1370 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة عبدالله الديني
———–
الصحيح المسند 1370 – قال الإمام الترمذي رحمه الله: حدثنا هناد حدثنا عبدة بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة.
قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح.
قال أبو عبدالرحمن: هذا حديث حسن.
———–
جمع الشرح مجموعة رامي وعامر؛من ناحية السند:
و صححه الألباني في صحيح و ضعيف سنن الترمذي (1231) صحيح، المشكاة (2868)، الإرواء (5/ 149)، أحاديث البيوع.
و روى أحمد في مسنده الحديث وفيه زيادة
” وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ: أَنْ يَشْتَمِلَ أَحَدُكُمُ الصَّمَّاءَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَحْتَبِيَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ ”
عن يحيى القطان. (9584)
وقال محققو المسند:
إسناده حسن، محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة الليثي- صدوق حسن الحديث، وحديثه في “الصحيحين” مقرون، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين.
وأخرجه النسائي 7/ 295 – 296، والبيهقي 5/ 343 من طريق يحيى بن سعيد القطان، بهذا الإسناد. مختصراً في النهي عن البيعتين في بيعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة 6/ 120، وأبو داود (3461)، والترمذي (1231)، وأبو يعلى (6124)، وابن حبان (4973) و (4974)، والحاكم 2/ 45، والبيهقي 5/ 343 من طرق عن محمد بن عمرو، به. واقتصر فيه بعضهم على البيع. ولفظه عند أبي داود وابن حبان والبيهقي: “من باع بيعتين في بيعة فله أوكسها أو الربا”.
في متن الحديث وشرحه:
تَعريف البَيع لُغَة وشَرعًا:
البَيع لُغَة: مَصدر بِعْتُ، يُقَال: بَاع يَبِيع بمعنى مَلَّك وبمعنى اشترى. وكَذلك شَرى يَكون لِلمَعنَيَينِ. واشتِقاقه من البَاع لأنَّ كُلّ واحِد من
المُتَعاقِدَيْنِ يَمُدّ بَاعه لِلأَخْذ والإِعطاء، ويُقال لِلبائِع والمُشتَري بيِّعان – بتَشديد الياء- وأَباع الشَّيء: عَرَضه لِلبَيع.
وشَرعًا: البَيع: مُبادَلة المال بالمال تَمليكًا وتَملُّكًا، وعَرَّفَه بعضهم بأنَّه: مُبادَلة مال ولو في الذِّمَّة، أو مَنفَعة مُباحَة بمثل أَحَدهما على التَّأبِيد، والتَّعريفان مُتَقاربان ويَتَضمَّنان ما يلي:
1 – أن البَيع يَكون من طَرفَيْن تَحصُل بينهما المُبادَلة.
2 – أن يَقع هذا التَّبادُل على مال أو ما في حُكمه وهو المَنفَعة من الجانِبَين.
3 – أن ما ليس بمال أو ما في حُكمه لا يَصحّ بَيعه.
4 – أن هذه المُبادَلة يَستَمِر حُكمها بأن يَملك كُلّ مِن الطَّرفَين ما آل إليه بموجَب البَيع مِلكًا مُؤبَّدًا.
و أما معنى الحديث فقد قال ابن تيمية رحمه الله:
فإن للناس في تفسير البيعتين في بيعة تفسيرين: أحدهما: أن يقول هو لك بنقد بكذا وبنسيئة بكذا، كما رواه سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: {نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة} قال سماك: الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسإ بكذا وبنقد بكذا وكذا رواه الإمام أحمد. وعلى هذا فله وجهان:
أحدهما: أن يبيعه بأحدهما مبهما ويتفرقا على ذلك وهذا تفسير جماعة من أهل العلم لكنه بعيد من هذا الحديث فإنه لا مدخل للربا هنا ولا صفقتين هنا، وإنما هي صفقة واحدة بثمن مبهم.
والثاني: أن يقول هي بنقد بكذا أبيعكها بنسيئة كذا كالصورة التي ذكرها ابن عباس، فيكون قد جمع صفقتي النقد والنسيئة في صفقة واحدة وجعل النقد معيارا للنسيئة وهذا مطابق، لقوله صلى الله عليه وسلم: {فله أوكسهما أو الربا}. فإن مقصوده حينئذ، هو بيع دراهم عاجلة بآجلة، فلا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الصفقتين وهو مقدار القيمة العاجلة فإن أخذ الزيادة فهو مرب.
التفسير الثاني: أن يبيعه الشيء بثمن على أن يشتري المشتري منه ذلك الثمن، وأولى منه أن يبيعه السلعة على أن يشتريها البائع بعد ذلك، وهذا أولى بلفظ البيعتين في بيعة، فإنه باع السلعة وابتاعها، أو باع بالثمن وباعه، وهذا صفقتان في صفقة حقيقة، وهذا بعينه هو العينة المحرمة وما أشبهها، مثل أن يبيعه نسئا، ثم يشتري بأقل منه نقدا، أو يبيعه نقدا، ثم يشتري بأكثر منه نسئا، ونحو ذلك، فيعود حاصل هاتين الصفقتين إلى أن يعطيه دراهم ويأخذ أكثر منها وسلعته عادت إليه، فلا يكون له إلا أوكس الصفقتين، وهو النقد، فإن ازداد فقد أربى ومما يؤيد أنه قصد بالحديث هذا، ونحوه أن في حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {نهى عن بيعتين في بيعة وعن سلف وبيع} – رواه الإمام أحمد – وكلا هذين العقدين يؤولان إلى الربا، وفي النهي عن هذا كله أوضح دلالة عن النهي عن الحيل التي هي في الظاهر بيع وفي الحقيقة ربا ….. ومما يؤيد هذا المعنى، والمعنى المذكور في الوجه الذي قبله ما روى الشعبي، عن ابن عمر؛ أن عمر قال على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمر ما خامر العقل. ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إلينا فيهن عهدا ينتهي إليه: الجد والكلالة. وأبواب من أبواب الربا “. رواه الجماعة إلا ابن ماجه. فإن هذا دليل على أن عمر رضي الله عنه قصد بيان الأسماء التي فيها إجمال ورأى أن منها الخمر والربا فإن منهما ما لا يستريب أحد في تسميته ربا وخمرا ومنهما ما قد يقع فيه الشبهة، وكان عنده علم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اسم الخمر يعم كل ما خامر العقل، وهي كلمة جامعة لكل شراب مسكر، وأما الربا فلم يكن يحفظ فيه لفظا جامعا فقال فيما لم يتبينه: ” وأبواب من أبواب الربا “.
فعلم أن كثيرا مما يحسبه الناس بيعا هو ربا فإن آية الربا من آخر القرآن نزولا، فلم يعرف جميع أبواب الربا كثير من العلماء، ولهذا قام عمر رضي الله عنه خطيبا في الناس فقال: ” ألا إن آخر القرآن كان تنزيلا آية الربا، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين لنا – وفي لفظ قبل أن يفسرها لنا – فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم وفي لفظ آخر فدعوا الربا والريبة “. وهذا مشهور
الفتاوى الكبرى
وذكر المباركفوري عند شرحه للحديث عند باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة:
قوله (وقد فسر بعض أهل العلم قالوا بيعتين في بيعة أن يقول أبيعك هذا الثوب بنقد بعشرة وبنسيئة بعشرين ولا يفارقه على أحد البيعين) قال في شرح السنة بعد ذكر هذا التفسير هو فاسد عند أكثر أهل
العلم لأنه لا يدرى أيهما جعل الثمن انتهى
وقال في النيل والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين انتهى
وقد فسره الشافعي بتفسر آخر وهو ما ذكره الترمذي بقوله (قال الشافعي ومن معنى ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعتين أن يقول أبيعك داري هذه بكذا على أن تبيعني غلامك بكذا
فإذا وجب لي غلامك وجبت لك داري وهذا تفارق عن بيع بغير ثمن معلوم ولا يدري كل واحد منهما على ما وقعت عليه صفقته) قال في المرقاة بعد ذكر هذا التفسير هذا أيضا فاسد لأنه بيع وشرط ولأنه يؤدي إلى جهالة الثمن لأن الوفاء ببيع الجارية لا يجب
وقد جعله من الثمن وليس له قيمة فهو شرط لا يلزم وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن فيصير ما بقي من المبيع في مقابلة الثاني مجهولا انتهى
وقال في النيل والعلة في تحريم هذه الصورة التعليق بالشرط المستقبل انتهى
واعلم أنه قد فسر البيعتان في بيعة بتفسير آخر وهو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان فقد فسر حديث أبي هريرة المذكور بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة بثلاثة تفاسير فاحفظها ثم اعلم أن لحديث أبي هريرة هذا رواية أخرى رواها أبو داود في سننه بلفظ
من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا قال الشوكاني في النيل محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين في بيعة انتهى ما في النيل
قلت وقد تفرد هو بهذا اللفظ وقد روي هذا الحديث عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم من طرق ليس في واحد منها هذا اللفظ فالظاهر أن هذه الرواية بهذا اللفظ ليست صالحة للاحتجاج والله تعالى أعلم قال الشوكاني في شرح هذه الرواية ما لفظه قوله فله أوكسهما أي أنقصهما قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع بأوكس الثمنين إلا ما حكي عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد انتهى
قال الشوكاني ولا يخفى أن ما قاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالأوكس يستلزم صحة البيع به
ومعنى قوله أو الربا يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر
قال وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره بن رسلان
وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء
وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والإمام يحيى
وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر لأن ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة يعني التي رواها أبو داود
وقد ذكرنا لفظها آنفا وقد عرفت ما في راويها من المقال
ومع ذلك المشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ولا حجة فيه على المطلوب
ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن بن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة بكذا لا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك
فالدليل أخص من الدعوى
قال وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء العليل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل
وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه انتهى كلام الشوكاني.
تحفة الأحوذي
و ذهب قلة من العلماء إلى تحريمه، بحجة أنه ربا.
قالوا: لأن فيه زيادة في الثمن مقابل التأجيل وهذا هو الربا.
و منهم الشيخ الألباني رحمه الله لأن تفسيره لحديث سماك بن حرب مختلف عن ما فهمه جمهور العلماء فهو يرى أن مجرد عرض السلعة بإحدى ثمنين هو البيعتين في بيعة حتى لو اتفق الطرفان على أحدهما قبل أن يفترقا و قال في معرض رده على سؤال في بيع التقسيط: … سيأتي عرض أدلة الشيخ الألباني إن شاء الله عند نقل تعقب أحد الباحثين على الشيخ الألباني
و لكن هذا القول فيه نظر
لأن مجرد تخيير المشتري لا يسمى بيعا و الدليل على هذا أن المشتري له الحق أن يرفض كلا الخيارين و لا يشتري السلعة
و الحديث واضح في لفظه “نهى عن بيعتين ” و الحديث الاخر “من باع بيعتين … ” و هذا معناه أن الحديث ينهى عن بيع (أو عقد بيع) قد تم بالفعل و ليس عن مجرد التخيير
وذهب جماهير العلماء ومنهم الأئمة الأربعة إلى جوازه.
ومن عبارات علماء المذاهب الأربعة في هذا:
المذهب الحنفي: (الثمن قد يزاد لمكان الأجل) بدائع الصنائع 5/ 187.
المذهب المالكي: (جَعل للزمان مقدار من الثمن) بداية المجتهد 2/ 108.
المذهب الشافعي: (الخمسة نقداً تساوي ستة نسيئة) الوجيز للغزالي 1/ 85.
المذهب الحنبلي: (الأجل يأخذ قسطاً من الثمن) فتاوى ابن تيمية 29/ 499.
واستدلوا على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة، منها:
1 – قوله تعالى: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) البقرة/275.
فالآية بعمومها تشمل جميع صور البيع ومنها زيادة الثمن مقابل الأجل.
2 – وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/29.
فالآية بعمومها أيضاً تدل على جواز البيع إذا حصل التراضي من الطرفين. فإذا رضي المشتري بالزيادة في الثمن مقابل الأجل كان البيع صحيحاً.
3 – ما رواه البخاري (2086) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
وبيع السلم جائز بالنص والإجماع. وهو شبيه ببيع التقسيط. وذكر العلماء من حكمته أنه ينتفع المشتري برخص الثمن، والبائع بالمال المعجل، وهذا دليل على أن للأجل في البيع نصيباً من الثمن. وأن هذا لا بأس به في البيوع. انظر: المغني (6/ 385)
4 – وجرى عمل المسلمين على جواز زيادة الثمن مقابل التأجيل من غير نكير منهم. فصار كالإجماع على جواز هذه الصورة من صور البيع.
سئل الشيخ ابن باز عن حكم الزيادة في الثمن مقابل الأجل فقال:
إن هذه المعاملة لا بأس بها لأن بيع النقد غير التأجيل، ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة وهو كالإجماع منهم على جوازها، وقد شذ بعض أهل العلم فمنع الزيادة لأجل الأجل وظن ذلك من الربا وهو قول لا وجه له وليس من الربا في شيء لأن التاجر حين باع السلعة إلى أجل إنما وافق على التأجيل من أجل انتفاعه بالزيادة والمشتري إنما رضي بالزيادة من أجل المهلة وعجزه عن تسليم الثمن نقداً، فكلاهما منتفع بهذه المعاملة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على جواز ذلك وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يجهز جيشاً فكان يشتري البعير بالبعيرين إلى أجل، ثم هذه المعاملة تدخل في عموم قول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) البقرة/282.
و قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لحديث (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا):
والمقصود ببيعتين في بيعة أن تكون عنده سلعة فيبيعها بالنقد بثمن ويبيعها بالأجل بثمن زائد على الثمن الحال، فيأخذ السلعة دون أن يحدد هل أخذها بالحال أو المؤجل، … أما لو دخل على أنه حال أو دخل على أنه مؤجل فإن هذا ليس من قبيل البيعتين في بيعة ….
و سئل الشيخ ابن عثيمين عن حكم البيعتين في بيعة، وما صفتها؟
فأجاب:
(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) واختلف العلماء رحمهم الله في معنى هذا الحديث.
فذُكِر من معناه: أن تقول للرجل: هذا الكتاب بعشرة نقداً، أو بعشرين إلى سنة، فهذه البيعة بيعتان في بيعة، أي: ثمنان في عقد واحد.
وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن البيعة هنا واحدة؛ لكن الثمن مُخَيَّرٌ فيه، فأنت تقول: خذه بعشرة أو بعشرين، والرجل سيأخذه بأحدهما وليس بالاثنين، فهذا التفسير غير صحيح.
التفسير الثاني: أن بيعتين في بيعة هي مسألة العينة … إلى آخر كلامه رحمه
فرجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المقصود بيع العينة
—-
و نقل الأخ عامر فقه الإمام الألباني في السلسلة عند حديث رقم
2326 – “ من باع بيعتين في بيعة , فله أوكسهما أو الربا “.
ثم نقل ما يؤيد عدم جواز بيعتين في بيعة وصورتها أن يكون بنقد كذا وبنسيئة كذا. وطول الشيخ الألباني في الاستدلال وأدلته إن شاء الله تعرفي أثناء التعقيب.
فالشيخ تعقبه بعض الباحثين؛ وهذا التعقب وتجويز بيع السلعة بثمن مؤجل بأكثر من ثمنها الحاضر نقدا؛ ليس فيه تشجيع للبنوك على الاحتيال عل الربا؛ لأن البنوك حين تبيع نسيئة ليس لها غرض في السلعة؛ إنما غرضها الكلي أخذ الفائدة مقابل الأجل؛ وعلى هذا أنشأت؛ لذا ليس عندهم خبراء لدراسة المشاريع التجارية والسلع وهل لها سوق أم لا؛ فلا يعرضون أنفسهم للربح والخسارة؛ لذا قال الإمام أحمد أكره لصاحب البقالة أن يبيع سلعته كلها نسيئة فنقل ابن قدامة تعليل لذلك أنه يضاهي الربا (المغني) فلو فتحنا هذا الباب لصار كل أحد يكرهك على الشراء منه بأجل حتى صاحب المخبز؛ تريد أن تعطيه ثمن الخبز فيقول: أنا لا أبيع إلا نسيئة. فتأخذ الخبز وتسدد لي بعد سنة الف درهم.
والذين عرفوا باستغلال الناس هم اليهود؛ كانوا يرابون بطاولة في الطريق علنا؛ والآن الذين يرابون هم البنوك التي تدعي أنها إسلامية؛ لكن لبَّسوا الموظف كرفته؛ وجعلوه في مكتب وفتحوا له أبواب من الحيل. حتى أن بعض البنوك؛ إذا تأخر المتعامل عن السداد؛ باعوا باسمه سكر أو حديد أو ملح نقدا؛ وَذَلِكَ بدون أن يستلم شيئا وجعلوه عليه نسيئة؛ وهكذا احتيال على الربا والعياذ بالله.
وإليك أدلة الشيخ الألباني مع التعقب قال الباحث عن اختيار الألباني في عدم تجويزه الزيادة في النسيئة على السعر الحاضر:
قال الباحث (وقد اختصره صاحبنا رامي):
مناقشة أدلة الشيخ الألباني
في الصحيحة حديث رقم (2326) قال: (بيع الأجل بزيادة في الثمن)، وذكر حديث: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا). اه
وقد مر بنا أن اللفظ الثابت هو “نهى عن بيعتين في بيعة “.
وبعد أن ذكر حديث: (من باع بيعتين في بيعة) قال: وقال البيهقي: قال عبد الوهاب بن عطاء: يعني (هو لك نقدا بعشرة، ونسيئة بعشرين)، راجع بقية الكلام في السلسلة. ثم ذكر آثارا عن طاوس وسفيان الثوري والأوزاعي يفسرون حديث: ” نهى عن بيعتين في بيعة ” بما ظاهره بعتك هذا نقدا بكذا ونسيئة بأكثر من كذا.
الجواب:
أن العلماء المتقدمين الذين كتبوا في هذا الموضوع كالطبري والنووي وابن عبد البر وابن المنذر وجماعة لم يذكروا عمن ذكرهم العلامة الألباني أنهم يفتون بالمنع فيما إذا قال البائع بعتك بألف نقدا، وبألف ومائتين نسيئة، فقال المشتري: اشتريت ومشى وقد باتَّه بأحد البيعين، بل إنهم حملوا مرادهم في النهي عن بيع التقسيط على أن النهي واحد فيما إذا انصرف المشتري ولم يحدد نوعية البيع التي يريدها، والأدلة على ذلك كثيرة منها:
1 – الإمام الترمذي:
بعد أن ذكر حديث: ” نهى عن بيعتين في بيعة “، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم، وقد فسره بعض أهل العلم قالوا: بيعتان في بيعة أن يقول، أبيعك هذا الثوب نقدا بعشرة ونسيئة بعشرين، ولا يفارقه على أحد البيعين، وإذا فارقه على أحدهما فلا بأس.
2 – الإمام الخطابي:
يقول عند هذا الحديث: هو على وجهين:
أن يقول: بعتك هذا الثوب نقدا بعشرة ونسيئة بعشرين أو بخمس عشر، فهذا لا يجوز، لأنه لا يدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما فيقع به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع.
ثم قال: (وأما إذا باتَّه بأحد العقدين في مجلس العقد فهو صحيح لا خلاف
فيه).
فهو ذكر علة النهي وهي الجهالة.
3 – الإمام الطبري: ذكر معنى كلام الخطابي، ذكره في كتابه (اختلاف الفقهاء).
4 – الإمام النووي: ذكر في المجموع أن العلة هي الجهالة، وهو داخل في بيع الغرر.
5 – الإمام ابن قدامة: (ذكر معنى ما تقدم، كما في (المغني).
6 – الإمام البغوي: نقل كلام الخطابي بمعناه وأقره.
7 – ابن رشد: ذكر في (بداية المجتهد) معنى ما تقدم.
8 – الإمام أبو عبيدة القاسم بن سلام: كما نقله عنه صاحب (نصب الراية)، أن العلة عندهم هي الجهالة.
9 – الإمام ابن عبد البر: ذكر في (الاستذكار) أن العلة الجهالة.
إلا أن الإمام مالكا مع الجمهور في المنع لكن العلة عنده بيع مال بمال.
فالشيخ الألباني ذكر هذه الآثار، بعد أثر سماك بن حرب بعد حديث عبد الله بن مسعود (نهى عن صفقتين في صفقة).
ثم قال: وهذا قول جماعة منهم أبن سيرين وطاووس، وقال طاووس: (إذا قال: (هو بكذا وكذا إذا كان كذا وكذا … ) فوقع المبيع على هذا، فهو أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. قال أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح، ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة من طريق ليث عن طاووس به مختصرا دون قوله: (فوقع البيع) وزاد فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه فلا بأس)، قال: فهذا لا يصح عن طاووس، لأن الليث بن أبي سليم كان قد اختلط.
الجواب:
روى عبد الرزاق برقم (14626) قال: أخبرنا معمر عن الزهري وعن ابن طاووس عن أبيه وعن قتادة عن ابن المسيب قالوا: لا بأس أن يقول: (أبيعك هذا الثوب بعشرة إلى شهر، و بعشرين إلى شهرين، فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه، فلا بأس به) هكذا هذا اللفظ، فهؤلاء الثلاثة: الزهري وطاووس وابن المسيب يجوزون هذه الصورة. وهي التي يحصل فيها الفراق على أحد البيعين.
ثم ذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – قول طاووس الأول: (إذا قال بكذا وكذا إذا كان وكذا) فيقع البيع على أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. اه.
والجواب: يستفاد منه أن طاووسا ليس ممن يبطل البيع مطلقا. بل يراه إذا وقع مع عدم التعيين صحيحا بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، هذا إذا كانت السلعة قد استهلكت.
فالجمهور يبطلون البيع إذا حصل الجهل في الثمن، أما عند طاووس فهو ينفذ ولكن يكون بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين.
Oإشكال:
قد يقال إن الذي جاء عن الزهري وطاووس وابن المسيب إنما هو أبيعك هذا إلى شهر بعشرة وإلى شهرين بعشرين، والشيخ الألباني إنما يحرم النقد بكذا والأجل بكذا.
الجواب:
هذا غير صحيح، بل إنه يحرم الصورة الأولى من باب أولى.
قال الشيخ الألباني: وهو أيضا قول سفيان الثوري، قال: (إذا قلت: أبيعك بالنقد إلى كذا وبالنسيئة كذا وكذا فذهب به المشتري، فهو بالخيار في البيعتين ما لم يكن وقع بينهما بيع على أحدهما، فإن وقع البيع هكذا فهو مكروه، وهو بيعتان في بيعة وهو مردود ومنهي عنه، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته، وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين وأبعد الأجلين) اه. أخرجه عبد الرزاق عنه، هذه العبارة صحيحة عن الثوري وهو من مشائخ عبد الرزاق.
فالألباني ساق هذا الأثر ليدلل على بطلان ما يسمى بيع التقسيط، وأن سفيان يقول: هذا لا يجوز.
الجواب:
قال الثوري قبل الحكم على هذه المسألة: ما لم يكن وقع بيع على أحدهما، فإن وقع البيع هكذا – أي على الصورة الأولى وهي أنه يذهب بالخيار – فهو مكروه وهو بيعتان في بيعة. فهو على مذهب طاووس أنه لا يبطل البيع مطلقا، إنما يجعله بأقل الثمنين لأبعد الأجلين. فهذه العبارة بهذه الصورة هي محل أخذ وعطاء.
لكن روى الطبري عن الثوري هذا الكلام بسند صحيح في (اختلاف الفقهاء، ص 32 – 33) بكلام لا يترك مجالا للشك، قال الإمام الطبري: (قال الثوري: …. ) وذكر نص الكلام الذي في مصنف عبد الرزاق، وبعد أن ساقه بتمامه قال: وإذا ذهب به المشتري على وجه واحد نقدا كان أو نسيئة فلا بأس به، حدثني بذلك علي عن زيد عنه. فبهذا يتبين المراد من كلام الثوري رحمه الله.
?فائدة:
علي هو ابن سهل بن قادم الرملي، ثقة. وزيد هو ابن أبي الزرقاء، ثقة، بل قال ابن معين عنه: كان عنده جامع سفيان.
فسنده صحيح.
وكذلك الإمام ابن عبد البر، ذكر هذا كله
عن سفيان الثوري كما في الاستذكار.
الفرق بين حكم طاووس على المسألة وحكم الثوري: طاووس يقول: إن حصل البيع على عدم التعيين فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين مطلقا سواء تلفت السلعة أو لم تتلف. والثوري يقول: إن تلفت فأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، وإن لم تتلف أخذ متاعه بعينه.
ثم ذكر الشيخ الألباني عن الأوزاعي أنه ذكر كلاما فقيل له: فإن ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين، فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. ذكره الخطابي في (معالم السنن)، وهذا نص العبارة في معالم السنن: قال الخطابي: وعقد البيعتين في بيعة واحدة على الوجهين الذين ذكرناهما عند أكثر الفقهاء فاسد، وذكر: هذا نقد بكذا ونسيئة بكذا، وذكر تفسير الشافعي للبيعتين في بيعة، وهو قول القائل: أبيعك كتابي بكذا على أن تبيعني كتابك بكذا.
وحكى عن طاووس أنه قال لا بأس أن يقال: بعتك هذا الثوب بعشرة وإلى شهر بخمسة عشر، فذهب به على أحدهما، وقال الحكم و حماد: لا بأس به ما لم يتفرقا على عدم التعيين، وقال الأوزاعي: لا بأس بذلك، ولكن لا يفارقه حتى يباته بأحد البيعين، فقيل للأوزاعي: أنه ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين، فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين.
وقد ذكر هذا الإمام الطبري في (اختلاف الفقهاء) قال: وحدثت عن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي عن حديثهم: لا تحل السومتان، هو بكذا نقدا وهكذا نسيئة، فقال الأوزاعي: نأخذ بقول عطاء بن أبي رباح. اه. وقول عطاء: هو (لا بأس ولكن لا يفارقه حتى يباته بأحد البيعين).
قلت له: يقول الوليد: فإن ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين، فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، قيل له: فإني قلت هذا الثوب إلى سهر بعشرة وإلى شهرين بثلاثة عشر، قال: إن وقعت الصفق على بيعة بينهما قبل أن يفارقه فلا بأس في ذلك. اه.
فوضح بما نقله الخطابي والطبري عن الأوزاعي أنه يقول إذا افترقا مع تحديد نوعية البيعة أنه لا بأس به لأن الممنوع هو الافتراق مع الجهالة.
ذكر الشيخ الألباني – رحمه الله – أن الإمام النسائي – رحمه الله – ممن يقول بالبطلان، واستدل بأنه قال تحت باب البيعتين في بيعة: هو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقدا وبمائة وعشرين درهما نسيئة.
قال الألباني أيضا وهو كلام ابن حبان، فقد بوب بابا ذكر فيه الزجر عن بيع الشيء بمائة دينار نسيئة وتسعين دينارا نقدا.
وقال أيضا: وهو كلام ابن الأثير في غريب الحديث، فإنه ذكر ذلك في شرح الحديثين المشار إليهما آنفا.
الجواب:
كون النسائي وابن حبان وابن الأثير ذكروا أن معنى: (نهى عن بيعتين في بيعة) هو أن يقول نقدا بكذا ونسيئة بكذا، لا غرابة فيه، فقد جاء ذلك عن الشافعي ومالك، ولكن العلة التي عليها مدار الحكم هي محل الخلاف بين العلماء، فالذين قالوا بمنع هذه الصورة لم يتركوا الأمر هكذا بل بينوا أن النهي واقع فيما إذا انفصل البيعان من غير تحديد نوع البيع.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
حكم بيع التقسيط، قال: وقد قيل في تفسير البيعتين في بيعة أقوال أخرى ولعله يأتي بعضها، وما تقدم أصح وأشهر، وهو ينطبق تماما على ما هو معروف اليوم ببيع التقسيط، فما حكمه؟
قال اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:
-أنه باطل مطلقا، وهو مذهب ابن حزم
-أنه لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما، ومثله إذا ذكر سعر التقسيط، وهو قول الجمهور.
-لا بجوز، لكن إذا وقع فيصح، ولكن بشرط أن يدفع إلى البائع بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين.
قال: فهذا القول عن ابن حزم ظاهر الأحاديث المتقدمة، فإن الأصل فيه أنه يقتضي البطلان، وهذا هو الأقرب إلى الصواب لولا ما يأتي ذكره عند الكلام على دليل القول الثالث.
الجواب: القول الذي ذكره الشيخ الألباني عن ابن حزم لا يسلم به بعض العلماء، لأنه لا يفهم من كلامه، وإليك نص عبارة ابن حزم في (المحلى)، قال: ولا يحل بيتنا في بيعة مثل: أبيعك سمعتي بكذا وكذا درهما – فهو يجمع بين بيع وصرف – أو كمن أبتاع مائة سلعة بمائة درهم، على أن يعطيه دنانير كل دينار بعدد من الدراهم – وهو بمعنى الصرف – ومثل أبيعك سلعتي هذه بدينارين نقدا أو بثلاثة نسيئة، ومثل أبيعك سلعتي هذه بكذا وكذا على أن تبيعني سلعتك بكذا وكذا). قال: فهذا كله حرام مفسوخ أبدا، محكوم عليه بحكم الغصب.
فكلام ابن حزم – رحمه الله – ليس فيه زيادة على كلام من تقدم ذكرهم من العلماء أنهم يفسرون البيعتين في بيعة، أني أبيعك بمائة نقدا ومائة وعشرين نسيئة، لكن العلماء المتقدمون بينوا أن المراد بالمنع في هذه الصورة هو الانفصال مع عدم تحديد البيعة، وابن حزم لم يتعرض؛ لأنه يدري بمذهب الجمهور، وإلا فلو أراد غير ما أرادوا لناقشهم وأبدا في ذلك وأعاد كما هي عادته.
قال الشيخ الألباني – رحمه الله -:
قال المذهب الثاني: أن العلة في النهي هي جهالة الثمن، قال الخطابي: إذا جهل الثمن بطل البيع، فأما إذا باته في مجلس العقد على أحد البيعين فهو صحيح.
ثم تعقبه بقوله: وأما قولهم بتعليل النهي عن بيعتين في بيعة، أنها جهالة الثمن، فمردود، لأنه مجرد رأي مقابل النص الصريح، في حديث أبي هريرة وابن مسعود أنه ربا.
توضيح كلام الألباني: يقول: قد جاء في حديث أبي هريرة مرفوعا: (فله أوكسهما أو الربا)، فهو إما أن يأخذ الأنقص أو يقع في الربا، فيقول: أن الجمهور بقولهم: أن العلة الجهالة رأي في معرض النص. وفي حديث ابن مسعود (صفقان في صفقة ربا)، فإن مسعود يقول: ربا والجمهور يقول: جهالة.
الجواب:
الحق أن ما أورده الألباني إيرادا قوي جدا لكن الحق أحق أن يتبع، أما حديث أبي هريرة فقد علمت أنه لا يصح، لأنه تفرد به يحيي بن زكريا بن أبي زائدة، وعلى افتراض صحته وأن الجمهور سلموا بهذا اللفظ ولم يضعفوه. فلا يسلمون أن المراد به بيع التقسيط، ويدل لهذا ما ذكره النووي تبعا للشيرازي في المهذب، أن علة النهي هي الجهالة والغرر، ثم قال النووي، وأما الحديث الذي في سنن أبي داوود من حديث أبي هريرة: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)
، فقد قال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون ذلك في قصة بعينها، كأنه أسلف دينارا في قفيز الحنطة، فحل الأجل، فطالبه، فقال: بعني القفيز الذي لك علي إلى شهرين بقفيزين، هذا بيع ثان قد دخل على الأول، وصار بيعتين في بيعة، فيرد إلى أوكسهما وهو الأصل، وإن تبايعا البيعة الثانية قبل فسخ الأول كانا قد دخلا في الربا.
?فائدة:
شيخ الإسلام وتلميذه يحملان النهي عن بيعتين في بيعة على بيع العينة، بدليل، فله أوكسهما أو الربا، وهم يرون صحة هذه اللفظة، فلا إشكال عندهم، وقد تقدم لك شرح هذا مبسوطا، فراجعه إن شئت.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – بعد ذكر حديث أبي هريرة وابن مسعود، وقد فسرت البيعتان في بيعة بأنه قول: أبيعك بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة قال: وهذا بعيد من معنى الحديث بوجهين:
الأول: أنه في هذا العقد لا يدخل في الربا
الثاني: أنه ليست بصفقتين، وإنما هي صفقة واحدة بأحد الثمنين، فقد ردده بين الأوليين أو الربا، ومعلوم أنه إذا أخذ بالثمن الأزيد من هذا العقد لم يكن ربا، فليس هذا معنى الحديث.
وفسر الحديث ببيع العينة، وهذا المعنى هو المطابق للحديث، لأنه إذا كان مقصودهم الدراهم العاجلة، فهنا يستحق رأس ماله وهو أوكس الثمنين، وإن لم يتب من فعله وأبى إلا أخذ الزيادة فقد وقع في الربا، فلا محيد له عن أوكس الثمنين أو الربا، ولا يحتمل الحديث غير هذا المعنى، وهذا بعينة الشرطان في بيع.
حديث ابن مسعود: ” صفقتان في صفقة ربا ” جاء في بعض المصادر بعد الحديث تفسير الصفقتين في صفقة هو أن يقول: إن كان نقدا فبكذا وإن كان نسيئة فبكذا. ولا يدرى هل هذه الجملة المفسرة من قول سماك بن حرب أو من قول عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أو من قول ابن مسعود؟
لا شك أن الجملة إذا كانت من قول سماك فإن الأمر علينا يهون، لأنه سيقال سماك تابعي، ولم يعرف بالفقه، فهو مجرد رأي له، الألباني يرى أن الجملة من قول سماك، وليس هناك رواية تدل على أنه من قول سماك، إلا رواية من طريق شريك عن سماك عن عبد الرحمن بن مسعود، ولكن سنجيب على أنه من قول ابن مسعود:
الجواب: ذهب طائفة من العلماء إلى إطلاق اسم الربا على كل بيع محرم أو فاسد أو منهي عنه، وهذا مذكور في كتاب السنة لمحمد بن نصر المروزي، وبناء على هذا فلا يبقى إشكال.
قال محمد بن نصر: ذهب طائفة إلى أن الربا ما كان فيه زيادة، وذهبت طائفة إلى أن الربا هو البيوع المحرمة، كبيع حبل الحبلة وتلقي الركبان ونحوه من البيوع المحرمة ثم ذكر تحت البيوع المحرمة التي أطلق عليها اسم الربا حديث ابن مسعود: ” صفقتان في صفقة ربا “أن يقول الرجل نقدا بكذا وسيلة بكذا، وروى بسنده الصحيح من طريق إسرائيل عن سماك عن عبد الرحمن عن أبيه أنه يقول في الر جل يشتري الشيء على أن يعطيه الدينار بعشرة دراهم، هو ربا ….
وروى النسائي بسند صحيح عن ابن عباس مرفوعا: (السلف في حبل الحبلة ربا).والمراد بالسلف السلم، والحديث في الصحيح المسند لشيخنا رحمه الله.
وصورة المسألة: أن أعطي رجلا ألفا على أن يسلفني مما في بطن البقرة.
وبعد أن سرد الإمام محمد بن نصر هذه الأدلة كلها قال: ففي هذا المذهب يكون قول الله تعالى: (وأحل الله البيع) عاما في كل بيع ليس بمحرم، ويكون كل بيع محرم داخلا في قوله تعالى: (وحرم الربا) وهذا بخلاف المذهب الأول الذي ذكروا أن الربا هو الزيادة فقط.
?فائدة:
قال الحافظ ابن حجر تحت رقم حديث (2083) في الفتح: ويطلق الربا على كل بيع محرم.
صور محرمة مداخلة لبيع التقسيط:
أن يفرض البائع بالأجل الغرامة على المشتري إذا تأخر عن مدة السداد.
الجواب: هو عين ربا الجاهلية وهو حرام بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فالجاهليون كانوا إذا جاء وقت سداد الدين يقولون للمدين: إما أن تقضي وإما أن تربي.
أن يبيع بالأجل أقساطا، فإذا جاء موعد سداد أي قسط، فلم يسدد، ألغى الأجل وصار الدين فورا، وهذا فيما إذا كانت الزيادة حصلت في التأجيل.
الجواب: أن هذه المعاملة محرمة لأن الزيادة في الثمن إنما هو مقابل الأجل، فإذا ألغي التأجيل فإن البائع يأكل الزيادة ظلما وعدوانا، وهو قريب من ربا الجاهلية.
فإن باعه إلى أجل بدون زيادة واشترط عليه فورية الدين إذا تأخر عن سداد قسط من الأقساط.
الجواب: للبائع أن يطالب برجوع السلعة فورا، وإن استهلكت السلعة أو تلفت فما على البائع إلا أن يذكر قول الله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة.
?مسألة العقوبات:
لا ينبغي أن يتهدد الناس الذين يتدينون منه، فيقول لهذا: إذا جاء موعد التسليم ولم تسدد فعليك كذا، ويفرض على الآخر عقوبة أخرى، فهذا ليس من ديننا، وإنما الذي أمر به ديننا ما جاء في سورة البقرة: ” وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة “، فهو الذي داين الناس فليصبر عليهم، ولكن إذا كان المدين متلاعبا فللحاكم أن يفرض عليه ما يسمى بالحجر على أمواله، وليس ذلك لأحد غير الحاكم.