1388 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مجموعة رامي.
1388 قال الإمام النسائي رحمه الله: أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال
كان الصداق إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أواق.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
قال الشيخ الألباني رحمه الله صحيح إسناد
سبق بعض المباحث عن الصداق تحت حديث 938.
رجال هذا الإسناد:
خمسة (محمد بن عبد اللَّه بن المبارك) أبو جعفر الْمُخَرِّميّ البغداديّ الثقة الحافظ [11] 43/ 50, (عبد الرحمن بن مهديّ) العنبريّ مولاهم البصريّ، ثقة ثبت إمام [9] 42/ 49, (داود بن قيس) الفرّاء الدّبَاغ المدنيّ، الثقة الفاضل [5] 96/ 120, (موسى بن يسار) المطّلبيّ مولاهم المدنيّ، ثقة.
روى عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه . وعنه ابن أخيه محمد بن إسحاق بن يسار، وعبد الرحمن بن الغسيل، وعُبيد اللَّه بن عمر العمريّ، وأبو مَعْشَر، وداود بن قيس الْفَرَّاء، وعثمان بن واقد المدنيّون. قال عباسٌ، عن ابن معين: ثقة. وذكره ابن حبّان في “الثقات”. علّق عنه البخاريّ، وأخرج له مسلم، والمصنّف، وابن ماجه، وله عند المصنّف في هذا الكتاب هذا الحديث رقم 3349 وحديث آخر رقم 14/ 4489 حديث أبي هريرة في المُصَرّاة.
(أبو هريرة) رضي اللَّه تعالى عنه 1/ 1. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من خماسيات المصنف رحمه اللَّه تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالمدنيين، غير شيخه، فبغدادي، وابن مهدي، فبصريّ. (ومنها): أن فيه رواية تابعي عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة رضي اللَّه تعالى عنه من المكثرين السبعة، روى (5374) حديثًا. واللَّه تعالى أعلم.
تعريف الصداق ودليل مشروعيته
تعريف الصداق:
الصداق في اللغة: مهر المرأة, وله أسماء كثيرة؛ منها: صداق، ومهر، ونحلة, وفريضة، وحباء، وأجر، وعقر، وعلائق.
وفي الاصطلاح: هو ما يكون عوضًا في النكاح.
وهذا أعم من أن يكون نقدًا أو غير نقد، حالًا أو مؤجلًا، مالًا معينًا أو منفعة، وغير ذلك مما يصلح أن يكون عوضًا في عقد البيع أو الإجارة.
دليل مشروعية الصداق:
الأصل في مشروعية الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} , قال أبو عبيدة: يعني عن طيب نفس بالفريضة التي فرض الله تعالى, وقيل: النحلة: الهبة، والصداق في معناها، لأن كل واحد من الزوجين يستمتع بصاحبه, وجعل الصداق للمرأة، فكأنه عطية بغير عوض, وقيل: نحلة من الله تعالى للنساء؛ أي: عطية خالصة من الله تعالى للنساء , أي: تكريمًا لهن لجهودهن في رعاية الأزواج وتنشئة الأطفال.
وأما السنة: فقد روى أنس رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلمرأى على عبد الرحمن بن عوف ردع زعفران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “مهيم؟ ” أي: ما هذا؟ أو ما وراءك؟ فقال: يا رسول الله, تزوجت امرأة، فقال: “ما أصدقتها؟ ” قال: وزن نواة من ذهب، فقال: “بارك الله لك، أولم ولو بشاة” متفق عليه.
وعن أنس رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلمأعتق صفية، وجعل عتقها صداقها” متفق عليه.
وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.
في شرح سنن النسائي:
والمراد صداق غالب الناس، الذي يتعاملون به فيما بينهم، وإلا فقد تقدّم أنه صلى الله عليه وسلم كان يتزوّج باثني عشر أوقيّة، ونَشًّا، وأمهر النجاشيّ أم حبيبة رضي اللَّه تعالى عنها حين زوّجها للنبيّ صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف درهم. وكذلك ثبت أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم زوّج بأقلّ من ذلك، وقال: “التمس ولو خاتمًا من حديد”. وزوّج بسور من القرآن.
(إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ) أي في حياته، ومرأىً، ومَسْمَع منه، ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم قرّرهم عليه، وفيه أن الصحابيّ إذا قال: كنا نفعل كذا، في عهده صلى الله عليه وسلم له حكم الرفع، وهو مذهب جماهير أهل العلم، من المحدّثين وغيرهم، وإلى ذلك أشار الحافظ السيوطي في “ألفيّة الحديث” حيث قال:
وَلْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوَابِ … نَحوُ “مِنَ السُّنَّةِ” مِنْ صَحَابِي
“كَذَا أُمِرْنَا” وَكَذَا “كُنَّا نَرَى” … فِي عَهْدِهِ أَوْ عَنْ إِضَافَةٍ عَرَى
ثَالِثُهَا إِنْ كَانَ لَا يَخْفَى وَفِي … تَصْرِيحِهِ بِعِلْمِهِ الْخُلْفُ نُفِي
(عَشْرَةَ أَوَاقٍ”) أي أربعمائة درهم. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه : هذا الحديث صحيح، وهو من أفراد المصنّف رحمه اللَّه تعالى، أخرجه هنا66/ 3349 وفي “الكبرى” 65/ 5511. وأخرجه (أحمد) في “باقي مسند المكثرين” 8589. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى
وورد في صحيح مسلم من حديث أبي سلمة:
قال: سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: «كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا»، قالت: «أتدري ما النش؟» قال: قلت: لا، قالت: «نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه».
قولها (كان صداق رسول الله صلى الله عليه و سلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش قلت لا قالت نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم) أما الأوقية فبضم الهمزة وبتشديد الياء والمراد أوقية الحجاز وهي أربعون درهما وأما النش فبنون مفتوحة ثم شين معجمة مشددة واستدل أصحابنا بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم والمراد في حق من يحتمل ذلك فإن قيل فصداق أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم كان أربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار فالجواب أن هذا القدر تبرع به النجاشي من ماله اكراما للنبي صلى الله عليه و سلم لا أن النبي صلى الله عليه و سلم أداه او عقد به والله أعلم.
شرح النووي على مسلم
وقال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى في سننه عند باب قلة المهر:
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت البناني و حميد عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وعليه ردع زعفران، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مهيم؟ فقال: يا رسول الله! تزوجت امرأة. قال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب. قال: أولم ولو بشاة)
والمقصود من هذه الترجمة أن المهر سواءٌ أكان قليلاً أم كثيراً من أي شيء يتمول فإنه يكون معتبراً، ولا حد لأقله ولا حد لأكثره، والمغالاة في المهور غير سائغة؛ لما يترتب عليها من العراقيل التي تؤخر الزواج وتعرض الشباب والشابات للفتن بسبب عدم حصول الزواج. والتيسير في الزواج وتسهيل أموره، وعدم المغالاة، وتزويج الكفؤ إذا جاء ولو لم يكن عنده مهر كبير هو المطلوب وهو الذي ينبغي، ولا حد لأقل المهر ولا حد لأكثره، ولكن المغالاة والإتيان بالأشياء التي تكون سبباً في تأخير الزواج لا تنبغي ولا تصلح. وسبق أن مر بنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق أحداً من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أكثر من خمسمائة درهم، وسبق أيضاًأن النجاشي أصدق أم حبيبة أربعة آلاف درهم، وعرفنا فيما مضى أن هذا إنما هو من النجاشي إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأورد أبو داود هنا حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف ردعاً من زعفران فقال: [(مهيم؟)] يعني: ما هذا؟ فقال: تزوجت امرأة. فقال: [(ماذا أصدقتها؟)] قال: وزن نواة من ذهب. قال عليه الصلاة والسلام: [(أولم ولو بشاة)]. ومحل الشاهد قوله: [وزن نواة من ذهب]. والمقصود بالنواة مقدار قليل من الذهب، قيل: إنه يعادل خمسة دراهم. فهذا فيه الإشارة إلى قلة المهر وأنه قليل وليس بكثير، وأن المهر يصح بكل ما يتمول ولو كان شيئاً يسيراً.
شرح سنن أبي داود للعباد
وأيضا في شرح سنن أبي داود قال:
أورد أبو داود حديث عمر رضي الله عنه أنه خطب الناس وقال: لا تغالوا في مهور النساء، فلو كانت مكرمة أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية.
والاثنتا عشرة أوقية أربعمائة وثمانون درهماً، والذي مر في حديث عائشة اثنتا عشر أوقية ونش، فهذا لا يدل على التعارض، إذ يمكن أن يكون ذكر الشيء التام بدون ذكر الكسر، فلا يقال: إن هذا مخالف لهذا؛ لأن عائشة تقول: خمسمائة، وهو يقول: أربعمائة وثمانون؛ فإنه قد يحذف الكسر، حيث يذكر الشيء التام الذي لا كسر فيه، فيكون هذا هو وجه التوفيق بين ما جاء عن عمر في هذا الحديث وما جاء عن عائشة في الحديث المتقدم، ومعلوم أن عائشة ذات خبرة، وعمر صاحب خبرة؛ لأن عائشة هي إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر هو والد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو والد حفصة، فكل منهما صاحب خبرة.
والحديث يدل على عدم المغالاة في المهور، كما نهى عن ذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه فقال: لا تغلوا في مهور النساء، ولو كانت مكرمة عند الله أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق واحدة من نسائه ولا أصدقت واحدة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية. إنتهى
وأيضا سئل الشيخ عبد المحسن العباد:
في بلادنا عندما يخطب الرجل المرأة أول ما يتكلم معه فيه أهل المرأة هو الذهب والبيت، ولا يتكلمون في المهر أو الصداق، بل إن المهر يكتب في عقد الزواج فقط ولا تقبضه الزوجة ولا أهلها، فهل الذهب الذي يشتريه الزوج للزوجة يقوم مقام المهر؟
فأجاب:
إذا كان اتفق على أن ذلك هو المهر فهو المهر، فما يعطي الرجل المرأة من الذهب عند الزواج هو من جملة صداقها، سواء كان معه شيء أم لمن يكن معه شيء، فإذا كان هناك شيء يكتب عند العقد فهو صداق، وكل ما أعطيته من أجل الزواج فهو صداق.
حكم تقديم بعض المهر أو تأخيره
سئل الشيخ بن باز رحمه الله تعالى:
س 47: هل يجب أن يقبض صداق المرأة عند تسميته أو عند العقد، أم يكتفي بتسميته، ويجوز تأجيله إلى وقت لاحق بعد الزواج؟ جزاكم الله خيرا.
ج: هذه المسألة ترجع إلى اتفاق الزوجين، أو الزوج و ولي المرأة، إذا اتفقا على شيء فلا بأس به، من تعجيل أو تأجيل، كل ذلك واسع والحمد لله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».
فإذا اتفقا على أن المهر يقدم أو يؤخر، أو يقدم بعضه ويؤخر بعضه فكل ذلك لا بأس به، لكن السنة أن يسمي شيئا عند العقد؛ لقوله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} فيسمي شيئا من المهر، فإن سمى شيئا فهو حسن، وإن قال: على مهر مؤجل، وهو معلوم بينهما فلا بأس، أو مؤجل نصفه أو ثلثه أو ربعه، ويبين المعجل والمؤجل فلا بأس، كل ذلك واسع، والحمد لله.
مجموع الفتاوى
السؤال الثالث من الفتوى رقم (1275):
س3: رجل مؤمن موحد، ولكنه أباح بناته الجميلات بالمناكحة بغير صداق، لا مال ولا ثوب ولا أي شيء إلا بالله ورسوله هل يصح ذلك النكاح؟
ج3: الصداق في النكاح لا بد منه؛ لدلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوبه، ويسمى أيضا مهرا وأجرا، قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أي: عن طيب نفس، بما فرض الله لهن عليكم بالزواج بهن، وقال تعالى:
{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} الآية، وثبت «أن امرأة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلمولم يكن له فيها حاجة فأراد بعض أصحابه أن يتزوجها، فطلب منه صداقا لها، فاعتذر لفقره، فقال له: “التمس ولو خاتما من حديد» فالتمسه لكنه لم يجد، فأبى النبي صلى الله عليه وسلمأن يزوجه إياها إلا بشيء يبذله لها، وفيه منفعة تعود عليها، وانتهى الأمر إلى أن زوجه النبي صلى الله عليه وسلمهذه المرأة بما معه من القرآن، يعلمهما إياه. وأجمعت الأمة على أنه لا بد من الصداق في النكاح، ومن تزوج امرأة من وليها على ألا مهر لها فقيل: نكاحهما باطل، وقيل: النكاح صحيح والشرط باطل، ويجب لها مهر المثل بالدخول بها، أو الوفاة عنها؛ لقوة الشبه بالمفوضة الآنف ذكرها، والأرجح الثاني، أما من تزوج امرأة أن لها مهرا لكنه لم يسم، فنكاحها صحيح، ولها مهر مثلها بالدخول أو الوفاة،
قال تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} الآية. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … نائب الرئيس … الرئيس
عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز.