1476 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالحميد. وفيصل الشامسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
الصحيح المسند
1476 عن مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان بالكوفة أمير قال: فخطب يوما فقال: إن في إعطاء هذا للمال فتنة، وفي إمساكه فتنة، وبذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم. في خطبته حتى فرغ، ثم نزل.
هذا حديث صحيح
——–
الفتنة فِي الأَصْل الاختبار، ثمَّ يُقَال لمن ” وَقع فِيمَا يُخَالف الاختبار لأَجله: قد فتن، فَيحْتَمل قَوْله: ” أعوذ بك من فتْنَة الْغنى والفقر ” أَن يكون بِمَعْنى الاختبار وَبِمَعْنى الافتتان.
وَأما فتْنَة النَّار فَهِيَ الإحراق، كَقَوْلِه تَعَالَى {يَوْم هم على النَّار يفتنون} [الذاريات: (13)].
وراجع كشف المشكل
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: (15)]
(فتنة) سبب للوقوع في الفتنة وهي الميل عن الحق أو المحنة والابتلاء.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الجبن والبخل وفتنة الغنى والفقر والعجز والكسل:
لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات والقيام بحقوق الله تعالى وإزالته المنكر والإغلاظ على العصاة ولأنه بشجاعة النفس وقوتها المعتدلة تتم العبادات ويقوم بنصر المظلوم والجهاد وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق ويمتنع من الطمع فيما ليس له]
واستعاذته من فتنة الغنى وفتنة الفقر لأنهما حالتان يخشى الفتنة معهما بالسخط وقلة الصبر، والوقوع بالضرورة فيما لا يحل عند الحاجة، [وبالعجب] والأشر والبطر، والبخل بحق المال عند الغنى، وإنفاقه فى الإسراف وما لا يحل.
والكسل: عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة فيه، مع إمكان فعله. والعجز: عدم القدرة على فعله. *قال الخطابى*: استعاذة النبى من الفقر أى يعنى به فقر النفس، وقد يكون استعاذته من سوء احتماله، وقلة الرضا به. والفقر المستعاذ منه: هو ما يخشى من فتنته وهو المذموم، وأما الاستعاذة منه خوف انحطاط القدر فمذموم، وقد جاءت أحاديث بفضل الفقر [وأخر بذمه، فمحملها على ما ذكرناه، ويدل عليه قوله: ” من [شر] فتنة الفقر “].
اكمال المعلم بفوائد مسلم
فِتْنَةَ السَّرَّاءِ أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الضَّرَّاءِ.
كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا. وَابْتُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ. وَفِي الْحَدِيثِ {أَعُوذ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ. وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى}. وَالْفَقْرُ: يَصْلُحُ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَالْغِنَى: لَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ إلَّا أَقَلُّ مِنْهُمْ. وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ الْمَسَاكِينُ. لِأَنَّ فِتْنَةَ الْفَقْرِ أَهْوَنُ وَكِلَاهُمَا يَحْتَاجُ إلَى الصَّبْرِ وَالشُّكْرِ. لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي السَّرَّاءِ: اللَّذَّةُ. وَفِي الضَّرَّاءِ: الْأَلَمُ. اشْتَهَرَ ذِكْرُ الشُّكْرِ فِي السَّرَّاءِ وَالصَّبْرِ فِي الضَّرَّاءِ. قَالَ تَعَالَى {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} {إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} وَلِأَنَّ صَاحِبَ السَّرَّاءِ: أَحْوَجُ إلَى الشُّكْرِ وَصَاحِبَ الضَّرَّاءِ: أَحْوَجُ إلَى الصَّبْرِ. فَإِنَّ صَبْرَ هَذَا وَشُكْرَ هَذَا: وَاجِبٌ. إذَا تَرَكَهُ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ. وَأَمَّا صَبْرُ صَاحِبِ السَّرَّاءِ: فَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا إذَا كَانَ عَنْ فُضُولِ الشَّهَوَاتِ. وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَلَكِنْ لِإِتْيَانِهِ بِالشُّكْرِ – الَّذِي هُوَ حَسَنَاتٌ – يَغْفِرُ لَهُ مَا يَغْفِرُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الضَّرَّاءِ: لَا يَكُونُ الشُّكْرُ فِي حَقِّهِ مُسْتَحَبًّا إذَا كَانَ شُكْرًا يَصِيرُ بِهِ مِنْ السَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ. وَقَدْ يَكُونُ تَقْصِيرُهُ فِي الشُّكْرِ: مِمَّا يَغْفِرُ لَهُ لِمَا يَاتِي بِهِ مِنْ الصَّبْرِ. فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الشُّكْرِ وَالصَّبْرِ جَمِيعًا: يَكُونُ مَعَ تَأَلُّمِ النَّفْسِ وَتَلَذُّذِهَا يَصْبِرُ عَلَى الْأَلَمِ وَيَشْكُرُ عَلَى النِّعَمِ. وَهَذَا حَالٌ يَعْسُرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ.
مجموع الفتاوى
======
قلت سيف:
ذكرنا في:
مختلف حديث 72
كيف التوفيق بين حديث (اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا)
وبين حديث (نعم المال الصالح للرجل الصالح)
جواب سيف بن دورة الكعبي:
التكاثر هو انشغال القلب بالزائد عن حد الاعتدال بالدنيا وركونه إليها
فعَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ، قَالَ: يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ. رواه مسلم.
قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، وإنما يقصد به التوسل إلى طاعة الله، من صلة الإخوان والتعفف عن وجوه الناس، هو أفضل من التفرغ للعبادة من الصلاة والصوم والحج؛، لقوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس أنفعهم للناس، ولهذا كان الاشتغال بطلب العلم أفضل من التفرغ للعبادة؛ لأن منفعة ذلك أعم. انتهى.
قال الألباني في بعض دروسه:
ورد في الحديث: (ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى عليكم التكاثر) كأنه يقول لهم: لا تكونوا من عامة الناس، الذين يلهيهم التكاثر حتى يزوروا المقابر -حتى يموتوا- فلا ينفعهم إن ماتوا مالهم، كما مر معنا في أحاديث كثيرة: إن المسلم أو المرء إذا مات يتبعه ثلاثة: أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى معه عمله ….
وقد سبق أن ذكرنا أن المال فتنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال) فهذا الشطر الأول من الحديث، وهو كما قلنا مشتق من هذه الآية الكريمة: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1].انتهى
قال العقيلي: لا أصل له، وله طرق لا يصلح منها شئ.
قال ابن بطال في شرح البخاري:
لم يأت فى الحديث، فيما علمنا، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يدعو على نفسه بالفقر، ولا يدعو بذلك على أحد يريد به الخير، بل كان يدعو بالكفاف ويستعيذ بالله من شر فتنة الفقر وفتنة الغنى، ولم يكن يدعو بالغنى إلا بشريطة يذكرها فى دعائه. فأما ما روى عنه أنه كان يقول: (اللهم أحينى مسكينا وأمتنى مسكينا، واحشرنى فى زمرة المساكين). فإن ثبت فى النقل فمعناه ألا يجاوز به الكفاف، أو يريد به الاستكانة إلى الله، ويدل على صحة هذا التأويل أنه ترك أموال بنى النضير وسهمه من فدك وخيبر، فغير جائز أن يظن به أن يدعو إلى الله ألا يكون بيده شاء، وهو يقدر على إزالته من يده بإنفاقه. وما روى عنه أنه قال: (اللهم من آمن بى وصدق ما جئت به، فأقلل له من المال والولد) ضعفه الألباني تحت حديث 1138 من الصحيحة
فلا يصح فى النقل ولا فى الاعتبار، ولو كان إنما دعا بذلك فى المال وحده لكان محتملا أن يدعو لهم بالكفاف، وأما دعاؤه بقلة الولد فكيف يدعو أن يقل المسلمون، وما يدفعه العيان مدفوع عنه (صلى الله عليه وسلم)، وأحاديثه لا تتناقض. كيف يذم معاوية، ويأمر أبا لبابة وسعدا أن يبقيا ما ذكر من المال ويقول: إنه خير، ثم يخالف ذلك، وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك وقال: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته).
قال ابن تيمية في الكلام عاى أيهما أفضل الغني الشاكر أم الفقير الصابر:
أنه ليس هذا أفضل من هذا مطلقا ولا هذا أفضل من هذا مطلقا بل أفضلهما أتقاهما.
جواب احمد بن علي:
قال الأثيوبي في الكوكب الساطع:
اختلف في الغنى والفقر أيهما أفضل , فقيل: الفقر مع الصبر أفضل , للحديث الصحيح: ((يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم , وهو خمسمائة سنة)).وقيل: الغنى مع الشكر أفضل , لحديث: ((ذهب أهل الدثور بالأجور .. )) , وحديث: ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) , وحديث مسلم: ((نعم المال الصالح للرجل الصالح)). وذهب آخرون إلى تفضيل الكفاف لحديث مسلم: ((قد أفلح من أسلم , ورزق كفافا , وقنعه الله بما رزقه)) , وحديثه أيضا ((اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا)) , وإلى هذا القول ذهب ابن بطال , والقرطبي , والنووي , وقال الناظم في ((شرحه)): هو المختار. وفسره النووي بأنه الكفاية بلا زيادة ولا نقصان. وفسره القرطبي: بأنه ما يكف عن الحاجات , ويدفع الضرورات , ولا يلحق بأهل الترفهات. قال: وهي حالة سليمة من الغنى المطغي
قال الطحاوي في مشكل الآثار:
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6056 من قوله لعمرو بن العاص: ” نعما بالمال الصالح للمرء الصالح ”
قال أبو جعفر: فقال قائل: ففي هذا الحديث ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكره به لعمرو، ليكون ذلك رغبة له فيها يبعثه عليه، وهذا ضد ما في الآثار. فكان جوابنا له في ذلك: أن هذا الحديث ليس بخلاف لما في الآثار الأول، وهو ما في حديث ابن مسعود: ” أو غنى عاجل “، وهذا على المال الذي يكون قواما له فيما هو بسبيله، وحقق ذلك بقوله: ” نعما المال الصالح للمرء الصالح “، والمال لا يكون صالحا، إلا وهو مفعول به ما أمر الله عز وجل بفعله فيه، ومن يفعل ذلك فيه بحق ملكه إياه، فهو صالح، فبان بحمد الله، ونعمته أن لا تضاد في شيء من ذلك، ولا اختلاف. اهـ
جاء في فتاوى نور على الدرب للعثيمين:
السائل أبو عبد الله يقول: أكثر الناس يحبون المال حباً شديداً، فهل يؤثر ذلك على عقيدتهم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن حب المال لا يؤثر على العقيدة ولا على الدين إذا لم يشغل عن واجب أو مستحب …. وحب المرء للمال أمر طبيعي، كما قال الله تبارك وتعالى: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). أي: لحب المال، كما قال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً). وإذا كانت محبة الإنسان المال من أجل أن ينميه ليعمل به عملاً صالحاً كان ذلك خيراً، فإنه نِعْمَ المال الصالح عند الرجل الصالح، وكم من أناس أغناهم الله فنفع الله تعالى بأموالهم: في الجهاد في سبيل الله، في نشر العلم، في إعانة الملهوف، إلى غير ذلك. اهـ
——–
جواب نورس:
[مُجَرَّدُ مَدْحِ تَرْكِ الدُّنْيَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في [مجموع الفتاوى ((148) / (20))]:
((الْمَحْمُودُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا هُوَ إرَادَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ.
وَالْمَذْمُومُ إنَّمَا هُوَ مَنْ تَرَكَ إرَادَةَ الدَّارِ الْآخِرَةِ وَاشْتَغَلَ بِإِرَادَةِ الدُّنْيَا عَنْهَا.
فَأَمَّا مُجَرَّدُ مَدْحِ تَرْكِ الدُّنْيَا فَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَلَا تَنْظُرْ إلَى كَثْرَةِ ذَمِّ النَّاسِ الدُّنْيَا ذَمًّا غَيْرَ دِينِيٍّ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَذُمُّونَهَا لِعَدَمِ حُصُولِ أَغْرَاضِهِمْ مِنْهَا!
فَإِنَّهَا لَمْ تَصْفُ لِأَحَدِ قَطُّ، وَلَوْ نَالَ مِنْهَا مَا عَسَاهُ أَنْ يَنَالَ، (وَمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ حِبْرَةً إلَّا امْتَلَأَتْ عِبْرَةً)!
فَالْعُقَلَاءُ يَذُمُّونَ الْجُهَّالَ الَّذِينَ يَرْكَنُونَ إلَيْهَا وَيَظُنُّونَ بَقَاءَ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ وَتَنَاوُلِ الشَّهَوَاتِ فِيهَا وَهُمْ مَعَ هَذَا يَحْتَاجُونَ إلَى مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ مِنْهَا، وَأَكْثَرُهُمْ طَالِبٌ لِمَا يَذُمُّهُ مِنْهَا!
وَهَؤُلَاءِ حَقِيقَةُ ذَمِّهِمْ لَهَا ذَمٌّ دُنْيَوِيٌّ لِمَا فِيهَا مِنْ الضَّرَرِ الدُّنْيَوِيِّ، كَمَا يَذُمُّ الْعُقَلَاءُ التِّجَارَةَ وَالصِّنَاعَةَ الَّتِي لَا رِبْحَ فِيهَا بَلْ فِيهَا تَعَبٌ، وَكَمَا تَذُمُّ مُعَاشَرَةَ مَنْ يَضُرُّك وَلَا يَنْفَعُك فِي التَّزْوِيجِ بِسَيِّئَةِ الْخُلُقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَعُودُ مَضَرَّتُهَا وَمَنْفَعَتُهَا إلَّا إلَى الدُّنْيَا أَيْضًا)).
فقال (ابن بطال) فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة وإيثارا لما يبقى على ما يفنى فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك
وقال القرطبي معنى الحديث أنه طلب الكفاف فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا والله اعلم
{فتح الباري، (ج (14) / (594))}
قال الشاطبي في (الموافقات) (5/ 366 – 367) بعد كلام له: ليس الفقر أفضل من الغنى بإطلاق، ولا الغنى أفضل بإطلاق، بل في ذلك يتفصل؛ فإن الغني إذا أمال إلى إيثار العاجلة كان بالنسبة إلى صاحبه مذموما، وكان الفقر أفضل منه، وإن أمال إلى إيثار الآجلة بإنفاقه في وجهه، والاستعانة بع على التزود للمعاد = فهو أفضل من الفقر. والله الموفق بفضله. انتهى.
فصار الغني الشاكر افضل من الفقير الصابر اذا أنفقه في سبيل القربة
سأنقل نقولات يؤيد ذلك المعنى لاحقا ان شاء الله
=======
تخريج حديث: “إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال” – نقلته من بحث لأحد الباحثين وخالفته بأنني أخذت بتعليل العقيلي للحديث من كل طرقه.
روي من حديث كعب بن عياض، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وحذيفة بن اليمان، وأنس بن مالك وعبادة بن الصامت، ومن كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم جميعًا، ومن كلام الحسن البصري رحمه الله:
حديث كعب بن عياض:
مداره على عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، واختلف على عبد الرحمن بن جبير، فرواه عنه كل من:
أخرجه أحمد بن حنبل في “مسنده” (17743) – وغيره
من طؤيق (ليث بن سعد، وعبد الله بن صالح، ومعن بن عيسى، وابن وهب)، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن كعب بن عياض به.
2 – وخالفه أزهر بن راشد، فرواه عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه مرسلا:
أخرجه سعيد بن منصور في “السنن” (كتاب الزهد): نا إسماعيل بن عياش، عن الأزهر بن راشد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال، ولو سيل لابن آدم واد من مال لتمنى إليه واديا، ولو سيل لابن آدم واديان من مال لتمنى الثالث، ولا يشبع جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب”
قال ابن حجر: “وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور عن جبير بن نفير مثله، وزاد: (ولو سيل لابن آدم واديان من مال لتمنى إليه ثالثًا) الحديث” [2].
وقال السخاوي: “أخرجه سعيد بن منصور من حديث جبيرمرسلاً”.
أقوال العلماء:
قال الترمذي: “هذا حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث معاوية بن صالح”.
وألزم الدارقطني البخاري ومسلم إخراجه، وقال: “وكلهم خرجا عنهم”، وتعقبه مقبل الوادعي، فقال: “ليس كما يقول، فإن البخاري لم يخرج لمعاوية بن صالح في الصحيح كما رمز له في تهذيب التهذيب، وكذا عبد الرحمن بن جبير وأبوه لم يخرج لهما شيئا في الصحيح كما في التقريب”.
وقال الحاكم: “هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه”.
وقال ابن عبد البر: “هو حديث صحيح”
وقال الذهبي: “وهذا إسناد صالح”.
وقال ابن مفلح الحنبلي: “قد صح عن النبي عليه الصلاة والسلام”
وقال الألباني: “هو عندي على شرط مسلم، وقد أعل بما لا يقدح”
## ثم وقفت على تصريح جبير بن نفير بالتحديث في رواية البغوي في “معجم الصحابة” (2021): نا الحسن بن الصباح، قال نا معن، عن معاوية، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن كعب بن عياض صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: حدثنا حديثا في فتنة المال، فلقيته وهو هابط من العقبة وأنا صاعد وسطها، فحدثني الحديث على وجهه، فقال: (لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال). فزالت شبهة الإنقطاع، والحمد لله تعالى.
قلت: والراجح هو رواية معاوية بن صالح، لأنه أكثر حفظا وثبتا وتوثيقا وشهرة وأزهر لم يوثقه معتبر لكن هو من شيوخ حريز.
حديث أبي هريرة:
أخرجه العقيلي في “الضعفاء” (3/ 111)،
قال العقيلي: “ليس لهما أصل من حديث مالك، ولا من وجه يثبت”.
وراجع العلل المتناهية لابن الجوزي.
وبقية الشواهد منكرات وبواطيل
ثالثا: توجيه للإمام الطحاوي رحمه الله:
قال رحمه الله في “شرح مشكل الآثار” (11/ 99): “بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)، ومن قوله: (لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال).
قال: (فتنة أمتي المال) على فتنة تعم الرجال والنساء من أمته، فكانت تلك الفتنة أوسع وأكثر أهلا من الفتنة الأخرى، وكل واحدة منهما فأهلها الأهل الذين قد دل كل واحد من هذين الحديثين عليهم من هم، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من تحذيره من فتنة الدنيا ومن فتنة النساء”.
ثم أسند الطحاوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل بالنساء) “.
والخلاصة: أن العقيلي يضعف كل طرق حديث فتنة أمتى المال لكن حديث (فاتقوا فتنة الدنيا) فيه عموم فيشمل فتنة المال. لكن ليس فيه التنصيص أن فتنة هذه الأمة المال.