1371 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة الديني
———–
1371 – قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا معاوية ثنا أبو إسحاق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال صلى الله عليه وسلم ان الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
ومعاوية هو ابن عمرو، وأبو إسحاق هو محمد بن إبراهيم الفزاري.
…………………………………………..
وصححه الألباني في الصحيحة 471 ومحققو المسند 14/ 409
وجاء الحديث في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما (2812) بلفظ: ” إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم ”
فوائده:
1) قال النووي رحمه الله: هذا الحديث من معجزات النبوة، وقد سبق بيان جزيرة العرب، ومعناه: أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب، ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها.
2) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد خطب الناس بعرفة، وقال: ” إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ” فكيف تقع عبادته؟
فالجواب: أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بيأسه لا يدل على عدم الوقوع، بل يجوز أن يقع، على خلاف ما توقعه الشيطان، لأن الشيطان لما حصلت الفتوحات، وقوي الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجا؛ يئس أن يعبد سوى الله في هذه الجزيرة، ولكن حكمة الله تأبى إلا أن يكون ذلك، وهذا نقوله ولا بد، لئلا يقال: إن جميع الأفعال التي تقع في الجزيرة العربية، لا يمكن أن تكون شركا، ومعلوم أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله جدد التوحيد في الجزيرة العربية، وأن الناس كانوا في ذلك الوقت فيهم المشرك وغير المشرك.
فالحديث أخبر عما وقع في نفس الشيطان ذلك الوقت، ولكنه لا يدل على عدم الوقوع، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” لتركبن سنن من كان قبلكم “وهو يخاطب الصحابة وهم في جزيرة العرب. (القول المفيد شرح كتاب التوحيد)
3) قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله: وقد يحتج بعض المشركين والخرافيين بأن هذه الأمة حماها الله – جل وعلا – من أن تعود إلى عبادة الأوثان، وعصمت من الوقوع في الشرك الأكبر بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم»، فلما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب» علمنا أن عبادة الشيطان لا تكون في هذه الأمة، وأن الشرك الأكبر لا يكون، هكذا يدعي القبوريون.
والجواب: أن هذا الاحتجاج في غير موضعه، وفهم ذلك الدليل، وذلك الحديث، ليس على ذلك النحو، وجواب ما قالوا من أن قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب» هو أن نقول: إن الشيطان لا يعلم الغيب، وهو حريص على إغواء بني آدم، كما قال تعالى: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 62] هو أيس ولكن لم يأيسه الله – جل وعلا – فالشيطان أيس بنفسه لما رأى عز الإسلام، ولما رأى ظهور التوحيد على الكفر في جزيرة العرب، فأيس لما رأى ذلك ولكنه لم يأيسه الله – جل وعلا – من أن يعبد في جزيرة العرب.
ثم إن في قوله: ” أيس أن يعبده المصلون ” إشارة إلى أن أهل الصلاة، هم الذين لا تتأتى منهم عبادة الشيطان، لأن المصلين لا شك أنهم آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر؛ لأن المصلي هو الذي أقام الصلاة، ومن أقام الصلاة فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأعظم المنكر الذي سينكره المصلي، هو: الشرك بالله -جل وعلا- فيكون الشيطان بذلك قد يأس أن يعبده من أقام الصلاة على حقيقتها كما أراد الله -جل وعلا-.
فليس في هذا الحديث – إذًا – أن عبادة الشيطان لا تكون في هذه الأمة، بل فيه: أن الشيطان أيس لما رأى عز الإسلام ولكنه لم يُأيَّس؛ ولهذا فإن طائفة من العرب ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل، ولا شك أن ذلك الارتداد كان من عبادة الشيطان؛ لأن عبادة الشيطان تكون – أيضا – بطاعته؛ كما قال – جل وعلا -: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60] وعبادة الشيطان كما في تفسير الآية: بطاعته في الأمر والنهي، وطاعته في الشرك، وطاعته في ترك الإيمان وترك لوازمه.
وقد كان إمام الدعوة -رحمه الله- مستحضرا لهذا الدليل الذي يحتج به المشركون من هذه الأمة، من أهل عصره وغيرهم على نفي عبادة هذه الأمة للأوثان، وعدم وقوع الشرك منهم، فأراد -رحمه الله- التنبيه على بطلان الاستدلال بذلك الدليل على ما ادعوه، بل هو لا يدل على قولهم، إذ قد عرفنا معناه وتفسيره فيما تقدم. (التمهيد شرح كتاب التوحيد).
4) جاء في ” الدرر السنية “:
والعلماء قد ذكروا لهذا الحديث عدة احتمالات، فمما قالوا فيه:
1 – إن الشيطان أيس بنفسه –ولم ييأس- لما رأى عز الإسلام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وإقبال القبائل على الدخول في هذا الدين الذي أكرمهم الله به، فلما رأى ذلك يئس من أن يرجعوا إلى دين الشيطان، وأن يعبدوا الشيطان أي: يتخذوه مطاعاً.
وهذا كما أخبر الله عن الذين كفروا في قوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ [المائدة: 3]، فهم يئسوا أن يراجع المسلمون مع عليه المشركون من الدين القائم على اتخاذ الأنداد مع الله، وصرف العبودية إلى أشياء مع الله أو دونه.
فكما أن المشركين لما رأوا تمسك المسلمين بدينهم يئسوا من مراجعتهم، هكذا الشيطان يئس لما رأى عز المسلمين ودخولهم في الدين في أكثر نواحي جزيرة العرب.
والشيطان – لعنه الله- لا يعلم الغيب، ولا يعلم أنه ستحين فرص يصد الناس بها عن الإسلام والتوحيد، وكانت أول أموره في صرف الناس لعبادته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أطاعه أقوام وقبائل فارتدت عن الإسلام إما بمنع الزكاة، أو باتباع مدعي النبوة، فنشط وكانت له جولة وصولة، ثم كبته الله.
والمقصود: أن الشيطان ييأس إذا رأى التمسك بالتوحيد والإقرار به والتزامه، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حريص على أن يصد الناس عن هذا، ولذا تمكن من هذا في فترات مختلفة، فعبده القرامطة عبادة طاعة وهم في الجزيرة، وأفسدوا ما أفسدوا، وعبده من بعدهم مما يعرفه أولو البصيرة.
فالقول بأن الشرك منتف عن هذه الأمة مخالف للواقع، كما أنه مخالف للفهم الصحيح لنصوص الشرع.
2 – ولا يبعد أن يقال: (مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إن الشيطان … )) الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب، وهم المصدَقون بما جاء به الرسول من عند ربه المذعنون له، والممتثلون لأوامره، ولا شك أن من كان على هذه الصفة فهو على بصيرة ونور من ربه، فلا يطمع الشيطان أن يعبده … ووجود مثل هذا في جزيرة العرب لا ينافي الحديث الصحيح كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل راجح، وإطلاق لفظ المصلين على المؤمنين كثير في كلام العارفين.
3 – ويحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون بناء على أن تكون (أل) للعهد وأن يراد بهم الكاملون فيها … وهم خير القرون، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث-: ((ولكن في التحريش بينهم)). يقول الطيبي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم أجمعين، أي أيس أن يعبد فيها، ولكن يطمع في التحريش … والدليل متى طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال).
قلت (سيف)
تنبيه: نقلوا ثمانية احتمالات هذه الثلاثة أقواها.
وعلى كل حال: لا يمكن أن يدعى أنه لن يعبد غير الله في بلاد العرب في وقت من الأوقات، فإن هذا باطل كاذب بالإجماع والضرورة والنصوص المتواترة.
5) قوله: “بما تحقرون”، أي: بما تستصغرون من الذنوب.
وفي الحديث الصحيح:
” إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى
أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه “. الصحيحة 389
6) قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
“وعلى هذا يرد الحديث الصحيح: (فذكره) “.
وبهذا يكون ذكر جزيرة العرب؛ لمزيتها بأنها أصل ديار الإسلام، و أهلها أصل المسلمين مادتهم. والله أعلم.