147 جامع الأجوبة الفقهية ص 187
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
بلوغ المرام
52. وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء فقال: ارجع فأحسن وضوءك. أخرجه أبوداود والنسائي
—-
مسألة: ضابط التفريق الكثير الذي ينافي الموالاة.
– ذكرنا في البحث السابق أن الفقهاء اختلفوا في حكم الموالاة بين أفعال الوضوء إذا كان التفريق كثير، فكيف نفرق بين التفريق الكثير والتفريق اليسير؟
– اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة اقوال على النحو التالي:
– القول الأول: أن يكون التتابع في الأفعال من غير أن يتخللها جفاف عضو مع اعتدال الهواء، بمعنى أن يفرغ من وضوئه قبل أن يجف أي عضو من أعضائه، فإن جف عضو منها فهو تفريق كثير وهذا مذهب الحنفية.
– القول الثاني: إذا مضى بين العضوين زمن يجف فيه العضو المغسول مع اعتدال الزمن وحال الشخص، فهو تفريق كثير، وإلا فقليل، ولا اعتبار بتأخر الجفاف بسبب شدة البرد، ولا بتسارعه بشدة الحر، ولا بحال المبرود والمحموم، ويعتبر بالعضو الذي قبله، فلو أنه مسح رأسه قبل أن تنشف يداه، وبعد أن نشف الوجه فلا يضر. وهذا قول الجمهور فهو قول في مذهب الحنفية، وهو المشهور من مذهب الشافعية، والحنابلة، واختاره الشيخ ابن عثيمين.
– القول الثالث: هو الطويل المتفاحش، أي اعتبار العادة والعرف، وهو مذهب المالكية، وقول في مذهب الشافعية، وهو رواية عن أحمد واختاره ابن عقيل من الحنابلة.
– القول الرابع: الكثير قدر يمكن فيه إتمام الطهارة، ذكر هذا القول الإمام النووي في المجموع ولم ينسبه لأحد.
انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 122)، الفتاوى الهندية (1/ 8)، المجموع (1/ 453)، الإنصاف (1/ 140)، المغني (1/ 102)، حاشية الدسوقي (1/ 90،91)، مواهب الجليل (1/ 224)، الشرح الممتع (1/ 192).
– قال ابن عابدين حاشيته (1/ 122): وظاهره أنه لو جف العضو الأول بعد غسل الثاني لم يكن ولاء. انتهى
– قال في الفتاوى الهندية (1/ 8):
الموالاة: وهي التتابع، وَحَدُّهُ: أن لا يجف الماء على العضو قبل أن يغسل ما بعده في زمان معتدل ولا اعتبار بشدة الحر والرياح ولا شدة البرد ويعتبر أيضا استواء حالة المتوضئ كذا في الجوهرة النيرة. اهـ
– قال في مواهب الجليل (1/ 224):
الموالاة: هي الإتيان بجميع الطهارة في زمن متصل من غير تفريق فاحش. انتهى
– قال ابن قدامه في المغني (1/ 102):
والموالاة الواجبة أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل؛ لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض؛ ولأنه يعتبر ذلك فيما بين طرفي الطهارة. وقال ابن عقيل في رواية أخرى، إن حد التفريق المبطل ما يفحش في العادة؛ لأنه لم يحد في الشرع، فيرجع فيه إلى العادة، كالإحراز والتفرق في البيع. انتهى
قال صاحب ” الإنصاف ” (1/ 141): ” وعنه – يعني الإمام أحمد – يعتبر طول المكث عرفا ” انتهى.
– قال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 453):
“وفي ضبط التفريق الكثير والقليل أربعة أوجه الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور أنه إذا مضى بين العضوين زمن يجف فيه العضو المغسول مع اعتدال الزمان وحال الشخص فهو تفريق كثير وإلا فقليل ولا اعتبار بتأخر الجفاف بسبب شدة البرد ولا بتسارعه لشدة الحر، ولا بحال المبرود والمحموم، ويعتبر التفريق من آخر الفعل المأتى به من أفعال الوضوء حتى لو غسل وجهه ويديه ثم اشتغل لحظة ثم مسح رأسه بعد جفاف الوجه وقبل جفاف اليد فتفريق قليل وإذا غسل ثلاثا ثلاثا فالاعتبار من الغسلة الأخيرة هكذا صرح بمعنى هذه الجملة الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي والروياني والرافعي وآخرون وأهمل المصنف اعتبار اعتدال حال الشخص ولا بد منه كما صرح به الأصحاب ومتى كان في غير حال الإعتدال قدر بحال الاعتدال وكذا في التيمم يقدر لو كان ماء.
والوجه الثاني التفريق الكثير هو الطويل المتفاحش حكاه صاحب البيان وحكاه الشيخ أبو حامد عن حكاية شيخه أبي القاسم الداركي عن نص الشافعي في الإملاء قال أبو حامد ولم أره في الإملاء ولا حكاه غيره من أصحابنا.
والوجه الثالث يؤخذ التفريق الكثير والقليل من العادة.
والرابع أن الكثير قدر يمكن فيه تمام الطهارة حكاهما الرافعي. انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 192):
قوله: «وهي: أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله»، هذا تفسير المؤلف رحمه الله للموالاة.
وهذا بشرط أن يكون ذلك بزمن معتدل خال من الريح أو شدة الحر والبرد.
وقوله: «الذي قبله»، أي: الذي قبل العضو المغسول مباشرة، فلو فرض أنه تأخر في مسح الرأس فمسحه قبل أن تنشف اليدان، وبعد أن نشف الوجه فهذا وضوء مجزئ؛ لأن المراد بقوله: «الذي قبله»، أي: قبله على الولاء، وليس كل الأعضاء السابقة. وقولنا: في زمن معتدل، احترازا من الزمن غير المعتدل، كزمن الشتاء والرطوبة الذي يتأخر فيه النشاف، وزمن الحر والريح الذي يسرع فيه النشاف.
وقال بعض العلماء ـ وهي رواية عن أحمد ـ: إن العبرة بطول الفصل عرفا، لا بنشاف الأعضاء. فلا بد أن يكون الوضوء متقاربا، فإذا قال الناس: إن هذا الرجل لم يفرق وضوءه؛ بل وضوؤه متصل، فإنه يعتبر مواليا، وقد اعتبر العلماء العرف في مسائل كثيرة، ولكن العرف قد لا ينضبط، فتعليق الحكم بنشاف الأعضاء أقرب إلى الضبط.
– قلت (ناصر الريسي): المتأمل لأقوال الفقهاء التي ذكرناها فإنه يجد التالي:
أن أصحاب القول الأول اعتبروا الضابط للتفريق الكثير الذي ينافي الموالاة هو جفاف العضو قبل الشروع في العضو الذي يليه من غير اعتبار لحال الشخص ولا للزمان من صيف ولا شتاء.
أما اصحاب القول الثاني فقالوا أيضاً بأن الضابط هو جفاف العضو ولكن بشرط أن يكون الزمن معتدل خال من الريح أو شدة الحر والبرد، لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض.
أم من قال بالقول الثالث وهو أن التفريق المبطل هو ما يفحش في العادة، فاعتبروا العادة وعرف الناس هو الضابط لأنه لما لم يُذكر حده في الشرع ولا في اللغة رُد إلى العرف، فما تعارف عليه الناس أنه كثير فهو كثير وما تعارفوا على أنه قليل فهو قليل.
والله أعلم …
—-
قلت: (سعيد): أقرب الأدلة للصواب أقوى الأقوال هو قول ابن عقيل الحنبلي، وذلك لأن كل شيء ليس له حد في الشرع ولا في اللغة مرده إلى العرف والعادة، فما عده الناس كثيرا فهو كثير، وما عدوه قليلا فهو قليل، ولا عبرة بتقدير المصاب بالوساوس، لأن زمن الطهارة يأخذ منه وقتا كثيرا، والله أعلم.
(المغني ((1) / (9)) (وأحكام الطهارة)
—-
قال الراجحي في شرح سنن أبي داود بعد أن رجح صحت حديث الذي ترك قدر اللمعة أن يعيد الوضوء والصلاة قال هو دليل على أن الموالاة واجبة بين أعضاء الوضوء فإن جف العضو الأول قبل الثاني أعاد الوضوء إلا إذا كانت الريح شديدة وهذا القول هو الصواب. انتهى
قال ابن رجب بعد أن ذكر الخلاف في إعادة الوضوء لمن ترك شيئا من أعضاء الوضوء:
وفي الباب أحاديث مرفوعة أيضا بهذا المعنى: من أجودها: حديث رواه بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعه قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. خرجه أبوداود الفتح 1/ 290
ولم يتعرض للضابط في الفصل. والحديث محتمل.
فلو نختار الاحتياط وهو جفاف العضو السابق فهو جيد.