1411 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة.
مجموعة عبدالله الديني
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
1411 قال الإمام البخاري رحمه الله في الأدب المفرد: حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا مروان قال حدثنا يزيد بن كيسان عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل ومعه صبي فجعل يضمه إليه فقال النبي صلى الله عليه و سلم أترحمه قال نعم قال فالله ارحم بك منك به وهو ارحم الراحمين.
هذا حديث صحيح.
……………………………….
الشرح جمعه عبدالله الديني وأصحابه:
صححه الألباني في الأدب المفرد377
جاء بمعنى هذا الحديث في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه طارحة ولدها في النار» قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: «لله أرحم بعباده من هذه بولدها»
فكيف تتعامل مع رحمة الله عز وجل، وكيف ننال رحمة الله جل وعلا، إن الحصول على رحمة الله عز وجل يسير، لأن رحمته سبحانه وتعالى قد وسعت كل شيء، وأما غضبه فلم يسع كل شيء، لأنه القائل سبحانه (ورحمتي وسعت كل شيء) الأعراف، وهذا ما يليق برحمة أرحم الراحمين، ولولا ذلك لكنا جميعاّ خاسرين هالكين، فكل من رحمك من أهلك وأحبابك، فإن الله تعالى قد رحمك أكثر منهم
وهو الذي أرسلهم إليك رحمةً بك، ولو جمعت رحمات الخلق جميعاّ، لكانت رحمة الله بك أكثر وأوسع، ولن يفوق أحد رحمة ربنا سبحانه وتعالى أبداّ، وقد شرف الله عز وجل، رحمته وعظمها، بأن جعلها في كتابه الذي فوق العرش، قال رسول الله، لما قضى اللَّه الخلق كتب في كتابه (إِن رحمتي غلبت غضبي) صحيح البخاري، فإن كانت رحمة الله عز وجل قد وسعت كل شيء، ألا تسعك أنت، وقد وسعت رحمته من قتل 99 نفساّ، وأنت لم تقتل أحداّ، فكيف لا يرحمك، فإياك أن تيأس
من رحمة ربك أبداّ، الكون كله من أوله لآخره مملؤ برحمة الله، وليس بينك وبين رحمة الله إلا أن تطلبها منه وسوف
يعطيك إياها، لأنه هو وحده الذي يملكها، قال تعالى (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له
من بعده وهو العزيز الحكيم) فاطر، ومن شدة قرب رحمة الله منك، فليس عليك سوى أن تُحسن الظن بربِّك وهو سبحانه
سيكون عند حُسن ظنك، فإن ظننت إنه سيرحمك، يرحمك، وإن ظننت إنه سيعتقك من النار، يعتقك من النار، وإن ظننت أنه
سيدخلك الفردوس الأعلى، يُدخلك الفردوس الأعلى، قال في الحديث القدسي، قال الله تعالى (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن
بي ما شاء) رواه الطبراني وصححه الألباني، صحيح الجامع (4316) ويجب أن تُحسن الظن بالله وأنت موقن بذلك، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه)
رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الجامع (245) والفرق بين الرجاء والأماني، أن الرجاء، يقترن بالعمل وامتثال
الأوامر، والرحمة مشروطة بالعمل، كما قال تعالى (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاّ ثم اهتدى (سورة طه، أما
الأماني، فهي مجرد ظنون، بلا عمل أو امتثال للأوامر، فإن حققت تلك الشروط، تنال رحمة الله عز وجل في الدنيا
والآخرة، أما من يصر على الوقوع في الذنوب وعدم التوبة على الرغم من كل هذا الكرم، فهذا لا يستحق أن يرحم، وكيف
تقترب من رحمة الله، إذا رحمت الناس وعطفت عليهم، ستكون رحمة الله قريبة جداّ منك، قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه أبو داوود وحسنه
الألباني، صحيح الترغيب والترهيب، وقال عليه الصلاة والسلام (من لا يرحم، لا يرحم) صحيح البخاري، ماذا تعرف
عن الله، إن الإنسان كلما إزدادت معرفته وعلمه بالله، إزدادت خشيته وتحسن تعامله مع ربه، قال تعالى (إِنما يخشى الله من عباده العلماء) سورة فاطر.
قال ابن القيم:
وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: “لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها” وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟.
“مدارج السالكين ” (1/ 214)
وقال رحمه الله:
وهكذا الرجل كلما اتسع علمه اتسعت رحمته وقد وسع ربنا كل شيء رحمة وعلما فوسعت رحمته كل شىء وأحاط بكل شىء علما فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها بل
هو أرحم بالعبد من نفسه كما هو أعلم بمصلحة العبد من نفسه والعبد لجهله بمصالح نفسه وظلمه لها يسعى فيما يضرها ويؤلمها وينقص حظها من كرامته وثوابه ويبعدها من قربه وهو يظن أنه ينفعها ويكرمها وهذا غاية الجهل والظلم والإنسان ظلوم جهول فكم من مكرم لنفسه بزعمه وهو لها مهين ومرفه لها وهو لها متعب ومعطيها بعض غرضها ولذتها وقد حال بينها وبين جميع لذاتها فلا علم له بمصالحها التي هي مصالحها ولا رحمة عنده لها فما يبلغ عدوه منه ما يبلغ هو من نفسه فقد بخسها حظها وأضاع حقها وعطل مصالحها وباع نعيمها الباقي ولذتها الدائمة الكاملة بلذة فانية مشوبة بالتنغيص إنما هي كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام وليس هذا بعجيب من شأنه وقد فقد نصيبه من الهدى والرحمة فلو هدي ورحم لكان شأنه غير هذا الشأن ولكن الرب تعالى أعلم بالمحل الذي يصلح للهدى والرحمة فهو الذي يؤتيها العبد كما قال عن عبده الخضر: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا.
” إغاثة اللهفان ” (3/ 239)
قال الشيخ ابن عثيمين:
فرحمة الله عز وجل ثابتة بالدليل السمعي والدليل العقلي.
وأنكر الأشاعرة وغيرهم من أهل التعطيل أن يكون الله تعالى متصفاً بالرحمة، قالوا: لأن العقل لم يدل عليها. وثانياً: لأن الرحمة رقة وضعف وتطامن للمرحوم، وهذا لا يليق بالله عز وجل، لأن الله أعظم من أن يرحم بالمعنى الذي هو الرحمة، ولا يمكن أن يكون لله رحمة!! وقالوا: المراد بالرحمة: إرادة الإحسان، أو: الإحسان نفسه، أي: إما النعم، أو إرادة النعم.
فتأمل الآن كيف سلبوا هذه الصفة العظيمة، التي كل مؤمن يرجوها ويؤملها، كل إنسان لو سألته: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة الله {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]. أنكروا هذا، قالوا: لا يمكن أن يوصف الله بالرحمة!!
ونحن نرد عليهم قولهم من وجهين: بالتسليم، والمنع:
التسليم أن نقول: هب أن العقل لا يدل عليها، ولكن السمع دل عليها، فثبتت بدليل آخر، والقاعدة العامة عند جميع العقلاء: أن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول، لأنه قد يثبت بدليل آخر. فهب أن الرحمة لم تثبت بالعقل، لكن ثبتت بالسمع، وكم من أشياء ثبتت بأدلة كثيرة.
أما المنع، فنقول: إن قولكم: إن العقل لا يدل على الرحمة: قول باطل، بل العقل يدل على الرحمة، فهذه النعم المشهودة والمسموعة، وهذه النقم المدفوعة، ما سببها؟ إن سببها الرحمة بلا شك، ولو كان الله لا يرحم العباد، ما أعطاهم النعم، ولا دفع عنهم النقم!
وهذا أمر مشهود، يشهد به الخاص والعام، العامي في دكانه أو سوقه يعرف أن هذه النعم من آثار الرحمة.
والعجيب أن هؤلاء القوم أثبتوا صفة الإرادة عن طريق التخصيص، قالوا: الإرادة ثابتة لله تعالى بالسمع والعقل: بالسمع: واضح. وبالعقل: لأن التخصيص، يدل على الإرادة ومعنى التخصيص يعني تخصيص المخلوقات بما هي عليه يدل على الإرادة، كون هذه السماء سماء، وهذه الأرض أرضاً، وهذه النجوم وهذه الشمس … هذه مختلفة بسبب الإرادة، أراد الله أن تكون السماء سماء، فكانت، وأن تكون الأرض أرضاً، فكانت، والنجم نجماً، فكان …. وهكذا.
قالوا: فالتخصيص يدل على الإرادة، لأنه لولا الإرادة، لكان الكل شيئاً واحداً!
نقول لهم: يا سبحان الله العظيم! هذا الدليل على الإرادة بالنسبة لدلالة النعم على الرحمة أضعف وأخفى من دلالة النعم على الرحمة، لأن دلالة النعم على الرحمة يستوي في علمها العام والخاص، ودلالة التخصيص على الإرادة لا يعرفها إلا الخاص من طلبة العلم، فكيف تنكرون ما هو أجلى وتثبتون ما هو أخفى؟! وهل هذا إلا تناقض منكم؟!
O الفوائد المسلكية كم معرفة صفة الرحمة لله عز وجل:
الأمر المسلكي: هو أن الإنسان ما دام يعرف أن الله تعالى رحيم، فسوف يتعلق برحمة الله، ويكون منتظراً لها، فيحمله هذا الاعتقاد على فعل كل سبب يوصل إلى الرحمة، مثل: الإحسان، قال الله تعالى فيه: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، والتقوى، قال تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156]، والإيمان، فإنه من أسباب رحمة الله، كما قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب: 43]، ولكما كان الإيمان أقوى، كانت الرحمة إلى صاحبه أقرب بإذن الله عز وجل.
” شرح العقيدة الواسطية ” (1/ 150)