147 لطائف التفسير والمعاني
جمع سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
استعمال كلمات مختلفة لها معنى واحد عند الانفراد أما عند الاقتران يكون لكل واحدة معنى
قال ابن تيمية وهو يقرر اختلاف طوائف في دخول النصارى في لفظ (المشركين):
وطائِفَةٌ أُخْرى تَجْعَلُ لَفْظَ المُشْرِكِينَ إذا أُطْلِقَ لا يَدْخُلُ فِيهِ أهْلُ الكِتابِ.
وأمّا كَوْنُ النَّصارى فِيهِمْ شِرْكٌ كَما ذَكَرَهُ اللَّهُ فَهَذا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، كَما نَطَقَ بِهِ القُرْآنُ كَما أنَّ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ قَوْلَهُ:
{لَتَجِدَنَّ أشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أشْرَكُوا ولَتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى} [المائدة (82)].
أنَّ النَّصارى لَمْ يَدْخُلُوا فِي لَفْظِ الَّذِينَ أشْرَكُوا كَما لَمْ يَدْخُلُوا فِي لَفْظِ اليَهُودِ.
وكَذَلِكَ قَوْلُهُ:
{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ} [البينة (1)].
ونَحْوُ ذَلِكَ، وهَذا لِأنَّ اللَّفْظَ الواحِدَ تَتَنَوَّعُ دَلالَتُهُ بِالإفْرادِ والِاقْتِرانِ
فَيَدْخُلُ فِيهِ مَعَ الإفْرادِ والتَّجْرِيدِ ما لا يَدْخُلُ فِيهِ عِنْدَ الِاقْتِرانِ بِغَيْرِهِ، كَلَفْظِ المَعْرُوفِ والمُنْكَرِ فِي قَوْلِهِ – تَعالى -:
{يَامُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ} [الأعراف (157)].
فَإنَّهُ هُنا يَتَناوَلُ جَمِيعَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ فَإنَّهُ مَعْرُوفٌ، وجَمِيعَ ما نَهى عَنْهُ فَإنَّهُ مُنْكَرٌ.
وفِي قَوْلِهِ: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْواهُمْ إلّا مَن أمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ} [النساء (114)].
فَهُنا قَرَنَ الصَّدَقَةَ بِالمَعْرُوفِ والإصْلاحِ بَيْنَ النّاسِ.
وكَذَلِكَ المُنْكَرُ فِي قَوْلِهِ:
{إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ} [العنكبوت (45)].
قَرَنَ الفَحْشاءَ بِالمُنْكَرِ، وقَوْلِهِ:
{إنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالعَدْلِ والإحْسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبى ويَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ والبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل (90)].
قَرَنَ الفَحْشاءَ بِالمُنْكَرِ والبَغْيِ.
وكَذَلِكَ لَفْظُ البِرِّ والإيمانِ، إذا أفْرَدَهُ أدْخَلَ فِيهِ الأعْمالَ الصّالِحَةَ والتَّقْوى، كَقَوْلِهِ:
{ولَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكِتابِ والنَّبِيِّينَ} [البقرة (177)].
وقالَ:
{إنَّ الأبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار (13)].
وقَوْلِهِ:
{إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إيمانًا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال (2)].
وقَدْ يُقْرِنُهُ بِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ:
{وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى} [المائدة (2)].
وقَوْلِهِ:
{إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ} [البقرة (277)].
وكَذَلِكَ لَفْظُ الفَقِيرِ، والمِسْكِينِ إذا أُفْرِدَ أحَدُهُما دَخَلَ فِيهِ مَعْنى الآخَرِ.
وقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُما فِي قَوْلِهِ:
{إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ} [التوبة (60)].
فَيَكُونانِ هُنا صِنْفَيْنِ، وفِي تِلْكَ المَواضِعِ صِنْفٌ واحِدٌ، فَكَذَلِكَ لَفْظُ الشِّرْكِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:
{إنَّما المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذا} [التوبة (28)].
يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الكُفّارِ، أهْلُ الكِتابِ وغَيْرُهُمْ عِنْدَ عامَّةِ العُلَماءِ لِأنَّهُ أفْرَدَهُ وجَرَّدَهُ، وإنْ كانُوا إذا قُرِنَ بِأهْلِ الكِتابِ كانا صِنْفَيْنِ.
وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ أنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم -: «كانَ إذا أرْسَلَ أمِيرًا عَلى سَرِيَّةٍ، أوْ جَيْشٍ أوْصاهُ فِي خاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوى اللَّهِ، وأوْصاهُ بِمَن مَعَهُ مِنَ المُسْلِمِينَ خَيْرًا، وقالَ لَهُمْ: اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا ولِيدًا، وإذا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فادْعُهُمْ إلى إحْدى خِلالٍ ثَلاثٍ – فَإنْ هُمْ أجابُوكَ إلَيْها فاقْبَلْ مِنهُمْ وكُفَّ عَنْهُمُ – ادْعُهُمْ إلى الإسْلامِ فَإنْ أجابُوكَ إلى ذَلِكَ، فاقْبَلْ مِنهُمْ، وكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى التَّحَوُّلِ مِن دارِهِمْ إلى دارِ المُهاجِرِينَ وأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَإنَّ لَهُمْ ما لِلْمُهاجِرِينَ
وعَلَيْهِمْ ما عَلَيْهِمْ، فَإنْ أبَوْا أنْ يَتَحَوَّلُوا مِنها فَأخْبِرْهُمْ أنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأعْرابِ المُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلى المُسْلِمِينَ ولَيْسَ لَهُمْ فِي الغَنِيمَةِ والفَيْءِ نَصِيبٌ، إلّا أنْ يُجاهِدُوا مَعَ المُسْلِمِينَ، فَإنْ هُمْ أبَوْا فاسْألْهُمُ الجِزْيَةَ، فَإنْ هُمْ أجابُوا فاقْبَلْ مِنهُمْ وكُفَّ عَنْهُمْ».
وهَذا الحَدِيثُ كانَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الجِزْيَةِ، وهِيَ إنَّما نَزَلَتْ عامَ تَبُوكٍ لَمّا قاتَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – النَّصارى بِالشّامِ، واليَهُودَ بِاليَمَنِ.
وهَذا الحُكْمُ ثابِتٌ فِي أهْلِ الكِتابِ بِاتِّفاقِ المُسْلِمِينَ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ الكِتابُ والسُّنَّةُ، ولَكِنْ تَنازَعُوا فِي الجِزْيَةِ: هَلْ تُؤْخَذُ مِن غَيْرِ أهْلِ الكِتابِ؟ وهَذا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ. (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 3/ 116)
وراجع مجموع الفتاوى 15/ 347 و10/ 284 و7/ 183 … ودقائق التفسير 2/ 69
قال ابن القيم:” قال الله تعالى: {من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها} وكل من أعان غيره على أمر بقوله أو فعله فقد صار شفيعا له والشفاعة للمشفوع له هذا أصلها فإن الشافع يشفع صاحب الحاجة فيصير له شفعا في قضائها لعجزه عن الاستقلال بها فدخل في حكم هذه الآية كل متعاونين على خير أو شر بقول أو عمل ونظيرها قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} … وتأمل قوله تعالى في الشفاعة الحسنة {يكن له نصيب منها} وفي السيئة {يكن له كفل منها} فإن لفظ الكفل يشعر بالحمل والثقل ولفظ النصيب يشعر بالحظ الذي ينصب طالبه في تحصيله وإن كان كل منهما يستعمل في الأمرين عند الانفراد ولكن لما قرن بينهما حسن اختصاص حظ الخير بالنصيب وحظ الشر بالكفل” (روضة المحبين)
قال ابن عثيمين في شرحة للصلاة الابراهيمية:
قوله: «وعلى آل محمد كَما باركت على آل إبراهيم» سَبَقَ أنّ الآل إذا أُفرِدت تشمَلُ جميعَ الأتباعِ، فالمرادُ بآله أتباعه، وسَبَقَ الشّاهدُ من كون الآل بمعنى الأتباع، وهو قوله تعالى: {ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ} [غافر (46)] يعني: أتباعه.
أما إذا قُرنت الآلُ بالأصحاب والأتباع؛ صار المرادُ بها المؤمنين مِن قرابتِه من بني هاشم، ومَن تفرَّع منهم؛ لأن الآل يشمَلُ إلى الجَدِّ الرابع.
ولا عَجَبَ أن يكون لِلَّفْظِ معنًى عند الانفراد، ومعنًى عند الاقتران، فالمسكين مثلًا والفقير بمعنى واحد عند الانفراد، ولكُلِّ واحدٍ منهما معنى عند الاقتران والاجتماع، والبِرُّ والتقوى كذلك؛ لكُلِّ واحدة منهما معنى عند الاقتران، ويتَّفق معناهما عند الافتراق. الشرح الممتع
وفي كتاب الشرك في القديم والحديث:
الشبهة الخامسة: استدلالهم بحديث: «قل ربي الله ثم استقم».
وجه الاستدلال – كما سبق – حيث لم يقل: قل: (إلهي الله).
ويجاب عن هذه الشبهات الأربعة الأخيرة:
بأنه لا شك في أننا مأمورون باعتقاد أن الله ربنا وحده، ليس لنا رب غيره، وباعتقاد أن الله وحده هو معبودنا، ليس لنا معبود غيره، ولا نعبد إلا إياه. فإذا اتفقنا عليه نستطيع أن نقول: بأن الرب هو الله عز وجل وليس لنا رب سواه، وإذا قلنا: إنه هو الرب لنا يجب علينا أن نؤلهه أي نعبده، فإن الرب هو الذي يرب الناس – كما سبق – والذي يرب هو الذي يعبد. فقولهم: (ليس الرب غير الإله) لا يخلو من إحدى ثلاث حالات:
الأولى: أن الإله هو الرب نفسه في واقع الأمر. فهذه القضية صحيحة لا شك فيها.
الثانية: أن الإله هو الرب نفسه في اعتقاد الموحدين المؤمنين – كما عليه في نفس الأمر – فهذا أيضًا صحيح.
الثالثة: أن الإله هو الرب نفسه في اعتقاد المشركين، فهذا هو محل النزاع، فإن الإله الحق في نفس الأمر واعتقاد الموحدين هو الرب نفسه، إلا أن المشركين كانوا يتخذون غير الله آلهة مع اعترافهم بأن الله هو رب الخالق المدبر، فلا يصح قولهم – الذي
سبق – إرا أرادوا هذا المعنى.
أما استدلالهم بالآية القرآنية والأحاديث النبوية على أن الرب هو الإله
بعينه، فأقول: إن هذا الاستدلال فاسد من وجوه:
الأول: غاية ما تفيد هذه الآيات والأحاديث أنه عند إفراد الربوبية يدخل فيها توحيد الألوهية، ولا تفيد حصر التوحيد في الربوبية فقط، فإن هناك أدلة صريحة تدل على توحيد الألوهية أيضًا.
الثاني: أنها تحتمل أن تكون كنظائرها التي فيها تقرير المشركين باعترافهم بتوحيد الربوبية ليقروا بتوحيد الألوهية وليفردوه بالعبادة
وذكر اوجه أخرى وقال:
الوجه الخامس: إن الرب والإله يجتمعان ويفترقان؛ كما في قوله تعالى:
(قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ ((1)) مَلِكِ النّاسِ ((2)) إلَهِ النّاسِ). وكما يقال: رب العالمين وإله المرسلين، وعند الإفراد يجتمعان كما في قول القائل: من ربك؟
ومثاله: الفقير والمسكين نوعان في قوله: (إنَّما الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والمَساكِينِ). ونوع واحد في قوله صلى الله عليه وسلم: «افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» وهذا أيضًا مثل مسألة الإسلام والإيمان، وإذا ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر: (من ربك) معناه: من إلهك، لأن الربوبية أقر بها المشركون، ما يمتحن أحد بها، وكذلك قوله: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إلّا أنْ يَقُولُوا رَبُّنا اللَّهُ). وقوله: (قُلْ أغَيْرَ اللَّهِ أبْغِي رَبًّا) وقوله: (إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا). فالربوبية في هذا هي الألوهية ليست قسيمة لها، كما تكون قسيمة لها عند الاقتران، فينبغي التفطن لهذه المسألة. لأن كثيرًا من الكلمات مع اختلاف معانيها قد تأتي إحداها بمعنى الأخرى في بعض السياق، ومع
ذلك لا يدل على أنهما شيء واحد؛ لأن الاتحاد في الصدق لا يستلزم الاتحاد في المفهوم فضلًا عن التساوي؛ كما صرح به العلماء.
قال عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد وذكر مثالا الفقير والمسكين لهذه القاعدة:
إذا ثبت هذا فقول الملكين للرجل في القبر: من ربك؟ معناه من إلهك؛ لأنّ الربوبية التي أقرَّ بها المشركون ما يمتحن أحد بها، وكذلك قوله: {الذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أن يَّقُولُوا رَبُّنا اللهُ} (2)، وقوله: {قُلْ أغَيْرَ اللهِ أبْغِي رَبًّا} (3)، وقوله: {إنَّ الذِينَ قالُوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا} (4) فالربوبية في هذا هي الألوهية، ليست قسيمةً لها كما تكون قسيمةً لها عند الاقتران، فينبغي التفطن لهذه المسألة القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد (1) / (82)
وقال محمد بن إبراهيم التويجري في موسوعة فقه القلوب:
وأما الاستغفار فهو نوعان:
مفرد .. ومقرون بالتوبة.
فالمفرد كقوله سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفّارًا ((10)) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرارًا ((11)) ويُمْدِدْكُمْ بِأمْوالٍ وبَنِينَ ويَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ ويَجْعَلْ لَكُمْ أنْهارًا ((12))} [نوح (10) – (12)]. (4) / (3054)
والمقرون بالتوبة كقوله سبحانه: {وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعًا حَسَنًا إلى أجَلٍ مُسَمًّى ويُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وإنْ تَوَلَّوْا فَإنِّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ((3))} [هود (3)].
فالاستغفار يتضمن التوبة .. والتوبة تتضمن الاستغفار .. وكل منهما يتضمن الآخر عند الإطلاق.
وأما عند الاقتران: فالاستغفار طلب وقاية شر ما مضى .. والتوبة الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه العبد في المستقبل من سيئات أعماله.
فالاستغفار من باب إزالة الضرر، والتوبة طلب جلب المنفعة، والله سبحانه لم يجعل شيئًا يحبط جميع الحسنات إلا الكفر كما قال سبحانه: {ومَن يَكْفُرْ بِالإيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ ((5))} [المائدة (5)].
وكذلك لم يجعل الله شيئًا يحبط جميع السيئات إلا التوبة كما قال سبحانه: {قُلْ ياعِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا عَلى أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ((53))} [الزمر (53)].
وإذا خرج العبد عما خلق له من الطاعة والعبودية فقد خرج إلى أحب الأشياء إليه، وعن الغاية التي خلقت من أجلها الخليقة، وصار كأنه خلق عبثًا لغير شيء.
فإذا رجع إلى ما خلق له وأوجد من أجله فقد رجع إلى الغاية التي هي أحب الأشياء إلى خالقه وفاطره، ورجع إلى مقتضى الحكمة التي خلق لأجلها، وخرج عن معنى العبث والسدى والباطل.
قال السعدي:
{(114)} {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْواهُمْ إلا مَن أمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا}.
{أوْ مَعْرُوفٍ} وهو الإحسان والطاعة وكل ما عرف في الشرع والعقل حسنه، وإذا أطلق الأمر بالمعروف من غير أن يقرن بالنهي عن المنكر دخل فيه النهي عن المنكر، وذلك لأن ترك المنهيات من المعروف، وأيضا لا يتم فعل الخير إلا بترك الشر. وأما عند الاقتران فيفسر المعروف بفعل المأمور، والمنكر بترك المنهي.
وفي فتاوى ابن عثيمين:
يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا، ومتباينتان إن اجتمعتا. فإذا قيل: القضاء بدون أن يقترن به القدر كان شاملًا للقضاء والقدر، وإذا قيل: القدر دون أن يقترن به القضاء كان شاملًا للقضاء والقدر أيضًا. وهذا كثير في اللغة العربية: أن تكون الكلمة لها معنى عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران. فإذا قيل: القضاء والقدر جميعًا صار القضاء: ما يقضي به الله عز وجل من أفعاله أو أفعال الخلق، والقدر: ما قدر الله تعالى في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي: كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله تعالى بوقوعه فعلًا. وإن شيءت فقل: الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيء، بل كتب الشيء في اللوح المحفوظ، ثم يشاؤه سبحانه في الوقت الذي تقتضي فيه حكمته وجوده فيه، الثاني قضاء والأول قدر. فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى، وإن اجتمعتا صار لكل واحدة منهما- أي: من الكلمتين- معنى.
فتاوى نور على الدرب للعثيمين (4) / (2)
وإليك بحث مطول لابن القيم يدل على اهمية معرفة هذه القاعدة:
قال ابن القيم في الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه:
فأما ما بينه وبين الخلق: من المعاشرة والمعاونة والصحبة فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله وإذا افرد كل واحد من الاسمين دخل في مسمى الآخر إما تضمنا وإما لزوما ودخوله فيه تضمنا اظهر لان البر جزء مسمى التقوى وكذلك التقوى فانه جزء مسمى البر وكون أحدهما لايدخل في الآخر عند الاقتران لا يدل على أنه لا يدخل فيه عند انفراد الآخر. ونظير هذا لفظ الإيمان والإسلام والإيمان والعمل الصالح والفقير والمسكين والفسوق والعصيان والمنكر والفاحشة ونظائره كثيرة.
وهذه قاعدة جليلة من أحاط بها زالت عنه إشكالات كثيرة أشكلت على كثير من الناس.
البر والتقوى:
ولنذكر من هذا مثالا واحدا يستدل به على غيره وهو البر والتقوى. فان حقيقة البر هو الكمال المطلوب من الشيء والمنافع التي فيه والخير كما يدل عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام ومنه البر بالضم لمنافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب
ولهذا كثيرا ما يُقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا» و «ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا» ونظائره.
فقوله: «على نور من الله» إشارة إلى الأصل الأول وهو الإيمان الذي هو مصدر العمل والسبب الباعث عليه.
وقوله: «ترجو ثواب الله» إشارة أن الأصل الثاني وهو الاحتساب وهو الغاية التي لأجلها يوقع العمل ولها يقصد به.
ولا ريب أن هذا اسم لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البر داخل في هذا المسمى.
وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى} فالفرق بينهما فرق بين السبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها، فان البر مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه كما تقدم. وأما التقوى فهي الطريق الموصل إلى البر والوسيلة إليه ولفظها يدل على هذا فإنها فعلى، من وقى تقي، وكان أصلها وقوى، فقلبوا الواو تاء، كما قالوا تراث من الوراثة، وتجاه من الوجه، وتخمة من الوخمة، ونظائرها. فلفظها دال على أنها من الوقاية فان المتقي قد جعل بينه وبين النار وقاية والوقاية من باب دفع الضر فالتقوى والبر كالعافية والصحة.
وهذا باب شريف ينتفع به انتفاعًا عظيمًا في فهم ألفاظ القرآن ودلالته، ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله فانه هو العلم النافع وقد ذم الله تعالى في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزل الله على رسوله.
فإن عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما أن يدخل في مسمى اللفظ ما ليس منه فيحكم له بحكم المراد من اللفظ فيساوي بين ما فرق الله بينهما.
والثانية أن يخرج من مسمى اللفظ بعض أفراده الداخلة تحته فيسلب عنه حكمه فيفرق بين ما جمع الله بينهما.
والذكي الفطن يتفطن لأفراد هذه القاعدة وأمثالها فيرى أن كثيرًا من الاختلاف أو أكثره إنما ينشأ من هذا الوضع وتفصيل هذا لا يفي به كتاب ضخم.
ومن هذا لفظ: الخمر فإنه اسم شامل لكل مسكر فلا يجوز إخراج بعض المسكرات منه وينفى عنها حكمه.
وكذلك لفظ: الميسر وإخراج بعض أنواع القمار منه.
وكذلك لفظ: النكاح وإدخال ما ليس بنكاح في مسماه
وكذلك لفظ: الربا وإخراج بعض أنواعه منه وإدخال ما ليس بربا فيه.
وكذلك لفظ: الظلم والعدل والمعروف والمنكر ونظائره اكثر من أن تحصى …
والمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علمًا وعملًا.
فان العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه فاقتضت حكمة الرب سبحانه أن جعل النوع الإنساني قائمًا بعضه ببعضه، معينًا بعضه لبعضه.
معنى الإثم والعدوان
ثم قال تعالى: {وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى}. والإثم والعدوان في جانب النهي نظير: البر والتقوى في جانب الأمر. والفرق بين الإثم والعدوان كالفرق ما بين محرم الجنس ومحرم القدر. فالإثم ما كان حرامًا لجنسه، والعدوان ما حرم لزيادة في قدر وتعدي ما أباح الله منه فالزنا والخمر والسرقة ونحوها: إثم. ونكاح الخامسة واستيفاء المجني عليه اكثر من حقه ونحوه وعدوان.
ومنه رجل بار وبر وكرام برره والأبرار.
فالبر: كلمة جامعة لجميع أنواع الخير والكمال والمطلوب من العبد. وفي مقابلته الإثم وفي حديث النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «جئت تسال عن البر والإثم».
فالاثم كلمة جامعة للشرور والعيوب التي يذم العبد عليها.
فيدخل في مسمى البر: الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة ولا ريب ان التقوى جزء هذا المعنى. وأكثر ما يعبر عن بر القلب وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه
وقوته وفرحه بالإيمان. فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذة في القلب، فمن لم يجدها فهو فاقد الإيمان أو ناقصه وهو من القسم الذين قال الله تعالى فيهم: {قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا ولَمّا يَدْخُلِ الأِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
فهؤلاء – على أصح القولين – مسلمون غير منافقين وليسوا بمؤمنين إذ لم يدخل الإيمان في قلوبهم فيباشرها حقيقة.
معنى البر والتقوى
وقد جمع الله خصال البر في قوله تعالى: {لَيْسَ البِرَّ أنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ ولَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكِتابِ والنَّبِيِّينَ وآتى المالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسّائِلِينَ وفِي الرِّقابِ وأقامَ الصَّلاةَ وآتى الزَّكاةَ والمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذا عاهَدُوا والصّابِرِينَ فِي البَاساءِ والضَّرّاءِ وحِينَ البَاسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}.
فأخبر سبحانه أن البر هو الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها، وأنها الشرائع الظاهرة من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة،
وأنها الأعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد فتناولت هده الخصال جميع أقسام الدين حقائقه وشرائعه والأعمال المتعلقة بالجوارح والقلب وأصول الإيمان الخمس. ثم أخبر سبحانه عن هذا أنها هي خصال التقوى بعينها فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}.
التقوى:
وأما التقوى فحقيقتها العمل بطاعة الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمر الله به إيمانا بالأمر وتصديقا بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانًا بالنهي وخوفًا من وعيده، كما قال طلق بن حبيب: «إذا وقعت الفتنة فاطفئوها بالتقوى» قالوا: وما التقوى؟ قال: «أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله».
وهذا أحسن ما قيل في حد التقوى.
فان كل عمل لابد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك بل لابد أن يكون مبدؤه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته وهو الاحتساب.
فالعدوان: هو تعدي حدود الله التي قال فيها: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ}.
وقال في موضع آخر: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها} فنهى عن تعديها في آية وعن قربانها في آية وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه وتارة لا تكون داخلة فيه فتكون لها حكم المقابلة فالاعتبار الأول نهى عن تعديها، وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها.