1477 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة إبراهيم البلوشي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
—————
الصحيح المسند
1477 عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعلكم تقرءون خلف الإمام والإمام يقرأ. قالوا : إنا لنفعل ذلك. قال : فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأم الكتاب أو قال : فاتحة الكتاب.
————-
قال الشوكاني في نيل الأوطار في شرحه لحديث عبادة رضي الله عنه :
٦٩٨ – (وَعَنْ عُبَادَةَ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: «إنِّي أَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ» ، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْ وَاَللَّهِ، قَالَ «لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ: «فَلَا تَقْرَءُوا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِهِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ).
٦٩٩ – (وَعَنْ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ. «لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ) .
. وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحِلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ خَلْفَ الْإِمَامِ سِرًّا وَالْمُنَازَعَةُ إنَّمَا تَكُونُ مَعَ جَهْرِ الْمُؤْتَمِّ لَا مَعَ إسْرَارِهِ.
وَأَيْضًا لَوْ سَلِمَ دُخُولُ ذَلِكَ فِي الْمُنَازَعَةِ كَانَ هَذَا الِاسْتِفْهَامُ الَّذِي لِلْإِنْكَارِ عَامًّا لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ أَوْ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِهِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ خَاصًّا وَمُقَيَّدًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَصَحَّحَهُ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْجَهْرِ خَلْفَهُ، وَلَكِنَّهُ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَتَقْرَءُونَ فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ؟ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ» وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ ” مِنْ الْقُرْآنِ ” يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاسْتِفْتَاحِ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ بِمَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَالتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ….
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَتَوَجَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ التَّوَجُّهَاتِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ لَا يَتَوَجَّهُ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ لِأَنَّ عُمُومَاتِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالتَّوَجُّهِ حَالَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْقُرْآنِ غَيْرَ مُنْصِتٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَالِيًا لِلْقُرْآنِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْصِيصَ مِثْلِ هَذَا الْعُمُومِ بِمِثْلِ هَذَا الْمَفْهُومِ أَعْنِي مَفْهُومَ قَوْلِهِ مِنْ الْقُرْآنِ، هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي الْمَقَامِ.
فَائِدَةٌ: قَدْ عَرَفْت مِمَّا سَلَفَ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَرَّفْنَاك أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَوْ رَكْعَةٌ مِنْ الرَّكَعَاتِ بِدُونِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إقَامَةِ بُرْهَانٍ يُخَصِّصُ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ
وَمِنْ هَهُنَا يَتَبَيَّنُ لَك ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنْ الْقِرَاءَةِ .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بحَدِيثُ: ” مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ” بِأَلْفَاظٍ لَا تَخْلُو طُرُقُهَا عَنْ مَقَالٍ حَتَّى قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ: لَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، إنَّمَا الْمَتْنُ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا» وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ» وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِمَطْلُوبِهِمْ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ جَمِيعُ أَذْكَارِهَا وَأَرْكَانِهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ، وَهُمَا مُقَدَّمَتَانِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فَلَا يَصِحُّ جَعْلُ حَدِيثِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَمَا قَبْلَهُ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ.
فَإِنْ قُلْت: فَأَيُّ فَائِدَةٍ عَلَى هَذَا فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ: ” قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ ” قُلْت: دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغَهُ مِنْهَا غَيْرُ مُدْرِكٍ، إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا عَلِمْت أَنَّ الْوَاجِبَ الْحَمْلُ عَلَى الْإِدْرَاكِ الْكَامِلِ لِلرَّكْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْبَرَاءَةُ مِنْ عُهْدَةِ أَدِلَّةِ وُجُوبِ الْقِيَامِ الْقَطْعِيَّةِ وَأَدِلَّةِ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الضُّبَعِيُّ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ فِيهِ حَاكِيًا عَمَّنْ رَوَى عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ وَلْيُعِدْ الرَّكْعَةَ» وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: ” إنْ أَدْرَكْت الْقَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ” قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَا أَصْلَ لَهُ، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ: إنَّ أَبَا عَاصِمٍ الْعَبَّادِيَّ حَكَى عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ، وَقَدْ حَكَى هَذَا الْمَذْهَبَ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَحَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُقْبِلِيُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قَالَ: وَقَدْ بَحَثْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَحَطْتهَا فِي جَمِيعِ بَحْثِي فِقْهًا وَحَدِيثًا فَلَمْ أَحْصُلْ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْت، يَعْنِي مِنْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ فَقَطْ.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ السُّبْكِيّ: أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ مَنْ لَا يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ مَا لَفْظُهُ: وَهُوَ الَّذِي يَخْتَارُهُ اهـ.
فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ وَالْمُخَالِفُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ. وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حَيْثُ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مَخَافَةَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ فَقَالَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَلَمْ يُؤْمَرْ بِإِعَادَةِ الرَّكْعَةِ، فَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ اعْتَدَّ بِهَا.
وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْحِرْصِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاعْتِدَادَ بِهَا لِأَنَّ الْكَوْنَ مَعَ الْإِمَامِ مَأْمُورٌ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمُؤْتَمُّ مُعْتَدًّا بِهِ أَمْ لَا، كَمَا فِي حَدِيثِهِ «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَدْ نَهَى أَبَا بَكْرَةَ عَنْ الْعَوْدِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَالِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ. وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، فَقَالَ: إنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اجْتِزَاءٌ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ
ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ مِنْ إدْرَاكِ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ بِحَدِيثِ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» ثُمَّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَوْتِ الرَّكْعَةِ وَالرُّكْنِ وَالذِّكْرِ الْمَفْرُوضِ، لِأَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ انْتَهَى
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَنْهَضَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الْمَقَامِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَئِذٍ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ لِقَوْلِهِ فِيهِ «قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ» كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ ذِكْرَ الرَّكْعَةِ فِيهِ مُنَافٍ لِمَطْلُوبِهِمْ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ الَّذِي عَوَّلُوا عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْمَذْهَبِ الثَّانِي كَمَا عَرَفْت .
وَقَدْ أَلَّفَ السَّيِّدُ الْعَلَامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ رِسَالَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَرَجَّحَ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ كَتَبْت أَبْحَاثًا فِي الْجَوَابِ عَلَيْهَا
………………………………………………
وأما ما :
٧٠٠ – (َرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ.» وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضِعَافٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ) .
٧٠١ – (وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: أَيُّكُمْ قَرَأَ – أَوْ – أَيُّكُمْ الْقَارِئُ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا، فَقَالَ: لَقَدْ ظَنَنْت أَنَّ بَعْضَكُمْ خَالَجَنِيهَا.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ عَامٌّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ وَهُوَ مِنْ صِيَغَ الْعُمُومِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الْمُتَقَدِّمُ خَاصٌّ فَلَا مُعَارَضَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
قال ابن باز في سؤال وجه له عن قراءة الفاتحة :
: نعم، يقرأ المأموم الفاتحة وإن كان الإمام يقرأ لأنه مأمور بذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» .
مجموع فتاوى ابن باز
……………………………………….
وقال ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام :
والراجح عندي: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الأمام، والمأموم، والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، إلا المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الحال، ويدل لذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا صلاة لمن يقرأ بفاتحة )
فإن قيل: إذ كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ، فقال: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها))
* *
قال المناوي في فيض القدير :
٨٩٧٢ – (من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) أخذ بظاهره أبو حنيفة فلم يوجب قراءة الفاتحة على المقتدي قالوا: وبه يخص عموم قوله تعالى {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} وخبر لا صلاة إلا بقراءة والأئمة الثلاثة على الوجوب لأن الحديث ضعيف من سائر طرقه
قال ابن قاسم العبادي في حاشيته على المنهج :ويدل على وجوبها على المأموم حديث عبادة بن الصامت قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فثقلت عليه القراءة فلما فرغ قال: لعلكم تقرؤون خلفي قلنا: نعم قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فما ورد أن قراءة الإمام قراءة المأموم يحمل على السورة جمعا بينهما وخبر من صلى خلف إمام فقراءة الإمام له قراءة ضعيف عند الحافظ كما بينه الدارقطني
……………………………………………
قال ابن القيم في حاشيتة :
وَكَانُوا يُلْبِسُونَ عَلَيْهِ قِرَاءَتَهُ بِالْجَهْرِ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ (لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَلْفِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ خَافَتَ بِهَا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا طَعْنَ فِيهِ .
قُلْتُ : الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا أَسَرَّ وَفِيمَا جَهَرَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولُ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمَا لَا أُحْصِي مِنَ التَّابِعِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَإِنْ جَهَرَ
انْتَهَى
وَقَالَ فِيهِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ
قُلْتُ وَإِنْ قَرَأْتَ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ قَرَأْتُ وَكَذَلِكَ قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعُبَادَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وعدة من أصحاب النبي نَحْوَ ذَلِكَ
انْتَهَى
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِذْنُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنَ النَّهْيِ عَنِ الجهر خلفه ولكنه أخرج بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله أتقرؤن فِي صَلَاتِكُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مُرْسَلًا
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قُلْتُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صلى بِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أقبل عليهم بوجهه فقال أتقرؤن فِي صَلَاتِكُمْ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ فَسَكَتُوا فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ قَائِلٌ أَوْ قَائِلُونَ إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ في نفسه قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ القراءة وصححه وبن حبان والبيهقي من طريق بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَادَةَ وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَكْحُولٍ
وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رجل من أصحاب النبي قال قال رسول الله لعلكم تقرؤون وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ قَالُوا إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ لَا إِلَّا بِأَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
قَالَ الحافظ إسناده حسن ورواه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ وَزَعَمَ أَنَّ الطَّرِيقَتَيْنِ مَحْفُوظَتَانِ وَخَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ إِنَّ طَرِيقَ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فَذَهَبَتْ مَظِنَّةُ تَدْلِيسِهِ وَتَابَعَهُ مَنْ تَقَدَّمَ
كَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ
فَائِدَةٌ قَدِ اخْتَلَفَتِ الشَّافِعِيَّةُ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ هَلْ تَكُونُ عِنْدَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ أَوْ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا تُقْرَأُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ وَفِعْلُهَا حَالَ سُكُوتِ الْإِمَامِ إِنْ أَمْكَنَ أَحْوَطُ لِأَنَّهُ يَكُونُ فَاعِلَ ذَلِكَ أَخْذًا بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا اعْتِيَادُ قِرَاءَتِهَا حَالَ قِرَاءَتِهِ لِلسُّورَةِ فَقَطْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ بَلِ الْكُلُّ جَائِزٌ وَسُنَّةٌ .
نَعَمْ حَالُ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ مُنَاسِبٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إِلَى تَأْخِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ عَنْ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ بَعْدَ التَّوَجُّهِ أَوْ تَكْرِيرِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إِنْ فَعَلَهَا فِي مَحَلِّهَا أَوَّلًا وَأَخَّرَ الْفَاتِحَةَ إِلَى حَالِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلسُّورَةِ وَمِنْ جِهَةِ الِاكْتِفَاءِ بِالتَّأْمِينِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ فَرَاغِهِ وَفَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إِنْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي التَّمَامِ بِخِلَافِ مَنْ أَخَّرَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ إِلَى حَالِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِلسُّورَةِ
كَذَا فِي النيل
………………………………………….
شرح سنن ابي داوود للعباد
شرح حديث (أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر)
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب]،
معنى الترجمة: (باب حكم من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب) والحكم أن صلاته غير صحيحة؛ للأحاديث الكثيرة التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة…
، والقول الذي تدل عليه الأحاديث هو القول بوجوب القراءة خلف الإمام، سواء أكان في صلاة جهرية أم في صلاة سرية، وإذا تمكن من أن يأتي بها في سكتة الإمام إذا سكت في قراءته دعاء الاستفتاح، وإلا فإنه يقرأ بها والإمام يقرأ السورة؛ لأن قراءة الفاتحة مطلوبة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن القراءة إلا بفاتحة الكتاب.
…………………………………………..
تيسير العلام شرح عمدة الأحكام
بحديث “من صلى خلف إمام، فقراءة الإمام قراءة له” وقوله تعالى: {وإذَا قُرئ القرآن فَاستِمعوا لَهُ وأنصِتُوا} وحديث “إذا قَرَأ فأنصِتوا”..
ما يؤخذ من الحديث:
١- وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة، وأنه لا يجزىء غيرها مع القدرة عليها.
٢- بطلان الصلاة بتركها من المتعمد والجاهل والناسي، لأنها ركن، والأركان لا تسقط مطلقاً.
٣- لكن تقدم أن الصحيح من الأقوال الثلاثة، أنها تجب على المأموم في الصلاة السرية، وتسقط عنه في الجهرية لسماع قراءة الإمام.
……………………………………..
شرح جامع الترمذي – الراجحي
حكم قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة
السؤال
هل قراءة الإمام قراءة للمأموم؟
الجواب
الفاتحة مستثناة من قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤]، وفي الحديث: (وإذا قرأ فأنصتوا)؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
فتاوى اللجنة الدائمة :
س٢: هل على المأموم قراءة خلف الإمام؟
ج٢: تجب قراءة الفاتحة على المصلي سواء كان إماما أو منفردا أو مأموما وسواء كانت الصلاة سرية أم جهرية، نفلا أم فرضا، سمع المأموم فيها قراءة إمامه أم لم يسمعها في أرجح أقوال العلماء لعموم حديث عبادة بن الصامت كل هذه الأحوال، وروى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن » أخرجه بهذا اللفظ أحمد ٥ / ٣٢٢، ومسلم ١ / ٢٩٥ برقم (٣٩٤، – ٣٥، ٣٦-)
فنفى يقرأ بفاتحة الكتاب عموما ولم يخص منها حالا من أحوال المصلي دون حال والنفي إذا ورد في نصوص الشرع المطهر اتجه إلى الحقيقة الشرعية لا إلى كمالها إلا بدليل، ولا دليل يصرف عنها على الصحيح من أقوال العلماء.
وما استدل به الحنفية على أن المأموم لا يقرأ بفاتحة الكتاب من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام قراءة له (١) » فضعيف قال ابن حجر في التلخيص: إنه مشهور من حديث جابر وله طرق عن جماعة من الصحابة كلها معلولة ولو صح لكان مخصصا بما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت أنه صلى خلف ابن أبي نعيم وأبو نعيم يجهر بالقراءة فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن فلما انصرفوا من الصلاة قال لعبادة بعض من سمعه يقرأ: سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر قال: أجل «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة قال فالتبست عليه القراءة فلما فرغ أقبل علينا بوجهه فقال: هل تقرؤن إذا جهرت بالقراءة، فقال بعضنا نعم إننا نصنع ذلك، قال: فلا وأنا أقول: مالي أنازع القرآن فلا تقرأوا بشيء إذا جهرت إلا بأم القرآن » فهذا عبادة راوي الحديث قرأ بها خلف الإمام لأنه فهم من كلامه صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ بها خلف الإمام والإمام يجهر بالقراءة. وكذلك العموم في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «وإذا قرأ فأنصتوا » يخصص بما رواه أبو داود عن عبادة بن الصامت المتقدم فإنه نص في قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة الجهرية والقاعدة أن الخاص إذا عارضه العام حمل العام على الخاص وخصص به جمعا بين الدليلين، وإعمالا لهما بدلا من إلغاء أحدهما، وروى مسلم وأبو داود أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج فهي خداج فهي خداج غير تمام » قال له السائب مولى هشام بن زهرة: يا أبا هريرة إني أكون أحيانا وراء الإمام فغمز ذراعه وقال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك. فدل جواب أبي هريرة للسائب راوي الحديث عنه على أنه فهم من الحديث قراءة المأموم لها في الصلاة لكنه رأى أن يكون ذلك سرا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن قعود … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
………………………………………….
ثانيا : أما الشيخ الألباني رحمه الله ، فإنه يرى
أن القراءة خلف الإمام منسوخة ، واستدل على ذلك بما رواه أبو داود (826) ، والترمذي (332) ، وأحمد (7270) ، عن أبي هريرة قَالَ: ( إِنِّي أَقُولُ مَالِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ؟ ) ، قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
غير أن العلماء بينوا أن قوله في الحديث : ”
فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ … إلخ” ليس من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ، وإنما هو من كلام ابن شهاب الزهري رحمه الله ، فلا يكون فيه حجة حينئذ .
قال أبو داود بعد روايته للحديث : “سَمِعْت
مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: “فَانْتَهَى النَّاسُ” مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ ” .
وهكذا قال الترمذي أيضا : ” وَرَوَى بَعْضُ
أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الحَدِيثَ، وَذَكَرُوا هَذَا الحَرْفَ: قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: “فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ القِرَاءَةِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” .
قال البيهقي في “السنن” (2/ 226):حَفِظَ الْأَوْزَاعِيُّ كَوْنَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ، فَفَصَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ ”
وقال ابن عبد البر رحمه الله :” وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : ” فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ ” إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ : فَأَكْثَرُ رُوَاةِ ابن شهاب عنه لهذا الحديث يجعلونه من كلام ابن شِهَابٍ ” انتهى من”الاستذكار” (1/ 464).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :” قَوْلُهُ : ”
فَانْتَهَى النَّاسُ ” إلَى آخِرِهِ ، مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ ، بَيَّنَهُ الْخَطِيبُ ، وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ـ فِي التَّارِيخِ ـ وَأَبُو دَاوُد وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالذُّهْلِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ ” . انتهى من “التلخيص الحبير” (1/ 565) .
قال ابْن الْمُلَقِّنِ رحمه الله :” قَوْلهُ: ” فَانْتَهَى
النَّاسُ” إِلَخْ ، هُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ لَا مَرْفُوعًا، قَالَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَالذَّهَبِيُّ ، وَابْنُ فَارِسٍ ، وَأَبُو دَاوُدَ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمُ ” انتهى من “مرقاة المفاتيح” (2/ 701) .
ومما يدل على أن هذا الكلام ليس من قول
أبي هريرة رضي الله عنه ، أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يأمر بقراءة الفاتحة خلف الإمام .
قال البيهقي في “المعرفة” (3/ 77) :” كَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا خَافَتَ ؟ ” انتهى .
وقد روى النسائي في “الكبرى” (2895) حديث أبي هريرة هذا وضعفه قائلا :” فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ راويه : ابْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ رَآهُ يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ . وقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ: هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُهُ قَطُّ .
قَالَ النسائي : فِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي السَّائِبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ) فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: إِنِّي أَكُونُ أَحْيَانًا وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ: فَغَمَزَ ذِرَاعِي وَقَالَ: ” يَا فَارِسِيُّ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ” وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الْحَدِيثَيْنِ، وهذا دَلِيلٌ عَلَى ضِعْفِ رِوَايَةِ ابْنِ أُكَيْمَةَ ، أَوْ أَرَادَ بِمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ الْمَنْعَ عَنِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، أَوِ الْمَنْعَ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ ” انتهى .
فالحاصل : أن الصحيح أن هذا الكلام مدرج
من كلام الزهري ، وليس من كلام أبي هريرة رضي الله عنه .
وعلى فرض أنه صحيح من قول أبي هريرة ،
فالمراد به : النهي عن الجهر بالقراءة خلف الإمام ، أو النهي عن قراءة سورة بعد الفاتحة ، أو نحو ذلك . وأما المنع من قراءة الفاتحة ، والقول بأنه منسوخ – فقد تبين ما فيه ، وعدم صحة الأصل الذي بني عليه .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ” وأما
حديث أبي هريرة الذي في السنن أيضا وفيه أنه قال .. : ( فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به النبي صلى الله عليه وسلم ) ؛ فالمراد بالقراءة التي انتهى الناس عنها : هي قراءة غير الفاتحة؛ لأنه لا يمكن أن ينتهوا عن قراءة سورة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها). ولهذا كان الصواب أن قول من ادعى أنه منسوخ، أي أن القراءة خلف الإمام الذي يجهر منسوخة . قوله هذا ليس بصواب ؛ لأنه لا يمكن ادعاء النسخ مع إمكان الجمع ، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع بطريق التخصيص ، فإنه لا يصار إلى النسخ ” .انتهى من “مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (13/ 131)
موقع الشيخ ربيع بن هادي المدخلي
ما حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية؟
الجواب
هذه مسألة مختلف فيها، والذي رجحه البخاري وغيره أن المأموم يقرؤها وراء الإمام، فقط، يعني القراءة ممنوعة لغير الفاتحة، فالحديث، حديث عبادة بن الصامت: “لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب”، وحديث أبي هريرة: “كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج خداج”، الخداج هو السقط، يعني يسقط ميتا، لا نفع فيه، هذه صلاة ميتة لا نفع فيها، هذا يدل على أهمية قراءة الفاتحة وأنها على المأموم والإمام والمنفرد، ولما سئل أبو هريرة – وهو راوي الحديث-، وفقهه مقدم على فقه الآخرين، رضي الله عنه، قال له: “اقرأ بها في نفسك يا فارسي”، قال له: أقرؤها وراء الإمام، قال: ” اقرأ بها في نفسك يا فارسي”، فيقرأ بها الإنسان في نفسه لا يشوش على الآخرين، يقرؤها وراء الإمام في الجهرية وفي السرية، وقد ألف الإمام البخاري في هذا جزء سماه: “القراءة خلف الإمام” وساق أدلة منها حديث عبادة بن الصامت، وألف البيهقي في ذلك كتابا أيضا جزء في القراءة خلف الإمام
…………………………………..