1429 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——————
1429 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا علي بن بحر حدثنا حاتم بن إسمعيل حدثني محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خمس قتلهن حلال في الحرم الحية والعقرب والحدأة والفأرة والكلب العقور. هذا حديث حسن.
………………………………………
وأخرجه مسلم نحوه من حديث عائشة (1198) وابن عمر (1199)
وفيهما من الزيادات ” خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام ” وزيادة: ” الغراب ”
قال الحافظ في ” الفتح ” (6/ 46): التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره فيحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم.
قال النووي في ” شرح مسلم ” (4/ 252): واتفق جماهير العلماء على جواز قتلهن في الحل والحرم والإحرام، واتفقوا على أنه يجوز للمحرم أن يقتل ما في معناهن، ثم اختلفوا في المعنى فيهن، وما يكون في معناهن، فقال الشافعي: المعنى في جواز قتلهن كونهن مما لا يؤكل، وكل ما لا يؤكل ولا هو متولد من مأكول وغيره فقتله جائز للمحرم، ولا فدية عليه، وقال مالك: المعنى فيهن كونهن مؤذيات، فكل مؤذ يجوز للمحرم قتله، وما لا فلا.
قال ابن قدامة في ” المغني ” (7/ 10): قوله: (وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْحِدَأَةَ، وَالْغُرَابَ، وَالْفَارَةَ، وَالْعَقْرَبَ، وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ، وَكُلَّ مَا عَدَا عَلَيْهِ، أَوْ آذَاهُ، وَلَا فِدَاءَ عَلَيْهِ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّايِ، وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ مَنَعَ قَتْلَ الْفَارَةِ. وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي حِلِّ قَتْلِهَا، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ.
قال في ” شرح المهذب ” (19/ 219): قال أصحابنا: ما ليس مأكولا من الدواب والطيور ضربان: أحدهما: ما ليس في أصله مأكولا والثاني ما أحد أصليه مأكول فالأول لا يحرم التعرض له بالإحرام فيجوز للمحرم قتله ولا جزاء عليه وكذلك يجوز قتله للحلال والمحرم في الحرم ولا جزاء عليه للأحاديث السابقة قال أصحابنا: وهذا الضرب ثلاثة أقسام: أحدها: ما يستحب قتله للمحرم وغيره وهي المؤذيات كالحية والفأرة والعقرب والخنزير والكلب العقور والغراب والحدأة والذئب والأسد والنمر والدب والنسر والعقاب والبرغوث والبق والزنبور والقراد واللكة والقرقش وأشباهها.
القسم الثاني: ما فيه نفع ومضرة كالفهد والبازي والصقر ونحوها فلا يستحب قتلها ولا يكره لما ذكره المصنف قال القاضي: نفع هذا الضرب أنه يعلم للاصطياد وضرره أنه يعدو على الناس والبهائم.
الثالث: ما لا يظهر فيه نفع ولا ضر كالخنافس والدود والجعلان والسرطان والبغاثة والرخمة والعضاء واللحكاء والذباب وأشباهها فيكره قتلها ولا يحرم هكذا قطع به المصنف والجمهور وحكى إمام الحرمين وجها شاذا أنه يحرم قتل الطيور دون الحشرات ودليل الكراهة أنه عبث بلا حاجة وقد ثبت في “صحيح مسلم” عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا” إلى آخره وليس من الإحسان قتلها عبثا وروى البيهقي عن قطبة بن مالك الصحابي رضي الله عنه قال: “كان يكره أن يقتل الرجل ما لا يضره” قال أصحابنا: ولا يجوز قتل النحل والنمل والخطاف والضفدع وفي وجوب الجزاء بقتل الهدهد والصرد خلاف مبني على الخلاف في جواز أكلهما إن جاز وجب وإلا فلا.
قوله (والعقرب) هذا اللفظ للذكر والأنثى، وقد يقال عقربة وعقرباء، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم. قال صاحب ” المحكم ” ويقال إن عينها في ظهرها وإنها لا تضر ميتا ولا نائما حتى يتحرك. ويقال لدغته العقرب بالغين المعجمة ولسعته بالمهملتين.
” الفتح ” (6/ 47).
قوله: (الحدأة) وأما (الحدأة) فمعروفة وهي بكسر الحاء مهموزة، وجمعها (حدأ) بكسر الحاء مقصور مهموز كعنبة وعنب، وفي الرواية الأخرى: (الحديا) بضم الحاء وفتح الدال وتشديد الياء مقصور، قال القاضي: قال ثابت: الوجه فيه الهمز على معنى التذكير، وإلا فحقيقته (حدية)، وكذا قيده الأصيلي في صحيح البخاري في موضع، أو (الحدية) على التسهيل والإدغام.
انظر: شرح مسلم (4/ 252)
قال الدميري في ” حياة الحيوان ” (1/ 262): الحدأة: بكسر الحاء المهملة، أخس الطير، كنيته أبو الخطاف، وأبو الصلت، ولا تقل حدأة بفتح الحاء، لأنها الفاس التي لها رأسان وقد جاء في الحديث الحديا على وزن الثريا، كذا قيده الأصيلي. وقد جاء الحدياة بغير همز وفي بعض الروايات الحديئة بالهمزة كأنه تصغير. ذكره الصاغاني قال: وصواب تصغيره الحديئة بالهمز وإن ألقيت حركة الهمزة على الياء شددتها، وقلت: الحدية على مثال عليه.
والحدأة تبيض بيضتين، وربما باضت ثلاثاً، وخرج منها ثلاثة أفراخ، وتحضن عشرين يوماً، ومن ألوانها السود والرمد وهي لا تصيد وإنما تخطف. ومن طبعها أنها تقف في الطيران وليس ذلك لغيرها من الكواسر.
وفي صحيح البخاري (439) عن عائشة، أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته – أو وقع منها – فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته، قالت: فالتمسوه، فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم، إذ مرت الحدياة فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الذي اتهمتموني به، زعمتم وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، قالت: «فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت»، قالت عائشة: «فكان لها خباء في المسجد – أو حفش -» قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلسا، إلا قالت:
[البحر الطويل]
ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا … ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
قالت عائشة: فقلت لها ما شأنك، لا تقعدين معي مقعدا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث
قوله: (والفأر)
بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل، ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي فإنه قال: فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه ابن المنذر، وقال: هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم.
والفأر أنواع، منها الجرذ بالجيم بوزن عمر، والخلد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفأرة المسك، وفأرة الغيط، وحكمها في تحريم الأكل وجواز القتل سواء.
” الفتح ” (6/ 47)
قوله (الكلب العقور): قال النووي في ” شرح مسلم “: اتفق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم، واختلفوا في المراد به، فقيل: هذا الكلب المعروف خاصة، حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحسن بن صالح، وألحقوا به الذئب، وحمل زفر معنى الكلب على الذئب وحده، وقال جمهور العلماء: ليس المراد بالكلب العقور تخصيص هذا الكلب المعروف، بل المراد هو كل عاد مفترس غالبا كالسبع والنمر والذئب والفهد ونحوها، وهذا قول زيد بن أسلم وسفيان الثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد وغيرهم، وحكاه القاضي عياض عنهم وعن جمهور العلماء ومعنى (العقور) و (العاقر): الجارح.
قال الحافظ في ” الفتح ” (6/ 46): واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم ” اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ” فقتله الأسد. وهو حديث حسن أخرجه الحاكم من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه، واحتج بقوله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين) فاشتقها من اسم الكلب، فلهذا قيل لكل جارح عقور.
قوله: (الغراب)
زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم ” الأبقع ” وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره، ثم وجدت ابن خزيمة قد صرح باختياره، وهو قضية حمل المطلق على المقيد. وأجاب ابن بطال بأن هذه الزيادة لا تصح لأنها من رواية قتادة عن سعيد، وهو مدلس وقد شذ بذلك، وقال ابن عبد البر: لا تثبت هذه الزيادة. وقال ابن قدامة: الروايات المطلقة أصح. وفي جميع هذا التعليل نظر، أما دعوى التدليس فمردودة بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذا من رواية شعبة، بل صرح النسائي في روايته من طريق النضر بن شميل عن شعبة بسماع قتادة. وأما نفي الثبوت فمردود بإخراج مسلم. وأما الترجيح فليس من شرط قبول الزيادة بل الزيادة مقبولة من الثقة الحافظ وهو كذلك هنا. نعم قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل. وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع ويقال له الزاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان ملتحقا بالأبقع.
فائدة (1): قال النووي في ” شرح مسلم ” (4/ 252): وفي هذه الأحاديث دلالة للشافعي وموافقيه في أنه يجوز أن يقتل في الحرم كل من يجب عليه قتل بقصاص أو رجم بالزنا أو قتل في المحاربة وغير ذلك، وأنه يجوز إقامة كل الحدود فيه، سواء كان موجب القتل والحد جرى في الحرم أو خارجه، ثم لجأ صاحبه إلى الحرم، وهذا مذهب مالك والشافعي وآخرين، وقال أبو حنيفة وطائفة: ما ارتكبه من ذلك في الحرم يقام عليه فيه، وما فعله خارجه ثم لجأ إليه إن كان إتلاف نفس لم يقم عليه في الحرم، بل يضيق عليه ولا يكلم ولا يجالس ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج منه فيقام عليه خارجه، وما كان دون النفس يقام فيه، قال القاضي: وروي عن ابن عباس وعطاء والشعبي والحكم نحوه لكنهم لم يفرقوا بين النفس ودونها، وحجتهم ظاهر قول الله تعالى: {ومن دخله كان آمنا} وحجتنا عليهم هذه الأحاديث لمشاركة فاعل الجناية لهذه الدواب في اسم الفسق، بل فسقه أفحش، لكونه مكلفا، ولأن التضييق الذي ذكروه لا يبقى لصاحبه أمان، فقد خالفوا ظاهر ما فسروا به الآية، قال القاضي: ومعنى الآية عندنا وعند أكثر المفسرين: أنه إخبار عما كان قبل الإسلام، وعطفه على ما قبله من الآيات، وقيل: آمن من النار، وقالت طائفة: يخرج ويقام عليه الحد، وهو قول ابن الزبير والحسن ومجاهد وحماد. والله أعلم.
فائدة (2): حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب.
رواه أبوداود 961 واحمد 7178 وصححه الألباني.
وهو في الصحيح المسند (1452)
قال الشيخ عبد المحسن العباد في ” شرح سنن أبي داود “: وهذا العمل في الصلاة يدل على أن مثله سائغ، يعني: كون الإنسان يقتل الحية والعقرب وهو في الصلاة سائغ؛ لأن في قتلهما دفعاً لضررهما، وقطعاً لتشويشهما في الصلاة، فجاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواز مثل هذا العمل وإن تكرر، كأن يضربها ضربة أو ضربتين أو ثلاثاً فلا بأس. أما ما اشتهر عند العوام أن أكثر من ثلاث حركات تبطل الصلاة، فهذا لا نعلم له أساساً.