142 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
142_قال أبو داود رحمه الله: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَقَالَ تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ لَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَالَ لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ.
……………………
وجاء في مسلم 360عن جابر بن سمرة * أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أأتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الإبل قال أصلي في مرابض الغنم قال نعم قال أصلي في مبارك الإبل قال لا.
وذكر الترمذي في العلل الكبير أن رواية من رواه عن البراء أصح ممن رواه عن أسيد (العلل الكبير 46)
* وكذلك ابوحاتم كما في العلل 38 وقيل له أيهما أصح فقال: ما رَواهُ الأعمشُ، عَنْ عبد الله بن عبد الله الرّازي، عن عبد الرحمن بْنِ أبِي لَيْلى، عَن البَراء، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم.). والأعمشُ أحفظ
* وفي حاشية الجريسي على علل ابن أبي حاتم لحديث البراء نقولات:
وقال الترمذي في «العلل الكبير» (ص (47)): «حديث الأعمش أصح»، ثم نقل عن إسحاق بن راهويه أنه قال: «صحَّ في هذا الباب حديثان عن النبي (صلى الله عليه وسلم): حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة». وكذا قال أحمد كما في «سنن البيهقي» ((1) / (159)). وقال ابن خزيمة ((32)): «ولم نر خلافًا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل؛ لعدالة ناقليه». اهـ. وقال أبو نعيم في الموضع السابق: «صوابه: ابْنِ أبِي لَيْلى، عَنِ البَراءِ؛ رواه الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى، عَن البراء».
*وأيضا يشهد لهما حديث ابن عمر
قال ابن أبي حاتم كما في العلل:
(48) – وسألتُ أبِي عَنْ حديثٍ رَواهُ أحْمَدُ بْنُ عَبْدة، عَنْ يَحْيى بْنِ كَثِيرٍ – قالَ أبِي: وهُوَ والدُ كَثِير بْنِ يَحْيى بْنِ كَثِير، وكُنيَتُه: أبُو النَّضْر، ولَيْسَ بالعَنْبري – عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائب، عن مُحارِب بن دِثار، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) قال: تَوَضَّؤُوا مِن لُحُومِ الإبِلِ، ولاَ تَوَضَّؤُوا مِن لُحُومِ الغَنَمِ؟
قالَ أبُو مُحَمَّدٍ: سمعتُ أبِي يَقُولُ: كُنْتُ أُنكِرُ هَذا الحَدِيثَ؛ لتفرُّده، فوجدتُّ لَهُ أصْلا:
حدَّثنا ابْنُ المُصَفّى، عَنْ بَقِيَّة؛ قالَ: حدَّثني فلانٌ – سَمّاه – عَنْ عَطاءِ بْنِ السّائب، عَنْ مُحارِب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عن النبيِّ (صلى الله عليه وسلم)، بنحوه ……
وراجع حاشية الجريسي.
* والإمام أحمد يميل لصحتها ففي جامع علوم الإمام أحمد باب مس الذكر:
وقال مرة: باب الوضوء من لحوم الإبل أصح من باب مس الذكر … مسائل أبي داود ((1890)).
وإليك كلام أحمد بتمامه:
قال الإمام أحمد:
حديث الوضوء من لحوم الإبل فيه روايتان:
رواية البراء بن عازب، ورواية جابر بن سمرة رضي الله عنهما.
قال الإمام أحمد: جميعًا صحيحين.
وقال: هذا الباب أصح من باب مس الذكر. انتهى من جامع العلوم للامام أحمد 14/ 124
يقصد بحديث البراء ما أخرجه ابن ماجه ((494)) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد اللَّه بن إدريس وأبو معاوية قالا: ثنا الأعمش، عن عبد اللَّه بن عبد اللَّه، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: سئل رسول اللَّه — عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: «توضئوا منها».
وحديث جابر بن سمرة أخرجه مسلم وسبق
قال ابن تيمية في «الفتاوى» (21) / (15): لقد كان أحمد رحمه الله يعجب ممن يدع حديث الوضوء من لحوم الإبل مع صحته التي لا شك فيها وعدم المعارض له، ويتوضأ من مس الذكر مع تعارض الأحاديث فيه وإن أسانيدها ليست كأحاديث الوضوء من لحوم الإبل.
اختلاف العلماء في الوضوء من لحوم الإبل:
فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء. قال النووي رحمه الله: ممن ذهب إلى ذلك الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن عباس، وأبو الدرداء، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة، وأبو
أمامة، وجماهير من التابعين، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهم.
وذهب إلى الانتقاض به أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن المنذر، وابن خزيمة، واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا، وحكى عن جماعة من الصحابة.
قال البيهقي رحمه الله: حكى بعض أصحابنا عن الشافعي أنه قال: إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به. قال البيهقي: قد صح فيه حديثان: حديث جابر بن سمرة، وحديث البراء قاله أحمد بن حنبل، وإسحاق بن رهوايه.
قال الجامع (الاثيوبي) رحمه الله: المذهب الصحيح مذهب من قال بوجوب الوضوء من لحوم الإبل. لقوة دليله.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم 494 – : وهذا المذهب أقوى دليلا، وإن كان الجمهور على خلافه. وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر رضي الله عنه: “كان آخر الأمرين من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – … ” الحديث. ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص، والخاص مقدم على العام. اهـ كلام النووي.
قال العلامة أحمد شاكر رحمه الله فيما كتبه على الترمذي: وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي ج 1 ص 112: وحديث لحم الإبل صحيح مشهور، وليس يقوى عندي ترك الوضوء منه. وحاول بعضهم أن يلتمس حكمة لوجوب الوضوء من لحوم الإبل، ولسنا نذهب هذا المذهب، ولكن نقول كما قال الشافعي في الأم 1/ 14: إنما الوضوء والغسل تعبد. اهـ كلامه ج 1 ص 125. والله تعالى أعلم. (ذخيرة العقبى)
واعترض الجمهور على هذه الأحاديث:
بأن المقصود بالوضوء ليس الوضوء الشرعي، وإنما المراد غسل الأيدي من لحوم الإبل.
واجيب عن هذا بوجوه:
أولاً: بأن الكلام إذا صدر من الشارع فالأصل حمله على الحقيقة الشرعية، فإن تعذر ذلك حمل على الحقيقة اللغوية، ولا يوجد هنا سبب يحملنا على صرف الكلام عن حقيقته الشرعية إلى حقيقته اللغوية.
ثانياً: أن السؤال عن الوضوء من لحومها قرن بالسؤال عن الصلاة في أعطانها مما يدل على أن المراد بالوضوء الوضوء الشرعي المتعلق بالصلاة.
ثالثاً: لو كان المقصود بالوضوء هو غسل الأيدي لكان غسل الأيدي من لحوم الغنم أولى من غسلها من لحوم الإبل، وذلك أن نسبة الدهون في لحوم الغنم أكثر منها في لحوم الإبل، وهذا أمر معروف عند كل من يتعاطى أكل لحوم الإبل.
رابعاً: أن غسل الأيدي ليس واجباً لا في لحوم الإبل ولا في لحوم الغنم، فلماذا يترك الشارع غسل الأيدي من لحوم الغنم إلى مشيئة الفاعل، ولا يترك هذا الأمر في لحوم الإبل، مع أن غسل الأيدي من لحوم الإبل والغنم الحكم فيها سواء، إلا إن كنتم تذهبون إلى وجوب غسل الأيدي من لحوم الإبل، ولا قائل به.
وكذلك اعترض الجمهور باعتراض ثاني:
فقالوا: إن هذه الأحاديث منسوخة بحديث (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار)
واجيب عنها:
أولاً: أن الحديث اختصره شعيب بن حمزة فأخطأ فيه.
ثانياً: أنه لا يذهب إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، ولم يتعذر هنا؛ لأن الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين، بينما النسخ فيه إبطال لأحدهما.
ثالثاً: أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل خاص، وترك الوضوء مما مست النار عام، والخاص مقدم على العام.
وراجع جواب لابن القيم عن هذه الاعتراضات في تهذيب السنن 1/ 137،وجواب لابن تيمية مجموع الفتاوى (21/ 263) مطول.
قال النووي في المجموع (2/ 66): وفي لحم الجزور بفتح الجيم وهو لحم الإبل قولان, الجديد المشهور: لا ينتقض, وهو الصحيح عند الأصحاب، والقديم أنه ينتقض. وهو ضعيف عند الأصحاب، ولكنه هو القوي أو الصحيح من حيث الدليل، وهو الذي أعتقد رجحانه, وقد أشار البيهقي إلى ترجيحه واختياره والذب عنه. انتهى
– قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى أركان الإسلام (ص: 26):
فإذا أكل الإنسان من لحم الجزور، الناقة أو الجمل، فإنه ينتقض وضوؤه سواءً كان نيئاً أو مطبوخاً، لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن سمرة …. إلى آخر كلامه رحمه الله
قال الألباني: …. فرق بين لحوم الإبل وبين لحوم الغنم، وفي ذلك حديثان اثنان: حديث جابر بن سمرة في صحيح مسلم، وحديث البراء بن عازب في مسند الإمام أحمد وغيره، وفيه أنتوضأ من لحم الغنم، قال: (إن شئتم) ولحم الإبل قال: (توضئوا) انتهى
وراجع التوسع في مسألة الوضوء من لحوم الإبل جامع الأجوبة الفقهية رقم (205)
* ضعف أحاديث الوضوء من ألبان الإبل:
وأما أحاديث والوضوء من لبن الإبل:
وأما ما رواه أحمد (18617) وابن ماجه (496) عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الإِبِل)
وكذلك ما رواه ابن ماجه (497) عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِلِ، وَلا تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ، وَتَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الإِبِلِ، وَلا تَوَضَّئُوا مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ).
فكلا الحديثين ضعيف لا يصح الاحتجاج به، وقد ضعفهما الألباني في ضعيف ابن ماجه.
حكم الوضوء من مرق لحم الجمل
س: ح. ع. ق – حائل – السعودية يقول: هل يجب الوضوء من مرق لحم الجمل والطعام الذي طبخ به لحم الجمل؟
ج: لا يجب الوضوء من ذلك، ولا من لبن الإبل، وإنما يجب الوضوء من أكل لحم الإبل خاصة في أصح أقوال العلماء؛ لقول النبي ?: توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي بإسناد صحيح، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، وأخرج مسلم في صحيحه، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي ? أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم والمرق لا يسمى لحمًا، وهكذا الطعام واللبن، ومثل هذه الأمور توقيفية لا دخل للقياس فيها. والله أعلم.
ابن باز رحمه الله
(في مرابض الغنم) أم لا؟ والمرابض جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء موضع الربوض؛ وهو للغنم بمنزلة الاضطجاع للإنسان، والبُروك للإبل، والجُثوم للطير (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) صل في مرابض الغنم فلا كراهة للصلاة فيها إذا خلا عن النجاسة لأنه لا نفار لها بحيث يُشوش على المصلي الخشوع والحضور (قال) الرجل السائل هل (أُصلي في مبارك الإبل) ومعاطنها جمع مَبْرَك؛ وهو محل بُروكها واضطجاعها كما مر آنفًا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تصل فيها، كَرِه الصلاة في مبارك الإبل لما لا يُؤْمَنُ من نفارها فيلحق المصلي ضرر من صدمة وغيرها فلا يكون له حضور، اهـ مرقاة. (الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم)
قال الشيخ عطية سالم في شرح بلوغ المرام:
من هنا قالوا: ما الفرق بين لحم الغنم، ولحم الإبل حتى يؤمر بالوضوء من هذا دون ذاك، والكل لحم؟ نجد في كتب الفقه أن بعض الفقهاء يقول: إن علة ذلك هي حرارة لحم الإبل.
ونجد آخرين يردون ذلك ويقولون: لحم الغزال أشد حرارة، ولم يؤمر بالوضوء منه، ولحم الحمام في الطيور أشد حرارة من الاثنين، ولم يؤمر بالوضوء منه، ولكن لو ذهبنا إلى أبعد من هذا لوجدنا الفرق في عموم النصوص، أي: النصوص التي لها صلة بالإبل، كما فعل علي رضي الله تعالى عنه في استنباط أقل مدة الحمل من عموم آيتين مختلفتين، الأولى قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15]، والثانية قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233]، والحولان أربعة وعشرون شهراً، فاستنبط علي من مجموع الآيتين أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.
فإذا جئنا من خارج موضوع الوضوء، وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة في معاطن الإبل، فقال: (صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل)، مع أن هذه مرابض، وهذه معاطن، وهذه فيها أبوال وروث، وتلك فيها أبوال ورجيع، فما الفرق بينهما؟! والفرق قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصلوا في معاطن الإبل؛ فإن الإبل معها شيطان) قالوا: شيطانها أنها إذا جاءت ووجدت نائماً، أو مصلياً، أو جالساً في مكانها طردته وآذته؛ لأن معها شيطاناً، أما الغنم فمعها السكينة، فإذا جاءت ووجدت مصلياً، أو نائماً أو آكلاً في مكانها فإنها لا تؤذيه، ولا تنفره، وربما قعدت ونامت بجانبه.
وفي الحديث الآخر: (مع أهل الإبل الكبر والخيلاء، ومع أهل الغنم السكينة والوداعة)، فمن أين جاء الكبر لأهل الإبل؟ يجيء من جهة أنه يرى نفسه يرعى قطيعاً من الإبل، وقد قال الله تعالى عنها: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية:17]، فهو خلق عجيب، وصاحب الإبل يأخذ في يده عصا صغيرة، أو يناديها بالصفير فتجيء وتجتمع حواليه، أما الغنم فإنها معها الهدوء والسكينة، ولهذا ما من نبي إلا وقد رعى الغنم -وليس الإبل-؛ لأنها تكسبه الهدوء والسكينة والرفق، إذ لا يمكن أن يتجبّر على شاة صغيرة، أما الجمل فإنه إذا هاج إن لم تتجبر عليه قضى عليك.
وننتقل إلى جانب آخر فنجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً غضبان قد انتفخت أوداجه واحمرت عيناه، فقال: (إني لأعلم كلمات لو قالها لذهب عنه ذلك)، وبين أصل الغضب بقوله: (الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، فأطفئوه بالماء).
فإذا جمعنا كل هذه الأطراف وحدنا أن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، والإبل معها شيطان، أو خلقت من شيطان، فهي شياطين، فإذا ما أكل الإنسان منها أفاضت عليه من آثر الشيطان، وهو الغضب، فحينما يأكل من لحم الإبل يأتيه من حركة ذاك الشيطان الغضبية ولو شيء قليل، فتؤثر على نفسيته، فحالاً نبادرها بالوضوء بالماء لنطفئ أثر ذلك.
فبالتلمس وجدنا فرقاً بين ما ظنوه متماثلاً، وأن لحم الإبل يختلف عن لحم الغنم، فيما يتعلق بالوضوء، وموطن الإبل تختلف عن موطن الغنم فيما يتعلق بالصلاة، وإلا فإن الكل طاهر عند من يقول بذلك.
وهنا الحمر الأهلية طبيعتها الذلة واللؤم والخسة، فلا يستبعد أن من أكثر من أكل لحمها تنتقل إليه غريزتها، ويتصف بشيء من تلك الصفات، وهذه ليست من صفات المؤمن.
وهذا الذي قدمناه ليس من موضوعنا ولكن رداً على هؤلاء الذين يقيسون التشريع الإسلامي بالمعقولات غير السليمة، ويدّعون أن الشريعة تتناقض؛ لأنها تفرق بين متماثلين، والتفريق بين متماثلين مناقض للعقل السليم.
فالحمار الأهلي ليس متساوياً مع الحمار الوحشي، والفرق بينهما موجود، ومن هنا كان النهي عن أكل الحمر الأهلية مع بقاء حلية الحمر الوحشية، والله تعالى أعلم. ا هـ