1375 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي
1375 قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا محمد بن عبيد عن يزيد يعني بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم مر رسول الله صلى الله عليه و سلم على قبر فقال ائتوني بجريدتين فجعل إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه فقيل يا نبي الله أينفعه ذلك قال لن يزال ان يخفف عنه بعض عذاب القبر ما كان فيهما ندو.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
وقال أبو حاتم رحمه الله كما في الإحسان: اخبرنا أبو عروبة قال: حدثنا محمد بن وهب بن أبي كريمة قال: حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم قال حدثني زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة قال: كنا نمشي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فمررنا على قبرين فقام فقمنا معه فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه فقلنا: ما لك يا نبي الله؟ قال: (ما تسمعون ما أسمع)؟ قلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: (هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين) قلنا: مم ذلك يا نبي الله؟ قال: (كان أحدهما لا يستنزه من البول وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة) فدعا بجريدتين من جرائد النخل فجعل في كل قبر واحدة قلنا: وهل ينفعهما ذلك يا رسول الله؟ قال: (نعم يخفف عنهما ما داما رطبين).
هذا حديث حسن.
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فوقف عليه، فقال: ائتوني بجريدتين , فجعل إحداهما عند رأسه , والأخرى عند رجليه , فقيل له: يا رسول الله أينفعه ذلك؟ فقال: لعله يخفف عنه بعض عذاب القبر ما فيه ندوة.
شرح مجموعة أحمد بن علي وأبي صالح:
قال الألباني في أحكام الجنائز:
ولا يعارض ما ذكرنا حديث ابن عباس في وضع النبي صلى الله عليه وسلم شقي جريدة النخل على القبرين وقوله: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
متفق عليه وقد خرجته في (صحيح أبي داود) (15).
فإنه خاص به صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يجر العمل به عند السلف ولامور أخرى يأتي بيانها. قال الخطابي رحمه الله تعالى في (معالم السنن) (1/ 27) تعليقا على الحديث:
(إنه من التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، وكأنه جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، والعامة في كثير من البلدان تغرس الحوص في قبور موتاهم، وأراهم ذهبوا إلى هذا، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه).
قال الشيخ أحمد شاكر في تعيلقه على الترمذي (1/ 103) عقب هذا:
(وصدق الخطابي، وقد ازداد العامة إصرارا على وضع الزهور على القبور، ويتهادونها بينهم، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم، ومجاملة للاحياء، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدة من بلاد أوربا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه (الجندي المجهول) ووضعوا عليها الزهور، وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليدا للافرنج، واتباعا لسنن من قبلهم، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة، بل تراهم أنفسهم يضعون ذلك في قبور موتاهم، ولقد علمت أن أكثر الاوقاف التي تسمى أوقافا خيرية موقوف ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين، ولا سند لها من الكتاب والسنة، ويجب على أهل العلم أن ينكررها وأن يبطلوا هذه العادات ما استطاعوا) .. قلت: ويؤيد كون وضع الجريد على القبر خاص به، وأن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمور:
أ حديث جابر رضي الله عنه الطويل في (صحيح مسلم) (8/ 231 236) وفية قال صلى الله عليه وسلم: (إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين).
فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بسبب النداوة …
ب في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة، أو بالاحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب، وذلك قوله (ثم دعا بعسيب فشقه اثنين) يعني طولا، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة …
ج لو كانت النداوة مقصودة بالذات، لفهم ذلك السلف الصالح ولعملوا بمقتضاه، ولوضعوا الجريد والاس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها، ولو فعلوا لاشهر ذلك عنهم، ثم نقله الثقات إلينا … اهـ المراد منه
وقال رحمه الله كما في موسوعة الألباني في العقيدة:
وكان أبو برزة يوصي: إذا مت فضعوا في قبري معي جريدتين. قال: فمات في مفازة بين (كرمان) و (قومس)، فقالوا: كان يوصينا أن تضع في قبره جريدين وهذا مو ضع لا نصيبهها فيه، فينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من قبل (سجستان)، فأصابوا معهم سعفا، فأخذوا جريدتين، فوضعوهما معه في قبره. وأخرج ابن سعد عن مورق قال: أوصى بريدة أن تجعل في قبره جريدتان).قلت: ووجه عدم المنافاة، أنه ليس في هذين الاثرينعلى فرض التسليم بثبوتهما معامشروعية وضع الجريد عند زيارة القبور، الذي ادعينا بدعيتة عدم عمل السلف به، وغاية ما فيهما جعل الجريدتين مع الميت في قبره وهي قضية أخرى، وإن كانت كالتي قبلها في عدم المشروعية لان الحديث الذي رواه أبو برزة كغيره من الصحابة لا يدل على ذلك، لا سيما والحديث فيه وضع جريدة واحدة، وهو أوصى بوضع جريدتين في قبره على أن الاثر لا يصح إسناده …
وأما وصية بريدة، فهي ثابتة عنه … قال الحافظ في شرحه: (وكان بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم يره خاصا بذينك الرجلين، قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، فلذلك عقبه بقول ابن عمر: إنما يظله عمله).قلت: ولا شك أن ما ذهب إليه البخاري هو الصواب لما سبق بيانه، ورأي بريدة لا حجة فيه، لانه رأى والحديث لا يدل عليه حتى لو كان عاما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع الجريدة في القبر، بل عليه كما سبق. و (خير الهدى هدى محمد). اهـ
قال البسام في عمدة الأحكام:
اختلف العلماء في وضع الجريدة على القبر. فذهب بعضهم إلى استحباب وضع الجريدة على القبر، لأنهم جعلوا هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم تشريعاً عاماً.
والعلة عند هؤلاء مفهومة،:هي أن الجريدة تسبح عند صاحب القبر مادامت رطبة.
فلعله يناله من هذا التسبيح ما يُنَورُ عليه قبره.
وذهب بعضهم إلى عدم مشروعية ذلك، لأنه شرع عبادة، وهو يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يثبته.
أما هذه فقضية عين، حكمتها مجهولة، ولذا لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع غير صاحبي هذين القبرين.
وكذاك لم يفعله من أصحابه أحد، إلا ما روى عن بُريدة بن الحُصيب، من أنه أوصى أن يجعل على قبره جريدتان.
أما التسبيح، فلا يختص بالرطب دون اليابس، والله تعالى يقول: {وإِنْ مِنْ شيء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ}.
ثم قالوا: لو فرضنا أن الحكمة معقولة، وهى تسبيح الجريد الرطب، فنقول: تختص بمثل هذه الحال التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم عند هذين القبرين، وهى الكشف له من عذابهما قال القاضي عياض: “علل غرزهما على القبر بأمر مغيَب وهو قوله، ” ليعذبان ” فلا يتم القياس لأنا لا نعلم حصول العلة”.
قال القرطبي في المفهم:
ومن باب الاستبراء من البول
قوله: ((وما يعذبان في كبير))؛ أي: عندكم، وهو عند الله كبير، كما جاء في البخاري: ((وإنه لكبير))؛ أي: عند الله، وهذا مثل قوله تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم}، وقد تقدم الكلام على النمام في الإيمان. والنميمة: هي القالة التي ترفع عن قائلها ليتضرر بها قائلها.
وقوله: ((وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله))؛ أي: لا يجعل بينه وبين بوله سترة حتى يتحفظ منه، كما قال في الرواية الأخرى: ((لا يستنزه عن البول))؛ أي: لا يتباعد منه. وهذا يدل على أن القليل من البول ومن سائر النجاسات والكثير منه سواء، وهو مذهب مالك وعامة الفقهاء، ولم يخففوا في شيء من ذلك إلا في اليسير من دم غير الحيض خاصة.
قال أحد العلماء المعاصرين في شرح النسائي:
وفيه: إثبات عذاب القبر، والرد على من أنكره، وأن عذاب القبر يكون على الروح والبدن كما عليه أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العذاب والنعيم للروح فقط، الصواب: أن الذي عليه دلت عليه النصوص وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة أنه على الروح والبدن جميعاً، وإن كانت الأحكام في البرزخ على الروح أكثر، إلا أن البدن يناله ما قدر له.
والميت سواء قبر أو لم يقبر فإنه يناله ما قدر له من السؤال ومن النعيم ومن العذاب، حتى لو أكلته السباع أو الحيتان، والمقبرة التي زرعت وصارت زرعاً على الميت فإنه يناله فيها ما قدر له؛ لأنه برزخ، وأحوال الآخرة أمور غيبية ليست كأحوال الدنيا الله أعلم بكيفيتها، ولكن نؤمن بأن كل ميت يناله ما قدر له من النعيم والعذاب سواء قبر أو لم يقبر، أو صلب على خشبة، فإنه يناله ما قدر له من تضييق القبر وتوسيعه، ونعيمه وعذابه، والسؤال، فكل يناله ما كتب له. اهـ
جاء في نور على الدرب للعثيمين:
: ينهى عن هذا من وجهين أولاً أنه بدعة والثاني أنه إساءة ظن بالميت بل والثالث أنه رجم بالغيب … اهـ
قد ذم الله النميمة في في كتابه فقال تعالى:
وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
وجاءت في السنة أحاديث في ذم النميمة منها:
(عن عبد الله بن مسعودرضي الله عنهقال: إنّ محمّدا صلى الله عليه وسلّم قال: «ألا أنبّئكم ما العضه؟ هي النّميمة القالة بين النّاس». وإنّ محمّدا صلى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّجل يصدق حتّى يكتب صدّيقا. ويكذب حتّى يكتب كذّابا») رواه مسلم
(عن حذيفةرضي الله عنهأنّه بلغه أنّ رجلا ينمّ الحديث، فقال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة نمّام») رواه البخاري ومسلم
جاء في معنى النميمة أحاديث منها:
(عن أبي هريرةرضي الله عنهقال:
قال النّبيّ صلى الله عليه وسلّم: «تجد من شرار النّاس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه») رواه البخاري ومسلم
قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «لا يدخل الجنّة قتّات» رواه البخاري ومسلم
وقد جاءت أقوال عن السلف في ذم النميمة وأهلها منها:
(قال الحسن البصريّرحمه الله تعالى: «من نمّ إليك نمّ عليك»)
ما يؤخذ من الحديث:
1 إثبات عذاب القبر كما اشتهرت به الأخبار وهو مذهب أكثر الأمة.
2 عدم الاستبراء من النجاسات سبب في هذا العذاب فالواجب الاستبراء منها: فالحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية. ويؤكد ذلك ما رواه الحاكم وابن خزيمة وهو “أكثر عذاب القبر من البول” قال ابن حجر: “وهو صحيح الإسناد”.
3 تحريم النميمة بين الناس وأنها من أسباب عذاب القبر.
4 رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وحرصه على إبعاد الشر عنهما.
5 الستر على الذنوب والعيوب. فإنه لم يصرح باسمي صاحبي القبرين، ولعله مقصود.
6 قوله: “ما يعذبان في كبير” أي بسبب ذنب كبير تركه كليهما، فإن ترك النميمة والتحرز من البول ليسا من الأمور الصعبة الشاقة. وقد كبر عذابهما لما يرّتب على فعلتيهما من المفاسد. اهـ
7 عذاب القبر حق في الكافرين وبعض عصاة المسلمين.
8 إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في عصاة المسلمين.
9 الشياء النامية التي لا روح فيها تسبح ما دامت رطبة قاله ابن حبان وفيه نظر.
لأن الآية وردت عامة في تسبيح كل شئ.
10 تخفيف عذاب القبر، بالجريد على القبر، وهل هو من الخصائص النبوية؟
قلت سيف: والصواب أن التخفيف جاء بالشفاعة، وإنما الجريدة علامة على مدة التخفيف. (قرره بعض العلماء)
11 نجاسة البول.
12 هل يعد سماع النبي صلى الله عليه وسلم لصوت المعذبين من الخصائص؟
قلت سيف: ورد في الحديث: أنه سمع صوت عذاب في قبور لليهود.
13 الموعظة عند وجود دواعيها.
14 التأسي بأهل العلم والفضل
15 حديث الباب أخرجه المامان أحمد وإسحق بن راهويه في مسنديهما، وابن أبي شيبة في مصنفه ومن طريقه البيهقي في إثبات عذاب القبر، والطبري في تهذيب الثار مسند عمر. قال الهيثمي في مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله رحال الصحيح.
16 أخرج الشيخان وغيرهما نحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مختصرا جدا في أثناء حديث طويل.