1410 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2، والمدارسة، والاستفادة
مسجد سعيد الشبلي
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
(بإشراف سيف بن دورة الكعبي)
مجموعة ابراهيم البلوشي
_____________
الصحيح المسند
1410 وقال الإمام البخاري رحمه الله في الأدب المفرد: حدثنا قرة بن حبيب قال حدثنا إياس بن أبى تميمة عن عطاء بن أبى رباح عن أبى هريرة: قال جاءت الحمى إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقالت ابعثنى إلى آثر أهلك عندك فبعثها إلى الأنصار فبقيت عليهم ستة أيام ولياليهن فاشتد ذلك عليهم فأتاهم في ديارهم فشكوا ذلك إليه فجعل النبي صلى الله عليه و سلم يدخل دارا دارا وبيتا بيتا يدعو لهم بالعافية فلما رجع تبعته امرأة منهم فقالت والذي بعثك بالحق إني لمن الأنصار وإن أبى لمن الأنصار فادع الله لي كما دعوت للأنصار قال ما شئت إن شئت دعوت الله أن يعافيك وإن شئت صبرت ولك الجنة قالت بل أصبر ولا أجعل الجنة خطرا.
هذا حديث صحيح.
____
تفسير معاني الحديث:
وقوله (جاءت الحمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم): جاءت حقيقة ولا ينبغي التأويل.
(فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك): أي: من تختاره وتُفضله.
(فبعثها إلى الأنصار، فبقيت عليهم ستة أيام وليالهن، فاشتدّ ذلك عليهم، فأتاهم في ديارهم): فيه فضل الأنصار رضي الله عنهم.
(فشكوا ذلك إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل داراً داراً، وبيتاً بيتاً؛ يدعو لهم بالعافية): فيه رفق النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ودعائه لهم بالعافية.
ولعل هذا بعد أن اشتدّ عليهم، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين حُبِّه الأجر والثواب لهم والرفق عليهم.
(فلما رجع تبعته امرأة منهم، فقالت: والذي بعثك بالحق! إني لَمنَ الأنصار، وإن أبي لمن الأنصار، فادعُ الله لي كما دعوتَ للأنصار): فيه الحلف بقول القائل: ” والذي بعث محمداً بالحق “.
(قال: ما شئتِ): ما موصولة، أي الأمر كما تريدين.
(إن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيَك، وإن شئتِ صبرتِ ولَك الجنة. قالت: بل أصبر): فيه صبر الصحابة رضي الله عنهموحبهم الخير واحتمالهم البلاء.
(ولا أجعل الجنة خَطَراً): قال شيخنا في التعليق: ” لم يتعرض الشارح لبيان معناه، فأقول [أي شيخنا]:
جاء في ” النهاية “: ” الخَطَربالتحريك في الأصل الرهن، وما يُخاطَر عليه “، فكأنها تقول: لا أجعل الجنة خطراً غير مضمون بإيثارها الدعاء منه صلى الله عليه وسلم لها بالشفاء، وإنما تَضْمن الجنة بالصبر الذي به ضمن لها صلى الله عليه وسلم الجنة.
هذا ما بدا لي بعد التباحث مع بعض الأخوة الفضلاء “.
الصبر ثلاثة أنواع:
الأول: الصبر على الطاعة.
والثاني: الصبر عن المعصية.
والثالث: صبر على أقدار الله المؤلمة:
فإن أصابه مرض أو أصابه مصيبة في ماله أو ولده أو في قريبه فإنه يصبر ولا يجزع
هذا من الإيمان بالله، قال تعالى:
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
أما أقدار الله غير المؤلمة التي تلائم النفس فهذه لا تحتاج إلى صبر، لأن النفس تميل إليها
وهذا النوع الأخير الصبر على أقدار الله المؤلمةذكروا أنه ثلاثة أنواع أيضا
النوع الأول: حبس النفس عن الجزع
والنوع الثاني: حبس اللسان عن التشكي لغير الله سبحانه وتعالى
والنوع الثالث: حبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب …
ومن النصوص التي تعين على الصبر على المصائب ما في الكتاب العزيز؛ قال تعالى:
قال تعالى (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
فقوله (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) يعني: أن جميع المصائب التي تنزل بالناس من أول الخليقة إلى آخرها.
فإن الله قدرها، ليس هناك مصيبة تحدث في العالم إلا وقد قدرها الله سبحانه وتعالى.
(إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: بقضائه وقدره.
لأن إذن الله على نوعين:
إذن قدري كوني، مثل قوله تعالى:
(وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: بتقديره ومشيئته
والنوع الثاني: الإذن الشرعي، مثل: قوله تعالى:
(فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) أي: بشرعه …
وقد سمى الله هذا التسليم وهذا الرضى إيمانا، فقال: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ) يعني: يرضى بقضاء الله ويسلم له
وهذا هو الشاهد:
أن الله سمى الصبر على المصيبة والرضى بقضاء الله وقدره إيمانا
(يَهْدِ قَلْبَهُ) فثمرة الرضا بقضاء الله والصبر والاحتساب: هداية قلبه
لأن الله يجعل في قلبه الإيمان والبصيرة والنور، وهذه ثمرة الصبر على قضاء الله وقدره
أما الذي يجزع؛ فإن ذلك يسبب العكس، يسبب عمى قلبه، واضطراب نفسه، فهو يكون دائما في اضطراب وقلق
أما المؤمن فهو مرتاح، من هذا كله
فدلت الآية على مسائل عظيمة:
المسألة الأولى: أن المصائب كلها بقضاء الله وقدره
المسألة الثانية: أن الرضى بها والصبر عليها من خصال الإيمان؛ لأن الله سماه إيمانا
المسألة الثالثة: أن ذلك يثمر هداية القلب إلى الخير وقوة الإيمان واليقين.
للاعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد
وورد أحاديث تدل على أجر البلاء والصبر:
(ما من عبد يصرع صرعة من مرض؛ إلا بعثه الله منها طاهرا)
صحيح. السلسلة الصحيحة برقم: 2277
وورد في الحديث الآخر:
(ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه
فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا ربنا! عبدك فلان قد حبسته فيقول الرب: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت)
صحيح. السلسلة الصحيحة برقم: 2193
وفي حديث ثالث:
(إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته:
يا ملائكتي أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له، وإن أعافيه فحينئذ يقعد ولا ذنب له)
وعن شداد بن أوس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته
فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا ويقول الرب عز وجل: أنا قيدت عبدي وابتليته، فأجروا له كما كنتم تجرون له) السلسلة الصحيحة برقم: 1611
وورد (ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته) أخرجه البخاري 5641 أخرجه مسلم 2573، وراجع
السلسلة الصحيحة برقم: 2503
وكذلك ورد (أبشري يا أم العلاء! فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه؛ كما تذهب النار خبث الذهب والفضة)
صحيح. السلسلة الصحيحة برقم: 714
قلت: سيف: تنبيه: تنبيه: سبق جمع الأحاديث في فضل المرض والصبر عليها تحت حديث 934 من الصحيح المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عمل يوم إلا وهو يختم عليه ولا ليلة إلا وهو يختم عليه، ولا ليلة إلا وهو يختم عليها، حتى إذا حيل بين العبد وبين العمل، قال الحفظة: يا ربنا، هذا عمل عبدك قبل أن يحال بينه وبين العمل، وأنت أعلم) ….
وتكلمنا على الأحاديث من حيث التصحيح والتضعيف التي ساقها صاحبنا، وذكرنا لها شواهد تتقوي بها.
تنبيه: ورد قصة مشابهه لحديث الباب:
عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها لمم (وهو الجنون)
فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يشفيني
قال: فذكره
فقالت: بل أصبر ولا حساب علي. (وإسناده حسن)
وله شاهد من حديث ابن عباس نحوه، وزاد:
فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف. فدعا لها. أخرجه الشيخان وغيرهما
ويبدو أن هذه القصة غير الأولى لإختلاف المرض فيها
ففي هذه الحمى، وفي تلك اللمم، وهو الجنون
ويحتمل أن تكونا واحدة، وتكون الحمى شديدة تشبه في شدتها اللمم
والله أعلم
ومن فوائد الحديث
التوسل بدعاء الرجل الصالح، ومنه حديث «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» قَالَ: فَيُسْقَوْنَ. البخاري (1010، 3710) من حديث أنس رضي الله عنه.
“وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا” أي: بدعاء عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد تذاكرنا أنه يجوز طلب الدعاء من الرجل الصالح الفاضل.
قال الصنعاني رحمه الله في تطهير الاعتقاد (ص 68 69)
(وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون الدعاءَ منه صلى الله عليه وسلم وهو حي، وهذا أمرٌ متفق على جوازه…).
كان من الصحابة من يأتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويطلب الدعاء منه، وكان منهم من يصبر رغبة في الجنة، كما فعلت هذه المرأة.
فطلب الدعاء من الرجل الصالح يجوز لكن ينبغي ألا يُكثر من هذا. وينبغي أن يُلح صاحب الحاجة على ربه سبحانه؛ لأن الشدة والاضطرار من أسباب استجابة الدعاء كما قال الله: لأَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَل [النمل:62].
قلت سيف تتمات: هذا الحديث لا يعارض حديث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحول الحمى للجحفة فيقال: هذا كان آخر الأمر يعني الدعاء بنقلها للجحفة.
أو نقول هذه حمى من نوع آخر وهي الشديدة يعني الحمى الذي دعا أن تنقل.
وقد تعرضنا لمسألة هل يباح ترك التداوي؟ في فوائد صحيح مسلم فقلنا:
أحاديث الأمر بالتداوي لا تعارض حديث المرأة التي كانت تصرع فأوصاها النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر، فبعض الأمراض ترك مداواته يفضي إلى تلف الشخص أو أحد أعضائه أو عجزه أو يكون المرض من الأمراض المعدية، فهنا يجب التداوي، ويكون مندوبا إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن (راجع بحوث المجمع الفقهي).
ويمكن أن يوجه حديث المرأة التي تصرع؛ بأنها سألت الإسترقاء.
بل نقل وجوب التداوي عن أصحاب الشافعي وبعض الحنابلة.
قلت: خاصة بمن يعول أسرة، أو قائم بتدريس الناس أو موكل له شئ من شؤون الأمة لا يقوم به غيره، فهذا يتأكد عليه التدواي.
وما نقل عن بعض الأئمة أنه فضّل عدم التداوي يمكن أن يوجه كلامه بأن يكون تعاطي هذا النوع من الدواء ظني.
وإلا ثبتت النقولات الكثيرة عن تداوي الأنبياء والعلماء والصالحين؛ فمنها:
حديث أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن زرارة من الشوكة) وحسم سعد بن معاذ، وكان صلى الله عليه وسلم يرقي أصحابه ويأمرهم بالتداوي، ورقى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا لسعد بن أبي وقاص بالشفاء. وكذا عائشة رضي الله عنها؛ لما سألت؛ من أين تعلمت الطب؟ قالت: كان يأت الناس فيصفون الدواء للنبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما ورد في النهي عن التداوي؛ فلا يصح فيه حديث، وما نقل عن بعض الصحابة؛ أنه قيل له ألا نأتي لك بطبيب؛ قال: الطبيب أمرضني. فيمكن أن يحمل أنه كان في مرض الموت. وحديث المرأة التي تصرع سبق توجيهه.
#في الحديث من الفوائد غير ما ذكر:
الحث على الصبر وقد بُحِث الصبر من حيث تعريفه، ومراتبه، وفضله وأنواعه. فلعل الله ييسر أن ننقله في موضع آخر.
إباحة الإسترقاء وإن كان الأفضل تركه.
فيه التوكل على الله. وفيه مبحث حقيقته وفضله، وهل ينافي العمل؟ أيضا نسأل الله أن ييسر بحثها
فيه طلب الدعاء من الغير
فيه أن أجر البلاء خاصة المرض الشديد الجنة. وراجع الأحاديث التي سقناها في أول المبحث، ومنه ما ورد من شدة في نزعات الموت كالغرق والحرق …. حيث اعتبر أن صاحبها شهيد.