14 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع وتأليف نورس الهاشمي
مسند أحمد:
4870 حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ يَعْنِي ابْنَ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي سَفَرٍ، فَمَرَّ بِمَكَانٍ فَحَادَ عَنْهُ، فَسُئِلَ لِمَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: ” رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا فَفَعَلْتُ ”
قلت سيف: هو على شرط الذيل على الصحيح المسند.
_______
العمل بالسنة
قوله (فَحَادَ عَنْهُ) أي: مال عنه وعدل.
ومن الأحاديث الدالة على ذم من ترك سنته:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون.
وعن الحسن بن جابر قال سمعت المقدام بن معد يكرب (رضي الله عنه) يقول حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أشياء ثم قال يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكيء وعلى أريكته يحدث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه؛ ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله.
وعنه أيضاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل ينثني شبعان على أريكته يقول عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع، ألا ولا لقطة من مال معاهد إلا أن يستغني صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروهم فعليهم أن يعقبوهم بمثل قراهم.
وعن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعرفن ما يبلغ أحدكم من حديثي شيء وهو متكيء على أريكته فيقول ما أجد هذا في كتاب الله.
قال الحافظ المنذري رحمه الله يعني أنه صلى الله عليه وسلم أوتي من الوحي غير المتلو مثل ما أوتي من المتلو كما قال الله تعالى (ويعلمهم الكتاب والحكمة) فالكتاب هو القرآن، والحكمة السنن التي لم ينطق القرآن بنصها وأوتي صلى الله عليه وسلم من بيان القرآن وتفسيره فإن بيان القرآن مفوض إليه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وفي تكرير كلمة التنبيه (يعني ألا) توبيخ نشأ من غضب عظيم عن من ترك السنة والعمل بالحديث استغناء بالكتاب فكيف بمن ترك العمل بالحديث استغناء بالرأي اهـ
قال الخطابي رحمه الله: وفيه دليل على أنه لا حاجة بالحديث إلى أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه فأما ما رواه بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه، فإنه حديث باطل لا أصل له وقد حكى زكريا الصاحبي عن يحيى بن معين رحمهما الله أنه قال هذا حديث وضعته الزنادقة اهـ
عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , أَنَّهُ قَالَ: ” إِذَا حَدَّثْتَ الرَّجُلَ بِالسُّنَّةِ فَقَالَ: دَعْنَا مِنْ هَذَا وَحَدِّثْنَا مِنَ الْقُرْآنِ , فَاعْلَمْ أَنَّهُ ضَالٌّ مُضِلٌّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] وَ {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهُ} [النساء: 80] وَيَدْعُوهُ إِلَى تَاوِيلِ الْقُرْآنِ بِرَايِهِ “. الكفاية في علم الرواية (15).
قال ابن حزم رحمه الله تعالى”لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافرًا بإجماع الأمة”، (الإحكام) ج2 ص80 انتهى
فمن رَدَّ السُنَّة القولية والعملية في هذه الأمور يكون قد رَدَّ القرآن الذي أخبر أنَّ الله قد خول نبيه هذه الصفات والخصائص وأمر بطاعته مع طاعة الله أي العمل بالسُنَّة والقرآن إذ قال الله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32].
ومن الادلة التي تدل على العمل بالسنة: هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال ظاهراً وباطنا، ويجب الاقتداء به، فجعل اتباع النبي صلى الله عليه وسلم من لوازم محبة الله، قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31].
من الناس من إذا تعلم السنة هلك، قالوا: كيف يهلك؟ قال: يتعلم السنة من أجل أن يتركها، لا من أجل أن يعمل بها؛ فتراه يقول: هذه سنة، وهذا واجب، وهذا ركن؛ فإذا علم أنها سنة عزم على تركها، مع أن السلف كانوا حريصين على العمل بالسنة، واتباع هديه؛ ويكفي في فضيلة السنة قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
[روى القاضي عياض في “الشفا”، عن الحسن البصري: أن أقواماً قالوا: يارسول الله: إنا نحب الله؛ فأنزل الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} الآية”. وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]. قال محمد بن علي الترمذي: “الأسوة في الرسول: الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قول أوفعل”. قال القاضي عياض: “وقال غير واحد من المفسرين بمعناه”] انتهى.
قال الشاطبي في الموافقات (4/ 340): فنقول وبالله التوفيق: إن للناس في هذا المعنى مآخذ:
منها: ما هو عام جدًّا، وكأنه جار مجرى أخذ الدليل من الكتاب على صحة العمل بالسنة ولزوم الاتباع لها، وهو في معنى أخذ الإجماع من معنى قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية [النساء: 115].
وممن أخذ به عبد الله بن مسعود؛ فروي أن امرأة من بني أسد أتته، فقالت له: “بلغني أنك لعنت ذيت وذيت والواشمة والمستوشمة، وإنني قد قرأت ما بين اللوحين فلم أجد الذي تقول! فقال لها عبد الله: أما قرأت {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 7]؟ قالت: بلى. قال: فهو ذاك”.
وفي رواية قال عبد الله: “لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله”.
فظاهر قوله لها: “هو في كتاب الله”، ثم فسر ذلك بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] دون قوله: {وَلَأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّه} [النساء: 119]، أن تلك الآية تضمنت جميع ما جاء في الحديث النبوي، ويشعر بذلك أيضًا ما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى محرمًا عليه ثيابه؛ فنهاه، فقال: ائتني بآية من كتاب الله تنزع ثيابي. فقرأ عليه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الآية3 [الحشر: 7].
وروي أن طاوسًا كان يصلي ركعتين بعد العصر؛ فقال له ابن عباس: “اتركهما. فقال: إنما نهي عنهما أن تتخذا سنة. فقال ابن عباس: قد نهى رسول الله صلى لله عليه وسلمعن صلاة بعد العصر؛ فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر لأن الله قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] “.
قال ابن تيمية: فإن الشافعي وأحمد وسائر الأئمة يوجبون العمل بالسنة المتواترة المحكمة وإن تضمنت نسخا لبعض آي القرآن لكن يقولون: إنما نسخ القرآن بالقرآن لا بمجرد السنة ويحتجون بقوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} ويرون من تمام حرمة القرآن أن الله لم ينسخه إلا بقرآن. المجموع (20/ 399).
قلت سيف: كأن المقصود والله أعلم الناسخ للقرآن هو القرآن، وإن لم يصل إلينا لأنه نسخت تلاوته، والذي دلنا على وجود قرآن ناسخ هو السنة
قال الألباني:
أقوال الأئمة في اتِّباعِ السُّنَّةِ وتَركِ أقوالِهم المخالفَةِ لَها
ومن المفيد أن نسوق هنا ما وقفنا عليه منها أو بعضها، لعلَّ فيها عظةً وذكرى لمن يقلدهم بل يقلد من دونهم بدرجات تقليداً أعمى، ويتمسك بمذاهبهم وأقوالهم؛ كما لو كانت نزلت من السماء، والله عزَّ وجلَّ يقول: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
1 أبو حَنِيفة رحمه الله:
فأولهم الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت رحمه الله، وقد روى عنه أصحابه أقوالاً شتى، وعبارات متنوعة؛ كلها تؤدي إلى شيء واحد وهو: وجوب الأخذ بالحديث، وترك تقليد آراء الأئمة المخالفة له:
1 ” إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي “.
2 ” لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه “. وفي رواية: ” حرام على مَن لم يعرف دليلي أن يُفتي بكلامي “. زاد في رواية: ” فإننا بَشَر؛ نقول القول اليوم، ونرجع عنه غداً “.
وفي أخرى: ” ويحك يا يعقوب! وهو أبو يوسف لا تكتب كل ما تسمع مني؛ فإني قد أرى الرأي اليوم، وأتركه غداً، وأرى الرأي غداً، وأتركه بعد غد “.
3 ” إذا قلتُ قولاً يخالف كتاب الله تعالى، وخبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاتركوا قولي “.
2 مالك بن أنس رحمه الله
وأما الإمام مالك بن أنس رحمه الله؛ فقال:
1 ” إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة؛ فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة؛ فاتركوه”.
2 ” ليس أحد بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ويؤخذ من قوله ويترك؛ إلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
3 قال ابن وهب:
سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ” ليس ذلك على الناس “. قال: فتركته حتى خفَّ الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة. فقال: ” وما هي؟ “. قلت: حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن المستورد بن شداد القرشي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدلُك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: ” إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة “.
ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيأمر بتخليل الأصابع.
3 الشافعي رحمه الله:
وأما الإمام الشافعي رحمه الله؛ فالنقول عنه في ذلك أكثر وأطيب، وأتباعه أكثر عملاً بها وأسعد؛ فمنها:
1 ” ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعزُبُ عنه،
فمهما قلتُ من قول، أو أصّلت من أصل، فيه عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف ما قلت؛ فالقول ما قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو قولي “.
2 ” أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لم يَحِلَّ له أن يَدَعَهَا لقول أحد “.
5 ” أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فَأَعْلِموني به أي شيء يكون: كوفيّاً، أو بصرياً، أو شامياً ؛ حتى أذهب إليه إذا كان صحيحاً “.
6 ” كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ فأنا راجع عنها في حياتي، وبعد موتي “.
7 ” إذا رأيتموني أقول قولاً، وقد صحَّ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلافُه؛ فاعلموا أن عقلي قد ذهب “.
8 ” كل ما قلت؛ فكان عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلاف قولي مما يصح؛ فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني “.
9 ” كل حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني “.
4 أحمد بن حنبل رحمه الله:
وأما الإمام أحمد؛ فهو أكثر الأئمة جمعاً للسنة وتمسكاً بها، حتى ” كان يكره وضع الكتب التي تشتمل على التفريع والرأي “؛ ولذلك قال:
1 ” لا تقلدني، ولا تقلد مالكاً، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا “. وفي رواية:” لا تقلد دينك أحداً من هؤلاء، ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ فَخُذ به، ثم التابعين بَعْدُ؛ الرجلُ فيه مخيَّر “. وقال مرة: ” الاتِّباع: أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن أصحابه، ثم هو من بعد التابعين مخيّر “.
2 ” رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة؛ كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار”.
3 ” من رد حديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو على شفا هَلَكة “.
تلك هي أقوال الأئمة رضي الله تعالى عنهم في الأمر بالتمسك بالحديث، والنهي عن تقليدهم دون بصيرة، وهي من الوضوح والبيان بحيث لا تقبل جدلاً ولا تأويلاً. وعليه؛ فإن من تمسك بكل ما ثبت في السنة، ولو خالف بعض أقوال الأئمة؛ لمجرد مخالفتها لقولهم؛ بل هو بذلك عاصٍ لهم، ومخالف لأقوالهم المتقدمة، والله تعالى يقول: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:
” فالواجب على كل من بلغه أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعرفه؛ أن يبينه للأمة، وينصح لهم، ويأمرهم باتباع أمره، وإن خالف ذلك رأي عظيم من الأمة؛ فإن أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحق أن يُعَظَّم ويُقتدى به من رأي أي مُعَظَّم قد خالف أمره في بعض الأشياء خطأً، ومن هنا رد الصحابة ومن بعدهم على كل مخالف سنة صحيحة، وربما أغلظوا في الرد، لا بغضاً له؛ بل هو محبوب عندهم مُعَظَّم في نفوسهم، لكن رسول الله أحب إليهم، وأمره فوق أمر كل مخلوق، فإذا تعارض أمر الرسول وأمر غيره؛ فأمر الرسول أولى أن يقدم ويتبع، ولا يمنع من ذلك تعظيم من خالف أمره، وإن كان مغفوراً له، بل ذلك المُخَالَف لمغفور له لا يكره أن يخالف أمره؛ إذا ظهر أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلافه “. اصل الصفة للألباني رحمه الله (1/ 23 – 34).