1459 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة رامي وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
الصحيح المسند
1459 – قال الإمام أبو داود رحمه الله:
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله:
ثنا أسحق بن عيسى قال أخبرني مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر الناس بالفطر عام الفتح وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعرج يصب على رأسه الماء من العطش أو من الحر ثم قيل يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت فلما كان بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
——————————————-
قال الألباني رحمه الله تعالى في صحيح أبي داود:
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سُمَي مولى أبي
بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الصحابي
الذي لم يُسَمّ؛ فإني لم أعرفه، لكن جهالة الصحابة لا تضر عند أهل السنة.
والحديث في ” الموطأ” (1/ 275) … بإسناده ومتنه؛ وزاد:
ثم قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا رسول الله! إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت؟ قال: فلما كان رسول الله بـ (الكديد)؛ دعا بِقَدَحٍ فشرب، فأفطر الناس.
وأخرجه الحاكم (1/ 432)، وعنه البيهقي (4/ 263) من طريق أخرى عن
القعنبي … به دون الزيادة.
وأخرجه أحمد (3/ 475 و 4/ 63 و 5/ 376 و 380 و 408 و 430) من طرق
أخرى عن مالك … به مطولاً ومختصراً.
ولابن أبي شيبة (3/ 41) منه: صَب الماء.
وهو رواية لأحمد.
شرح الحديث
قوله: [(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: تقووا لعدوكم)].فهم سافروا في رمضان إلى مكة لفتحها، وأمرهم بالإفطار ليتقووا بذلك على جهاد العدو … وصام صلى الله عليه وسلم، وكان يصب على رأسه الماء من الحر أو العطش -شك من الراوي- فهذا يدل على جواز صب الماء من الصائم على نفسه من أجل الحر، ومن أجل تخفيف الحرارة التي عليه بسبب بالبرودة التي تكون على جسمه من الماء البارد، وأما الاستنشاق فإنه يبالغ فيه إذا لم يكن صائما، أما إذا كان صائما فإنه لا يبالغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما).
قوله: [العرج].العرج: مكان معروف عندهم.
عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم].لا أعرف عنه شيئا، وجهالة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم.
شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن العباد
وفي شرح الزرقاني على الموطأ
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح) بمكة وكانوا عشرة آلاف، وقيل: اثني عشر ألفا، وجمع بأن العشرة خرج بهم من المدينة ثم تلاحق به الألفان (بالفطر وقال: تقووا لعدوكم) بمنزلة التعليل للأمر، كأنه قيل لأجل أن تقووا لملاقاة عدوكم (وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم) ففيه أن الصوم في السفر أفضل لقوله تعالى: {وأن تصوموا خير لكم} [البقرة: 184] (سورة البقرة: الآية 184) (قال أبو بكر) بن عبد الرحمن (قال الذي حدثني: فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج) بفتح العين وسكون الراء المهملتين وبالجيم، قرية جامعة على نحو ثلاث مراحل من المدينة («يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر»)، تحتمل ” أو ” الشك والتنويع، فتحمل المشقة في نفسه؛ لأنه لا يبالي بها في عبادة ربه، ألا ترى إلى قيامه حتى تورمت قدماه؟ («ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت») لأنهم فهموا أن أمره بالفطر ليس على الوجوب بدليل صيامه هو، أو اختصاصه بمن شق عليه الصوم جدا، والذين صاموا لم يكونوا كذلك.
«(فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكديد دعا بقدح) من ماء (فشرب فأفطر الناس)» زاد مسلم والترمذي عن جابر: ” «فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، قال: ” أولئك العصاة أولئك العصاة مرتين» “.
قال عياض: وصفهم بذلك؛ لأنه أمرهم بالفطر لمصلحة التقوي على العدو فلم يفعلوا حتى عزم عليهم بعد.
قال النووي: أو يحمل على من تضرر بالصوم. قال غيرهما: أو عبر به مبالغة في حثهم على الفطر رفقا بهم.
وفي مسلم عن أبي سعيد: ” «سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صيام فقال: إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة، فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة» “.
وأخرج ابن عبد البر عن أبي سعيد: ” «خرجنا عام الفتح صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر، وأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر، حتى إذا بلغنا الظهران آذننا بلقاء العدو وأمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين» “، ثم لا تعارض بين حديثي الباب أنه أفطر بالكديد، وهو بين عسفان وقديد، وبين حديث ابن عباس في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «أفطر في عسفان».
وحديث جابر في مسلم بكراع الغميم بفتح المعجمة، واد أمام عسفان مع أن القصة واحدة، وهذه أماكن مختلفة؛ لأنها كما قال عياض: أماكن متقاربة، وعسفان يصدق عليها؛ لأن الجميع من عملها، أو أنه أخبر بحال الناس ومشقتهم بعسفان، وكان فطره بالكديد لحديث الموطأ هذا، وجمعه الثاني إنما يستقيم على المشهود المعروف أن عسفان على ثمانية وأربعين ميلا من مكة، والكديد على اثنين وأربعين منها، لا على ما نقله هو أن عسفان على ستة وثلاثين ميلا من مكة. انتهى
و قال ابن بطال رحمه الله في كتاب الجهاد تحت باب فضل الصوم فى سبيل الله
698 / فيه: أبو سعيد، سمعت النبى؛ (صلى الله عليه وسلم)، يقول: (من صام يوما فى سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا).
قال المهلب: هذا الحديث يدل أن الصيام فى سائر أعمال البر أفضل إلا أن يخشى الصائم ضعفا عند اللقاء؛ لأنه قد ثبت عن الرسول أنه قال لأصحابه فى بعض المغازى حين قرب من الملاقاة بأيام يسيرة: (تقووا لعدوكم) فأمرهم بالإفطار؛ لأن نفس الصائم ضعيفة وقد جبل الله الأجسام على أنها لا قوام لها إلا بالغذاء. ولهذا المعنى قال النبى (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمرو: (أفضل الصوم صوم داود كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى) فلا يكره الصوم البتة إلا عند اللقاء وخشية الضعف عند القتال؛ لأن الجهاد وقتل المشركين أعظم أجرا من الصوم لمن فيه قوة.
شرح صحيح البخاري لابن بطال
و قال باحث
وقال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 53 – 54):
وكان – يعني النبي صلى الله عليه وسلم- يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله، فلو اتفق مثل هذا في الحضر وكان في الفطر
قوة لهم على لقاء عدوهم، فهل لهم الفطر؟ فيه قولان: أصحهما دليلا: أن لهم ذلك، وهو اختيار ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإسلامية لما لقوا العدو
بظاهر دمشق، ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر تنبيه على إباحته في هذه الحالة، فإنها أحق بجوازه، لأن القوة
هناك تختص بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر، ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد أعظم من المصلحة بفطر المسافر
، ولأن الله تعالى قال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) الأنفال /60.
والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة. . . ولأن النبي قال للصحابة لما دنوا من عدوهم: (إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم،
وكانت رخصة. ثم نزلوا منزلا آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزمة فأفطرنا).
فعلل بدنوهم من عدوهم واحتياجهم إلى القوة التي يلقون بها العدو، وهذا سبب آخر غير السفر، والسفر مستقل بنفسه، ولم يذكره في تعليله
ولا أشار إليه. . . وبالجملة فتنبيه الشارع وحكمته يقتضي أن الفطر لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر، فكيف وقد أشار إلى العلة، ونبه عليها، وصرح بحكمها
، وعزم عليهم بأن يفطروا لأجلها، ويدل عليه ما رواه عيسى بن يونس عن شعبة عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله لأصحابه يوم فتح مكة:
إنه يوم قتال فأفطروا، فعلل بالقتال، ورتب عليه الأمر بالفطر بحرف الفاء. وكل أحد يفهم من هذا اللفظ أن الفطر لأجل القتال اهـ
والله أعلم.
وهذه المعركة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله، كانت بين المسلمين والتتار سنة 702 هـ وكان النصر فيها للمسلمين.
و قال ابن كثير رحمه الله:
وأفتى الناس بالفطر – يعني ابن تيمية رحمه الله – مدة قتالهم وأفطر هو أيضا، وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل، فيأكل الناس اهـ
انظر: “البداية والنهاية” (14/ 31).