1437 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة مصطفى الموريتاني وأبو إبراهيم صالح.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن أحمد بن دورة الكعبي
————-
الصحيح المسند؛؛؛
1437 عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض بها صوته شك يحيى.
——————-
وكتب أحد الباحثين بحثا شاملا في الموضوع مؤصلا فنقلته بتصرف بسيط في الإحالات فقط واسقاط المقدمة. فقال:
معنى العطاس
العَطْسُ والعُطاس من العطسة، مصدر عَطَس الرجل يَعْطُسُ ويَعْطِسُ، عَطْسًا وعُطاسًا؛ والْمَعْطِس والْمَعْطَس: الأنف؛ لأَنَّ العُطَاسَ منه يَخْرُجُ؛ وفي حديث عمر رضي الله عنه: لا يُرْغِم اللَّهُ إِلا هذه المَعاطس؛ هي الأُنوف.
وعطس الصبح، إذا انفلق؛ أي: أنار، على الاستعارة (لسان العرب 4/ 351).
كيفية العطاس وسببه
العطاس هو خروج الهواء – بما يحمله من رذاذ – فجأة وباندفاع من الأنف والفم؛ ويحدث ذلك للتخلص من أبخرة تكون بالدماغ، أو من مواد تدخل الأنف فتهيجه، فهي عملية تحدث بشكل لا إرادي، عندما يدخل الأنف جسم غريب – كالغبار مثلا – فيثير النهايات العصبية الموجودة في الأنف؛ فيحدث العطاس؛ وقد يكون بسبب دخول ميكروب (كميكروب الأنفلونزا) وهذه حالة مرضية، يرتاح صاحبها إذا عطس؛ فلذا يستوجب الحمد بعدها. وقد يؤدي إحداق النظر إلى ضوء الشمس للعطاس؛ لأنه يثير عصب العينين المتصل بالنهايات العصبية الموجودة في الأنف. وقد يكون العطاس بغير سبب خارجي، وذلك لإخراج الأبخرة التي تكون في رأس الإنسان، مما يشعر بعده براحة، تدل على نعمة العطاس، فلذا يحمد الله بعدها.
نعمة العطاس
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ ” الحديث رواه البخاري (البخاري (5869، 5872)).
قال الخطابي: معنى حب العطاس وكراهة التثاؤب؛ أن العطاس يكون مع انفتاح المسام، وخفة البدن، وتيسير الحركات؛ والتثاؤب إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه، وعند استرخائه للنوم، وميله إلى الكسل، فصار العطاس محمودًا لأنه يعين على الطاعات؛ والتثاؤب مذمومًا لأنه يثبطه عن الخيرات، وقضاء الواجبات ((تحفة الأحوذي): 8/ 18).
فمعنى المحبة والكراهة فيهما منصرف إلى سببهما.
قال ابن أبي جمرة: وفي الحديث دليل على عظيم نعمة الله على العاطس؛ يؤخذ ذلك مما رتب عليه من الخير، وفيه إشارة إلى عظيم فضل الله على عبده، فإنه أذهب عنه الضرر بنعمة العطاس، ثم شرع له الحمد الذي يثاب عليه، ثم الدعاء بالخير بعد الدعاء بالخير، وشرع هذه النعم المتواليات في زمن يسير، فضلًا منه وإحسانًا؛ وفي هذا – لمن رآه بقلب له بصيرة – زيادة قوة في إيمانه، حتى يحصل له من ذلك ما لا يحصل بعبادة أيام عديدة، ويداخله من حب الله الذي أنعم عليه بذلك ما لم يكن في باله، ومن حب الرسول الذي جاءت معرفة هذا الخير على يده، والعلم الذي جاءت به سنته، ما لا يقدر قدره … قال: وفي زيادة ذرة من هذا ما يفوق الكثير مما عداه من الأعمال؛ ولله الحمد كثيرا ((فتح الباري): 10/ 609، 610).
كما أن العطاس عملية لا إرادية، يخرج معها الهواء بقوة من طريقي الأنف والفم معًا، جارفًا معه كل ما يجده في طريقه من غبار وهباء وجراثيم وسواها، ويطردها من الجسم مخلصًا له من أذاها؛ وهذه نعمة عظيمة، حُقَّ على المسلم أن يحمد الله عليها؛ لذا علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله تعالى بعد العطاس.
أول من عطس
روى الترمذي والنسائي والحاكم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ، وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ؛ فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ “، زاد ابن حبان: ” فَلِذَلِكَ سَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ ” (الترمذي (3368)، والنسائي في الكبرى (10046)، وابن حبان (6164)، والحاكم (7681) وصححه، ووافقه الذهبي). فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الْحَمْدَ، وَأَوَّلُ مَا سَمِعَهُ الرَّحْمَةَ.
قلت سيف: رواية الحاكم ذكرها الشيخ مقبل في الصحيح المسند 1408
لكن ذكر عبدالله بن الإمام أحمد عن أبيه أن الحارث بن عبدالرحمن بن أبي ذباب رواه عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله آدم. .. ) خالفه الليث بن سعد عن بن عجلان عن سعيد عن عبدالله بن سلام. (العلل لعبدالله بن الإمام أحمد) وقال المحقق ط دار القبس في حديث عبدالله بن سلام: أخرجه ابن السني ص 238 عن قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن سعيد عن أبيه عن عبدالله بن سلام وقال: وقال أبوعبدالرحمن – يعني النسائي – هذا هو الصواب والآخر خطأ.
قلت قال في السنن الكبرى: خالفه محمد بن عجلان فيه فذكره عن الليث عن ابن عجلان عن سعيد عن أبيه عن عبدالله بن سلام فذكره مختصرا وحديث محمد بن خلف منكر وأخرجه الفريابي في القدر مطول وهو أول حديث في كتابه
وحديث عبدالله بن سلام حسن على شرط المتمم على الذيل إذا لم يكن يشمله اختلاط ابن عجلان لأحاديث المقبري؛ لأن المنصوص أنه كان يروي عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وعن رجل عن أبي هريرة فجعلها كلها بسند واحد
وفي صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله الله عليه وسلم قال: ” لَمَّا نُفِخَ فِي آدَمَ، فَبَلَغَ الرُّوحُ رَاسَهُ عَطَسَ، فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ اللهُ لَهُ –تبارك وتعالى-: يَرْحَمُكَ اللهُ ” (ابن حبان (6165)، والحاكم (7682) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي).
قلت سيف: إنما أخرجه الحاكم موقوفا على أنس ولا أدري هل الموقوف يعلن المرفوع أم محفوظ من الوجهين.
وفي مستدرك الحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنه – قال: لما فرغ الله من خلق آدم، وأجرى فيه الروح، عطس فقال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك (المستدرك (3036)، وصححه، ووافقه الذهبي).
آداب العطاس
للعطاس آداب راقية تدل على عظمة دين الإسلام، ورقي أهله إذا هم تمسكوا بتعاليمه وآدابه؛ وإجمال هذه الآداب في: تغطية الوجه أو الفم، وغض الصوت، وحمد الله تعالى، ورفع الصوت به، والردِّ على من شَمَّته؛ وإليك البيان:
1 – تغطية الوجه أو الفم؛ لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ، وَضَعَ ثَوْبَهُ أَوْ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتِهِ؛ ولفظ أبي داود: وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ؛ ولفظ الترمذي: كَانَ إِذَا عَطَسَ، غَطَى وَجْهَهُ بَيَدِهِ أَوْ بِثَوبِهِ، وَغَضَّ بِهَا صَوْتَهُ (أحمد: 2 /، وأبو داود (5031)، والترمذي (2745) وقال: حسن صحيح)؛ وفي المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إِذَا عَطَسَ أحدُكمْ، فَلْيَضَعْ كَفَّيهِ عَلَى وَجْهِهِ، ولْيَخْفِضْ صَوتَه ” (الحاكم (7684) وصححه، ووافقه الذهبي).
والعلة في ذلك أنه كثيرًا ما يرافق العطس كمية دافقة من الرذاذ الملوث، لذا من اللياقة تغطية الأنف والفم بمنديل ونحوه، حتى لا يتأذى من حوله؛ ورأى البعض أن هذا – أيضًا – من باب الوقاية، حتى لا يكون سببًا في عدوى غيره إن كان مريضًا؛ والعلم عند الله تعالى.
– خفض الصوت عند العطاس؛ رعاية لمن حوله، ففي حديث أبي هريرة المتقدم: (وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ مِنْ صَوْتِهِ)، وفي رواية الحاكم الأمر بذلك: “ولْيَخْفِضْ صَوتَه “.
3 – التحميد؛ وهو أن يقول في إثر عطاسه: الحمد لله؛ أو: الحمد لله رب العالمين؛ أو: الحمد لله على كل حال؛ وبكلٍ جاء الدليل.
ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ” (البخاري (5870))؛ المراد بالأخوة: أخوة الإسلام.
وروى أحمد وأبو يعلى عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنه – قَالَتْ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَا أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” قُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ “؛ قَالَ الْقَوْمُ: مَا نَقُولُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” قُولُوا لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ “، قَالَ: مَا أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” قُلْ لَهُمْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ” (أحمد: 6/ 6 / 79، وأبو يعلى (4946)، ورواه البيهقي في شعب الإيمان (9341)، وهو حسن بشواهده).
وروى أحمد والنسائي عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ” (- أحمد: 1/ 120، 122، والنسائي في اليوم والليلة (212)، والضياء في المختارة (640)).
وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ” إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ” (أبو داود (5033)، وصححه الألباني).
وروى أحمد والترمذي والنسائي عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ الذي يرد عليه: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ” (أحمد: 5/ 419، 422، والترمذي (2741)، والنسائي في الكبرى (10041)).
وروى الطبراني عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّرضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ مَنْ حَوْلَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ لِمَنْ حَوْلَهُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ ” (الطبراني في الكبير: 3/ 292 (3441)).
وروى الترمذي والحاكم عَنْ نَافِعٍ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ؛ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ” (الترمذي (2738)، وحسنه الألباني، والحاكم (7691) وصححه).
ومعنى ” الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ” أي: على كل كيفية من الكيفيات التي قدَّرها؛ فإنَّ قضاء الله للمؤمن كله خير، ولو انكشف له الغطاء لفرح بالضراء أكثر من فرحه بالسراء؛ ولعل هذا يناسب من عطس بسبب المرض؛ كالزكام ونحوه.
وفي (الأدب المفرد) ومستدرك الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل من يرد: يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لي ولكم (الأدب المفرد (934)، والمستدرك (7695)؛ هكذا هو صحيح موقوفًا، ورفعه النسائي والطبراني وأعلاه، وله شاهد عند أحمد والثلاثة من حديث سالم بن عبيد رضي الله عنه وفي إسناده مقال، وآخر عند البخاري في (الأدب المفرد) عن علي. رضي الله عنه موقوفا؛ وهذا لا يقال من قبل الرأي، فيأخذ حكم المرفوع؛ ورواه النسائي في اليوم والليلة (224)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (699)).
فهذه ثلاثة محامد بأيها قال أجزأه؛ قال النووي – رحمه الله- في (الأذكار): اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه: الحمد لله، فلو قال: الحمد لله رب العالمين، كان أحسن، ولو قال: الحمد لله على كل حال، كان أفضل انظر (أذكار النووي) ص 488 – ت: عامر بن علي ياسين – دار ابن خزيمة – الرياض – ط 1؛ 1422 هـ).ا. هـ.
وقال ابن حجر – رحمه الله -: نقل ابن بطال عن الطبراني أن العاطس يتخير أن يقول: الحمد لله، أو يزيد: رب العالمين، أو: على كل حال. ا. هـ. والذي يتحرر من الأدلة أن كل ذلك مجزئ، لكن ما كان أكثر ثناء أفضل، بشرط أن يكون مأثورًا (الأذكار: ص240، وانظر فتح الباري: 10/ 615، 616 (الريان للتراث)).
وفي حديث ابن عمر – رضي الله عنها: وَأَنَا أَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ؛ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ “؛ دلالة على أن الألفاظ الشرعية الواردة في عمل معين، لا يضاف إليها ما ليس من جنسها؛ ولا يشكل على ذلك ما رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَعَطَسْتُ، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، حَمْدًا كَثِيرًا، طَيِّبًا، مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى؛ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ، فَقَالَ: “مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟ “، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّانِيَةَ: ” مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟ “، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، ثُمَّ قَالَهَا الثَّالِثَةَ: ” مَنْ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ؟ “، فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ ابْنُ عَفْرَاءَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ” كَيْفَ قُلْتَ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، حَمْدًا كَثِيرًا، طَيِّبًا، مُبَارَكًا فِيهِ، مُبَارَكًا عَلَيْهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ” وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا، أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا ” (أبو داود (773)، والترمذي (404) وحسنه، واللفظ له، والنسائي (931)؛ ورواه الطبراني في الكبير: 5/ 41 (4532)، وابن حبان (1910)، والحاكم (5023)).
أقول: لا يشكل ما ورد في حديث رفاعة على ما قدمنا من أن الألفاظ الشرعية لا يضاف إليها ما ليس من جنسها؛ لأن إضافته هاهنا من جنس الحمد، وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن لها فضلا … والعلم عند الله تعالى.
قال ابن حجر – واستدل بأمر العاطس بحمد الله أنه يشرع حتى للمصلي؛ وبذلك قال الجمهور من الصحابة والأئمة بعدهم، وبه قال مالك والشافعي وأحمد، ونقل الترمذي عن بعض التابعين أن ذلك يشرع في النافلة لا في الفريضة، ويحمد مع ذلك في نفسه؛ وجوَّز شيخنا في (شرح الترمذي) أن يكون مراده أنه يسِرُّ به ولا يجهر به، وهو متعقب مع ذلك بحديث رفاعة بن رافع؛ فإنه جهر بذلك، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليه؛ نعم، يفرق بين أن يكون في قراءة الفاتحة أو غيرها؛ من أجل اشتراط الموالاة في قراءتها، وجزم ابن العربي من المالكية بأن العاطس في الصلاة يحمد في نفسه، ونقل عن سحنون أنه لا يحمد حتى يفرغ، وتعقبه بأنه غلو (انظر (فتح الباري): 10/ 608).
ولا يجوز العدول عن الحمد إلى لفظ آخر ولو كان ذِكرًا؛ قال ابن حجر –: وَلَا أَصْل لِمَا اِعْتَادَهُ كَثِير مِنْ النَّاس مِنْ اِسْتِكْمَال قِرَاءَة الْفَاتِحَة بَعْد قَوْله: الْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ، وَكَذَا الْعُدُول مِنْ الْحَمْد إِلَى أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، أَوْ تَقْدِيمهَا عَلَى الْحَمْد، فَمَكْرُوه؛ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّف فِي (الْأَدَب الْمُفْرَد) بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّ اِبْن عُمَر سَمِعَ اِبْنه عَطَسَ فَقَالَ: أَب، فَقَالَ: وَمَا أَب؟ إِنَّ الشَّيْطَان جَعَلَهَا بَيْنَ الْعَطْسَة وَالْحَمْد (- الأدب المفرد (937)، ورواية ابن أبي شيبة في مصنفه (25993) بلفظ: عطس رجل عند ابن عمر فقال: أشهب، قال ابن عمر: أشهب اسم شيطان، وضعه إبليس بين العطسة والحمد لله ليذكر)؛ وَأَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِلَفْظِ: أَش، بَدَل: أَب انظر (فتح الباري): 10/ 600).
3 – رفع الصوت بالحمد؛ ليستحق التشميت (انظر (أذكار النووي) ص 490)؛ والأدلة على ذلك كثيرة ستأتي في آداب التشميت؛ وفي مصنف عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير، ذكره عن بعضهم قال: حُقَّ على الرجل إذا عطس أن يحمد الله، ويرفع بذلك صوته، فيسمع من عنده؛ وحُقَّ عليهم إذا حمد الله أن يشمتوه المصنف (19680)).
4 – يقول العاطس لمن شَمَّته: ” يَهْدِيكُمُاللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ “، أو يغفر الله لكم. في حديث أبي هريرة المتقدم: ” فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ “؛ قال البخاري بعد تخريجه في (الأدب المفرد): وهذا أثبت ما يروى في هذا الباب؛ وقال الطبري: هو من أثبت الأخبار؛ وقال البيهقي: هو أصح شيء ورد في هذا الباب.
والبال: الشأن؛ قال ابن حجر – رحمه الله -: مقتضاه أنه لا يشرع ذلك إلا لمن شَمَّت؛ وهو واضح، وأن هذا اللفظ هو جواب التشميت (نقلا عن (فتح الباري): 10/ 609).
وكذلك هو في حديث علي، وعائشة، وأبي أيوب، وأبي مالك رضي الله عنهم.
وروى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا عَطَسَ، فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ (الموطأ: 2/ 965 (1733) وإسناده صحيح، ورواه من طرقه البخاري في الأدب المفرد (933))؛ وتقدم حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل من يرد: يرحمك الله، وليقل هو: يغفر الله لي ولكم.
وذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين؛ وقال أبو الوليد بن رشد: الثاني أولى، لأن المكلف يحتاج إلى طلب المغفرة، والجمع بينهما أحسن إلا للذمي؛ واختار الطحاوي قوله: ” يَهْدِيكُمُ اللَّهُ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ “، لأنه أحسن من تحيته؛ لأن حال من هدي وأصلح باله فوق المغفور له.
واختار ابن أبي جمرة أن يجمع المجيب بين اللفظين، فيكون أجمع، ويخرج من الخلاف، ورجحه ابن دقيق العيد (انظر (الاستذكار) لابن عبد البر: 8/ 482؛ و (فتح الباري) لابن حجر: 10/ 609، 610).
تشميت العاطس
التشميت بالسين والشين، والشين أكثر استعمالا، وجاءت بها أكثر الروايات؛ والتشميت هو أن يدعو المسلم للعاطس بالرحمة إذا حمد الله، فيقول: يرحمك الله.
ومعناه بالمهملة (سمَّت) من السمت، وهو القصد والطريق القويم، وقيل: هو دعاء له بحسن السمت، فإن الأعضاء عند ذلك يحصل فيها تغيير.
ومعناه بالمعجمة (شمَّت) من التشميت، وهو التبرك، تقول: شمَّته إذا دعا له بالبركة، وقيل: دعاء له أن يصرف الله عنه ما يُشْمت به أعداءه؛ وقيل: هما بمعنى واحد، قال أبو عبيد: وكل داع بالخير فهو مسمِّتٌ ومشمِّتٌ (وفتح الباري: 10/ 617).
قال ابن العربي – رحمه الله – ما خلاصته: إن كلاهما بمعنى واحد، وفي اتحاد المعنى سرٌّ بديع، وهو أن العاطس ينحلُّ كل عضو في رأسه وما يتصل به، أو ينحلُّ بعضه؛ فإن قيل له: يرحمك الله، فمعناه: آتاك رحمة يرجع بها كل عضو إلى حالته قبل العطاس. فإن قلت: هذا تسميت (بالسين المهملة) كان معناه: أن يرجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه قبل العطاس. وإذا قلته بالشين المعجمة، كان معناه: صان الله شوامته – التي بها قوام بدنه – عن خروجها عن سنن الاعتدال؛ وشوامت الدابة هي قوائمها التي بسلامتها يكون قوامها، وقوام الإنسان بسلامة قوائمه التي بها قوامه، وهو رأسه وما يتصل به (عارضة الأحوذي: 10/ 206، 207).