1383، 1384، 1385 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——–”——-“——–‘
——–‘——–‘——–‘
——–‘——–‘——–‘
باب ما قيل في أولاد المشركين
1383 – حدثني حبان بن موسى أخبرنا عبد الله أخبرنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين
1384 – حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني عطاء بن يزيد الليثي أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين
1385 – حدثنا آدم حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء
——–”——–‘——–‘
فوائد الباب:
1 – قوله (ما قيل في أولا المشركين) أي غير البالغين، ما مصيرهم في الآخرة؟
2 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
3 – قوله (سئل عن أولاد المشركين) وعند مسلم في رواية (عن أطفال المشركين).
4 – قوله (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك تابعه غندر محمد بن جعفر كما عند البخاري 6597 في رواية تابعه عبد الرحمن– هو ابن مهدي – كما عند النسائي في سننه.
5 – قوله (أخبرنا شعبة) تابعه أبو عوانة كما عند مسلم وأبي داود، تابعه هشيم كما عند النسائي في رواية.
6 – قوله (عن أبي بشر) هو جعفر بن إياس.
7 – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: أتى علي زمان وأنا أقول أطفال المسلمين مع المسلمين، وأطفال المشركين مع المشركين، حتى حدثني فلان عن فلان، فلقيت الذي حدثني عنه، فحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنهم، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين. رواه أبو داود الطيالسي، وأحمد بن حنبل 20697 وزاد” فأمسكت عن قولي” بسند صحيح قاله البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة وكذلك ابن أبي عاصم في السنة 214 وقال الألباني إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وفي رواية عند ابن أبي شيبة ربهم أعلم بهم هو خلقهم، وهو أعلم بهم وبما كانوا عاملين. وقي أحد إسنادي الطيالسي التصريح بأن ابن عباس أخذه عن أبي بن كعب ولا يضر الجهل به فالصحابة كلهم عدول.
8 – حدبث أبي هريرة الأول المختصر رواه البخاري ومسلم والنسائي.
9 – حديث أبي هريرة الثاني أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
10 – عن عائشة قالت قلت يا رسول الله ذراري المؤمنين فقال هم من آبائهم فقلت يا رسول الله بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين قلت يا رسول الله فذراري المشركين قال من آبائهم قلت بلا عمل قال الله أعلم بما كانوا عاملين. أخرجه أبو داود وأودعه الشيخ مقبل في الصحيح المسند 1551 وقال هذا حديث صحيح من حيث السند، وأما من حيث المتن فإن حمل على الحكم الدنيوي فيما إذا بيت الكفار المسلمون ولم يستطيعوا التمييز بين الكبير والصغير فالأبناء من آبائهم. وأما الحكم الأخروي فهم في الجنة، كما في حديث سمرة بن جندب. راجع تهذيب السنن لابن القيم.
11 – قال الطبراني كما في المعجم الأوسط: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: «إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسْمِعَكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ» وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَرَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ»: فَمَنْ سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ كِبَرَ لَمْ يُؤْمِنْ، فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ: «إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكِ تَضَاغِيَهُمْ فِي النَّارِ». [ص:303] وَمَنْ سَبَقَ عِلْمُ اللَّهِ فِيهِ لَوْ كِبَرَ آمَنَ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هُمْ خَدَمُ أَهْلِ الْجَنَّةِ». فَقَدْ صَحَّتْ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ.
12 – “اعلم: أن الخلاف مخصوص بأطفال المشركين، فأما أولاد المؤمنين، فلا خلاف بين العلماء، كما حكاه القاضي أبو يعلى الفرّاء الحنبلي، عن الإمام أحمد، أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة، وهذا هو المشهور بين الناس، وأما ما نقل عن بعضهم أنهم توقّفوا بأن الولدان كلهم تحت المشيئة، فغريب جدًّا، كما نبّه عليه الحافظ ابن كثير في تفسيره، فتنبّه” قاله الشيخ الأثيوبي كما في ذخيرة العقبي شرح المجتبى.
13 – وقيل إنهم يُمتحنون في الآخرة بأن تُرفع لهم نار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلامًا، ومن أبَى عُذّب، أخرجه البزّار من حديث أنس، وأبي سعيد، وأخرجه الطبرانيّ من حديث معاذ بن جبل. وقد صحّت مسألة الإمتحان في حقّ المجنون، ومن مات في الفترة من طرق صحيحة، وحكى البيهقيّ في “كتاب الاعتقاد” أنه المذهب الصحيح، ومال إليه ابن القيّم، قال: وهذا أعدل الأقوال، وبه يجتمع شمل الأدلة، وتتّفق الأحاديث في هذا الباب. قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: لو صحت أحاديث امتحان الأطفال لكان هذا المذهب أعدل الأقوال، وأرجحها كما قال ابن القيّم، لكنها غير ثابتة، فقد أخرجها أبو يعلى الموصليّ من حديث أنس، وفي سنده ليث بن أبي سليم، وهو متروك، وأخرجها الذهليّ، والبزّار من حديث أبي سعيد الخدريّ، وفي سندها عطية العوفي، ضعيف جدًّا، وروي من حديث معاذ بن جبل – رضي اللَّه عنه -، وفي سنده عمرو بن واقد الدمشقيّ، متروك.
والحاصل أن أحاديث امتحان الأطفال غير صحيحة، وإنما يصحّ حديث امتحان الأصمّ، والأحمق، والهَرِم، وأهل الفترة” قاله الأثيوبي في ذخيرة العقبى. قلت أشار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في درء تعارض العقل والنقل إلى ما مال إليه ابن القيم أنهم يمتحنون يوم القيامة
14 – وقيل “إنهم في الجنّة، وقد تقدّم القول فيه في “باب فضل من مات له ولد”. قال النوويّ: وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، وإذا كان لا يُعذّبُ العاقلُ لكونه لم تبلغه الدعوة، فلأن لا يُعذّب غير العاقل من باب الأولى. ولحديث سمرة المذكور في هذا الباب ……
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: أرجح الأقوال عندي هو قول من قال: إنهم في الجنّة، كما هو ظاهر مذهب البخاريّ، وذكر النوويّ أنه المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون، للآية المذكورة. فإن قال قائل: إنها في عذاب الدنيا. قلنا: اللفظ عامّ، فلا ينفي دخول عذاب الآخرة.
ومن الحجج لهذا القول أيضًا قوله تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَاتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} الآية [الملك: 8 – 9]، فهذا دليل على أن كلّ فوج يُلقى في النار لا بدّ وأن يكونوا قد جاءهم النذير، وكذّبوه، وهذا ممتنع في حقّ الأطفال. ولقوله تعالى لإبليس: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85]؛ لأنه إذا امتلأت جهنم منه، ومن أتباعه لم يبق فيها موضع لغيرهم.
وبالجملة فاللَّه تعالى لا يعذّب أحدًا إلا بذنبه، فالنار دار عدله لا يدخلها أحد إلا بعمل، وأما الجنة، فدار فضله، يدخلها بغير عمل، ولهذا ينشاء اللَّه تعالى للفضل الذي يبقى فيها أقوامّا يسكنهم فضلها”. قاله الشيخ الأثيوبي في ذخيرة العقبى
15 – حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي في الكبرى.
16 – وموضع الشاهد منه قوله (وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ) في الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه أيضا في كتاب التعبير وفيه (وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِين).
17 – الخلاصة أن أطفال المسلمين من أهل الجنة، وأطفال المشركين اختلف فيهم وأشهر الأقوال أنهم إما أن يقال من أهل الجنة، وإما أن يقال يمتحنون يوم القيامة كأهل الفترة والقول الثاني تجتمع به الأدلة أكثر من الأول والله أعلم.
(18) – قوله (يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وفِي رواية (أو يشركانه) أي يجعلانه مشركا، وقد احتجت القدرية بهذه الجملة على بدعتها، وآخر الحديث فيه رد عليهم.
(19) – وهو قوله (الله أعلم بما كانوا عاملين) كما قال الإمام الشافعي ناظروهم بالعلم فإن أقروا خصموا.
——–‘——‘——–‘
رياح المسك
باب ما قيل في أولاد المشركين
قال الخطابي في أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) 1/ 718 بعد أن أورد حديث ابن عباس: قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: (الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين).
قلت: في هذا إثبات علم الله بما كان وبما يكون، وبما لم يكن، وبأن لو كان كيف ما كان يكون، والمعنى أنهم لو بقوا أحياء حتى يكبروا لكانوا يعملون عمل أهل الكفر، فألحقوا في الكفر بآبائهم حكما بسابق علمه في الغيب، يدل على صحة هذا التأويل حديث عائشة قلت يا رسول الله، ذراري المشركين. قال: من آبائهم، قلت: بلا عمل. قال: الله أعلم بما كانوا عاملين. اهـ
قال ابن بطال في شرح البخاري 3/ 373:
وقال آخرون: أولاد المشركين فى الجنة مع أولاد المسلمين، واحتجوا بحديث سمرة ابن جندب، ذكره البخارى فى كتاب التعبير: (وأما الرجل الطويل الذى فى الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، قال بعض المسلمين: يا رسول الله، فأولاد المشركين؟ فقال رسول الله: وأولاد المشركين). وهذه الحجة قاطعة، وهذه الرواية يفسرها ما جاء فى حديث هذا الباب أن الشيخ إبراهيم والصبيان حوله أولاد الناس، لأن هذا اللفظ يقتضى عمومه لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم، وهذا القول أصح ما فى هذا الباب من طريق الآثار وصحيح الاعتبار. اهـ
قال السيوطي في شرح النسائي 4/ 58:
سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال بن قتيبة أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشيء وتمسك به من قال إنهم في مشيئة الله تعالى وهو منقول عن حماد وبن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي قال بن عبد البر وهو مقتضى منع مالك وصرح به أصحابه وقال النووي المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب أولى. اهـ
قال عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود:
قوله رحمه الله تعالى: [باب في ذراري المشركين] الذراري: الذرية والنسل، والمقصود: حكمهم في الدنيا وحكمهم في الآخرة، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، ولهذا يحصل التوارث بينهم، ويدفنون في مقابرهم، وأما في الآخرة فقد اختلف فيهم على أقوال عديدة، أظهرها أنهم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الله أعلم بما كانوا عاملين). وقد قيل في معنى الحديث: إنهم يمتحنون يوم القيامة، وعلى ضوء هذا الامتحان يتبين هل هم من أهل السعادة أو من أهل الشقاوة، ولهذا كان الجواب: (الله أعلم بما كانوا عاملين) أي إذا امتحنوا في يوم القيامة، فإن النتيجة أو المصير يكون تبعاً لنتيجة ذلك الامتحان، فيسدد من يسدد، ويخذل من يخذل، كما لو كان الأمر حاصلاً في الدنيا. وهذا هو أظهر ما قيل في ذراري المشركين بالنسبة للآخرة، وهذا القول رجحه جماعة من أهل العلم، منهم ابن القيم في تهذيب السنن، و ابن كثير في تفسيره، وشيخنا محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان عند تفسيره قوله عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15]. وقد قيل: إنهم يكونون في الجنة، وقيل: إنهم يكونون في النار، وقيلت أقوال أخرى، وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ثمانية أقوال، وثامنها أنهم يمتحنون يوم القيامة، وأنهم يصيرون إلى ما كان ينتهي إليه ذلك الامتحان، وقال: إنه جاء في ذلك أحاديث يشد بعضها بعضاً. اهـ
قال الراجحي في شرح صحيح ابن حبان: لكن أولاد المشركين الصواب أنهم في الجنة إذا ماتوا قبل البلوغ. اهـ
باب قال الكرماني في الكواكب الدراري 7/ 156:
قوله (أولاد الناس) هو عام للمشركين وغيرهم وهذا هو محل ترجمة الباب. اهـ
قال العيني في عمدة القاري:
مطابقته لترجمة الباب في قوله: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام والصبيان حوله أولاد الناس). وهذا صريح في كون أولاد الناس كلهم في الجنة، ويدخل فيه أولاد المشركين، ويؤيده روايته في التعبير بلفظ: (وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة، فقال بعض المسلمين: وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين). اهـ
قال الزرقاني في شرحه على الموطأ:
وفي حديث سمرة عند البخاري في رؤيا النبي الشيخ في أصل الشجرة إبراهيم والصبيان حوله فأولاد الناس وهو عام يشمل أولاد المسلمين وغيرهم
وروى ابن عبد البر من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قال سألت خديجة النبي عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزلت {ولا تزر وازرة وزر أخرى} سورة الأنعام الآية 164 فقال هم على الفطرة وقال في الجنة قال الحافظ وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع انتهى
قال صاحب كوثر المعاني 12/ 169:
وفي التعبير: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال: وأولاد المشركين. وظاهره أنه ألحقهم بأولاد المسلمين، ولا يعارض ذلك قوله: “هم من آبائهم” لأن ذلك حكم الدنيا. اهـ
——-‘——‘——-‘
92 – باب ما قيل في أولاد المشركين
– قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -: إذا مات غير المكلف بين والدين كافرين فحكمه حكمهما في أحكام الدنيا فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، أما في الآخرة فأمره إلى الله سبحانه، وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه لما سئل عن أولاد المشركين قال: “الله أعلم بما كانوا عاملين “. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن علم الله سبحانه فيهم يظهر يوم القيامة وأنهم يمتحنون كما يمتحن أهل الفترة ونحوهم فإن أجابوا إلى ما يطلب منهم دخلوا الجنة وإن عصوا دخلوا النار. وقد صحت الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في امتحان أهل الفترة يوم القيامة. وهم الذين لم تبلغهم دعوة الرسل ومن كان في حكمهم كأطفال المشركين لقول الله -عز وجل-: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] وهذا القول هو أصح الأقوال في أهل الفترة ونحوهم ممن لم تبلغهم الدعوة الإلهية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم وجماعة من السلف والخلف رحمة الله عليهم جميعا، وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله الكلام في حكم أولاد المشركين وأهل الفترة في آخر كتابه “طريق الهجرتين” تحت عنوان طبقات المكلفين. “مجموع فتاوى ومقالات متنوعة” 3/ 163 – 164.
93 – باب ذكر فيه حديث سمرة بن جندب قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: “من رأى منكم الليلة رؤيا؟ .. ” الحديث، وفيه: “لكني رأيت الليلة .. ” فقصها بطولها.
فوائد الباب:
1 – قال بعض الشراح عدم تبويب البخاري لهذا الباب ووضع عنوان له يدل على توقفه في مسألة مصير أولاد المشركين.
2 – قوله: (كلوب) بفتح الكاف وتشديد اللام حديد له شعب يعلق به اللحم.
3 – قوله: (يدخله في شدقه) بكسر الشين المعجمة وسكون الدال المهملة أي يدخل الرجل القائم الكلوب في جانب فم الرجل الجالس.
4 – قوله: (يفهر) بكسر الفاء وسكون الهاء حجر ملء الكف.
5 – قوله: (فيشدخ) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح الدال المهملة وبالخاء المعجمة من الشدخ وهو كسر الشيء الأجوف اهـ. قسطلاني.
6 – قوله (والصبيان حوله أولاد الناس): قال ابن الملقن في التوضيح أن هذا اللفظ يقتضي عمومه لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم، وقد أسلفنا أن هذا القول هو المختار. انتهى
7 – قوله (هل ترى فيها جدعاء): هو في موضع الحال، أي: سليمة مقولًا في حقها ذلك، والجدعاء: المقطوعة الأذن.
——‘—–‘—–
هذا مبحث عظيم وجدته في الشبكة انقله بأكمله لأنه أوسع مبحث وقفت عليه.
و أشير قبل أن انقله إلى أن البيهقي يرجح أن أطفال المشركين يرجعون لحديث: الله أعلم بما كانوا عاملين.
ويحمل حديث النبي والشهيد والمولود في الجنة. إن صح إلى أنه في علم الله من أهل الجنة.
وكذلك حديث الذين يمتحنون ومنهم الصغير فمن دخل الجنة فهو في علم الله في الجنة ومن دخل النار فهو في علم الله في النار
وحديث أن أولاد المشركين في كفالة إبراهيم يرى البيهقي أن هذه الزيادة في إسنادها نظر مع أن البخاري أخرجها
أو يحمله أن هؤلاء من سبق في علم الله أنه في الجنة. انتهى ملخصا من كتاب القضاء والقدر للبيهقي
تنبيه: مسلم أخرج حديث أن أولاد الناس في كفالة إبراهيم ومنهم أولاد المشركين
لكن اجتزأ على أوله كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال: من رأى منكم الليلة رؤيا. فهل يقصد تعليل بقية المتن أم اجتزأ بما احتاجه.
وإليكم البحث وهو بحث طويل أخذنا منه مبحث مناقشة الأدلة والترجيح:
—–
-مسألة الأطفال والأحاديث الواردة فيها وما تحتج به كل فريق، مع مناقشة أدلة أشهر الأقوال في المسألة مع الترجيح:
__________________
مناقشة الأقوال والمذاهب في المسألة:
لقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافا شديدا، وتباينت آراؤهم بسبب ما ورد من الأحاديث التي ظاهرها الاختلاف، والآن نأتي لمناقشة ما استدل به كل فريق، فنقول:
أولا: مناقشة القول بأنهم في الجنة
وهو اختيار غير واحد من أهل العلم كالبخاري والقرطبي والنووي و السبكي وابن حزم وابن الجوزي وغيرهم، وهو أيضا مذهب الجمهور على قول ابن حزم.
استدل من قال بذلك بأدلة من الكتاب والسنة العامة، كما استدلوا بأدلة خاصة من السنة تقدم ذكرها، وقد نوقشت من وجهين:
الوجه الأول: معارضتها بنصوص الوقف
عن القطع للأطفال بجنة أو نار إما على عموم الأطفال أو على خصوص أطفال المشركين صحيحة المخارج، وتدل على أنهم يصيرون إلى علم الله فيهم، وليس لأحد أن يعرف علم الله فيهم، فيجب التوقف عن الجزم مع تعارض النصوص.
وأجيب عنه: بأن نصوص التوقف ليست صريحة في تعذيب الأطفال لا على العموم ولا على الخصوص، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بالتوقف، وإنما ذكر أن الله أعلم بما كانوا عاملين أي لو أدركوا العمل، ليس فيها أن الله يجازيهم بعلمه فيهم من غير أن يصدر منهم عمل.
أضف إلى ذلك أن النصوص الكثيرة تدل على أنهم في الجنة.
وهي أيضا متأخرة إلى زمن الفتح لحديث أنس في أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه اللاهين فأعطاهم وقد تقدم، وسياق حديث ابن عباس يدل على أنه كان في غزوة الفتح، لما فيه من أنه صلى الله عليه وسلم رأى طفلا بعد الطواف.
الوجه الثاني: معارضتها بنصوص الامتحان
والجمع بين النصوص المتعارضة واجب مهما أمكن، ونصوص الامتحان ظاهرة، فتكون هي الجامعة بين ظواهر النصوص المختلفة، فما كان فيه أنهم في الجنة فهو من سيجتاز الامتحان، وما فيه أنهم في النار فهو من يستحقها بعد الامتحان، وما فيها توقف فهو ترك الإطلاق بأنهم في الجنة أو النار، وأن منهم من سيكون من أهل الجنة ومنهم من سيكون من أهل النار بعد الامتحان، ولا تجتمع النصوص إلا بهذا.
ويلزم من القطع لهم بالجنة ضرب النصوص بعضها ببعض، أوترك العمل ببعضها والله أعلم.
وأجيب عنه من وجهين:
أولا: لم يصح منها شيء يعتمد عليه.
وثانيا: ومادام لم تصح نصوص الامتحان فلا شك أن غيره مما صحت فيه الأخبار أولى منه، وأخبار الجزم لهم بالجنة أصرحها وأصحها والله أعلم.
ثانيا: مناقشة القول بأنهم في النار
وهو قول طائفة من أهل الحديث وغيرهم كما قال ابن تيمية، و قول جماعة من المتكلمين وأهل التفسير وأحد الوجهين لأصحاب أحمد كما قال ابن القيم.
قال الباحث: جملة ما استدل به من ذهب هذا المذهب من الأحاديث ستة، وقد نوقش هذا الاستدلال من وجوه:
الوجه الأول: أن منها ما لا يصلح للاستدلال.
قلت ذكر الأحاديث المحتج بها وهي ثلاثة
حديث عائشة الذي فيه ” لو شئت لأسمعتك تضاغيهم في النار ” وهو حديث واه مداره على أبي عقيل مولى بهية.
وحديث خديجة وهو منقطع بين خديجة والراوي عنها.
حديث علي والكلام فيه كالكلام على حديث خديجة من حيث ضعف سنده، فإن مداره على رجل مجهول لا يدرى من هو؟ مع نكارة متنه، فلا تعارض الأحاديث الصحيحة بمثله.
ومع ضعفهما – أي حديث خديجة وحديث علي – فيمكن أن يقال إنهما منسوخان بالأحاديث المتأخرة عنهما بيقين.
ثانيا: ما لا يصلح للاستدلال لكونه خارجا عن محل النزاع:
وهو حديث الصعب بن جثامة وما في معناه، وذلك أن لفظ الحديث يدل على أنه في أحكام أطفال المشركين في الدنيا، وأنهم تبع لآبائهم في أحكام الدنيا، ولهذا جاء فيه أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن الذراري عند تبييت الكفار، وقد نقل غير واحد من العلماء أنه لا خلاف بين المسلمين في أن أطفال المشركين في أحكام الدنيا كحكم آبائهم.
قال ابن تيمية في درء التعارض (8/ 433): ولا نزاع بين المسلمين أن أولاد الكفار الأحياء مع آبائهم اهـ.
ونقل الباحث كلام ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 111) وابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 89) وفي حاشية أبي داود كذلك (12/ 322)
والحافظ في الفتح (3/ 290)
وخلاصة ذلك: أن حديث الصعب بن جثامة وما في معناه خارج عن محل النزاع والله أعلم.
ما يحتمل التأويل أو يمكن تأويله لمعارضته نصوصا أخرى عامة وخاصة.
بقي النظر في الأحاديث الثلاثة الأخرى، وخلاصتها قصة المرأة التي وأدت بنتها في الجاهلية، وهذه تحتمل أوجها بيانها في الوجه التالي:
الوجه الثاني: لا بد من النظر في الجمع بينها ولو بنوع تكلف، أو الترجيح ما لم يمكن الجمع، لأن الأخذ بظاهر حديث ابن مسعود وسلمة بن يزيد يؤدي إلى إهمال بقية الأحاديث.
والجمع بين هذه الأحاديث المتعارضة يكون من وجوه:
أولها: حمل حديث سلمة بن يزيد وابن مسعود ” الوائد والموءودة في النار ” على قصة خاصة وواقعة معينة، وحمل الأحاديث الأخرى المصرحة بأن الموءودة في الجنة على العموم، وهو أسهل وإن كان فيه نوع تكلف لكنه يرتكب أخف الأمرين.
ثانيها: أن هذه الموءودة كانت قد بلغت الحنث، ولا عبرة بقول الراوي إنها لم تبلغ، والنبي صلى الله عليه وسلم أجاب على ما هو الواقع، ولم يلتفت إلى قول السائل إنها لم تبلغ، ثم ذكر هذه اللفظة ليس موضع اتفاق بين رواة الحديث، بل لم ترد في رواية ابن مسعود رضي الله عنه للحديث.
قال ابن حزم في الفصل (2/ 382): هذه اللفظة وهي قوله ” لم تبلغ الحنث ” ليست من كلام رسول الله بلا شك، ولكنها من كلام سلمة بن يزيد الجعفي وأخيه اللذين سألا رسول الله، فلما أخبر أن الموءودة في النار كان ذلك إنكارا وإبطالا لقولهما ” لم تبلغ الحنث “، وتصحيحا لأنها كانت قد بلغت الحنث بوحي من الله إليه بخلاف ظنهما، لا يجوز إلا هذا القول، لأن كلامه لا يتناقض ولا يتكاذب، ولا يخالف كلام ربه، بل كلامه يصدق بعضه بعضا، ويوافق ما أخبر به عن ربه عز وجل، ومعاذ الله من غير ذلك، وقد صح إخبار النبي بأن أطفال المشركين في الجنة، وقال تعالى ((وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت)) فنص تعالى على أنه لا ذنب للموءودة، فكان هذا مبينا لأن إخبار النبي بأن تلك الموءودة في النار إخبار عن أنها كانت قد بلغت الحنث، بخلاف ظن إخوتها اهـ المراد منه.
والخلاصة في هذا الوجه: أن التعارض قائم، وأن الوجه الأول والثالث في الجمع أقوى ما قيل على ضعف فيه والله أعلم
الوجه الثالث: النظر وهو أن الله تعالى ذكر في كتابه أنه لا يعذب حتى يبعث رسولا، وحتى تقوم الحجة على الناس ولذلك أرسل الرسل كما قال (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)، وصح في السنة أنه يمتحن يوم القيامة من لم تبلغه الدعوة والرسالة، إما لعدم أهليته لفهمها كالمجنون والمعتوه والشيخ الكبير الخرف، وإما لعدم سماعه الرسالة كحال أهل الفترة، ثم يكون منهم من يطيع فيدخل الجنة لطاعته، ومنهم من يعصيه فيدخل النار بعصيانه.
وإذا كان لا يعذب من لم تبلغه الدعوة مع تمام عقله وكامل قوته، فما بال الصغير يعذب وهو مثله بل هو أقرب إلى الاعذار منه؟؟ هذا ممتنع.
يؤيد ذلك قوله تعالى ((كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء))، فهذا دليل على أن كل فوج يلقى في النار لا بد وأن يكونوا قد جاءهم النذير وكذبوه، وهذا ممتنع في حق الأطفال كما قال ابن القيم في حاشيته على أبي داود (12/ 322).
وقالوا: فالله لا يعذب أحدا إلا بذنبه، فالنار دار عدله، لا يدخلها أحد إلا بعمل، وأما الجنة فدار فضله يدخلها بغير عمل، ولهذا ينشئ للفضل الذي يبقى فيها أقواما يسكنونها قاله ابن القيم رحمه الله تعالى في حاشية سنن أبي داود 12/ 322).
ثالثا: مناقشة القول بأنهم يمتحنون يوم القيامة
هذا القول هو اختيار جمع من العلماء المحققين كابن تيمية وابن القيم وابن كثير، وعزاه الأشعري لأهل السنة والجماعة، وقد نوقش هذا القول من وجوه:
الوجه الأول: تضعيف الأدلة
وهو أقوى الوجوه، فالأحاديث التي وردت بامتحان أهل الفترة ومن ذكر معهم يوم القيامة منها صحاح، ومنها حسان، ومنها ضعاف، لكنه لم يرد في شيء من الأحاديث الصحيحة ذكر المولود، وما ورد من ذلك في حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك، فلا يصلح شيء من ذلك للاستدلال:
أما حديث أنس فلضعف ليث بن أبي سليم، وجهالة عبد الوارث راويه عن أنس، والمخالفة في المتن والإسناد التي تجعله منكرا، وقد تقدم أنه مع ذلك لايصلح للتقوية.
وأما حديث معاذ بن جبل ففيه عمرو بن واقد وهو متروك.
وأما حديث أبي سعيد الخدري ففيه عطية العوفي، ضعيف مدلس، وقد عنعنه وهما علتان، ومع ذلك فيصلح للتقوية عند بعض العلماء، لكنه ليس له في الباب ما يصلح لتقويته.
ولهذا قال أبو عمر ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 114): وهي كلها أسانيد ليست بالقوية، ولا تقوم بها حجة، وقد ذكرنا أسانيدها في التمهيد اهـ.
ثانيا: وأما القياس على من ورد فيهم النص وأنهم يمتحنون ففاسد الاعتبار، لأنه مصادم للنصوص الخاصة في أطفال المشركين، سواء قلنا إنهم في النار أو قلنا إنهم في الجنة، ولا تعارض هذه النصوص الصحيحة بقياس التمثيل.
ثالثا: وأما النظر فضعيف لأمور:
الأمر الأول: أن قولكم: إن الجنة لمن عمل صالحا … إلى آخره منقوض بأطفال المسلمين الذين لم يعملوا، وحالهم في العمل كحال أطفال المشركين.
الأمر الثاني: أنه قد جاء في الصحيح أن الله عز وجل يخلق للجنة خلقا ولفظه عند البخاري (رقم4850) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ” وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا “، وهذا يدل على أن الجنة يدخلها من لم يعمل صالحا، ويضعف القول باستحقاق الجنة بالعمل فقط.
الأمر الثالث: أما القول بأن النصوص لا تجتمع إلا عليه فغير صحيح، حيث إن أوجه الجمع لا تنحصر في هذا الوجه، وإن كان أقرب إلى الجمع من غيره لو صحت فيه الأخبار، ولكن فيه فرق بين كونه أقرب الأوجه للجمع وبين كون أوجه الجمع تنحصر فيه، على أنه ضعيف من جهة عدم صحة ما يدل عليه، وقد تقدم الكلام على طرق الأحاديث الواردة فيه وأنها لا تصلح للتقوية بحال.
الوجه الثاني: لم تصح أحاديث امتحان الأطفال كما تقدم، فالتمسك بظواهر النصوص التي ليس لها معارض صحيح متعين، ومن تأولها من العلماء فإنما تأول لظنه صحة شيء منها.
الوجه الثالث: المعارضة بالنظر
بيانه: أن بعض العلماء اعترضوا على القول بالامتحان في الآخرة: أن الآخرة دار جزاء وليست دار عمل وابتلاء.
قال الباحث: وهذا الوجه ضعيف، وقد ناقشه ابن القيم من وجوه في طريق الهجرتين، ولا يعني عدم صحة الأحاديث الواردة في امتحان الأطفال أنه لا يكون فيه امتحان مطلقا، بل ما صح من الأحاديث المشار إليها في امتحان من مات في الفترة ومن ذكر معه يدل على حصول الابتلاء في القيامة قبل استقرار الناس إما في الجنة وإما في النار، وعلى هذا يبقى الوجه الأول والثاني بمكان من القوة دون الوجه الثالث والله أعلم.
الوجه الرابع: هل أهل السنة أجمعوا على الامتحان؟
فإن قيل ذكر ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 103) أن هذا مذهب أهل السنة، وأنهم متفقون عليه فقال: وهذا قول جميع أهل السنة والحديث اهـ.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (2/ 100): وقد حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري إجماعا عن أهل السنة والجماعة؟.
قلنا: الجواب عليه من وجوه:
الوجه الأول: أنه تقدم أن القول بأنهم في الجنة صح عن سلمان وذكر عنه ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 112) واختاره البخاري، و ابن عبد البر في التمهيد، وعزاه في الاستذكار (3/ 110) للأكثر، كما عزاه ابن حزم للجمهور، فلا يكون لأهل السنة في المسألة إجماع، يؤيده الوجه الثاني:
الوجه الثاني: أنه أيضا قد تقدم أن القول بأنهم في النار قاله طائفة من أهل الحديث كما قال ابن تيمية في الفتاوى (4/ 303) وهذه لفظة تدل على أن جمعا من أهل السنة قالوا بذلك، فلا يكون لهم اتفاق على الامتحان، يؤيده أيضا:
الوجه الثالث: أنه اختلف في مراد من وقف عن الحكم كالحمادين ومن ذكر معهم، فقيل في تفسير قولهم أن الأطفال تحت المشيئة، فقيل: مرادهم هو:” أن أولاد الناس كلهم إذا ماتوا صغارا لم يبلغوا في مشيئة الله عز وجل يصيرهم إلى ما شاء من رحمة أو عذاب، وذلك كله عدل منه وهو أعلم بما كانوا عاملين ” قاله ابن عبد البر في الاستذكار (3/ 108) يؤيده أيضا:
الوجه الرابع: أن بعض أهل السنة نقل عنهم الامساك عن الكلام في المسألة والخوض فيها، واعتبر مذهبا مستقلا كما صنع الحافظ ابن القيم في أحكام أهل الذمة (2/ 102) فقال: المذهب التاسع: مذهب الإمساك، وهو ترك الكلام في المسألة نفيا وإثباتا بالكلية، وجعلها مما استأثر الله بعلمه وطوى معرفته عن الخلق ثم ذكر عن ابن عباس بسند صحيح تقدم في أول الكتاب، فكيف يقال مع ذلك إنهم أجمعوا على قول واحد هو الامتحان.
الوجه الخامس: أن في نقل الأشعري مذهب أهل السنة والحديث في مسألة الأطفال نوع اضطراب، وبيانه:
قلت: ذكر أمثلة تدل على اضطرابه في بعض المسائل التي نقل فيها الإجماع وشيخ الإسلام تتبع تلك المواضع وأوردها في كتابه درء تعارض العقل والنقل (7/ 35)
وهناك أمثلة أخرى غير ما ذكرت لا نطيل بها المقام، والخلاصة: أن الأشعري لا يلتزم في نقله لمذاهب أهل السنة اتفاقهم على ما ذكره عنهم، فلا يدل على إجماعهم على الامتحان.
رابعا: مناقشة القول بالتوقف وعدم الحكم لهم بشيء.
هذا القول نقل عن غير واحد من أهل العلم، و في معناه أو المراد منه أقوال كما تقدم، وعليه:
فإن قيل: المراد منه الامتحان يوم القيامة، وترك أمرهم لما يظهر منهم من طاعة أو عصيان فقد تقدمت مناقشته قريبا.
وإن قيل: المراد منه أنه يجوز أن يدخل جميعهم الجنة، ويجوز أن يدخل جميعهم النار، كما هو قول طائفة من المنتسبين إلى السنة من أهل الكلام وغيرهم من أصحاب أبي الحسن الأشعري وغيرهم.
أو قيل المراد منه: أنه لا يعلم حكمهم، فلا يتكلم فيهم بشيء، كما هو أيضا قول طائفة أخرى من المنتسبين إلى السنة.
فمنقوض من وجوه:
الوجه الأول: أن هذه الأحاديث لا تدل على الوقف والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجب بالوقف، وإنما وكل علم ما كانوا يعملون لو عاشوا إلى الله،
ترجيح الباحث:
– وبكل ما تقدم يتضح – في نظري والعلم عند الله – أن أقوى الأقوال، وأجراها على القواعد، وأصحها أدلة هو القول بأنهم في الجنة على العموم، وقد تقدم التفصيل لمن رامه في مواضعه.