146 جامع الأجوبة الفقهية ص 185
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
بلوغ المرام
52. وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء فقال: ارجع فأحسن وضوءك. أخرجه أبوداود والنسائي
مسألة: حكم الموالاة.
– الموالاة في اللغة هي التتابع وفي الاصطلاح هي تتابع غسل الأعضاء بعضِها إثْرَ بعض بحيث لا يؤخر المتوضيء غسل العضو التالي إلى أن يجف ماء غسل العضو السابق، وبحيث لا يقطع وضوءه بعملٍ أجنبي يُعدُّ في العُرف انصرافاً عنه.
– اتفق العلماء على أن التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر كما نقل ذلك عنهم الإمام النووي حيث قال في المجموع (1/ 478): التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع المسلمين, نقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما. وأما التفريق الكثير ففيه قولان مشهوران: الصحيح منهما باتفاق الأصحاب أنه لا يضر وهو نصه في الجديد. اهـ
– ثم اختلفوا في حكم الموالاة بين أفعال الوضوء إذا كان التفريق كثير على ثلاثة أقوال:
الأول: تجب الموالاة مطلقاً بين أعضاء الوضوء وهذا قول الحنابلة والشافعي في القديم، والقاضي عياض والقرطبي والأوزاعي والليث وقتادة وعبد العزير بن أبى سلمة من المالكية ورجح هذا القول الشوكاني وابن عثيمين. وأعضاء اللجنة الدائمة.
الثاني: أنه لا يجب ولا يضر التفريق بين أعضاء الوضوء. وهذا مذهب الحنفية، والجديد من قولي الشافعي، ورواية عن أحمد والظاهرية وابن المسيب وعطاء. والنخعي والثوري وابن المنذر ورجحه مقبل الوادعي. (فتح العلام شرح بلوغ المرام)،
وعليه بوب البخاري
الثالث: تجب الموالاة مع الذكر، وتسقط مع النسيان والعذر، وهو مذهب المالكية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.
انظر: البحر الرائق (1/ 27)، بدائع الصنائع (1/ 22)، المجموع (1/ 478)، المحلى (1/ 312)، المدونة (1/ 15) المغني (1/ 93)، الإنصاف (1/ 139).
– أدلة القول الأول:
1 – عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أنه رأى رجلاً توضأ فترك موضع ظُفر على ظهر قدمه فأبصره النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع فتوضأ ثم صلَّى» رواه أحمد. ورواه مسلم بلفظ « … فرجع ثم صلى».
وجه الاستدلال:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أحسن وضوءك» ولم يقل: اغسل ذلك الموضع الذي تركته.
وأجيب عليه من وجهين:
الأول: بأن هذا الاستدلال ضعيف أو باطل؛ فإن قوله: «أحسن وضوءك» محتمل للتتميم أو للاستئناف، وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر.
الثاني: أن حديث أحسن وضوءك فإن من الإِحسان الاستكمال فلا دلالة على ذلك.
2 – عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم – «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدرَ الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أن يعيد الوضوء والصلاة» رواه أبو داود. ورواه أحمد بدون «والصلاة». قال أحمد: هذا إسناده جيد. انظر المسند (3/ 424).
وأجيب عنه بوجهين:
الأول: بأن الحديث ضعيف، قال البيهقي في السنن (1/ 83): إنه مرسل.
ربما يقصد أن خالد بن معدان كثير الإرسال ولم يصرح باسم الصحابي ليعلم سمع منه أو أولى.
وقال ابن حزم في المحلى (2/ 98): هذا خبر لا يصح؛ لأن راويه بقية، وليس بالقوي، وفي السند من لا يدري من هو. اهـ، وضعفه المنذري ببقية كما في تهذيب السنن (1/ 128).
الثاني: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالإِعادة فلأنه يحتمل أنه أراد التشديد عليه في الإِنكار والتنبيه على أن من ترك شيئًا فكأنه تارك للكل.
3 – قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} الآية.
قال ابن مفلح في المبدع: الأول شرط، والثاني جواب، وإذا وجد الشرط: وهو القيام إلى الصلاة وجب ألا يتأخر عن جوابه: وهو غسل الأعضاء. اهـ
4 – أن صفة الوضوء تلقيناها من النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن يفصل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أعضاء وضوئه، ولو كان جائزاً لفعله ولو مرة واحدة لبيان الجواز، فمن فرق وضوءه فقد عمل عملاً مخالفاً لصفة وضوء النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.
– قال الشوكاني في السيل الجرار (ص: 59):
لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في وضوئه ولا عمن حكى وضوءه من الصحابة أنهم فرقوا بين أعضاء الوضوء وترك الموالاة بينها بل كانوا يغسلون الأول فالأول غير مشتغلين بعمل آخر فيما بين أعضاء الوضوء ولا واقفين بين غسل الأعضاء فالتفريق بدعة مخالفة لما كان عليه أمره صلى الله عليه وسلم فهي رد على فاعليها ولا يخلص فاعلها عن كونه مبتدعا ما يتمسك به من فعل صحابي قد روي عنه ذلك كما أخرجه البيهقي عن ابن عمر أنه توضأ في السوق فغسل يديه ووجهه وذراعيه ثلاثا ثلاثا ثم دخل المسجد فمسح خفيه بعد أن جف وضوؤه وصلى.
قال البيهقي وهذا صحيح عن ابن عمر وقد علقه البخاري في الغسل ولا يخفاك أن فعل الصحابي لا يقوم به الحجة في أقل حكم من أحكام الشرع فكيف بمثل هذا؟. انتهى
– قال صاحب عون المعبود (1/ 202)
قال بعض العلماء هذا الحديث يدل على عدم وجوب إعادة الوضوء لأنه أمر فيه بالإحسان لا بالإعادة والإحسان يحصل بمجرد إسباغ غسل ذلك العضو وبه قال أبو حنيفة فعنده لا يجب الموالاة في الوضوء واستدل به القاضي عياض على خلاف ذلك فقال الحديث يدل على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله صلى الله عليه و سلم أحسن وضوءك ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته انتهى. وعقد الإمام البخاري في ذلك بابا وقال باب تفريق الغسل والوضوء، ويذكر عن بن عمر أنه غسل قدميه بعد ما جف وضوؤه، قال الحافظ في الفتح باب تفريق الوضوء أي جوازه وهو قول الشافعي في الجديد واحتج بأن الله تعالى أوجب غسل الأعضاء فمن غسلها فقد أتى بما وجب عليه فرقها أو نسقها ثم أيد ذلك بفعل بن عمر وبذلك قال بن المسيب وعطاء وجماعة، وقال ربيعة ومالك من تعمد ذلك فعليه الإعادة ومن نسي فلا وعن مالك إن قرب التفريق بني وإن أطال أعاد وقال قتادة والأوزاعي لا يعيد إلا أن جف وأجازه المضي مطلقا في الغسل دون الوضوء، ذكر جميع ذلك بن المنذر.
وهذا الحديث فيه دليل صريح على وجوب الموالاة لأن الأمر بالإعادة للوضوء بترك اللمعة لا يكون إلا للزوم الموالاة وهو مذهب مالك والأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي في قول له. انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين في مجموع الفتاوى (11/ 141):
وأما الموالاة، فمعناها: أن لا يفرق بين أعضاء الوضوء بزمن يفصل بعضها عن بعض، مثال ذلك لو غسل وجهه، ثم أراد أن يغسل يديه ولكن تأخر، فإن الموالاة قد فاتت وحينئذ يجب عليه أن يعيد الوضوء من أوله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً قد توضأ، وفي قدمه مثل الظفر لم يصبه الماء، فقال، ” أرجع فأحسن وضوءك “. وفي رواية أبي داود ” أمره أن يعيد الوضوء”. وهذا يدل على اشتراط الموالاة، ولأن الوضوء عبادة واحدة والعبادة الواحدة لا ينبني بعضها على بعض مع تفرق أجزائها.
فالصحيح: أن الترتيب والمولاة فرضان من فروض الوضوء.
وأما عذر الإنسان فيهما بالنسيان أو بالجهل فمحل نظر، فالمشهور عند فقهاء الحنابلة – رحمهم الله – أن الإنسان لا يُعذر فيهما بالجهل ولا بالنسيان، وأن الإنسان لو بدأ بغسل يديه قبل غسل وجهه ناسياً، لم يصح غسل يديه ولزمه إعادة الوضوء مع طول الزمن، أو إعادة غسل اليدين وما بعدهما إن قصر الزمن، ولا شك أن هذا القول أحوط وأبرأ للذمة، وأن الإنسان إذا فاته الترتيب ولو نسياناً، فإنه يعيد الوضوء، وكذلك إذا فاتته الموالاة ولو نسياناً، فإنه يعيد الوضوء. انتهى
– قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داود (2/ 38):
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي تفريق الوضوء، والمقصود بتفريقه عدم اتصال بعضه ببعض، بأن تكون الأعضاء بعضها يغسل في وقت وبعضها في وقت آخر، ولو كان بعد جفاف بعض الأعضاء، لكن الأحاديث التي أوردها أبو داود رحمه الله تحت هذه الترجمة تدل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد فيه من الموالاة ولا بد فيه من الترتيب بين الأعضاء، فلا يقدم غسل اليدين إلى المرفقين على الوجه، أو غسل الرجلين على الوجه أو على مسح الرأس بل كل عضو يأتي بعد العضو الذي ذكر قبله، كما جاء في القرآن في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]. وأيضاً لابد من الموالاة وذلك بأن يستمر ولا يقطع الوضوء، ولو حصل أنه تبين له أن هناك عضواً من أعضائه لم يصل إلى جزء منه الماء فإن عليه أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة إذا كان قد صلى، وهذا دليل على عدم تفريق الوضوء، وأنه لا بد منه. انتهى
– قال الشيخ الراجحي في شرحه لسنن أبي داود (11/ 13):
والحديث دليل على وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء، والبخاري رحمه الله بوب لذلك فقال: [باب التفريق في الوضوء والغسل] وذكر أثر ابن عمر أنه غسل يديه بعد أن جفت قدماه، وظاهره أنه لا يرى وجوب الموالاة، والصواب وجوب الموالاة بين أعضاء الوضوء. انتهى
– أدلة القول الثاني:
1 – أن الله سبحانه وتعالى أمر بغسل هذه الأعضاء في الوضوء، ولم يوجب الموالاة، فيكف غسل هذه الأعضاء فقد امتثل الأمر.
واجيب عنه:
بأن هذا الغسل الذي أوجبه الله قد بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله سبحانه ليبين للناس ما نزل إليهم ولم يثبت عنه التفريق من فعله الدائم المستمر طول عمره ولا جاء في قوله ما يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة.
2 – القياس على غسل الجنابة، وذلك لأن الوضوء إحدى الطهارتين، فإذا كانت الموالاة لا تجب في غسل الجنابة لم تجب في الوضوء.
3 – أن عبد الله بن عمر بال في السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه، ثم دعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها. رواه مالك في الموطأ (1/ 36)، ورواه الشافعي في الأم (1/ 31).
وقالوا قد فعله ابن عمر في حضور من حضر من الصحابة للصلاة على الجنازة، ولم ينكروا عليه.
– أدلة القول الثالث:
استدلوا للوجوب بنفس أدلة القول الأول، ثم استدلوا لسقوط الوجوب بالعذر والنسيان بأدلة منها:
1 – أن أصول الشريعة في جميع مواردها تفرق بين القادر والعاجز، والمفرط والمعتدي ومن ليس كذلك، فمن ترك الموالاة لعذر كما لو كان المكان الذي يأخذ منه الماء لا يحصل له إلا متفرقاً، أو انقطع الماء فطلب ماء آخر أو لغير ذلك من الأعذار فإن هذا لم يمكنه أن يفعل ما أمر به إلا هكذا، فإذا حصل له ماء آخر فأكمل وضوءه فقد اتقى الله ما استطاع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
2 – القياس على قراءة الفاتحة، فكما أنها تجب الموالاة في قراءة الفاتحة، ولو سكت في أثناء الفاتحة سكوتاً طويلاً لغير عذر وجب عليه إعادة قراءتها، ولو كان السكوت من أجل قراءة الإمام أو فَصَلَ بذكر مشروع كالتأمين ونحوه لم تبطل الموالاة، فإذا كان ذلك كذلك مع أن الموالاة في الكلام أوكد من الموالاة في الأفعال، فإذا فرق بين أفعال الوضوء لعذر لم يكن ذلك قاطعاً للموالاة.
3 – القياس على الطواف والسعي، ومعلوم أن الموالاة في الطواف والسعي أوكد منه في الوضوء، ومع هذا فتفريق الطواف لمكتوبة تقام، أو صلاة جنازة تحضر ثم يبني الطواف ولا يستأنف، فإذا كان مثل هذا التفريق جائزاً فالوضوء أولى بذلك.
– جاء في المدونة (1/ 15): قال مالك فيمن توضأ، فغسل وجهه ويديه، ثم ترك أن يمسح برأسه، وترك غسل رجليه حتى جف وضوءه وطال ذلك، قال: إن كان ترك ذلك ناسياً بنى على وضوئه، وإن تطاول ذلك, قال: وإن كان ترك ذلك عامدا استأنف الوضوء. اهـ
وقال: أنه اتقى الله ما استطاع. وأدلة الوجوب منصبة على من ترك الموالاة لغير عذر. مجموع الفتاوى 21/ 135
قلت سيف بن دورة:
حديث أنس في الذي ترك مثل موضع الظفر معل لضعف جرير في قتادة ونقل ابن رجب أن أحمد وابن معين وغيرهما أنكرا عليه في قتادة أحاديث بعضها مراسيل اسندها وذكر منها هذا الحديث.
لكن ورد عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وفيه (ارجع فأحسن وضوءك) … أخرجه مسلم لكن رجح أبو عمار الشهيد أنه موقوف على عمر
لكن ورد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء. وفيه بقية مدلس. وخالد بن معدان كثير الإرسال.
لكن قال الأثرم لأحمد؛ إسناد جيد. فقال: نعم
نقله صاحب العون
الإمام أحمد أعرف بصحيح حديث المدلس من عدمه.
فالحديث على شرط المتمم على الذيل على الصحيح.
والله أعلم.