1431 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابي طارق تيسير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة –
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–
الصحيح المسند 1431 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)
وأخرجه أحمد: 8283 قال محققو المسند: إسناده حسن. وصححه الالباني في الصحيحة 2444
———-
نقل بعض اهل العلم
(أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت صديقته
قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناق
قال: فسكت عني فنزلت: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)
فدعاني فقرأها علي وقال: لا تنكحها
حسن صحيح. سنن أبي داود برقم: 2051
صححه الشيخ مقبل في أسباب النزول. وهو في مفاريد الصحابة
وقوله عليه الصلاة والسلام
(لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله)
قال الألباني في “ السلسلة الصحيحة “ 5/ 572:
” و فيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنى
و كذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنى و يدل على ذلك قوله تعالى:
(و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك)
قال العلامة ابن عثيمين – رحمه الله -:
“الزانية هي فاعلة الفاحشة ـ والعياذ بالله ـ حرام على الزاني وغيره حتى تتوب، لقول الله تبارك وتعالى:
{الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}
فالزانية تحرم على الزاني وغير الزاني؛ لأن الله تعالى قال: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
والقرآن صريح بأنه حرام، وأنه لا يحل للمؤمن أن يتزوج امرأة زانية.
وقوله: «حتى تتوب» أي: تتوب من الزنا، لكن ما الذي يدرينا أنها تابت؟
قال بعض أهل العلم: نعلم أنها تابت بأن تراود على الزنا فتأبى
لكن هذا القول ضعيف جداً
لأنها إن علمت أن هذا الرجل من الفساق، فما أقرب أن تجيب، ويكون هذا فتح باب للزنا
وإن علمت أنه من أهل الخير سوف تمتنع وإن كانت تريد الزنا
وفيه ـ أيضاً ـ تغرير بصاحب الخير؛ لأنه ربما إذا راودها ووافقت غرته ويزني بها
فالصواب
أن توبة الزانية كغيرها، فإذا علمنا أن المرأة أصبحت نادمة، وظهر عليها أثر الحزن والبعد عن مواقع الريب
فهنا نعلم أنها تابت فتحل.
ولم يذكر المؤلف الزاني حتى يتوب
لأن فقهاءنا ـ رحمهم الله ـ يرون أن الزاني له أن يتزوج، ولو كان زانياً والعياذ بالله، ولو كان مصرًّا على الزنا!!
ولكن هذا من غرائب العلم أن يستدل ببعض النص دون بعض
فالزانية والزاني كلاهما سواء في الآية:
والخلاصة:
أن الزانية تحرم على الزاني وغيره حتى تتوب، ويضاف إلى هذا أن تنقضي عدتها
وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيانها، فإن تابت ولكنها لم تنقضِ العدة، وهي ثلاث حيض على المذهب، فإنها لا تحل.
وظاهر كلام المؤلف أنها لا تحل للزاني ولا لغيره، ما دامت في العدة ولو تابت، وهو قول جمهور العلماء
وذلك لأن الزاني لا يلحقه ولده من الزنا، سواء استلحقه أم لم يستلحقه.”
الفقه: الشرح الممتع على زاد المستقنع – المجلد الثاني عشر
وفي تفسير قوله تعالى:
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ للطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)
(الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
قال العلامة ابن باز – رحمه الله -:
” هاتان الآيتان الكريمتان استنبط منهما أهل العلم
أنه لا ينبغي للمؤمن أن يتزوج الزانية حتى تتوب، لأن الزنى خبث والزواني خبيثات
فينبغي للمؤمن أن يتحرى في زواجه النساء الطيبات المعروفات بالعفة والاستقامة في دينهن …
ولا ينبغي للمؤمنة أيضاً أن تنكح الخبيث المعروف بالفسق وعدم الاستقامة
لتعاطيه المسكرات أو لكونه يرتكب الفواحش من الزنا واللواط
وإذا وقع في هذا البلاء صار لها عذر أن تطلب الفسخ
والله يقول جل وعلا: (الخبيثات للخبيثين)، ويقول: (والطيبات للطيبين)،
ويقول: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) ”
وفي نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار
باب نكاح الزاني والزانية
1 – عن أبي هريرة قال (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله).
رواه أحمد وأبو داود.
2 – وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص (أن رجلا من المسلمين أستأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه قال فاستأذن نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أو ذكر له أمرها فقرأ عليه نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك).
رواه أحمد.
3 – وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأساري بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت يا رسول اللّه أنكح عناقا قال فسكت عني فنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها عليّ وقال لا تنكحها).
رواه أبو داود والنسائي والترمذي.
حديث أبي هريرة قال الحافظ في بلوغ المرام رجال ثقات. وحديث عبد اللّه بن عمرو أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط. قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي.
ـ وفي الباب ـ عن عمرو بن الأحوص (أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا في النساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه. وعن ابن عباس عند أبي داود والنسائي قال (جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها. قال المنذري ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين. وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة ابن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم التحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد اللّه بن عبيد بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية. وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد يد لامس تعطي من ماله. قلت: فإن أبا عبيد يقول من الفجور قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله ولم يكن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر. وسئل عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور. وقال الخطابي معناه الزانية وأنها مطاوعة لمن أراد لا ترد يده. وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس.
قلت سيف حديث عمرو بن الأحوص: صححه الالباني في الارواء بشاهد في مسند احمد 20695 من طريق علي بن زيد عن ابي حرة الرقاشي عن عمه بنحوه لكن فيه ( … ولكم عليهن حقا. ان لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا ياذن في بيوتكم لاحد تكرهونه .. ) ونقل محققو المسند أن الخطابي حمله على الاذن للرجال الاجانب وليس الزنا. ورواية مسلم كذلك لفظها (ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح … ) أما رواية عمرو بن الاحو ص (إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) وفيها سليمان بن عمرو بن الاحوص وثقه الذهبي وابن حبان وروى عنه ثلاثة. وقال ابن حجر مجهول. وقال الترمذي: حسن صحيح. وهو في أغلبه له شواهد ومنها حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم إلا التصريح بالفاحشة فلا يوجد ما يشهد له.
قوله: (الزاني المجلود) الخ هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها {وحرم ذلك على المؤمنين} فإنه صرح في التحريم قال في نهاية المجتهد اختلفوا في قوله تعالى {وحرم ذلك على المؤمنين} هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم وهل الإشارة في قوله ذلك على الزنا أو إلى النكاح قال وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه. وقد حكى في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى {وأحل لكم ما وراء ذلكم} وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم (لا يحرم الحلال الحرام) أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر. وحكى عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية. وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد الا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك واستدل على ذلك بقوله تعالى {أو مشركة} قال وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع. وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله أو مشرك وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع. ولا يخفى ما في هذا الجواب لأن حاصله أن المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية إذ منع النكاح مع المشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية إذ قد ألغى خصوصية الزنا وأيضا قد تقرر في الأصول إن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح اللّه بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال {وحرم ذلك على المؤمنين} وأما جعل الإشارة في قوله {وحرم ذلك} إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص.
وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الأستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه (الا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن) الخ فتفسير حديث لا ترد يد لامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع. وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن من زنت لم ينفسخ نكاحها. وحكى أيضا عن المؤيد باللّه أنه يجب تطليقها ما لم تتب.
قلت سيف: حديث لا ترد يد لامس أعله بعض الأئمة.
قال العباد:
وقد اختلف العلماء في حكم الزواج بالزانية وذكر الاقوال … وقال: وقد تكلم شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى على هذه الآية في (أضواء البيان) وقال: إن هذه من أصعب المسائل؛ لأن القرينة التي في الآية تدل على أن المراد بالنكاح الوطء، وسبب النزول يدل على أن المراد بالنكاح الزواج، قال: والتخلص -يعني: من هذا الإشكال- صعب ولا يتم إلا بنوع من
التكلف والتعسف، ثم أشار إلى شيء من ذلك وقال: إن النكاح يحمل على أنه مشترك في المعنيين، فيطلق على الوطء وعلى النكاح، فيكون المراد به النكاح باعتبار والوطء باعتبار. ومعنى ذلك أنه إن قصد به الوطء في الزنا فذلك لدلالة ذكر المشرك عليه، فيكون المراد به الوطء لقرينة ذكر المشرك، والحديث الذي ورد بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن أن يتزوجها يدل على أن المراد بذلك الزواج، فتكون الآية تفسر بالمعنيين، فتحمل على المعنيين الذين يدل عليهما اللفظ بالاشتراك، وهما: الوطء والزواج. والحاصل أن الزواج بالزانية من العفيف لا يجوز كما يدل عليه الحديث، وأما زواج الزاني بالزانية فإنه سائغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) في الحديث الآتي، وقوله: (المجلود) يعني: أنه ظهر زناه وتحقق لوجود الجلد فيه، فالزاني الذي تحقق زناه لا ينكح إلا مثله. فالذي يظهر أن العفيف لا يتزوج الفاجرة الزانية، وأما الزاني فإنه يتزوجها بدلاً من أن يشتغلا بالحرام. وأما الحديث ففيه أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحمل الأسارى من مكة إلى المدينة، وكان هناك بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صاحبته، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في زواجها فتلا عليه الآية وقال له: [(لا تنكحها)]، فيدل على أن العفيف لا يجوز له أن ينكح الزانية، وأن الزاني له أن ينكح الزانية التي تكون مثله، وأما المشرك فإنه لا يجوز له أن ينكح المسلمة مطلقاً لما جاء من نصوص الكتاب والسنة في ذلك. والمراد بكون العفيف لا يتزوج الزانية هو قبل توبتها، وأما إذا تابت فالتوبة تجب ما قبلها، والله تعالى يتوب على من تاب، وللعفيف أن يتزوجها.
قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى شرح المجتبى:
12 – (تَزْوِيجُ الزَّانِيَةِ)
وفي “الكبرى”: “تحريم تزويج الزانية”.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: غرض المصنّف -رحمه اللَّه تعالى- بهذا ترجيح القول بتحريم نكاح الزانية، لحديث مرثد بن أبي مرثد الغَنَوِيّ – رضي اللَّه تعالى عنه -، فإنه صريح في ذلك.
ولا يعارضه حديث ابن عباس – رضي اللَّه تعالى عنهما – في الرجل الذي سأل النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – عن امرأته اللتي لا تردّ يد لامس، فأمره بطلاقها، فلما قال له: لا أصبر عنها، قال: “استمتع بها”؛ لأنه عنده ضعيف، حيث عللَّه بأن الصحيح أنه مرسل، فلا يدلّ على جواز نكاح الزانية.
لكن الظاهر أن الحديث متصلٌ صحيحٌ، كما سيأتي بيان ذلك لكنه، وإن قيل بصحّته لا يعارض أيضًا؛ إذ لا يصلح للاحتجاج به؛ لاحتمال أن يكون البقاء أسهل من الابتداء، فإن الرجل إنما سأله عن إمساكه زوجته التي معه، وهذا أخفّ من إنشاء نكاح امرأة ليس معه.
ولأنهم اختلفوا في معنى قوله: “لا تردّ يد لامس، هل هو كناية عن الفجور، أو كناية عن التبذير، أو غير ذلك، فليس الحديث مع هذه الاحتمالات محلّ حجة، كما سيأتي بيان ذلك، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
وقال بعض لجان الفتوى:
قد اختلف العلماء في تزوج العفيف بالزانية وتزويج العفيفة بالزاني، فمنعه الإمام أحمد لهذه الآية ولحديث مرثد المتقدم الذي نهاه فيه النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح الزانية، ورجح هذا القول الإمام ابن القيم رحمة الله تعالى وقال إن الآية صريحة في ذلك.
وذهب الجمهور ومنهم مالك وأبو حنيفة والشافعي إلى جوازه مع الكراهة، وأجابوا عن حديث مرثد بأن الزانية التي في الحديث كانت مشركة. وأجابوا عن الآية بجوابين أحدهما: أن الآية منسوخة بقوله تعالى (وأنكحوا الأيامى منكم)، كما تقدم.
والجواب الثاني: هو أن المراد بالنكاح في الآية هو الزنا بعينه، والغرض التنفير من الزنا وتقبيحه، ورجح الإمام الطبري هذا القول فقال: لو كان المراد بالآية النكاح لكان المعنى أن الزاني لا يجوز له أن يتزوج إلاّ الزانية أو المشركة، ومعلوم أنّ الزاني المسلم لا تحل له المشركة، لقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ) وكذلك الزانية لا يحل لها الزواج بالمشرك فتبين أن معنى الآية أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة.
والراجح والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من جواز تزوج الزانية مع الكراهة بعد استبراء رحمها، وأن تكون ممن يجوز نكاحها وهي المسلمة أو الكتابية.
ثم إن الزاني إذا تاب من الزنا فعليه أن يحسن التوبة ولا يخبر أحداً بزناه، وليستتر بستر الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: “من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله” يعني الحد. وفي رواية “فليستتر بستر الله وليتب إلى الله” رواه الحاكم. والله أعلم.
وذهب باحث إلى المنع فقال:
قال في “عون المعبود”:
“فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَا , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث لِأَنَّ فِي آخِرهَا: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فَإِنَّهُ صَرِيح فِي التَّحْرِيم” انتهى.
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية السابقة:
“هذا بيان لرذيلة الزنا, وأنه يدنس عرض صاحبه , وعرض من قارنه ومازجه , ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء, إلا أنثى زانية, تناسب حالُه حالَها, أو مشركةٌ بالله, لا تؤمن ببعث ولا جزاء, ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك, لا ينكحها إلا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: حرم عليهم أن يُنْكِحوا زانيا, أو يَنْكِحوا زانية.
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا, من رجل أو امرأة , ولم يتب من ذلك , أن المقدم على نكاحه , مع تحريم الله لذلك , لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فذاك لا يكون إلا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه, فإن هذا النكاح زنا, والناكح زان مسافح. فلو كان مؤمنا بالله حقا, لم يقدم على ذلك.
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية, حتى تتوب, وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. فإن مقارنة الزوج لزوجته, والزوجة لزوجها, أشد الاقترانات, والازدواجات. وقد قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: قرناءهم. فحرم الله ذلك, لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة, وإلحاق الأولاد, الذين ليسوا من الزوج, وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها, مما بعضه كاف في التحريم” انتهى.
وبمثل ذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وأن معنى الآية:
أن من اعتقد تحريم نكاح الزانية ومع ذلك نكحها، فقد عقد عقداً محرماً، يعتقد أنه حرام، والعقد الحرام وجوده كعدمه، فلا يحل له الاستمتاع بالمرأة، فيكون هذا الرجل زانيا في هذه الحال.
وأما إذا أنكر تحريم نكاح الزانية، وقال: هو حلال، فيكون هذا الرجل مشركا في هذه الحال، لأنه أحل ما حرم الله، وجعل نفسه مشرعا مع الله.
“فتاوى المرأة المسلمة” (2/ 698).
وبهذا (أي تحريم نكاح الزانية) أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله.
انظر: “فتاوى محمد بن إبراهيم” (10/ 135)، “فتاوى اللجنة الدائمة” (18/ 383).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
” لما أمر الله تعالى بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين، هجرا لهما، ولما معهما من الذنوب والسيئات. .. فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك.
أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها.
وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك وإن لم يكن مشركا. . .
والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه، وهذا المعنى موجود في الزاني. . .
والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين فقال: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وهذا المعنى مما لا ينبغي إغفاله ; فإن القرآن قد نصه وبينه بيانا مفروضا.
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم وفيه آثار عن السلف وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه ” انتهى.
“مجموع الفتاوى” (15/ 316).
وقال أيضاً (32/ 110):
” نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره. هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف: منهم أحمد بن حنبل وغيره. .
وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ; والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق ” انتهى.
وعلى من ابتلي بذلك وعقد النكاح قبل التوبة أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فعل ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب، ثم يعيد عقد النكاح مرة أخرى.
والله أعلم
وبسط الشنقيطي الخلاف ثم قال:
قال مقيّده عفا اللَّه عنه وغفر له:
هذه الآية الكريمة من أصعب الآيات تحقيقًا؛ لأن حمل النكاح فيها على التزويج، لا يلائم ذكر المشركة والمشرك، وحمل النكاح فيها على الوطء لا يلائم الأحاديث الواردة المتعلّقة بالآية، فإنها تعين أن المراد بالنكاح في الآية: التزويج.
ولا أعلم مخرجًا واضحًا من الإشكال في هذه الآية إلا مع بعض تعسّف، وهو أن أصحّ الأقوال عند الأصوليين – كما حرّره أبو العباس بن تيمية في رسالته في علوم القرءان، وعزاه لأجلاّء علماء المذاهب الأربعة – هو جواز حمل المشترك على معنييه، أو معانيه، فيجوز أن تقول: عدا اللصوص البارحة على عين زيد، وتعني بذلك أنهم عوّروا عينه الباصرة وغوّروا عينه الجارية، وسرقوا عينه التي هي ذهبه أو فضّته.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن النكاح مشترك بين الوطء والتزويج، خلافًا لمن زعم أنه حقيقة في أحدهما، مجاز في الآخر، كما أشرنا له سابقًا، وإذا جاز حمل المشترك على معنييه، فيحمل النكاح في الآية على الوطء، وعلى التزويج معًا، ويكون ذكر المشركة والمشرك على تفسير النكاح بالوطء دون العقد، وهذا هو نوع التعسّف الذي أشرنا له، والعلم عند اللَّه تعالى.
وأكثر أهل العلم على إباحة تزويج الزانية والمانعون لذلك أقلّ، وقد عرفت أدلّة الجميع.
واعلم أن الذين قالوا بجواز نكاح العفيف الزانية، لا يلزم من قولهم أن يكون زوج الزانية العفيف ديوثًا؛ لأنه إنما يتزوّجها ليحفظها، ويحرسها، ويمنعها من ارتكاب ما لا ينبغي منعًا باتًّا بأن يراقبها دائمًا، وإذا خرج ترك الأبواب مقفلة دونها، وأوصى بها من يحرسها بعده فهو يستمتع بها، مع شدّة الغيرة والمحافظة عليها من الريبة، وإن جرى منها شاء لا علم له به مع اجتهاده في صيانتها وحفظها فلا شاء عليه فيه، ولا يكون به ديوثًا، كما هو معلوم.
والأظهر لنا في هذ المسألة أن المسلم لا ينبغي له أن يتزوّج إلا عفيفة صينة، للآيات التي ذكرنا والأحاديث ويؤيّده حديث: (فاظفر بذات الدين تربت بداك)، والعلم عند اللَّه تعالى ” انتهى كلام الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى.
والله أعلم.
قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى – (ج 3 / ص 181):
وَأَيْضًا فَاَلَّتِي تَزْنِي بَعْدَ النِّكَاحِ لَيْسَتْ كَاَلَّتِي تَتَزَوَّجُ وَهِيَ زَانِيَةٌ؛ فَإِنَّ دَوَامَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ ابْتِدَائِهِ.
وفِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانُوا يَتَزَوَّجُونَ الْبَغَايَا.
يَقُولُ: فَإِنْ تَزَوَّجْتُمْ بِهِنَّ كَمَا كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ فَأَنْتُمْ مُشْرِكُونَ، وَإِنْ اعْتَقَدْتُمْ التَّحْرِيمَ فَأَنْتُمْ زُنَاةٌ.
لِأَنَّ هَذِهِ تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا غَيْرَ الزَّوْجِ مِنْ وَطْئِهَا، فَيَبْقَى الزَّوْجُ يَطَؤُهَا كَمَا يَطَؤُهَا أُولَئِكَ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ اشْتَرَكَ فِي وَطْئِهَا رَجُلَانِ فَهِيَ زَانِيَةٌ، فَإِنَّ الْفُرُوجَ لَا تَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ، بَلْ لَا تَكُونُ الزَّوْجَةُ إلَّا مُحْصَنَةً.
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ الْمُتَزَوِّجُ بِالزَّانِيَةِ زَانِيًا كَانَ مَذْمُومًا عِنْدَ النَّاسِ، وَهُوَ مَذْمُومٌ أَعْظَمُ مِمَّا يُذَمُّ الَّذِي يَزْنِي بِنِسَاءِ النَّاسِ، وَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: مَا بَغَتْ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ.
انتهى كلامه باختصار
وقال:
«والثانية» أنها لا تحل حتى تتوب، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار، والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى: “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين” وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق. والذين لم يعملوا بهذه الآية ذكروا لها تأويلاً ونسخاً، أما التأويل: فقالوا المراد بالنكاح الوطء، وهذا مما يظهر فساده بأدنى تأمل.
أما «أولاً» فليس في القرآن لفظ نكاح إلا ولا بد أن يراد به العقد، وإن دخل فيه الوطء أيضاً. فأما أن يراد به مجرد الوطء فهذا لا يوجد في كتاب الله قط.
«وثانيها» أن سبب نزول الآية إنما هو استفتاء النبي صلى الله عليه وسلم في التزوج بزانية، فكيف يكون سبب النزول خارجاً من اللفظ!؟
«الثالث» إن قول القائل: الزاني لا يطأ إلا زانية، أو الزانية لا يطؤها إلا زان، كقوله: الآكل لا يأكل إلا مأكولاً، والمأكول لا يأكله إلا آكل، والزوج لا يتزوج إلا بزوجة، والزوجة لا يتزوجها إلا زوج، وهذا كلام ينزه عنه كلام الله.
«الرابع» أن الزاني قد يستكره امرأة فيطؤها فيكون زانياً ولا تكون زانية، وكذلك المرأة قد تزني بنائم ومكره على أحد القولين، ولا يكون زانياً.
«الخامس» أن تحريم الزنا قد علمه المسلمون بآيات نزلت بمكة، وتحريمه أشهر من أن تنزل هذه الآية بتحريمه.
«السادس» قال: “لا ينكحها إلا زان أو مشرك” فلو أريد الوطء لم يكن حاجة إلى ذكر المشرك فإنه زان، وكذلك المشركة إذا زنى بها رجل فهي زانية فلا حاجة إلى التقسيم.
«السابع» أنه قد قال قبل ذلك: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة” فأي حاجة إلى أن يذكر تحريم الزنا بعد ذلك؟!
وأما «النسخ» فقال سعيد بن المسيب وطائفة من: نسخها قوله: ” وأنكحوا الأيامى منكم “. ولما علم أهل هذا القول أن دعوى النسخ بهذه الآية ضعيف جداً …. وكذلك قال في النساء: ” وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين “. ففي هاتين الآيتين اشترط أن يكون الرجال محصنين غير مسافحين بكسر الصاد. «والمحصن» هو الذي يحصن غيره، ليس هو المحصن بالفتح الذي يشترط في الحد. فلم يبح إلا تزوج من يكون محصناً للمرأة غير مسافح ومن تزوج ببغي مع بقائها على البغاء ولم يحصنها من غيره بل هي كما كانت قبل النكاح تبغي مع غيره فهو مسافح بها لا محصن لها. وهذا حرام بدلالة القرآن.
وفي فتح المنان فيما صح من منسوخ القرآن:
الآية السادسة عشرة
قال السيوطي/:
وَمَنْعُ عَقْدٍ لِزَانٍ أَوْ لِزَانِيَةٍ … وَمَا عَلَى المُصْطَفَى فِي العَقْدِ مُحْتَظَرُ
قوله: (ومنع عقد لزان أو لزانية): يشير إلى قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ} [النور:3]، منسوخة بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32].
وقد صح القول بالنسخ عن سعيد بن المسيب، أسنده عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وغيرهما بأسانيد صحيحة.
قال الشافعي/: القول فيها كما قال سعيد بن المسيب، هي إن شاء الله منسوخة. “الجامع لأحكام القرآن” (12/ 169).
وقد ردَّ القول بالنسخ العلامة الحافظ ابن القيم/، ثم العلامة الشنقيطي/:
قال ابن القيم/: وقالت طائفة: بل الآية منسوخة، بقوله: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32]، وهذا أفسد من الكل، فإنه لا تعارض بين هاتين الآيتين، ولا تناقض إحداهما الأخرى، بل أمر سبحانه بإنكاح الأيامى، وحرّم نكاح الزانية، كما حرم نكاح المعتدة والمحرمة، وذوات المحارم، فأين الناسخ والمنسوخ في هذا. اهـ
قال الشنقيطي/: وأما قول سعيد بن المسيب، والشافعي بأن آية: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، منسوخة بقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم}، فهو مستعبد؛ لأن المقرر في أصول الشافعي، ومالك، وأحمد، هو أنه لا يصح نسخ الخاص بالعام، وأن الخاص يقضي على العام مطلقًا سواء تقدم نزوله عنه أو تأخر، ومعلوم أن آية: {وأنكحوا الأيامى منكم} أعم مطلقًا من آية: {الزاني لا ينكح إلا زانية}، فالقول بنسخها لها ممنوع على المقرر في أصول الأئمة الثلاثة المذكورين. اهـ “أضواء البيان” (6/ 81).
وفي الآية أقوال أخرى:
الأول: أنّ النكاح في الآية بمعنى الوطء، والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله، ويشاركه في مراده إلا زانية مثله، أو مشركة لا تحرم الزنا.
وقد صح هذا القول عن عبد الله بن عباس ب، أخرجه عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو عبيد في “الناسخ والمنسوخ” بأسانيد صحيحة.
قال الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية: هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة: أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك، وكذلك الزانية لا ينكحها إلا زان: أي عاصٍٍ بزناه، أو مشرك لا يعتقد تحريمه.
قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ب: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، قال: ليس هذا بالنكاح، إنما هو الجماع لا يزني بها إلا زانٍ أو مشرك، وهذا إسناد صحيح عنه، وقد روي عنه من غير وجه أيضًا، وقد روي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، والضحاك، ومكحول، ومقاتل بن حيان، وغير واحد نحو ذلك. اهـ
وهذا القول هو الذي رجحه ابن جرير الطبري/حيث قال: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عنى بالنكاح في هذا الموضع: الوطء، وأن الآية نزلت في البغايا المشركات، ذوات الرايات، وذلك لقيام الحجة على أن الزانية من المسلمات حرام على المشرك، وأن الزاني من المسلمين حرام عليه كل مشركة، من عبدة الأوثان، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أنه لم يُعن بالآية أن الزاني من المؤمنين، لا يعقد عقد نكاح على عفيفة من المسلمات، ولا ينكح إلا بزانية أو مشركة، وإذا كان ذلك كذلك، فبين أن معنى الآية: الزاني لا يزني إلا بزانية لا تستحل الزنا، أو بمشركة تستحله. اهـ “تفسير الطبري” (19/ 101).
قال الشنقيطي/: فنكاح المشركة والمشرك لا يحل بحال، وذلك قرينة على أن المراد بالنكاح في الآية التي نحن بصددها الوطء، الذي هو الزنا، لا عقد النكاح، لعدم ملاءمة عقد النكاح لذكر المشرك والمشركة. اهـ المراد من كلامه من “أضواء البيان” (6/ 72).
القول الثاني: أن الآية محكمة، وأن المراد بها تحريم نكاح العفيف بالزانية، أو العفيفة بالزاني.
قال ابن القيم/: والصواب القول بأن هذه الآية محكمة يعمل بها لم ينسخها شيء، وهي مشتملة على خبر، وتحريم، ولم يأتِ من ادعى نسخها بحجة البتة، والذي أشكل على كثير من الناس، واضح بحمد الله تعالى، فإنهم أشكل عليهم قوله: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، هل هو خبر أو نهي أو إباحة؟
فإن كان خبرًا فقد رأينا كثيرًا من الزناة ينكح عفيفة، وإن كان نهيًا فيكون قد نهى الزاني أن يتزوج إلا بزانية أو مشركة، فيكون نهيًا له عن نكاح المؤمنات العفائف، وإباحة له في نكاح المشركات والزواني، والله سبحانه لم يرد ذلك قطعًا.
ثم قال: فإن قيل فما وجه الآية؟
قيل: وجهها والله أعلم أنَّ المتزوج أمر أن يتزوج المحصنة العفيفة، وإنما أبيح له نكاح المرأة بهذا الشرط، كما ذكر ذلك سبحانه في سورتي النساء والمائدة، والحكم المعلق على الشرط، ينتفي عند انتفائه، والإباحة قد علقت على شرط الإحصان، فإذا انتفى الإحصان انتفت الإباحة المشروطة به.
فالمتزوج إما أن يلتزم حكم الله وشرعه، الذي شرعه على لسان رسوله، أو لا يلتزمه، فإن لم يلتزمه فهو مشرك، لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله، وإن التزمه وخالفه، ونكح ما حرم عليه لم يصح النكاح، فيكون زانيًا، فظهر معنى قوله: {لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، وتبين غاية البيان، وكذا حكم المرأة. اهـ
وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد، وإسحاق، وأبي عبيد، كما في “المغني” (9/ 562)، وقد روي عن الحسن، وقتادة، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في “دقائق التفسير”.
فهم يقولون: لا يجوز تزويج الزاني العفيفة، ولا عكسه، ويستدلون مع هذه الآية بأدلة أخرى.
منها: ما أشار إليه ابن القيم/في كلامه السابق، وهو قوله تعالى في سورة النساء: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء:25]، فقوله: {محصنات غير مسافحات}، أي: عفائف غير زانيات.
قال ابن القيم: إنما أباح نكاحها في هذه الحالة دون غيرها، وليس هذا من دلالة المفهوم، فإن الأبضاع في الأصل على التحريم، فيقتصر في إباحتها على ما ورد به الشرع، وما عداه فعلى أصل التحريم. اهـ محل الغرض من كلام ابن القيم كما في “أضواء البيان” (6/ 79).
ومثلها قوله تعالى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة:5].
ومن الأدلة على ذلك -أعني تحريم نكاح الزاني بالعفيفة- ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية/كما في “دقائق التفسير” (4/ 402)، من الأدلة التي تدل على وجوب اعتزال أهل السوء، كقوله تعالى: {والرجز فاهجر}، وجعل مجالس ذلك المنكر مثله، بقوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]، وهو زوج له قال تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] أي: عشراءهم وقرناءهم وأشباههم ونظراءهم، ولهذا يقال: المستمع شريك المغتاب، ورفع إلى عمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر، وكان فيهم جليس لهم صائم، فقال: ابدءوا به في الجلد، ألم تسمع الله يقول: {فلا تقعدوا معهم}، فإذا كان هذا في العشرة والمجالسة العارضة حين فعلهم المنكر، يكون مجالسهم مثلًا لهم، فكيف بالعشرة الدائمة، والزوج يقال له: العشير، كما في الحديث من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “رأيت النار فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان”. فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زانٍ أو مشركٍ، أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش، ومجامعة أهلها، وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك، وإن لم يكن مشركًا. اهـ المراد من كلام شيخ الإسلام/.
ونقلنا عن شيخ الإسلام أيضا هذا النقل:
هل يبطل العقد على من عقد زانية قبل توبتها؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
” لما أمر الله تعالى بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين، هجرا لهما، ولما معهما من الذنوب والسيئات. .. فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك.
أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها.
وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك وإن لم يكن مشركا. . .
والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه، وهذا المعنى موجود في الزاني. . .
والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين فقال: (وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين) وهذا المعنى مما لا ينبغي إغفاله ; فإن القرآن قد نصه وبينه بيانا مفروضا.
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم وفيه آثار عن السلف وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه ” انتهى.
كما في “مجموع الفتاوى” (15/ 316). للقاسم
وقال أيضاً (32/ 110):
” نكاح الزانية حرام حتى تتوب، سواء كان زنى بها هو أو غيره. هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف: منهم أحمد بن حنبل وغيره. .
وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ; والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق ” انتهى.
*وعلى من ابتلي بذلك وعقد النكاح قبل التوبة أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فعل ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب، ثم يعيد عقد النكاح مرة أخرى
ومن أدلة أهل هذا القول أن جميع الأحاديث الواردة في سبب نزول آية: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، الآية كلها في عقد النكاح، وليس واحد منها في الوطء، والمقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول، وأصح هذا الأحاديث ما أخرجه الترمذي في سننه من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، قال: كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلًا يحمل الأسرى من مكة، ويأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صديقة له، وأنه كان وعد رجلًا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط، من حوائط مكة، في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي، بجنب الحائط، فلما انتهت إليّ عرفت فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحبًا وأهلًا هلم، فبت عندنا الليلة، فقلت: يا عناق، حرّم اللهُ الزنا، قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة، فانتهيت إلى كهف أو غار، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا فطل بولهم علي رأسي، وأعماهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي، فحملته وكان رجلًا ثقيلًا، حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أكبُله فجعلت أحمله ويعييني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله ص، فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقًا؟ فأمسك رسول الله ص، فلم يرد عليّ شيئًا حتى نزلت: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، الآية، فقال: رسول الله ص: “يا مرثد، {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}، فلا تنكحها”.
وقد أخرجه أبو داود، والنسائي أيضًا، ولم يذكر العلامة مقبل بن هادي الوادعي/في كتابه الصحيح المسند من أسباب النزول غير هذا الحديث.
وهناك أقوال أخرى في الآية، انظرها في “تفسير القرطبي” (12/ 168)، وهي أقوال ضعيفة، وما تقدم ذكره هو أقوى الأقوال في الآية، وأصحها وأقواها القول الأخير، أعني أن الآية محكمة، وأنها تقضي بتحريم نكاح العفيف بالزانية والعكس.
وأما استشكال قول من قال فكيف يبيح للزاني أو للزانية التزوج بالمشركة، أو نحو ذلك؟
فالجواب: أنه ليس المراد من الآية إباحة ذلك وإجازته، وإنما المراد كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، أن الذي يقدم على الزواج بالزاني، أو بالزانية إنما يكون مشركًا، ليس له إيمان يزجره عن ذلك، أو زانٍ يدعوه فجوره إلى ذلك، وليس المراد إباحة ذلك.
وقد أشار إلى هذا المعنى النبي ص كما في “سنن أبي داود” عن أبي هريرة حيث قال: “لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله”. وقد حسنه شيخنا مقبل الوادعي/كما في “الصحيح المسند” رقم (1449).