1392 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي.
الصحيح المسند 1392:
حديث لأبي هريرة رضي الله عنه يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شر ما في رجل شح هالع، وجبن خالع)
هذا حديث حسن.
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي
مشاركة أبي صالح:
أخرجه أبو داود في سننه (2513) والمام أحمد في مسنده (8263) وإسحق بن راهويه في مسنده (341) ومن طريقه ابن حبان في صحيحه (3250) والبخاري في التاريخ الكبير تعليقا والفاكهي في فوائده (13) والقضاعي في مسند الشهاب (1338) والبيهقي في السنن الكبرى (18561) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ، وأخرجه المام أحمد في مسنده (8010) (ومن طريقه أبو نعيم في الحلية) والطبري في تهذيب الثار من مسند عمر (169) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الجهاد له (111) ومن طريقه الخطيب البغدادي في البخلاء (5) وكذلك أبو طاهر السلفي في المشيخة البغدادية، وأخرجه عبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب (1428) والطبري في تهذيب الثار من مسند عمر (170) من طريق عبد الملك العقدي، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (26609) وإسحق بن راهويه في مسنده (342) والبزار في مسنده (8816) من طريق الفضل بن دكين، وأخرجه الخرائطي في مساوئ الخلاق والبيهقي في شعب اليمان (10337) من طريق محمد بن سنان الباهلي، والرافعي في أخبار قزوين من طريق عبد الله بن صالح كلهم (المقرئ، وابن مهدي، وابن المبارك، والعقدي، وأبو نعيم، والباهلي، وعبد الله بن صالح) عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عبد العزيز بن مروان قال سمعت أبا هريرة به
فوائد مهمة:
1 قال البزار عقبه وهذا الكلام لا نعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا السناد.
2 قال العراقي في تخريج الحياء “أخرجه أبو داود من حديث جابر بسند جيد” وأظن قوله “من حديث جابر” سبق قلم وصوابه “من حديث أبي هريرة”
3 قال ابن كثير بعد أن عزاه لبي داود “وليس لعبد العزيز عنده سواه”
4 تفرد به أبو داود عن أصحاب الكتب الستة.
5 وعزاه السيوطي في الجر المنثور لبن مردويه أيضا.
6 قال البيهقي في الشعب “تابعه الليث بن سعد” أي عن موسى بن علي.
7 قال اللباني كما في سلسلة الحاديث الصحيحة 560 هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
8 قال ابن طاهر “إسناده متصل وهوعلى شرط أبي داود وقد احتج مسلم بموسى بن علي عن أبيه عن جماعة من الصحابة”، نقله عنه اازيلعي في تخريج أحاديث الكشاف.
مشاركة أحمد بن علي:
قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير أي جازع أي شح يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه (وجبن خالع) أي شديد فكأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه فالشح والبخل كل منهما مذموم على انفراده فإذا اجتمعا فهو النهاية في القبح
قال الساعاتي في الفتح الرباني:
(شح هالع) اي جازع يعني يحمل على الحرص على المال والجزع على ذهابه والشخ بخل مع حرص فهو أبلغ في المنع من البخل (والهلع) أفحش الجزع ومعناه انه يجزع في شحه اشد الجزع على استخراج الحق منه أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه والمراد به ما يعوض من أنواع الأفكار وضعف القلب عند الخوف من الخلع وهو نزع الشيء عن الشيء بقوة يعني حين يمنعه من محاربة الكفار والدخول في عمل الابرار فكأن الجبن يخلغ القوة والنجدة من القلب. اهـ
قال المباركفوري في شرح مشكاة المصباح (شح هالع) أي مخزن جازع والهلع أشد الجزع والضجر أي شح يحمل على الحرص على تحصيل المال والجزع على ذهابه. كما قال الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً وإذا مسه الخير منوعاً} [المعارج: 19 21]
قال الطيبي في شرح المشكاة:
الشح: بخل مع حرص، فهو أبلغ في المنع من البخل، فالبخل يستعمل في الضنة بالمال، والشح في سائر ما تمتنع النفس عن الاسترسال فيه من بذل مال، أو معروف، أو طاعة. الهلع: أفحش الجزع. وهلع بالكسر فهو هلع وهلوع، ومعناه: أنه يجزع في شحه أشد الجزع علي استخراج الحق اهـ
قال الصنعاني في سبل السلام:
السخاء هو أن يؤدي ما أوجب الله عليه، والواجب واجبان: واجب الشرع، وهو ما فرضه الله تعالى من الزكاة والنفقات لمن يجب عليه إنفاقه وغير ذلك، وواجب المروءة، والعادة. والسخي: هو الذي لا يمنع واجب الشرع ولا واجب المروءة، فإن منع واحدا منهما فهو بخيل لكن الذي يمنع واجب الشرع أبخل، فمن أعطى زكاة ماله مثلا ونفقة عياله بطيبة نفسه، ولا يتيمم الخبيث من ماله في حق الله، فهو سخي. والسخاء في المروءة أن يترك المضايقة والاستقصاء في المحقرات، فإن ذلك مستقبح ويختلف استقباحه باختلاف الأحوال، والأشخاص، وتفصيله يطول . اهـ
مشاركة سيف بن دورة الكعبي:
ورد في مجموعة الرسائل الشيخ مقبل:
ما جاء في ذم البخل والتحذير منه؛
قال الإمام البخاري رحمه الله في “الأدب المفرد” ص (111): حدثنا عبدالله بن أبي الأسود قال: حدثنا حميد بن الأسود عن الحجاج الصواف قال: حدثني أبوالزبير قال: حدثنا جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سيّدكم يابني سلمة))؟ قلنا: جدّ بن قيس، على أنّا نبخّله، قال: ((وأيّ داء أدوأ من البخل، بل سيّدكم عمرو بن الجموح)). وكان عمرو على أصنامهم في الجاهليّة، وكان يولم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا تزوّج.
هذا حديث حسن.
وقال أبوداود رحمه الله (ج5 ص115): حدثنا حفص بن عمر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث عن أبي كثير عن عبدالله بن عمرو قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((إيّاكم والشّحّ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالشّحّ، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلاّ أبا كثير الزبيدي وقد وثّقه النسائي.
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص94): حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب الرملي قالا: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن يحيى ابن جعدة عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقلّ، وابدأ بمن تعول)).
هذا حديث حسن، ورجاله رجال الصحيح، إلا يحيى بن جعدة وقد وثقه أبوحاتم والنسائي.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص4): ثنا أسود بن عامر ثنا أبوبكر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يارسول الله، لقد سمعت فلانًا وفلانًا يحسنان الثّناء، يذكران أنّك أعطيتهما دينارين، قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لكنّ والله فلانًا ماهو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة، فما يقول ذاك، أما والله إنّ أحدكم ليخرج مسألته من عندي، يتأبّطها، يعني تكون تحت إبطه: يعني نارًا، قال: قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها إيّاهم؟ قال: ((فما أصنع، يأبون إلا ذاك، ويأبى الله لي البخل)). انتهى
ومما ورد في ذم البخل:
قال الله سبحانه وتعالى: (وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت:60].
فليس الحرص على جمع المال يضمن حصوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في «الصحيحين»: «إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعًا وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» منعًا وهات: يمنع ما أوجب الله عليه، ولا يزال يطلب المزيد، من ابتلي بالجشع، وصار همه الدنيا؛ يصير لاهثًا بعد الدنيا، كما أخبر الله تعالى عن ذلك الذي أتاه الله آياته فانسلخ منها، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف:176].
و الدنيا ما هي ميزان الرفعة، إلا عند مضارعي قوم قارون، الذين قال الله عنهم: (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [القصص:79].
ويقول تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9]،، وثبت عن جابر رضي الله عنه في «صحيح مسلم» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا الظلم: فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح: فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم».
ابن تيمية تكلم عن الصبر كما في مجموع الفتاوى 28/ 154؛ وذكر أن الناس يتمادحون بالشجاعة والكرم ثم قال:
وَالْبُخْلُ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعُ: كَبَائِرَ؛ وَغَيْرُ كَبَائِرَ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}. وَقَالَ: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا} إلَى قَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَاتُونَ الصَّلَاةَ إلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ}. وَقَالَ: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}. وَقَالَ: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}. وَقَالَ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}. وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} الْآيَةَ.
وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْإِيتَاءِ وَالْإِعْطَاءِ وَذَمِّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ: كُلُّهُ ذَمٌّ لِلْبُخْلِ وَكَذَلِكَ ذَمُّهُ لِلْجُبْنِ كَثِيرٌ مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَاوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}. وَقَوْلُهُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ}. وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}. وَقَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}. وَمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْجِهَادِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَذَمِّ النَّاكِلِينَ عَنْهُ وَالتَّارِكِينَ لَهُ: كُلُّهُ ذَمٌّ لِلْجُبْنِ. وَلَمَّا كَانَ صَلَاحُ بَنِي آدَمَ لَا يَتِمُّ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إلَّا بِالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ: بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى عَنْ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ أَبْدَلَ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ …..
ثم تكلم عن نكول المنافقين عن الجهاد، وفضل الشجاعة، ثم الصبر والحث عليه.
وفي الكبائر لمحمد بن عبدالوهاب:
” 38 ” باب الهلع والجبن
وقول الله تعالى {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} إلى قوله {إِلَّا الْمُصَلِّينَ}. [المعارج: 19 22].
79 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «شر ما في الرجل شح هالع؛ وجبن خالع» رواه أبو داود بسند جيد.
الهلع: أشد الجزع والفجر
قال الخطابي: أصل الهلع الجزع، والهالع ههنا ذو الهلع، ويقال إن الشح أشد من البخل الذي يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع.
وقيل الشح يحمل على الحرص على المال، والجزع على ذهابه، وقيل هو أن لا يشبع كلما وجد شيئا بلعه، وقيل لا يجتمع الشح مع معرفة الله أبدا، فإن المانع من الإنفاق والجود خوف الفقر، وهو جهل بالله وعدم وثوق بوعده وضمانه ومن تحقق أنه الرزاق لم يثق بغيره.
وجبن خالع: أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه والمراد به ما يعرض من أنواع الأفكار، وضعف الخوف من الخلع وهو نزع الشيء من الشيء بقوة يعني حين يمنعه من محاربة الكفار والدخول في عمل الأبرار فكأن الجبن يخلع القوة والنجدة من القلب أو يخلع المتصف به عن كونه من الفحول.
80 ولمسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعا «اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم».
ثم بوب
” 39 ” باب البخل
وقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَامُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} الآية: [النساء: 37]، وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].
81 عن جابر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من سيدكم يا بني سلمة؟ قلنا الجد بن قيس على أنا نُبَخِّلُهُ قال: ” وأي داء أدوأ من البخل. بل سيدكم عمرو بن الجموح» رواه البخاري في الأدب المفرد.
أحدهما: حب الشهوات التي لا يتوصل إليها إلا بالمال مع طول الأمل، فإن الإنسان لو علم أنه يموت بعد يوم ربما لا يبخل بماله إذ القدر الذي يحتاج إليه في يوم وفي شهر أو في سنة قريب، وإن كان قصير الأمل ولكن كان له أولاد أقام الولد مقام طول الأمل فإنه يقدر بقاءهم كبقاء نفسه فيمسك لأجلهم ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «الولد مبخلة مجبنة محزنة» فإذا انضاف إلى ذلك خوف الفقر وقلة الثقة بمجيء الرزق قوي البخل لا محالة.
السبب الثاني: أنه يحب عين المال، فمن الناس من معه ما يكفيه لبقية عمره، إذا اقتصر على ما جرت به عادته بنفقته وتفضل الآلاف وهو شيخ بلا ولد ومعه أموال كثيرة ولا تسمح نفسه بإخراج الزكاة وبمداومة نفسه عند المرض بل صار محبا للدنانير عاشقا لها يلتذ بوجودها في يده وبقدرته عليها فيكنزها تحت الأرض وهو يعلم أنه يموت فتضيع، أو يأخذها أعداؤه، ومع هذا فلا تسمح نفسه بأن يأكل أو يتصدق منها بحبة واحدة، وهذا مرض للقلب عظيم عسير العلاج ولا سيما في كبير السن وهو مرض مزمن لا يرجى علاجه.
ثم بوب
” 40 ” باب عقوبة البخل
وقول الله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180].
82 فيه «لا توعي فيوعي الله عليك» كما في الحديث الآخر.
83 «ارضخي يرضخ لك» أي وسعي يوسع لك.
84 وقوله عليه السلام: «اللهم أعط ممسكا تلفا، وأعط منفقا خلفا».
والإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات وقال القرطبي: وهو يعم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل المذموم بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه ولو أخرجه.
قرر الشاطبي في الموافقات بعد أن ذكر مجموعة من الأوامر والنواهي ومنه الجبن والبخل قال: أنها ليست على وزان واحد فهي تأتي في القرآن على ضربين:
أن تأتي على العموم والاطلاق في كل شئ، وعلى كل حال، لكن بحسب كل مقام، وعلى ما تعطيه شواهد الأحوال في كل موضع، لا على وزان واحد، ولا حكم واحد ثم وكل ذلك إلى نظر المكلف؛ فيزن بميزان نظره، ويتهدى لما هو اللائق والأحرى في كل تصرف، آخذًا ما بين الأدلة الشرعية والمحاسن العادية؛ كالعدل، والإحسان، والوفاء بالعهد، وإنفاق عفو المال، وأشباه ذلك؛ ألا ترى إلى قوله في الحديث: “إن الله كتب الإحسان 1 على كل شيء، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة” إلخ2.
فقول3 الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] ليس الإحسان فيه مأمورًا به أمرًا جازمًا في كل شيء، ولا غير جازم في كل شيء، بل ينقسم بحسب المناطات؛ ألا ترى أن إحسان العبادات بتمام أركانها من باب الواجب، وإحسانها بتمام آدابها من باب المندوب؟
ومنه إحسان القتلة كما نبه عليه الحديث، وإحسان الذبح إنما هو مندوب لا واجب، وقد يكون في الذبح من باب الواجب إذا كان هذا الإحسان راجعًا إلى تتميم الأركان والشروط، وكذلك العدل في عدم المشي بنعل واحدة ليس كالعدل في أحكام الدماء والأمور وغيرها؛ فلا يصح إذًا إطلاق القول في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} [النحل: 90] أنه أمر إيجاب أو أمر ندب؛ حتى يفصل الأمر فيه، وذلك راجع إلى نظر المجتهد تارة، وإلى نظر المكلف وإن كان مقلدًا تارة أخرى، بحسب ظهور المعنى وخفائه.
والضرب الثاني:
أن تأتي في أقصى مراتبها1، ولذلك تجد الوعيد مقرونًا بها في الغالب، وتجد المأمور به منها أوصافًا لمن مدح الله من المؤمنين، والمنهي عنها أوصافًا لمن ذم الله من الكافرين.
مثال ذلك أنه إذا نظر في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَان} [النحل: 90]؛ فوزن نفسه في ميزان العدل، عالمًا أقصى العدل الإقرار بالنعم لصاحبها وردها إليه ثم شكره عليها، وهذا هو الدخول في الإيمان والعمل بشرائعه، والخروج عن الكفر واطراح توابعه، فإن وجد نفسه متصفًا بذلك؛ فهو يرجو أن يكون من أهله، ويخاف أن لا يكون بلغ4 في هذا المدى غايته؛ لأن العبد لا يقدر على توفية حق الربوبية في جميع أفراد هذه الجملة، فإن نظر بالتفصيل؛ فكذلك أيضًا، فإن العدل كما يطلب في الجملة يطلب في التفصيل؛ كالعدل بين الخلق إن كان حاكمًا والعدل في أهله وولده ونفسه؛ حتى العدل في البدء بالميامن5 في لباس النعل ونحوه، كما أن هذا جارٍ في ضده وهو الظلم.
الأئمة كثيرا يذكرون هذا الحديث في كتاب الجهاد
ذكر ابن عبدالهادي في كتاب الآداب فصل أحاديث في ذم البخل والشح
وراجع نضرة النعيم في خصلة البخل، والجبن، والشح