147 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-
مسند أحمد
12028 – حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: اشتكى ابن لأبي طلحة، فخرج أبو طلحة إلى المسجد فتوفي الغلام، فهيأت أم سليم الميت. وقالت لاهلها: لا يخبرن أحد منكم أبا طلحة بوفاة ابنه، فرجع إلى أهله، ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه. قال: ما فعل الغلام؟ قالت: خير ما كان، فقربت إليهم عشاءهم، فتعشوا وخرج القوم، وقامت المرأة إلى ما تقوم إليه المرأة، فلما كان آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة، ألم تر إلى آل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبت كأنهم كرهوا ذاك. قال: ما أنصفوا، قالت: فإن ابنك كان عارية من الله تبارك وتعالى، وإن الله قبضه فاسترجع وحمد الله، فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ” بارك الله لكما في ليلتكما “، فحملت بعبد الله فولدته لي؟، وكرهت أن تحنكه حتى يحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحملته غدوة، ومعي تمرات عجوة، فوجدته يهنأ أباعر له، أو يسمها، فقلت: يا رسول الله، إن أم سليم ولدت الليلة، فكرهت أن تحنكه حتى يحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ” أمعك شيء؟ ” قلت: تمرات عجوة، فأخذ بعضهن فمضغهن، ثم جمع بزاقه فأوجره إياه، فجعل يتلمظ، فقال: ” حب الأنصار التمر “. قال: قلت: يا رسول الله سمه، قال: ” هو عبد الله “.
قلت سيف: على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
والحديث أخرجه البخاري 1301. ومسلم 2144 وفي مسند أحمد زيادات.
منها (وكرهت أن تحنكه حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يحنكه) وأيضا (عجوة) وعند الطحاوي (فكرهت أن أحنكه. .. )
وفيه حميد مدلس لكن الأحاديث بعضها سمعها من ثابت وبعضها ثبته فيها ثابت.
——–
قصة أم سليم مع أبي طلحة
الشرح:
قوله (اشتكى بن لأبي طلحة) أي مرض وليس المراد أنه صدرت منه شكوى لكن لما كان الأصل أن المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مرض لكل مريض.
والإبن المذكور هو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه و سلم يمازحه ويقول له يا أبا عمير ما فعل النغير
ومعنى قوله (وأبو طلحة خارج) أي خارج البيت عند النبي صلى الله عليه و سلم في أواخر النهار.
قوله (هيأت شيئا) قال الكرماني أي أعدت طعاما لأبي طلحة وأصلحته، وقيل: هيأت حالها وتزينت.
قلت: بل الصواب أن المراد أنها هيأت أمر الصبي بأن غسلته وكفنته كما ورد في بعض طرقه صريحا ففي رواية أبو داود الطيالسي عن مشايخه عن ثابت (فهيأت الصبي) وفي رواية حميد عند بن سعد (فتوفي الغلام فهيأت أم سليم أمره) وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت (فهلك الصبي فقامت أم سليم فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا).
قوله (ونحته في جانب البيت) أي جعلته في جانب البيت وفي رواية جعفر عن ثابت (فجعلته في مخدعها)
قوله (هدأت) بالهمز أي سكنت (ونفسه) بسكون الفاء كذا للأكثر والمعنى أن النفس كانت قلقة منزعجة بعارض المرض، فسكنت بالموت وظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم لوجود العافية.
قوله (وأرجو أن يكون قد إستراح) لم تجزم بذلك على سبيل الأدب ويحتمل أنها لم تكن علمت أن الطفل لا عذاب عليه ففوضت الأمر إلى الله تعالى مع وجود رجائها بأنه إستراح من نكد الدنيا.
قوله (وظن أبو طلحة أنها صادقة) أي بالنسبة إلى ما فهمه من كلامها وإلا فهي صادقة بالنسبة إلى ما أرادت.
قوله (فبات) أي معها فلما أصبح اغتسل فيه كناية عن الجماع؛ لأن الغسل إنما يكون في الغالب منه. وقد وقع التصريح بذلك في غير هذه الرواية ففي رواية أنس بن سيرين (فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها) وفي رواية عبد الله (ثم تعرضت له) فأصاب منها وفي رواية حماد عن ثابت (ثم تطيبت) زاد جعفر عن ثابت (فتعرضت له حتى وقع بها) وفي رواية سليمان عن ثابت (ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها)
قوله (فلما أراد أن يخرج أعلمته) أنه قد مات زاد سليمان بن المغيرة عن ثابت عند مسلم (فقالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما اعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك فغضب. وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني) وفي رواية عبد الله (فقالت يا أبا طلحة أرأيت قوما اعاروا متاعا ثم بدا لهم فيه فأخذوه فكأنهم وجدوا في أنفسهم) زاد حماد في روايته عن ثابت (فأبوا أن يردوها فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك إن العارية مؤداه إلى أهلها ثم إتفقا فقالت: إن الله أعارنا فلانا ثم أخذه منا)
قوله (لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما) في رواية الأصيلي (لهما في ليلتهما) ووقع في رواية أنس بن سيرين (اللهم بارك لهما) ولا تعارض بينهما فيجمع بأنه دعا بذلك ورجا إجابة دعائه ولم تختلف الرواة عن ثابت وكذا عن حميد في أنه قال: (بارك الله لكما في ليلتكما) وعرف من رواية أنس بن سيرين أن المراد الدعاء وإن كان لفظه لفظ الخبر وفي رواية أنس بن سيرين من الزيادة (فولدت غلاما) وفي رواية عبد الله بن عبد الله (فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة)
قوله (فقال: رجل من الأنصار) الخ هو عباية بن رفاعة لما أخرجه سعيد بن منصور ومسدد وبن سعد والبيهقي في الدلائل كلهم من طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال كانت أم أنس تحت أبي طلحة فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس وقال في آخره (فولدت له غلاما قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم قد ختم القرآن) وأفادت هذه الرواية أن في رواية سفيان تجوزا في قوله (لهما) لأن ظاهره أنه من ولدهما بغير واسطة وإنما المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة وهو عبد الله بن أبي طلحة ووقع في رواية سفيان (تسعة) وفي هذه (سبعة) فلعل في أحدهما تصحيفا أو المراد بالسبعة من ختم القرآن كله وبالتسعة من قرأ معظمه وله من الولد فيما ذكر بن سعد وغيره من أهل العلم بالأنساب إسحاق وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وعمر والقاسم وعمارة وإبراهيم وعمير وزيد ومحمد وأربع من البنات. انتهى فتح الباري [3/ 170 – 171]
فوائد الحديث:
وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضا:
جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عن المصائب، وتزين المرأة لزوجها وتعرضها لطلب الجماع منه، وإجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها وشرط جوازها أن لا تبطل حقا لمسلم وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء إخلافه عليها ما فات منها إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته ولم تبلغ الغرض الذي أرادته فلما علم الله صدق نيتها بلغها مناها وأصلح لها ذريتها، وفيه إجابة دعوة النبي صلى الله عليه و سلم، وأن من ترك شيئا عوضه الله خيرا منه، وبيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم. وسيأتي في الجهاد والمغازي أنها كانت تشهد القتال وتقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن معظم النسوة. وسيأتي شرح حديث أبي عمير ما فعل النغير مستوفى في أواخر كتاب الأدب وفيه بيان ما كان سمي به غير الكنية التي اشتهر بها. انتهى من فتح الباري (3/ 171)
والحديث يدل على جواز تكنية الصغير، وأن هذا ليس من الكذب؛ لأن التكنية ليس بلازم أن تكون عن ولد، بل تكون بدون ولد، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله في قصة أخي أنس بن مالك رضي الله عنه، وأبوه هو أبو طلحة وأمه أم سليم. قاله العباد في شرح سنن أبي داود.