عجال، فانتهينا إليهم، وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء”. اخرجه مسلم في صحيحه برقم (241)
– وجه الدلالة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنكر على هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم ممن لم يعمموا غسل أرجلهم بالماء، بل توعدهم بالنار، وامرهم بإسباغ الوضوء.
قال الإمام النووي رحمه الله في الإيجاز في شرح سنن أبي داود (ص: 383):
معنى: “أسبغوا الوضوء”: عمموه لجميع أجزاء الأعضاء.
وفيه: وجوب غسل الرجلين، وأنه يجب غسل جميع أجزاء الأعضاء، حتى لو بقي جزء لطيف من عضو لم يصح وضوؤه. انتهى
– ونقل بعض أهل العلم الإجماع على بطلان وضوء من ترك موضع لم يصبه الماء:
1 – قال إمام الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار (1/ 31): “فكلٌ قد أجمع أن ما وجب غسله من ذلك؛ فلا بد من غسله كله، ولا يجزئ غسل بعضه دون بعض”. انتهى
2 – قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على مسلم (3/ 132): “من ترك جزءا يسيرا مما يجب تطهيره لا تصح طهارته وهذا متفق عليه”. انتهى
– ويقول ابن حزم رحمه الله في كتابه المحلى بالآثار (1/ 310):
“ومن ترك مما يلزمه غسله في الوضوء أو الغسل الواجب ولو قدر شعرة عمدا أو نسيانا، لم تجزه الصلاة بذلك الغسل والوضوء حتى يوعبه كله، لأنه لم يصل بالطهارة التي أمر بها، وقال – عليه السلام – «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”. انتهى
– كذلك جاء في مسائل حرب الكرماني كتاب الطهارة (ص: 252):
“وسمعت إسحاق بن إبراهيم يقول -بالفارسية-: لو بقي من موضع الوضوء قدر رأس الإبرة لم يصبه، كان عليه أن يعيد”. انتهى
– قال الشيخ البسام رحمه الله في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 248):
* ما يؤخذ من الحديث: ” وجوب تعميم أعضاء الوضوء، وأنَّ ترك شيء من العضو -ولو قليلًا- لا يصحُّ معه الوضوء”. انتهى
– وتكلم بعض أهل العلم عن وجوب الاسباغ في الوضوء لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن معنى الإسباغ هو تعميم العضو بالماء، وعليه فمن لم يُسبغ الوضوء، لم يعمم العضو الواجب غسله في الوضوء وبالتالي لا يصح وضوئه ويدل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما المتقدم “”ويل للأعقاب من النار، أسبغوا الوضوء”.
– قال ابن قدامة في المغني (1/ 164):
“الإسباغ أن يعم جميع الأعضاء بالماء بحيث يجري عليها؛ لأن هذا هو الغسل، وقد أمرنا بالغسل: قال أحمد: إنما هو الغسل ليس المسح”. انتهى
– وجاء في الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل (1/ 49):
“والإسباغ تعميم العضو بالماء فإن مسحه أو أمر الثلج عليه لم تحصل الطهارة به وإن ابتل به العضو إلا أن يكون خفيفا فيذوب ويجرى على العضو” انتهى
– يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في الملخص الفقهي (1/ 50):
“ثم اعلم أيها المسلم: أنه ليس معنى إسباغ الوضوء كثرة صب الماء، بل معناه تعميم العضو بجريان الماء عليه كله، وأما كثرة صب الماء؛ فهذا إسراف منهي عنه، بل قد يكثر صب الماء ولا يتطهر الطهارة الواجبة، وإذا حصل إسباغ الوضوء مع تقليل الماء؛ فهذا هو المشروع”. انتهى
– وجاء في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (1/ 71):
” (قوله: لمنعهما الإسباغ) أي كماله فإن ما يمنع أصل الإسباغ لا تصح الطهارة به لعدم تعميم العضو بالماء” انتهى
– وفي عون المعبود (1/ 118):
(أسبغوا الوضوء) أي أكملوه وأتموه ولا تتركوا أعضاء الوضوء غير مغسولة والمراد بالإسباغ ها هنا إكمال الوضوء وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه وهذا فرض، والإسباغ الذي هو التثليث سنة والإسباغ الذي هو التسييل شرط والإسباغ الذي هو إكثار الماء من غير إسراف الماء فضيلة وبكل هذا يفسر الإسباغ باختلاف المقامات كذا في اللمعات. انتهى
– وهنا مسألة: حكم الحائل اليسير الذي يمنع وصول الماء إلى جميع اجزاء العضو.
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
– الأول: وهو عدم العفو مطلقاً، لأن الأصل هو وجوب غسل جميع العضو، وهذا قول الجمهور.
– الثاني: يعفى عن الوسخ اليسير تحت الظفر خاصة، واستدل بمشقة الاحتراز وعموم البلوى، روي هذا القول عن أبي حنيفة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وألحق به كل وسخ يسير حيث كان من البدن، واستدل بالقياس على ما تحت الظفر.
– قال في شرح الإقناع (1/ 97):
“ولا يضر وسخ يسير تحتها، ولو منع من وصول الماء لأنه مما يكثر وقوعه عادة فلو لم يصح الوضوء معه لبينه النبي – صلى الله عليه وسلم – لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وألحق الشيخ به أي بالوسخ اليسير تحت الأظفار كل يسير منع وصول الماء حيث كان أي وجد من البدن، كدم وعجين ونحوهما، واختاره قياسا على ما تحت الظفر وعبارة المنتهى وغيره تحت ظفر ونحوه. انتهى
– قال الإمام الصنعاني في سبل السلام (1/ 78):
” أخرج أبو داود من طريق خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – «رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يعيد الوضوء والصلاة» قال أحمد بن حنبل لما سئل عن إسناده، جيد؟: نعم. وهو دليل على وجوب استيعاب أعضاء الوضوء بالماء نصا في الرجل، وقياسا في غيرها. وقد ثبت حديث: «ويل للأعقاب من النار» قاله – صلى الله عليه وسلم – في جماعة لم يمس أعقابهم الماء، وإلى هذا ذهب الجمهور. وروي عن أبي حنيفة قال: إنه يعفى عن نصف العضو، أو ربعه، أو أقل من الدرهم، روايات حكيت عنه”. انتهى
والله أعلم.
وسبق الكلام على الوسخ اليسير تحت مسألة: إذا كان تحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء إلى ما تحته.