1439 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——
الصحيح المسند
1439 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 2 ص 537): حدثنا هاشم، حدثنا زهير، حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة الخوصة ” زعم سهيل.
هذا حديث حسن، وزهير هو ابن معاوية.
————————
O معنى يتقارب الزمان:
قال الشيخ محمد غيث في ” أحاديث أشراط الساعة وفقها ” (ص 335 – 359):
اختلف العلماء رحمهم الله بالمراد في هذا الشرط إلى عدة أقوال:
القول الأول: ((معناه تقارب أحوال أهل الزمان في قلة الدين، حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله، أو في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل، وذلك أن الناس لا يتساوون في العلم، لأن درج العلم تتفاوت، وإنما يتساون إذا كانوا جهالاً))
القول الثاني: ((المراد بذلك هو ما يكون في زمان المهدي و عيسى عليه السلام من استلذاذ الناس للعيش وتوفر الأمن، وغلبة العدل، وذلك أن الناس يستقصرون أيام الرخاء وإن طالت، وتطول عليهم مدة الشدة وإن قصرت))
قال ابن حجر رحمه الله: ((وتعقبه الكرماني بأن لا يناسب أخواته من ظهور الفتن وكثرة الهرج وغيرهما. وأقول: إنما أحتاج الخطابي إلى تأويله بما ذكر لأنه لم يقع النقص في زمانه، وإلا فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا؛ فإنا نجد من سرعة الأيام مالم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ)).
القول الثالث: ((معنى تقارب الزمان استواء الليل والنهار))
القول الرابع: ((معناه قصر الأعمار وقلة البركة فيها)). فتقصر ((الأعمار بالنسبة إلى كل طبقة، فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارا من الطبقة التي قبلها))
القول الخامس: ((المراد تسارع الدول إلى الانقضاء، والقرون إلى الانقراض، فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم))
القول السادس: ((معناه قرب يوم القيامة ودنو زمان الساعة))
القول السابع: المراد قصر الزمان حقيقة، وسرعته سرعة حقيقية، تقصر مدة الأيام، وذلك في آخر الزمان، على نحو ما جاء في الحديث (فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة))
((ونقل ابن التين عن الداودي أن معنى حديث الباب أن ساعات النهار تقصر قرب قيام الساعة ويقرب النهار من الليل، قال ابن حجر: وتخصيصه ذلك بالنهار لا معنى له))
القول الثامن: المراد التقارب والقصر المعنوي، بحيث تقل البركة من الزمان، ويصير الانتفاع باليوم كالانتفاع بالساعة في قلة البركة و الشعور بسرعة الانقضاء.
قال ابن حجر رحمه الله: ((الذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا، فإنا نجد من سرعة الأيام مالم نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، و إن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان، وذلك من علامات قرب الساعة))
وقال رحمه الله: ((قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون بتقارب الزمان قصره على ما وقع في حديث ((لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر)) وعلى هذا فالقصر يحتمل أن يكون حسيا، ويحتمل أن يكون معنويا، أما الحسي فلم يظهر بعد، ولعل من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة))
{حاشية: وقوع هذا في آخر الزمان ليس بالأمر البعيد، ويؤيد أن أيام الدجال ستطول، حتى يكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فكذلك قد تقصر لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا والله أعلم}
وأما المعنوي فله مدة منذ ظهر، يعرف ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي، فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك، ويشكون ذلك، ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك الاقوات، ففيها من الحرام المحض ومن الشبه ما لا يخفى، حتى إن كثيرا من الناس لا يتوقف في شيء، ومهما قدر على تحصيل شيء هجم عليه ولا يبالي، والواقع أن البركة قي الزمان وفي الرزق وفي النبت إنما يكون من طريق قول الإيمان واتباع الأمر واجتناب النهي والشاهد لذلك قوله تعالى: (ولو أن اهل القرى ءامنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) [الأعراف: 96] انتهى ملخصا.
ونقل عن النووي والقاضي عياض أنهم قالوا عن هذا القول: وهذا اظهر وأكثر فائدة وأوفق لبقية الأحاديث.
القول التاسع: معناه ما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين الناس وما بين المدن والأقاليم وقصر المسافة بسبب اختراع وسائل الإتصالات والمواصلات.
قال بعض العلماء المعاصرين رحمه الله: وهذا أظهر من كل ما قالوه وأليق بكونه إخبارا عن غيب لا مجال للرأي فيه، ولا يعرف الا بوحي من الله تعالى، وما قالوه يختلف باختلاف الناس في كل زمان – ثم ذكر ما ذهب إليه عياض والنووي ابن حجر من أن المعنى نزع البركة من الزمان – قال: وهذا وهم ظاهر، ونحن نقول إن بعض ما يعمل الآن قي ساعة واحدة، لم يكن يمكن عمله في يوم، وما يعمل في يوم واحد كان يحتاح فيه إلى أسبوع إلخ.
وهذا القول قد يكون ظاهرا في زماننا، ولكن القطع بأن هذا القول هو الأظهر والأليق من كل ما قالوه، وماعداه وهم ظاهر، فيه نظر وذلك أنه ورد في أحاديث الملحمة الكبرى قبل الدجال أن القتال فيها يكون بالسيوف وعلى الخيول، وكذا في أحاديث الرجال وابن مريم،-على ما سيأتي في موضعه-مما ينباء بتعطل هذه الآلات فكيف يفسر آخر الزمان بها؟!
ثم القول أن ما قالوه: ((من نزع البركة من الزمان)) يختلف باختلاف الناس في كل زمان، صحيح، ولكن الحكم للغالب، وهم يحكون هذا عن أنفسهم وخواص أهل زمانهم، ولا يزال الأمر يتناقص، فنحن ورغم ماحصل عندنا من تقدم وآلات ووسائل، نجد أنفسنا عاجزين عن بلوغ ما قدمه الأوائل للإسلام في شتى الميادين، بل قد عجزنا عن الاستفادة مما تركوه، وبعث ماقد سطروه، مما يدلنا على أن الله تعالى قد أودع في اوقاته من البركة ما قد تعجز عقول الأاخر عن إدراكها.
فالقول أن معنى تقارب الزمان: نزع البركة منه، وقد ظهرت مباديه وهو في ازدياد، أو أنه أمر حسي على ظاهر الأحاديث لم يظهر بعد، أقرب الأقوال والله تعالى أعلم.