140 جامع الأجوبة الفقهية ص 177
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
—‘—-‘——”——–”’——–
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ. فمسح بناصيته، وعلى العمامة والخفين. أخرجه مسلم
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
مسألة: المسح على القلنسوة
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-القلنسوة لغة كما في لسان العرب (6/ 181): من ملابس الرُّؤوس.
-قلت: (سعيد) قال في الجوهرة النيرة: القلنسوة شيء تجعله الأعاجم على رؤوسهم أكبر من الكوفيه.
قال ابن عابدين في حاشيته: ما يلبس على الرأس، ويتعمم فوقه.
كور
-واصطلاحاً قال صاحب الإنصاف (1/ 129): قال الحافظ ابن حجر: القلنسوة: غشاء مبطن تستر به الرأس. قاله القزاز في شرح الفصيح. وقال ابن هشام هي التي يقولها العامة: الشاشة. وفي المحكم: هي من ملابس الرُّؤوس معروفة. وقال أبو هلال العسكري: هي التي تغطى بها العمائم وتستر من الشمس والمطر كأنها عنده رأس البرنس. انتهى.
-اختلف أهل العلم في حكم المسح على القلنسوة على قولين:
-الأول: أنه لا يجوز المسح على القلنسوة، وهذا قول جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية للحنابلة.
قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 472): وكان الإوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي والنعمان وإسحاق وكل من نحفظ عنه من أهل العلم لا يرون ذلك” أي المسح على القلنسوة.
-الثاني: أنه يجوز المسح عليها، وهو رواية عند الحنابلة واختارها الخلال، وبه قال ابن حزم، وهو اختيار ابن تيمية.
(انظر: الجوهرة النيرة (1/ 108)، المغني (1/ 222)، الإنصاف (1/ 129)، المحلى (2/ 58)، مجموع الفتاوى (21/ 184 – 187).
قلت سيف: سيأتي كلام ابن تيمية وأنه قيده بمشقة النزع.
-أدلة الجمهور على عدم الجواز:
الأول: الأصل وجوب مسح الرأس، لقوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} وعدل عن الأصل في العمامة لورود النص بها.
الثاني: إنه لا يشق نزعها، فليست محنكة، ولا ذؤابة لها.
-أدلة القائلين بالجواز:
الأول: آثار اثنين من الصحابة: أنس وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما.
عن سعيد ابن عبد الله بن ضرار، قال: رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء، ثم خرج وعليه قلنسوة بيضاء مزرورة فمسح على القلنسوة وعلى جوربين له مرعزاً أسودين ثم صلى.
(مصنف عبدالرزاق (745).
-عن أشعث، عن أبيه، أن أبا موسى خرج من الخلاء، فمسح على قلنسوته. مصنف ابن أبي شيبة (1/ 29).
الثاني: بأن القلنسوة ملبوس معتاد يستر الرأس، فأشبه العمامة، ولم نشترط أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة كما لا نشترطه في العمامة، قالوا: لأنه لما مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمامة أو الخمار، علمنا أن مباشرة الرأس بالماء ليس فرضًا، فأي شيء لبس على الرأس جاز المسح عليه، وإن لم يكن ساترًا لمحل الفرض، ولو لم يشق نزعه.
-قال في الجوهرة النيرة (1/ 108):
ولا يجوز المسح على العمامة والقلنسوة والبرقع والقفازين، لأنه لا حرج في نزع هذه الأشياء والرخصة إنما هي لرفع الحرج. القلنسوة شيء تجعله الأعاجم على رءوسهم أكبر من الكوفية”.
-قال ابن قدامة في الكافي (1/ 71):
فأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والنوميات وخمار المرأة ففيهما روايتان:
إحداهما: يجوز المسح عليها لأن أنسا رضي الله عنه مسح على قلنسوته وعن عمر رضي الله عنه: إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته و عمامته وكانت أم سلمة تمسح على الخمار. وقال الخلال: قد روي المسح على القلنسوة من رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بأسانيد صحاح؛ وأختاره لأنه ملبوس للرأس معتاد أشبه العمامة.
والثاني: لا يجوز لأنه لا يشق نزع القلنسوة ولا يشق على المرأة المسح من تحت خمارها فأشبه الكلوتة والوقاية. انتهى.
-وقال ابن قدامة في المغني (1/ 222): وقال أبو بكر الخلال: إن مسح إنسان على القلنسوة لم أر به بأسا؛ لأن أحمد قال، في رواية الميموني أنا أتوقاه. وإن ذهب إليه ذاهب لم يعنفه. قال الخلال: وكيف يعنفه؟ وقد روي عن رجلين من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأسانيد صحاح، ورجال ثقات. فروى الأثرم، بإسناده عن عمر، أنه قال: إن شاء حسر عن رأسه، وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته. وروى بإسناده، عن أبي موسى، أنه خرج من الخلاء، فمسح على القلنسوة؛ ولأنه ملبوس معتاد يستر الرأس، فأشبه العمامة المحنكة، وفارق العمامة التي ليست محنكة ولا ذؤابة لها؛ لأنها منهي عنها”.
– الشيخ ابن عثيمين رحمه الله اختار القول الذي فرق بين ما يشقُّ نزعه وما لا يشقُّ، فقال في الشرح الممتع (1/ 253): القلانس جمع قَلَنْسُوَة، نوع من اللباس الذي يُوضع على الرَّأس، وهي عبارة عن طاقيَّة كبيرة، فمثل هذا النوع لا يجوزُ المسحَ عليه؛ لأن الأصلَ وجوبُ مسح الرَّأس لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6].
وعَدَل عن الأصل في العِمَامة، لورود النَّصِّ بها.
وقال بعض الأصحاب: يمسحُ على القَلانس، إِذا كانت مثل العِمَامة يشقُّ نزعُها، أمَّا ما لا يشقُّ نزعُه كالطاقيَّة المعروفة فلا يمسح عليها. ففرَّق بين ما يشقُّ نزعه وما لا يشقُّ.
وهذا القول قويٌّ، لأنَّ الشَّارع لا يفرِّق بين متماثلين كما أنه لا يجمع بين متفرقين؛ لأن الشَّرع من حكيمٍ عليم، والعِبْرة في الأمور بمعانيها، لا بصورها.
وما دام أن الشَّرع قد أجاز المسحَ على العِمَامة، فكلُّ ما كان مثلها في مشقَّة النَّزع فإِنه يُعطى حكمَها”. انتهى
-وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (11/ 170): وأما ما يلبس في أيام الشتاء من القبع الشامل للرأس والأذنين، والذي قد يكون في أسفله لفة على الرقبة، فإِن هذا مثل العمامة لمشقة نزعه فيمسح عليه».
-قال ابن حزم في المحلى بالآثار (1/ 303): وكل ما لبس على الرأس من عمامة أو خمار أو قلنسوة أو بيضة أو مغفر أو غير ذلك: أجزأ المسح عليها، المرأة والرجل سواء في ذلك، لعلة أو غير علة”.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-قلت: والخلاف بين أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
(1) -فقيل: لا يمسح عليها، وهو مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة.
قلت: والجمهور إذا كانوا يمنعون المسح على العمامة، فمنع المسح على القلانس من باب أولى.
(2) -وقيل: يمسح عليها، هو رواية عن أحمد، ومذهب ابن حزم (المحلى).
(3) -وقيل: يمسح إن كانت مشدودة تحت حلقه، وهو رواية عن أحمد.
راجع الإنصاف، والفتاوى الكبرى، والفروع.
-قلت: والراجح عندي في المسالة جواز المسح على القلنسوة، لأنه ثبت المسح عليه عن بعض الصحابة كأبي موسى الأشعري وسنده صحيح، وأنس بن مالك وسنده حسن، وابن عمر وسنده حسن.
وفعل الصحابي إذا لم يعارض نصا مرفوعا، ولم يخالفه صحابي مثله، فهو حجة؛ لأن فهمهم أولى من فهمنا، وعلمهم أكمل من علمنا، وإصابتهم للحق أقرب من غيرهم، ونحن مأمورون باتباع سبيلهم، فإذا نقل الخلاف بينهم كان على الإنسان أن يتحرى أقربها للحق.
• (تخريج حديث أثار الصحابة)
(1) -أثر ابن عمر أنه كان إذا مسح رأسه رفع القلنسوة ومسح مقدم رأسه.
حسن:
أخرجه الدارقطني ((1) / (107)) حدثني الحسين بن إسماعيل حدثني لسيد بن يحيى الأموي حدثني أبي نا يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر به.
ويحيى الأموي والد سعيد حسن الحديث.
(2) – وأثر أنس بن مالك: عن سعيد بن عبد الله بن ضرار قال: رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء وعليه قلنسوة بيضاء مزرورة فمسح على القلنسوة وعلى جوربين له أسودين، ثم صلى.
حسن:
أخرجه عبد الرزاق ((1) / (190)) عن الثوري عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن ضرار به.
وسعيد بن عبد الله بن ضرار قال عنه أبو حاتم كما في الجرح ((4) / (146)) ليس بالقوي.
قلت: لكن قوله هنا: (رأيت) يدل على أنه قد حفظه، فيقبل حديثه هنا.
وأما أثر أبي موسى: رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن أبي عروبة، عن أشعث، عن أبيه،
أن أبا موسى خرج من الخلاء، فمسح على قلنسوته.
[إسناده صحيح].
قلت: ويحيى بن سعيد القطان سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه، وأشعث: هو ابن أبي الشعثاء، واسم أبيه: سليم بن أسود، فرجاله كلهم ثقات.
المرجع: (ما صح من أثر الصحابة في الفقه).
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
العبرة بمشقة النزع:
و الحنابلة الذين أجازوا المسح على العمامة فقد علَّلوا جواز المسح عليها بمشقة نزعها، وبَنَوْا على هذا أن المسح على القلنسوة والطاقية لا يجوز، لأنه لا مشقة في نزعها.
قال البهوتي الحنبلي رحمه الله:
“لا يجوز المسح على الوقاية [وهي الطرحة تجعلها المرأة فوق خمارها] ; لأنه لا يشق نزعها فهي كطاقية الرجل، ولا على القلانس جمع قلنسوة أو قلنسية، ووجه عدم المسح عليها: أنه لا يشق نزعها فلم يجز المسح عليها” انتهى.
“كشاف القناع” (1/ 113).
وقال ابن قدامة في “المغني” (1/ 384):
“ولا يجوز المسح على القلنسوة، الطاقية، نص عليه الإمام أحمد” انتهى.
فتبين بهذا أن المسح على الطاقية ومثلها: القبعة: لا يصح، وكذلك لا يصح المسح على “الشماغ” و “الغترة” و “الكوفية” وهي بمعنى واحد، إلا على مذهب الإمام الشافعي، إذا مسح معها بعض الرأس، وهذا مبني ـ كما سبق ـ على أن استيعاب الرأس كله بالمسح ليس واجباً عنده، وإنما الواجب مسح بعضه.
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
“الطاقية ليست كالعمامة، الطاقية والقلنسوة والقبعة: كل أغطية الرأس لا تأخذ حكم العمامة، العمامة خاصة، هي التي وردت السنة بالمسح عليها، فيقتصر عليها، أما أغطية الرأس الأخرى؛ كالطاقية، والقلنسوة، والقبعة، والطربوش، وما يلبس على الرأس: هذه كلها لا يمسح عليها” انتهى.