142 جامع الأجوبة الفقهية ص 177
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——–”——-“——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘——–‘
بلوغ المرام: وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم: ابدءوا بما بدأ الله به أخرجه النسائي هكذا بلفظ الأمر، وهو عند مسلم بلفظ الخبر.
——‘——‘——
مسألة 1: حكم ترتيب أعضاء الوضوء
المقصود من البحث هو حكم ترتيب الأعضاء المتغايرة مثل اليدين والرجلين لا الأعضاء المتجانسة مثل اليد اليمنى واليد اليسرى، فنقطة البحث هو النوع الأول لا الثاني.
?- وعليه فإن للعلماء في هذه المسألة قولان:
الأول: أن الترتيب بين أعضاء الوضوء سنة وهو قول الحنفية والمالكية، وداود الظاهري.
(وهو قول ابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول والزهري ونقله البغوي عن أكثر العلماء واختاره ابن المنذر)
الثاني: أنه فرض من فروض الوضوء وهذا القول للشافعية والحنابلة، وبه قال أبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو إسحاق، وأبو ثور، وابن حزم، وهو اختيار ابن باز وابن عثيمين.
انظر: بدائع الصنائع (1/ 18)، المدونة (1/ 14)، الحاوي الكبير (1/ 138)، المجموع (1/ 472)، المغني (1/ 92)، المحلى (1/ 310)
– أدلة أصحاب القول الأول:
– الدليل الأول:
قول الله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) {المائدة: 6).
الاستدلال بهذه الآية من وجهين:
الأول: أنه قدم فيها بعض الأعضاء كما قدم محل بعض الأعضاء ثم ثبت أنه لو بدأ من المرفق إلى البنان أجزأه فكذا لو بدأ باليدين قبل الوجه أجزأه.
والثاني: أنه لو عطف اليدين على الوجه بحرف الواو الموجبة للاشتراك والجمع دون الترتيب لغة، وشرعا.
أما اللغة فهو ما حكاه سيبويه أنها في لسانهم أنها موجبة للاشتراك دون الترتيب استشهادا بأن رجلا لو قال لعبده الق زيدا وعمرا لم يلزم تقديم لقاء زيد على عمرو بل كان مخيرا في البداية بلقاء من شاء منهما، وأما الشرع فالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي) {آل عمران: 43). فقدم ذكر السجود وهو مؤخر في الحكم، وأما السنة فما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سمع رجلا يقول ما شاء الله وشئت فقال: ” سيان أنتما قل ما شاء الله ثم شئت “.
فلو كان الواو تقتضي الترتيب لم يكن بين ما نقله عنه وبين ما نقله إليه فرق ولا فائدة.
وأجيب:
فأما الجواب عن استشهادهم بقوله تعالى: {اسجدي واركعي}، فهو أن الواو وإن لم توجب الترتيب فهي لا توجب التنكيس وإنما تحمل على أحد أمرين:
إما على تقديم اللفظ أو تأخيره، وإما على أنه كان في شريعتهم مقدما على الركوع، وأما الجواب عن استشهادهم بقوله: قل ما شاء الله ثم شئت فهو أنه نهاه عن الواو وإن كانت موجبة للتعقيب لأنها لا مهلة فيها ولا تراخي ولفظة ثم توجب التعقيب والتراخي.
– الدليل الثاني:
ما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – توضأ ونسي مسح رأسه ثم ذكره بعد غسل رجليه فأخذ من بلل لحيته فمسح به رأسه “. فدل على أن الترتيب ليس بواجب.
واجيب:
بأن الحديث مع ضعفه فهو نقل واقعة حال لا يجوز التعويل على عمومها ولا يصح الاستدلال بظاهرها لأنه يجوز أن يكون غسل رجليه بعد ذلك أو يجوز أن يكون نسي استيعاب رأسه بعد مسح بعضه أو نسي المرة الثانية والثالثة بعد الأولى فيحمل على ذلك ما لم يمنع منه نقل.
– الدليل الثالث:
قالوا ولأنه إجماع الصحابة، روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ” ما أبالي بأي أعضائي بدأت “. مصنف ابن أبي شيبة (1/ 43) في إسناده عبد الله بن عمرو بن هند، قال عنه في التقريب: صدوق لم يثبت سماعه من علي. وانظر جامع التحصيل (387).
وروي عن ابن مسعود أنه قال: لا بأس أن تبدأ برجلك قبل يديك، وليس لهما في الصحابة مخالف.
أثر ابن مسعود في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 43)، قال الدارقطني في السنن (1/ 89) بعد أن رواه من طريق حفص به، وهذا مرسل، ولا يثبت.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 83): حديث عبد الله بن مسعود أشد انقطاعا؛ لأنه لا يوجد إلا من رواية مجاهد، عن ابن مسعود، ومجاهد لم يسمع من ابن مسعود، ولا رآه، ولا أدركه.
وأجيب:
بأن هذه الآثار عن الصحابة رضوان الله عليهم جاءت في تقديم المياسر على الميامن
فقد روي في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 43) عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن تقديم اليسرى على اليمنى فقال: ما أبالي بأي أعضائي بدأت. وفي سنن الدارقطني (1/ 89) عن عبد الله بن مسعود، عن رجل توضأ فبدأ بمياسره، فقال: لا بأس.
على أن عثمان مخالف ومع الخلاف يسقط الإجماع. انظر: الحاوي الكبير (1/ 138)
– الدليل الرابع:
قالوا ولأنها طهارة لا يستحق فيهما الترتيب بين العضوين المتجانسين فلم يستحق الترتيب فيها بين العضوين المختلفين كالغسل من الجنابة، ولأنه ترتيب شرع في طهارة فوجب أن يكون مسنونا كتقديم اليمنى على اليسرى، ولأن المحدث لو اغتسل بدلا من الوضوء أجزأه وإن لم يرتب، ولو كان الترتيب مستحقا لم يجزه.
وأجيب:
بأن جميع البدن في الجنابة بمنزلة العضو الواحد في الوضوء وليس في العضو الواحد ترتيب فكذلك في بدن الجنب وإنما الترتيب في الأشياء المتغايرة، وأما الجواب عن قياسهم على اليمنى واليسرى فهو أن المعنى في اليمنى واليسرى أنهما كالعضو الواحد لانطلاق اسم اليد عليهما، وأن تخريق أحد الخفين جاز في المنع من المسح مجزى تخريقهما فلما سقط الترتيب في العضو الواحد سقط في اليمنى واليسرى وليس كذلك الأعضاء المتغايرة.
قالوا وأما استدلالهم بان المحدث لو اغتسل بدلا من الوضوء أجزأه وإن لم يرتب، ولو كان الترتيب مستحقا لم يجزه فالجواب عليه بأن الوضوء والغسل طهارتان من جنس. فإحداهما كبرى وهي الغسل والترتيب فيها غير مستحق والأخرى صغرى وهي الوضوء والترتيب فيها مستحق، ثم جعل له رفع حدثه بأيهما شاء ولا يدل ذلك على سقوط الترتيب فيهما.
– أدلة القول الثاني وهو أن الترتيب فرض من فروض الوضوء:
– الدليل الأول:
استدلوا بنفس الآية التي استدل بها أصحاب القول الأول وهي آية المائدة، مع اختلاف وجه الدلالة عندهم، فقالوا: دليلنا قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} (المائدة: 6). والدلالة فيها من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول من الاستدلال بها أنه عطف بالأعضاء بحرف الواو وذلك موجب للتعقيب والترتيب لغة وشرعا، أما اللغة فهو قول الفراء وثعلب وهما إمامان في اللغة، وهو مذهب الأكثر من أصحاب الشافعي وقد روي أن ابن عمر رضي الله عنه سمع عبد بني الحسحاس ينشد قوله:
(عميرة ودع إن تجهزت غاديا … كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا)
فقال ابن عمر: ولو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك فدل على أن الواو تقتضي الترتيب في اللغة، وأما الشرع فالكتاب والسنة.
أما الكتاب فقوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله) {البقرة: 158). فبدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – بالصفا وقال: ” ابدءوا بما بدأ الله به “. وأما السنة فما روي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سمع رجلا يقول من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى “. فلولا أن الواو توجب التعقيب والترتيب لم يكن لها فائدة.
والوجه الثاني: أن الله تعالى ذكر ممسوحا بين مغسولين، ومن عادة العرب الجمع بين المتجانسين إلا لفائدة في إدخال غير جنسه فيما بين جنسه فلولا أن الترتيب مستحق في ذكر الممسوح بين المغسولين لجمع بين الأعضاء المغسولة المتجانسة وأفرد الممسوح عنها.
والوجه الثالث: أن في مذهب العرب البداية بالأقرب فالأقرب إلا لغرض والرأس أقرب إلى الوجه من اليدين فلولا أن الترتيب مستحق لقدم الرأس على اليدين.
– الدليل الثاني:
ما روى خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ” لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه فيغسل وجهه ثم ذراعيه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه “. قال الماوردي: وهذا إن ثبت نص لا يسوغ خلافه.
قال ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 86): “لم أجده بهذا اللفظ”
– الدليل الثالث:
عن عمرو بن عنبسة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء فقال: ” ما منكم من أحد يقرب وضؤءه ثم يتمضمض ويستنشق إلا جرت خطايا فيه وأنفه مع الماء ثم يغسل وجهه كما أمر الله إلا جرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى مرفقيه إلا جرت خطايا يديه من أطراف أنامله مع الماء ثم يمسح برأسه إلا جرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه مع الكعبين كما أمر الله إلا جرت خطايا رجليه من أطراف أصابعه مع الماء “.رواه مسلم رقم (832)
– الدليل الرابع:
عن أبي بن كعب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – توضأ مرة مرة ثم قال: ” هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به “. قالوا: ولا يجوز أن يكون توضأ منكسا لأنه يقبل مرتبا، ثبت أنه توضأ مرتبا، ودل على أنه لا يجوز منكسا
قال الألباني في إرواء الغليل (1/ 134): إسناده ضعيف
– الدليل الخامس:
استدلوا بالقياس فقالوا: أنها عبادة ترجع في حال العذر إلى شرطها فوجب أن يكون الترتيب من شرطها كالصلاة، ولأنها عبادة تبطل بالحدث فوجب أن يسقط فرضها بالتنكيس كالطواف، ولا يدخل على ذلك الغسل من الجنابة لأن التنكيس فيه لا يتصور.
ولأن كل معنى شرع في الطهارة وجب أن يتنوع فرضا وسنة كالغسل والمسح ففرض الغسل الأعضاء الأربعة وسنته الكفان والمضمضة، وفرض المسح الرأس وسنته الأذنان، وجب أن يكون الترتيب فرضا وسنة ففرضه الأعضاء الأربعة وسنته اليمنى قبل اليسرى.
– قال ابن حزم في المحلى (1/ 310) مسألة: 206 “من نكس وضوءه، أو قدم عضواً على المذكور قبله في القرآن عمداً أو نسيانا لم تجزه الصلاة أصلاً, وفرض عليه أن يبدأ بوجهه ثم ذراعيه ثم رأسه ثم رجليه. الخ كلامه رحمه الله.
– اختار القول الثاني كلاً من الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين:
فقد سؤال الشيخ ابن باز رحمه الله في برنامج نور على الدرب عن حكم من توضئ ولم يرتب بين الاعضاء فأجاب بقوله: الوضوء لا يصح إلا بالترتيب، الوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين هذا الوضوء الشرعي، فالصلاة التي صليتيها بهذا الوضوء المنكس عليك أن تعيديها إذا كنت تعرفينها وإلا فبالظن والاجتهاد. راجع موقع الشيخ على الشبكة العنكبوتية.
وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بفرضية ترتيب الوضوء كما مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (11/ 142): سُئل الشيخ: عن حكم الترتيب بين أعضاء الوضوء؟
فأجاب بقوله: الترتيب من فروض الوضوء. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (1). ووجه الدلالة من الآية:
أولاً: إدخال الممسوح بين المغسولات، وهذا خروج عن مقتضى البلاغة، والقرآن أبلغ ما يكون من الكلام، ولا نعلم لهذا الخروج عن قاعدة البلاغة فائدة إلا الترتيب.
ثانياً: أن هذه الجملة وقعت جواباً للشرط، وما كان جواباً للشرط فإنه يكون مرتباً حسب وقوع الجواب.
ثالثاً: أن الله ذكرها مرتبة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أبدأ بما بدأ الله به ” أما من السنة فإن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه كان يرتبها على حسب ما ذكر.