1413 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة.
مجموعة عبدالله الديني
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
1413 قال الإمام البخاري رحمه الله في الأدب المفرد: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله قال حدثنا سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن المجالس بالصعدات فقالوا يا رسول الله ليشق علينا الجلوس في بيوتنا قال فإن جلستم فأعطوا المجالس حقها قالوا وما حقها يا رسول الله قال إدلال السائل ورد السلام وغض الأبصار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا حديث حسن.
………………
جاء في صحيح مسلم (2121) نحوه من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس في الطرقات» قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا أبيتم إل المجلس فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حقه؟، قال: «غض البصر، وكف الذى، ورد السلم والمر بالمعروف، والنهي عن المنكر»
قال النووي رحمه الله: هذا الحديث كثير الفوائد وهو من الحاديث الجامعة وأحكامه ظاهرة.
” شرح مسلم ” (102/ 14)
قال الصنعاني: والحكمة في النهي عن الجلوس في الطرقات أنه لجلوسه يتعرض للفتنة فإنه قد ينظر إلى الشهوات ممن يخاف الفتنة على نفسه من النظر إليهن مع مرورهن وفيه التعرض للزوم حقوق الله والمسلمين ولو كان قاعدا في منزله لما عرف ذلك ول لزمته الحقوق التي قد ل يقوم بها ولما طلبوا الذن في البقاء في مجالسهم وأنه ل بد لهم منها عرفهم بما يلزمهم من الحقوق وكل ما ذكر من الحقوق قد وردت به الحاديث مفرقة تقدم بعضها ويأتي بعضها.
” سبل السلام ” (688/ 2)
OOO وقد اشتمل على جملة
من آداب الطريق
وهذا بحث مختصر لأحد الباحثين:
وهذه الحقوق ليست من باب الحصر وإنما هي بعضها، وقد بيّنت أحاديث أُخر حقوقاً للطريق غير هذه، فعلم أن المذكورات التي في الحديث ليست من باب الحصر.
أ غض البصر: الأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء، وذلك لأن إطلاق البصر فيما يحرم يجلب عذاب القلب وألمه، وهو يظن أنه يروح عن نفسه ويهيج قلبه ولكن هيهات، وأعظمهم عذاباً مدمنهم.
وأصل ذلك ومبدؤه من النظر، فلو أنه غض بصره لارتاحت نفسه وقلبه، والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم، بل أمر من نظر إلى امرأة أجنبية بدون قصد منه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى، قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه : “سألت رسول الله عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري”
قال الإمام النووي: “ونظر الفجأة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم لهذا الحديث”.
ب كف الأذى: وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم، وفي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده … )) أخرجه البخاري ومسلم، والحديث من جوامع كلمه، فيشمل اللسان من تكلم بلسانه، وآذى الناس في أعراضهم أو سبهم، ويشمل من أخرج لسانه استهزاء وسخرية، وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر في الضرب، بل تتعداها إلى أمور أُخر كالوشاية بالناس، والسعي في الإضرار بهم عن طريق الكتابة، أو القتل ونحو ذلك، بل من محاسن هذا الدين أنه اعتبر كف المرء شره وأذاه عن الناس؛ صدقة يتصدق بها على نفسه كما جاء من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أعلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها)) قلت: فإن لم أفعل؟ قال: ((تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق)) قال: فإن لم أفعل؟ قال: ((تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك)) رواه البخاري، وفي رواية: ((تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك)).
جـ رد السلام: وهو واجب لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه : ((خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز)) رواه البخاري ومسلم، وقد قصّر في هذا الباب خلق كثير، واقتصر سلامهم على المعرفة، فمن عرفوه سلموا عليه، أو ردوا عليه سلامه، ومن لم يعرفوه لم يعيروه اهتماماً، وهذا خلل ومخالفة للسنة.
د وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهذا باب عظيم الشأن والقدر، به كانت هذه الأمة خير الأمم: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ} قال ابن كثير: “قال عمر بن الخطاب: من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : {كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ}
وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة للأمة منها: نجاة سفينة المجتمع من الهلاك والغرق، ومنها قمع الباطل وأهله، ومنها كثرة الخيرات والحد من الشرور، ومنها استتباب الأمن، ومنها نشر الفضيلة وقمع الرذيلة … إلخ.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مقصوراً على جهة معينة كهيئة مثلاً ، أو أناس معينين كرجال حسبة ؛ بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل أحد كلٌ بحسب استطاعته؛ لأن الحديث الوارد في ذلك عام لم يخصص أحداً من أحد، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم،
ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أمور:
أولاً: التدرج في الإنكار: فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا.
الثاني: أن من كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار.
الثالث: العلم بالمنكر أنه منكر قبل الإنكار: وهل هو من الأمور التي يسوغ فيها الخلاف، وهذا باب غلط فيه فئام من الناس، فليتنبه له.
الرابع: يجب أن يستشعر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح: وأن لا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة؛ وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وإفساد.
الخامس: إذا عجز المُنكرُ عن المرتبة الأولى والثانية: فلا يغفل عن قلبه، ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب، وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه، والخروج مكان المنكر.
هـ هداية السائل عن الطريق إليه: سواءً كان ضالاً أو أعمى لما جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حق الطريق قال: ((وإرشاد السبيل)) رواه أبو داود وصححه الالباني، وفي حديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه ما يبين أن هداية السبيل من الصدقات قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ودلُّ الطريق صدقة)) رواه البخاري.
ز إزالة الأذى من الطريق: من الآداب المستحبة في الطريق إزالة الأذى عن الطريق، بل هي من الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)) رواه مسلم.
وهي من الصدقات، بل بسببها دخل رجل الجنة ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كل سلامى من الناس عليه صدقة … إلى أن قال: وتميط الأذى عن الطريق صدقة)) رواه البخاري، وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفرله … الحديث)) رواه البخاري، وعند أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نزع رجل لم يعمل خيراً قط غصن شوك عن الطريق، إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعاً فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة)).رواه أبو داود (5245).
و تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم: فقد حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم من التخلي في طريق الناس أو في ظلهم لأن ذلك حق عام، فلا يحل لامرئ أن يفسد على الناس طرقهم التي يمشون عليها، أو ظلهم الذي فيه يجلسون، وبه يتقون حر الشمس كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((اتقوا اللعانين)) قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: ((الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم)) رواه مسلم، ومعنى قوله: اتقوا اللعانين: أي اجتنبوا الأمرين اللذين يجلبان لعن الناس وشتمهم، لأن من تخلى في طريق الناس أو ظلهم لا يكاد يسلم من سب الناس وشتمهم.
ي أن الرجال أحق بوسط الطريق من النساء: من حرص الشارع الحكيم على تميز النساء على الرجال، وقطع كل طريق يؤدي إلى الفتنة بهن؛ أن جعل حافة الطريق للنساء، وأوسطه للرجال، حتى لا يختلط الرجال بالنساء وتعظم الفتنة كما هو الحال الآن إلا من رحم الله فعن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع رسول الله يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله للنساء: ((استأ خرن فإنه ليس لكنّ أن تحققن الطريق، عليكُنّ بحافات الطريق))، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به، رواه ابوداود وحسنه الألباني
وسير النساء بمحاذاة جوانب الطريق أستر لهن، وأقرب للحياء، لا أن ينافسن الرجال في طريقهم، ويقتحمنه معرضات أنفسهن وغيرهن للفتنة؛ لاسيما وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وهلاكهم كان بسبب ذلك.
كـإعانة الرجل في حمله على دابته أو رفع متاعه عليها: ومن آداب الطريق المستحب فعلها أنك إذا رأيت رجلاً يريد أن يركب دابته وكان ذلك يشق عليه؛ فإنك تعينه على ذلك، أو تعينه في حمل متاعه، ويمكن فعل ذلك الآن، فإن بعض كبار السن قد لا يتمكن من الركوب في العربات المتحركة بسهولة وخصوصاً إذا كانت عالية.
وفعل ذلك كله من الصدقة التي يؤجر المسلم عليها فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل سُلامى عليه صدقة كل يوم، … إلى أن قال: يعين الرجل في دابته يحمله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة … ))