1369، 1370، 1371، 1372 1373، 1374 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
“””””””””'””””””””””
صحيح البخاري
رياح المسك
باب ما جاء في عذاب القبر
وقوله تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت، والملائكة باسطو أيديهم، أخرجوا أنفسكم اليوم [ص:98] تجزون عذاب الهون} قال أبو عبد الله: الهون: هو الهوان، والهون: الرفق وقوله جل ذكره: {سنعذبهم مرتين، ثم يردون إلى عذاب عظيم} [التوبة: 101]، وقوله تعالى: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة، أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} [غافر: 46]
1369 – حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} [إبراهيم: 27] ” حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة بهذا – وزاد – {يثبت الله الذين آمنوا} [إبراهيم: 27] نزلت في عذاب القبر
1370 – حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثني أبي، عن صالح، حدثني نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره، قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب، فقال: «وجدتم ما وعد ربكم حقا؟» فقيل له: تدعو أمواتا؟ فقال: «ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون»
1371 – حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق» وقد قال الله تعالى: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80]
1372 – حدثنا عبدان، أخبرني أبي، عن شعبة، سمعت الأشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها: أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر، فقال: «نعم، عذاب القبر» قالت عائشة رضي الله عنها: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر زاد غندر: «عذاب القبر حق»
1373 – حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عروة بن الزبير: أنه سمع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، تقول: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة»
1374 – حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه [ص:99] ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا – قال قتادة: وذكر لنا: أنه يفسح له في قبره، ثم رجع إلى حديث أنس – قال: وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين ”
———‘——–‘——–
——–‘——–‘——–
فوائد الباب:
1 – قوله (ما جاء في عذاب القبر) أي إثباته
2 – قوله (وقوله تعالى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون} هو الهوان).
3 – أخرج الطبري في تفسيره 13563 وابن أبي حاتم في تفسيره 7635 من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:”ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم”، قال: هذا عند الموت،”والبسط”، الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم”.انتهى وفيه انقطاع بين ابن أبي طلحة وابن عباس. وما ورد في الفتح وكذا عمدة القارئ من قوله ” روى الطبراني وابن أبي حاتم” أظنه تصحيف إنما هو الطبري.
4 – عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح:”والملائكة باسطو أيديهم”، بالعذاب. أخرجه الطبري في تفسيره 13567
5 – أخرج الطستي وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {عَذَاب الْهون} قَالَ: الهوان الدَّائِم الشَّديد، قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك؟ قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: أَنا وجدنَا بِلَاد الله واسعه تنجى من الذل والمخزات والهون. قاله السيوطي في الدر المنثور.
6 – وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عَذَاب الْهون} قَالَ: الهوان قاله السيوطي في الدر المنثور. وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره أيضا. إسناده صحيح – وقفت على إسناد عبد الرزاق والطبري-.
7 – (تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) (93) مضموم، وهو الهَوَان، وإذا فتحوا أوله، فهو الرفق والدَّعة. قاله أبو عبيدة معمر بن المثنى في مجاز القرآن. قلت وبالفتح كما قال تعالى قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] لذا قال البخاري ههنا (والهون الرفق).
8 – وقال تعالى {وَلوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال: 50] قال البيهقي كما في الاعتقاد له دَلَّتِ الْآيَتَانِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يُعَنَّفُ عَلَيْهِمْ فِي نَزْعِ أَرْوَاحِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يُخْبَرُونَ بِمَا هُمْ قَادِمُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَذَابِ الْهُونِ خِلَافَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَيُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كَانُوا يُوعَدُونَ.
9 – قوله (قوله جل ذكره {سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم}) يشير إلى تفسير الحسن أخرجه عبد الرزاق في تفسيره والطبري في تفسيره 17131،، وعن قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] قَالَ: «عَذَابٌ فِي الْقَبْرِ وَعَذَابٌ فِي النَّارِ» أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير 10304والبيهقي في إثبات عذاب القبر 52 من طريق عَبْد الرَّحْمَن بْن غَزْوَان أَبي نُوح قُرَاد، ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ به. تابعه سعيد، عن قتادة به أخرجه الطبري في تفسيره 17130 إسناد أثر قتادة صحيح.
10 – وقوله تعالى {وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات أحدكم فإنه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار أخرجه البخاري 3241 ومسلم 2866 والترمذي في سننه 1072 والنسائي في السنن الصغرى 2070 وابن ماجة في سننه 4270
زاد مسلم وأصحاب السنن ” يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة ” وفي رواية عند الإمام أحمد في مسنده ” يعرض على ابن آدم مقعده من الجنة والنار، غدوة وعشية في قبره، ” وعزاه السيوطي في الدر لابن مردويه أيضا قال وزاد “النار يعرضون عليها غدوا وعشيا”.
——
1369 – فوائد حديث البراء:
1 – حديث البراء بن عازب أخرجه الستة.
2 – قوله (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي) وعند أبي داود 4753 من طريق زاذان عن البراء (ويأتيه ملكان فيجلسانه) وصححه الألباني وأورده الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند 141، “ومن طريق عيسى بن المسيب عن عدي بن ثابت عن البراء ” فيأتيه منكر ونكير” أخرجه الطبري في تهذيب الآثار 723 من مسند عمر وابن مندة في كتاب الروح والنفس كما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب شرح حديث النزول والبيهقي في شعب الإيمان 390 فيه عيسى بن المسيب ضعيف وقد وثق أي يصلح في الشواهد والمتابعات.
3 – ويشهد لتسمية الملكين ما ورد في البخاري 1338 و 1374ومسلم 2870 من حديث أنس رضي الله عنه (أتاه ملكان فأقعداه).
4 – ويشهد لتسمية الملكين ما ورد من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”إِذَا قبِر أَحَدُكُمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لأَحَدِهِمَا مُنْكَرٌ وَالآخَرُ نَكِير الحديث أخرجه الترمذي في سننه 1071 والبزار في مسنده 8462 وابن أبي عاصم في السنة 864 وابن حبان وابن حبان في صحيحه 3117 والآجري في الشريعة 858 والبيهقي في إثبات عذاب القبر 56 والشجري في أماليه 2980، وقال الترمذي حَسَنٌ غَرِيبٌ. وقال البزار وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. قال العلامة الألباني كما في الصحيحة 1391:إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، و في ابن إسحاق و هو العامري القرشي مولاهم كلام لا يضر.
5 – قوله (ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) فيه أهمية كلمة التوحيد وأنها شرط لتجنب عذاب القبر.
6 – قوله (فذلك قوله {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}) وزاد من طريق غندر ” نزلت في عذاب القبر. وهذا هو موضع الشاهد وزاد الترمذي وغيره ” فِي القَبْرِ إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ، وَمَا دِينُكَ، وَمَنْ نَبِيُّكَ”.
7 – قوله (عن علقمة بن مرثد) وعند البخاري 4699في رواية (أخبرني علقمة بن مرثد)
8 – قوله (عن سعد بن عبيدة) وعند البخاري 4699″سمعت سعد بن عبيدة”.
====
1370 – فوائد حديث ابن عمر
1 – حديث ابن عمر انفرد بإخراجه البخاري من طريق صالح بن كيسان عن نافع.
2 – وموضع الشاهد منه أن المخاطبين الذين قتلوا في غزوة بدر وجدوا العذاب الذي أنذروا به بدليل قوله هل (وجدتم ما وعد ربكم حقا). وكان هذا بعد موتهم.
3 – فيه من علامات النبوة وهو إسماعهم ” قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقيمة وحسرة وندما” أخرجه البخاري 3976
4 – وموضع الشاهد من حديث أم المؤمنين عائشة قوله (إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول حق) أي لأنهم في العذاب.
5 – مسألة سماع الموتى سبقت في باب الميت يسمع خفق النعال وقد ذكر هناك حديث أنس رضي الله عنه وهو آخر أحاديث هذا الباب وقد تقدم شرحه وموضع الشاهد منه هنا قوله في المنافق والكافر ” ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين” أي وهذا في القبر.
6 – وحديث عائشة الثاني موضع الشاهد منه قوله “عذاب القبر حق” وقوله “فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر”.
7 – فيه أن عذاب القبر كان معروفا عند من سبقنا من أهل الكتاب.
8 – فيه ذم التقليد عموما لقوله (كنت أقول ما يقول الناس).
9 – فيه التثبت عند سماع كلام أهل الكتاب
——
—–
رياح المسك
باب ما جاء في عذاب القبر
قال ابن بطال في شرح البخاري 3/ 358:
قال أبو بكر بن مجاهد: أجمع أهل السنة أن عذاب القبر حق، وأن الناس يفتنون فى قبورهم بعد أن يحيوا فيها ويسألوا فيها، ويثبت الله من أحب تثبيته منهم. وقال أبو عثمان بن الحداد: وإنما أنكر عذاب القبر بشر المريسى والأصم وضرار، واحتجوا بقوله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) [الدخان: 56] واحتجوا بمعارضة عائشة لابن عمر. قال القاضى أبو بكر بن الطيب وغيره: قد ورد القرآن بتصديق الأخبار الواردة فى عذاب القبر، قال تعالى: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) [غافر: 46] وقد اتفق المسلمون أنه لا غدوة ولا عشى فى الآخرة، وإنما هما فى الدنيا، فهم يعرضون مماتهم على النار قبل يوم القيامة، ويوم القيامة يدخلون أشد العذاب، قال تعالى: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) [غافر: 46]، فإذا جاز أن يكون المكلف بعد موته معروضا على النار غدوا وعشيا، جاز أن يسمع الكلام ويمنع الجواب، لأن اللذة والعذاب تجاء بالإحساس، فإذا كان كذلك وجب اعتقاد رد الحياة فى تلك الأجساد، وسماعهم للكلام، والعقل لا يدفع هذا، ولا يوجب حاجة إلى بلة ورطوبة، وإنما يقتضى حاجتها إلى المحل فقط، فإذا صح رد الحياة إلى أجسامهم مع ما هم عليه من نقص البنية، وتقطع الأوصال، صح أن يوجد فيهم سماع الكلام، والعجز عن رد الجواب.
وقد ذكر البخارى فى غزوة بدر بعد قوله (صلى الله عليه وسلم): (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم)، قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم، توبيخا ونقمة وحسرة وندما. وعلى تأويل قتادة فقهاء الأئمة وجماعة أهل السنة، وعلى ذلك تأوله عبد الله بن عمر، راوى الحديث عن النبى، (صلى الله عليه وسلم).
ثم قال ابن بطال:
وقال الطبرى فى معنى قوله (صلى الله عليه وسلم): (ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون)، اختلف السلف من العلماء فى تأويل هذا الحديث، فقالت جماعة يكثر تعدادهم بالعموم، وقالت: إن الميت يسمع كلام الأحياء، ولذلك قال (صلى الله عليه وسلم) لأهل القليب ما قال، وقال: (ما أنتم بأسمع منهم)، واحتجوا بأحاديث فى معنى قوله فى الميت: (إنه ليسمع قرع نعالهم) …
وقال آخرون: معنى قوله (صلى الله عليه وسلم): (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) ما أنتم بأعلم أنه حق منهم …. ولو كانوا يسمعون كلام الناس وهم موتى، لم يكن لقوله: (إنك لا تسمع الموتى) [النمل: 80]) وما أنت بمسمع من فى القبور) [فاطر: 22] معنى.
قال الطبرى: والصواب من القول فى ذلك أن كلا الروايتين عن النبى فى ذلك صحيح لعدالة نقلتها، والواجب الإيمان بها، والإقرار بأن الله يسمع من يشاء من خلقه بعد موتهم، ما شاء من كلام خلقه، ويفهم ما يشاء منهم ما يشاء، وينعم من أحب منهم، ويعذب فى قبره الكافر، ومن استحق العذاب كيف أراد، على ما صحت به الأخبار عن النبى، (صلى الله عليه وسلم).
انتهى النقل عن ابن بطال
قال القسطلاني في إرشاد الساري 2/ 460:
قد تظاهرت الدلائل من الكتاب والسنة على ثبوته، وأجمع عليه أهل السنة، ولا مانع في العقل أن يعيد الله الحياة في جزء من الجسد، أو في جميعه على الخلاف المعروف، فيثيبه ويعذبه. وإذا لم يمنعه العقل وورد به الشرع وجب قبوله، واعتقاده. ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه، كما يشاهد في العادة، أو أكلته السباع والطيور وحيتان البحر.
كما أن الله تعالى يعيده للحشر، وهو سبحانه وتعالى، قادر على ذلك، فلا يستبعد تعلق روح الشخص الواحد في آن واحد بكل واحد من أجزائه المتفرقة في المشارق والمغارب. فإن تعلقه ليس على سبيل الحلول حتى يمنعه الحلول في جزء من الحلول في غيره، قال في مصابيح الجامع: وقد كثرت الأحاديث في عذاب القبر، حتى قال غير واحد: إنها متواترة لا يصح عليها التواطؤ وإن لم يصح مثلها لم يصح شيء من أمر الدين.
قال أبو عثمان الحداد وليس في قوله تعالى: ش {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] ما يعارض ما ثبت من عذاب القبر، لأن الله تعالى أخبر بحياة الشهداء قبل يوم القيامة، وليست مرادة بقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] فكذا حياة المقبور قبل الحشر.
قال ابن المنير: وأشكل ما في القضية أنه إذا ثبت حياتهم، لزم أن يثبت موتهم بعد هذه الحياة ليجتمع الخلق كلهم في الموت عند قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] ويلزم تعدد الموت،
وقد قال تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: 56] الآية، والجواب الواضح عندي أن معنى قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان: 56] أي ألم الموت فيكون الموت الذى يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا يذاق ألمه البتة، ويجوز ذلك في حكم التقدير بلا إشكال، وما وضع العرب اسم الموت إلا للمؤلم على ما فهموه لا باعتبار كونه ضدّ الحياة، فعلى هذا يخلق الله لتلك الحياة الثانية ضدًّا يعدمها به لا يسمى ذلك الضد موتًا، وإن كان للحياة ضد، جمعًا بين الأدلة العقلية والنقلية واللغوية. اهـ.
ثم قال القسطلاني:
وقد ادعى قوم عدم ذكر عذاب القبر في القرآن، وزعموا أنه لم يرد ذكره إلا من أخبار الآحاد، فذكر المصنف آيات تدل لذلك ردًّا عليهم.
انتى النقل عن القسطلاني.
قال ابن عبدالبر في التمهيد 22/ 252:
قال أبو عمر الآثار الثابتة في هذا الباب إنما تدل على أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان في الدنيا منسوبا إلى أهل القبلة ودين الإسلام ممن حقن دمه بظاهر الشهادة وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام والله أعلم يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة الآية وأما ما جاء من الآثار في أن اليهود تعذب في قبورها ففي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر مع بلال على البقيع فقال ألا تسمع ما أسمع يا بلال قال لا والله يا رسول الله ما أسمع قال أما تسمع أهل القبور يعذبون يعني قبور الجاهلية فهذا والله أعلم عذاب غير الفتنة والابتلاء الذي يعرض المؤمن وإنما هذا عذاب واصب للكفار إلى أن تقوم الساعة فيصيرون إلى النار ألا ترى إلى قول الله عز وجل وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب وجائز أن يكون عذاب القبر غير فتنة القبر وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ من فتنة القبر وعذاب القبر وعذاب النار في حديث واحد وذلك دليل على أن عذاب القبر غير فتنة القبر والله أعلم لأن الفتنة قد تكون فيه النجاة وقد يعذب الكافر في قبره على كفره دون أن يسأل والله أعلم اهـ
——‘—–‘—–
وهي عبارة عن تلخيص لشرح ابن حجر مع بعض النقولات وتخريج لبعض الأحاديث:
– ذكر ابن حجر أن البخاري لم يتعرض في الترجمة لكون عذاب القبر يقع على الروح فقط أو عليها وعلى الجسد وفيه خلاف شهير عند المتكلمين وكأنه تركه لأن الأدلة التي يرضاها ليست قاطعة في أحد الأمرين فلم يتقلد الحكم واكتفى بإثبات وجوده خلافا لمن نفاه مطلقا كالخوارج وبعض المعتزلة وخالفهم أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم وأكثروا من الاحتجاج له وذهب بعض المعتزلة كالجياني وغيرهم انه يقع على الكفار دون المؤمنين وبعض الأحاديث الآتية ترد عليه.
قلت سيف والبخاري ربما لم يختر أحد القولين ابقاء على المتقرر أن العذاب اذا أطلق يشمل الروح والجسد إلا بدليل.
– وقدم البخاري الآيات تدليلا انه ثابت بالقرآن. ولو أن في بعض الآيات القرآنية أن ضرب الملائكة للكفار قبل الدفن فهو من جملة عذاب القبر ….
– حديث إخراج النبي صلى الله عليه وسلم للمنافقين هو من طريق اسباط بن نصر والحسين بن عمرو العنقزي عن السدي عن أبي مالك وهو غزوان عن ابن عباس والحسين واسباط ضعفاء
لكن قال ابن كثير وكذا ذكره الثوري عن السدي. فإن صح السند الثوري فالاسناد لا بأس به يصلح أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
– قوله تعالى (سنعذبهم مرتين. .. ) اختار ابن جرير بعد ذكر الاختلاف أن الأغلب أن إحدى المرتين عذاب القبر …..
– ذكر ابن حجر حديث أرواح آل فرعون في طيور سود ….
وهو حديث لا يصح
– الآية في تعذيب آل فرعون حجة على من أنكر عذاب القبر مطلقا. لا من خصه بالكفار …..
– حديث البراء ورد في رواية زاذان عن البراء فيه من الزيادة ….. فترد روحه في جسده.
وهو في الصحيح المسند 141
– ليس في الآية ذكر عذاب القبر … فلعله سمى أحوال العبد في القبر عذابا تغليبا لفتنة الكافر على المؤمن لأجل التخويف ولأن القبر مقام القبر ولأن ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة. قرره ابن حجر
– لا تعارض بين حديث عائشة: إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق وبين حديث ابن عمر الذي فيه ما أنتم بأسمع لما أقول منهم فيحمل حديث عائشة على بعد الاسماع الأول.
– خالف الجمهور ابن جرير الذي قال السؤال يقع على الجسد وخالفوا ابن هبيرة الذي قال يقع على الروح واثبتوا أن الروح ترجع للجسد. ليقع السؤال. وليس في هذا أنه يحيى حياة الناس الآن إنما هي حياة برزخية.
وكون الميت تتفرق أجزاؤه لا يمنع من اتصال الروح بالجسد لأن هذا من علم الغيب ولو لم نشاهده. …. ابن حجر وسبقت هذه المسألة في أبواب سابقة
– ليس في سماع أهل القليب حجة لأهل التصوف الذين يستغيثون بالاموات لأن السماع خاص أو أنه سماع لكن لا يجيبون وسبق هذه المسألة في بعض الأبواب السابقة
– عذاب القبر ثابت في مكة حيث أن آيات تعذيب آل فرعون التي تثبت عذاب القبر مكية، والأحاديث التي فيها إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على اليهودية عذاب القبر في المدينة. فيقال إنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم وقوعه على الموحدين ثم أُعِلم بعد أن بعض هذه الأمة تعذب.
– حديث دخول اليهودية على عائشة ورد النبي صلى الله عليه وسلم على اليهودية قولها بأن عذاب القبر يقع أيضا على هذه الأمة اختلفت ألفاظه فحمله ابن حجر على تعدد القصة.
– النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه أن بعض هذه الأمة تعذب في قبورها فعلمهم الاستعاذة من عذاب القبر.
– لما كان عذاب القبر غير عن فتنة القبر كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منهما جميعا
– مسألة عذاب القبر ليس خاصا بهذه الأمة لكن المسألة من ربك. ما دينك. من نبيك. فيه خلاف.
وحديث عائشة عند أحمد أيضا بلفظ وأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسالون
الصحيح المسند 1315، صحيح الترغيب 3557
وهذا الحديث لا يدل على اختصاص السؤال بهذه الأمة لمن تأمل
– الذي يظهر أن كل أمة تسأل عن نبيها قرره ابن حجر.
يقصد قبل البعثة المحمدية أما بعد البعثة فيسألون عن محمد صلى الله عليه وسلم.
– وقد ورد في حديث (ما تقول في هذا الرجل محمد). وكل هذه الأحاديث ليس فيها نفي السؤال للأمم السابقة نقله ابن حجر عن ابن القيم
– مسألة سؤال الطفل المميز أو عدم سؤاله سبقت.
– ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة القبر في حديث أسماء وفيه (لغط النساء حتى لم تسمع أسماء بعض ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفهمت رجلا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنكم تفتنون في قبوركم قريبا من فتنة الدجال). وهذه الزيادة في مستخرج الاسماعيلي وأخرجها النسائي
– ورد في رواية لأحمد فيأتيه الملك فترده الصلاة. … لكن ابن المنكدر لم يذكر سماعا من أسماء وهو أدركها
– أورد ابن حجر في تسمية الملكين منكر ونكير أحاديث … وفيها ضعف لكن نقل عليه الآمدي الإجماع.
والسلف هكذا يسمونهما كأحمد والطحاوي وابن تيمية وغيرهم.
– ورد في حديث أبي هريرة (فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه …. )
وقد نقل ابن رجب الاختلاف في رفعه ووقفه ولم يرجح. التفسير 1/ 685
– ورد في البخاري يفسح له في قبره. لكن لفظة سبعون ذراعا هي في مسلم لكنها من قول قتادة. ووردة في حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي وابن حبان أما زيادة في سبعين ذراعا يعني من الجهات الأربع فهي من رواية دراج عن أبي الهيثم. وكذلك زيادة ينور له كالقمر ليلة البدر. فيها عبدالرحمن بن إسحاق.
قلت سيف بن دورة: حديث هو نفس حديث تسمية الملكين منكر ونكير ولا يصح
لكن التوسيع عليه مد بصره ثابت كما في الصحيح المسند. أو يبحث هل تتقوى لفظة السبعين ذراعا بالشواهد وقد يكون المقصود بالسبعين المبالغة في التوسعة عليه
– زاد ابن حبان في حديث أبي هريرة فيزداد غبطة وسرورا فيعاد الجلد إلى ما بدأ منه وتجعل روحه في نسم طائر يعلق في شجر الجنة
ولفظة روحه في نسم طائر لها شاهد:
قال ابن باز في حاشية الفتح ورد في حديث كعب عند أحمد أن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه. قال ابن كثير إسناد صحيح عزيز عظيم. ومعنى يعلق أي يأكل. وفي صحيح مسلم مرفوعا أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي تلك القناديل. انتهى
– رواية الشك أما الكافر أو المنافق لا تبين اختصاص السؤال بالمنافقين مع أن ظاهر الحديث تدل على أن السؤال يقع على المنافق لأنه هو الذي يقول: سمعت الناس يقولون قولا فقلته … ومال أبن عبدالبر لهذا وتعقبه ابن القيم بأن هناك روايات بالعطف (اما المنافق والكافر) بل في روايات: فأما الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا …. … ويدخل في المقصود بقوله تعالى: ( …. ويضل الله الظالمين) … ثم في القرآن ما يدل على سؤال الكافر وهو قوله تعالى: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين. لكن للنافي أن يقول: هذا في يوم القيامة. قرره ابن حجر
وقال حماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة. فقال أبو عمر الضرير شهد بهذه الشهادة على غير يقين.
– معنى (لا دريت ولا تليت) أي لا فهمت ولا قرأت القرآن. ….. ذكره ابن حجر وذكر ضبط آخر
– ذكر ابن حجر ثبوت عذاب القبر عن خمسة عشر صحابيا وعددهم وعزى احاديثهم بل قال وهو ثابت عن غيرهم
– حياة الميت في القبر حياة برزخية فلا يعترض عليه بقوله تعالى: قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين.
– سبق الكلام على معاينة عذاب القبر لبعض الأحياء هل هو ممكن أم لا؟ تحت باب قول الميت وهو على الجنازة قدموني
– وسبق الكلام على بعض مسائل عذاب القبر وأنه يقع على الروح والجسد تحت باب الجريد على القبر. وكذلك تحت بَابٌ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ
وتوسعنا في ذكر أدلة إثبات عذاب القبر في شرحنا للصحيح المسند 1539 في حديث عائشة مع اليهودية التي تقول اطعموني اعاذكم الله من فتنة الدجال ومن فتنة القبر
..
—–
_ تلخيص لبحث لبعض الشيوخ حول جمع أدلة إثبات عذاب القبر من رسول:
الآية الأولى: قال تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46))
يقول القرطبي: واحتج بعض أهل العلم في تثبيت عذاب القبر بقوله (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ما دامت الدنيا كذلك قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب كلهم قال: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا. …
وقال النووي: وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة قال تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: وهذه الآية إحدى ما استدل به العلماء على عذاب البرزخ.
وقال ابن كثير: وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور …
من وجوه الاستدلال بالآية على عذاب القبر.
الوجه الأول: ذكر في الآية عذابان: عذاب الآن، وهو عذاب القبر، والثاني عذاب يوم القيامة، وقد ذكرا ذكرا صريحا، فدل على ثبوت عذاب القبر، ولو أراد بالعذاب الأول عذاب النار لما ذكر بعده يوم القيامة، والآية واردة في حق الموتى قال القرطبي رحمه الله: قال مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب: هذه الآية تدل على عذاب القبر في الدنيا، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)
الوجه الثاني: ومن دلالة الآية على عذاب القبر: قوله في الآية: (يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا) هذا العرض في القبر، وأما يوم القيامة فيكون الادخال حقيقة لا العرض كما صرحت بذلك الأحاديث.
الوجه الثالث: قوله في الآية (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) وهذا يكون في القبر، وأما الآخرة فلا غدوة ولاعشي فيها قال العلامة ابن البناء في الآية: ومعلوم أنهم لا يعرضون على النار، وهم أحياء على ظهر الأرض، وأنه لا غدوا ولاعشيا في القيامة فثبت أنهم يعرضون عليها في قبورهم.
الوجه الرابع: قوله في الآية: ْ (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) يراد بذلك كما يقول ابن عباس: ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ أغرقوا.
قال البغوي في شرح السنة: أخبر أنهم يعذبون يوم القيامة أشد مما كانوا يعذبون قبله، يعني: في القبر.
الوجه الخامس: الأحاديث المروية عن النبي -ِ
-وما جاء عن صحابته الكرام يوضح دلالة الآية على عذاب القبر، ومن ذلك:
ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله-ِ -قال (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)
-الآية الثانية: قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)
من الآيات التي ذكرها البخاري في باب ما جاء في عذاب القبر هذه الآية العظيمة، وهي كذلك من الآيات التي استدل بها جماعة من أهل العلم على عذاب القبر، وهي من أصرح الأدلة القرآنية أيضا على عذاب القبر كما يقول الشيخ ابن عثيمين، ودلالتها على عذاب القبر من وجوه:
الوجه الأول: قوله تعالى في الآية (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ) دل على وجود النفس التي تخرج من البدن، وذلكوقت الموت تخرج النفس، وقوله بعد ذلك (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ) دليل على وقوع الجزاء بعد الاخراج والموت فقوله اليوم دليل على الزمن.
الوجه الثاني: لايمكن حمل الآية على عذاب الآخرة، يقول ابن القيم وَهَذَا خطاب لَهُم عِنْد الْمَوْت وَقد أخْبرت الْمَلَائِكَة وهم الصادقون أَنهم حِينَئِذٍ يجزون عَذَاب الْهون وَلَو تَأَخّر عَنْهُم ذَلِك إِلَى انْقِضَاء الدُّنْيَا لما صَحَّ أَن يُقَال لَهُم (الْيَوْم تُجْزونَ) فدل على أن المراد به عذاب القبر.
قال ابن سعدي رحمه الله: وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه، فإن هذا الخطاب، والعذاب الموجه إليهم، إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله:
مذهب سائر المسلمين، بل وسائر أهل الملل، إثبات القيامة الكبرى، وقيام الناس من قبورهم، والثواب والعقاب هناك، وإثبات الثواب والعقاب فى البرزخ، ما بين الموت الى يوم القيامة، هذا قول السلف قاطبة، وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك فى البرزخ، قليل من أهل البدع، لكن من أهل الكلام من يقول هذا، إنما يكون على البدن فقط، وأن مذهب سلف الامة، وائمتها أن الميت إذا مات، يكون فى نعيم، أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه، ولبدنه وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن، منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحياناً، فيحصل له معها النعيم والعذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أُعيدت الأرواح إلى أجسادها، وقاموا من قبورهم لربهم.
الوجه الثالث: أن هذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن قال السندي:”ولعل كونه في عذاب القبر بالنظر إلى قوله (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ)
الآية الثالثة: قال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50)
وهذه الآية قريبة المعنى من الآية السابقة، واستدل بها البيقهي في كتابه الاعتقاد على عذاب القبر، وقال في قوله: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) أي يقولون لهم: هذا تعريفا إياهم أنهم يقدمون على عذاب القبر (: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) وهذا ذوق له بعد الموت.
الآية الرابعة: قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
وهذه الآية اشتهر تفسيرها عند أهل العلم، وأنها تدل على عذاب القبر، وذلك لتفسير النبي وأصحابه لها بذلك وهي نزلت في السؤال في القبر، وما يترتب عليه من نعيم أو عذاب فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله عند سؤال الملكين منكر ونكير للميت من ربك وما دينك ومن نبيك وأما الظالمين فعكس ذلك فلا يشملهم التثبيت ولا يوفقون للإجابة بل يضلهم الله، قال ابن الجوزي قال المفسرون هذه الآية وردت في فتنة القبر، وسؤال الملكين. ….
ويقول السمعاني في تفسير الآية ودلالتها على عذاب القبر:”وعليه أكثر أهل التفسير. ..
ويقول ابن سعدي وفي هذه الآية دلالة على فتنة القبر وعذابه ونعيمه كما تواترت بذلك النصوص. ..
ويقول حافظ حكمي وهذه الآية نصها في عذاب القبر بصريح الأحاديث الآتية وباتفاق أئمة التفسير من الصحابة فالتابعين فمن بعدهم. .
الآية الخامسة: قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
فسر النبي المعيشة الضنك في الآية بعذاب القبر فقد روى أبوهريرة عن الرسول في قوله تعالى (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَة ضَنك ا) قال عذاب القبر.
وروي تفسير المعيشة الضنك بعذاب القبر عن جماعة من أهل العلم منهم: مجاهد والسدي وأبي صالح الحنفي والربيع وغيرهم قال ابن أبي يعلي “قال أصحاب التفسير المعيشة الضنك عذاب القبر”
وقال ابن القيم “فسرها غير واحد من السلف بعذاب القبر، وجعلوا هذه الآية أحد الأدلة الدالة على عذاب القبر “واختار هذا التفسير ابن جرير الطبري والقرطبي.
من دلالة الآية على عذاب القبر:
الوجه الأول: سياق الآية ومعناها يدل على أن المعيشة الضنك عذاب القبر وذلك لأن الله عزوجل يقول (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)
وقد بين ابن جرير الطبري دلالة سياق الآية على عذاب القبر.
قلت وقد جاء أيضا عن عدد من العلماء منهم أبوبكر الإسماعيلي وابن الحنبلي وابن سعدي.
الوجه الثاني: تفسير النبي وأصحابه للمعيشة الضنك، وأن ذلك عذاب القبر.
الآية السادسة: قوله تعالى (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
هذه الآية إحدى الآيات التي ذكرها الإمام البخاري رحمه الله في باب ما جاء في عذاب القبر من صحيحه، و دلالتها على عذاب القبر واضحة حيث يخبر الله تعالى في الآية أنه سيعذب المنافقين مرتين في الدنيا، المرة الأولى تعم جميع أنواع العذاب الدنيوي من القتل والجوع والفضيحة ونحو ذلك، و المرة الثانية عذاب القبر، و بعد ذلك يردون إلى عذاب عظيم، و هو عذاب نار جهنم والعياذ بالله، والآية ليس فيها تفصيل هاتين المرتين المذكورتين فيها لكن اكثر أهل التفسير على حمل المرة الثانية على عذاب القبر، وعلى رأسهم ترجمان القرآن عبدالله بن عباس رضي الله عنه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قال غير واحد من العلماء: المرة الأولى في الدنيا، والثانية في البرزخ، ثم يردون إلى عذاب عظيم في الآخرة)
بل نقل العلامة الخازن اتفاق المفسرين على تفسير المرة الثانية بعذاب القبر، و ممن روي عنه تفسير المرة الثانية بعذاب القبر ابن عباس، و أبو مالك الأشجعي رضي الله عنهم، و قتادة و مجاهد، والربيع بن أنس، و الحسن البصري، وابن جريج، و غيرهم كثير، و قال الإمام الطبري رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في تفسير العذابين لا سيما العذاب الأول: (و أولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إن الله أخبر أنه يعذب هؤلاء الذين مردوا على النفاق مرتين، و لم يضع لنا دليلاً يوصل به إلى علم صفة ذينك العذابين – و جائز أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم، و ليس عندنا علم بأي ذلك من أي. غير أن في قوله جل ثناؤه: (ثم يردون إلى عذاب عظيم) دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار، و الأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر.
الآية السابعة: قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)
وهذه الآية كالسابقة في المعنى، و نحو ما قيل في الآية الأولى قيل فيها فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فسر العذاب الادنى بمصائب الدنيا وأسقامها و بلائها مما يبتلي الله به عباده حتى يتوبوا. و نحوه روي عن أبي كعب رضي الله عنه و غيره. و روي عن ابن عباس أن معنى العذاب الأدنى إقامة الحدود عليهم. و قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه العذاب الادنى ما أصاب المشركين يوم بدر من القتل و السبي.
وقال البراء بن عازب ومجاهد و أبو عبيدة في تفسير العذاب الأدنى: يعني به عذاب القبر، و قيل في الآية غير ذلك.
من دلالة الآية على عذاب القبر.
تدل على عذاب القبر من وجهين:
الوجه الأول: العذاب الأدنى لفظ عام يشمل كل عذاب قبل يوم القيامة، و منه عذاب القبر، و يدل على هذا الوجه اختلاف عبارات السلف في تفسير العذاب الأدنى، و هو خلاف تنوع، و بعضهم نص على دخول عذاب القبر في العذاب الأدنى والآية تحتمله.
الوجه الثاني: و هو أصرح من الأول، و هو دلالة كلمة (من) في الآية فهي تفيد أنه بقي لهم من العذاب الأدنى بقية، وكون هذا الوجه أصرح من السابق لأن بعضهم اعترض على حمل الآية على عذاب القبر بأن الله علل ذلك بقوله في آخر الآية (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون) و هذا لا يتأتى معه حمل الآية على عذاب القبر لأنه كما يقول العلامة ابن القيم أن هذا عذاب في الدنيا يستدعي به رجوعهم عن الكفر.
والجواب عن هذا ما قاله ابن القيم رحمه الله في توجيه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنه أن المراد بذلك عذاب القبر قال: (و منها قوله تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون) و قد احتج بهذه الآية جماعة منهم عبدالله بن عباس على عذاب القبر، و في الاحتجاج بها شيء؛ لأن هذا عذاب في الدنيا يستدعي به رجوعهم عن الكفر، و لم يكن هذا ما يخفى على حبر الأمة و ترجمان القرآن، و لكن من فقهه في القرآن و دقة فهمه فيه فهم منها عذاب القبر، فإنه سبحانه أخبر أن له فيهم عذابين: أدنى وأكبر، فأخبر أنه يذيقهم بعض الأدنى ليرجعوا فدل على أنه بقي لهم من الأدنى بقية يعذبون بها بعد عذاب الدنيا، و لهذا قال: من العذاب الادنى ولم يقل: و لنذيقنهم العذاب الأدنى، فتأمله، وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم (فيفتح له طاقة إلى النار فيأتيه من حرها و سمومها) ولم يقل فيأتيه حرها و سمومها، فأن الذي وصل إليه بعض ذلك وبقي له أكثره، والذي ذاقه أعداء الله في الدنيا بعض العذاب، وبقي لهم ما هو أعظم منه)
و يقول العلامة السعدي رحمه الله: (هذه الآية من الأدلة على إثبات عذاب القبر، و دلالتها ظاهرة، فإنه قال: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى) أي بعض و جزء منه فدل على أن ثم عذاباً أدنى قبل العذاب الأكبر و هو عذاب النار).
الآية الثامنة: قوله تعالى (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)
الآية إحدى الآيات المستدل بها على عذاب القبر، و هي قريبة الدلالة من الآية إحدى الآيات المستدل بها على عذاب القبر، و هي قريبة الدلالة من الآية السابقة قال البراء بن عازب رضي الله عنه في (عَذَابًا دُونَ ذَلِك): عذاب القبر، وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة). و عن قتادة، أن ابن عباس كان يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) و عن أبي كريمة الكندي قال كنا جلوساً عند زاذان فقرئت هذه الآية (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ). قال زاذان: عذاب القبر.
و قيل في الآية غير ذلك فقد حملها جماعة من العلماء على أن المراد بالعذاب الأدنى المذكور في الآية: الجوع و القحط، و نقل هذا عن مجاهد رحمه الله، وقيل المصائب التي تصيبهم في الدنيا من القتل و ذهاب الأموال و الأولاد، و جاء هذا عن ابن زيد رحمه الله.
و نقل عن ابن عباس رضي الله عنه أن المراد بالعذاب القتل يوم بدر. وبه قال ايضاً مقاتل بن سليمان.
و حمل الآية على العموم وأن كل هذه المعاني داخلة وتدل عليها الآية و أن الخلاف فيها من باب خلاف التنوع أولى؛ فالآية تشمل الجميع كما رجع هذا إمام المفسرين الطبري رحمه الله حيث قال بعد أن ذكر الأقوال في تفسير الآية: الصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبره أن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذاباً دون يومهم الذي فيه يصعقون، و ذلك يوم القيامة، فعذاب القبر دون يوم القيامة، لأنه في البرزخ، و الجوع الذي أصاب كفار قريش، والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة، ولم يخصص الله نوعا من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع بل عمّ فقال (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) فكل ذلك لهم عذاب، وذلك لهم دون يوم القيامة، فتأويل الكلام: وإن للذين كفروا بالله عذابا من الله دون يوم القيامة (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) بأنهم ذائقوا ذلك العذاب.
من دلالة الآية على عذاب القبر.
ما ذكره القرطبي حيث قال وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك هو: عذاب القبر لأن الله ذكره عقب قوله: فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون وهذا اليوم هو اليوم الآخر من أيام الدنيا، فدل على أن العذاب الذي هم فيه هو عذاب القبر، وكذلك قال: ولكن أكثرهم لا يعلمون لأنه غيب.
قلت: ونقل الباحث كلام لابن القيم وابن أبي العز وصالح الفوزان ولكن اقتصرت بالنقل عن القرطبي خشية الإطالة.
الآية التاسعة: قوله تعالى (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا)
الآية إحدى الآيات التي استدل بها شيخ الإسلام ابن تيمية على عذاب القبر وقال القشيري الآية تدل على عذاب القبر، وكذا قال غيره، ومحل الشاهد من الآية قوله تعالى (فَأُدْخِلُوا نَارًا)
ولأهل التفسير قولان في تأويلها قيل إن المراد بالنار نار جهنم، وهذا يكون في الآخرة.
وقيل المراد بالنار عذاب القبر وذلك من وجهين:
الأول: أن الفاء في قوله: (فَأُدْخِلُوا نَارًا) تدل على أنه حصلت تلك الحالة عقيب الإغراق فلا يمكن حملها على عذاب الآخرة، وإلا بطلت دلالة هذه الفاء.
الثاني: أنه قال: (فَأُدْخِلُوا) على سبيل الإخبار عن الماضي، وهذا إنما يصدق لو وقع ذلك.
الآية العاشرة: قوله تعالى (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
هذه الآية من الآيات التي استدل بها جماعة من أهل العلم على عذاب القبر ودلالتها على ذلك من باب أن الله ذكر في مقدمة السورة انقسام الناس يوم القيامة إلى سابقين وأصحاب اليمين و مكذبين ثم في أخر السورة ذكر انقسامهم عند الموت و الاحتضار إلى مقربين و أصحاب يمين و المكذبين و ذكر قبل بيان ما لهم من نعيم أو عذاب الموت و الاحتضار مما يدل على أن هذا الجزاء يبدأ من حال الاحتضار، و قد استدل بالآية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على عذاب القبر، وأن الإنسان بعد موته يصير إلى جنة أو نار و بين أن الاستدلال بالآية كالاستدلال بقوله تعالى في الآية السابقة (مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا) يقول الله (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)) هذا غير ما ذكره في أول السورة من انقسامهم يوم القيامة الكبرى و ذكر في آخرها انقسامهم عند الموت و هو القيامة الصغرى كما قال المغيرة بن شعبة من مات فقد قامت قيامته و كذلك قال علقمة و سعيد بن جبير عن ميت: أما هذا فقد قامت قيامته، أي صار إلى الجنة أو النار وإن كان بعد هذا تعاد الروح إلى البدن و يقعد بقبره و مقصودهم أن الشخص لا يستبطاء الثواب والعقاب فهو إذا مات يكون في الجنة أو النار قال تعالى عن قوم نوح مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا.
و يقول ابن القيم في دلالة الآية على عذاب القبر:
وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم و تصلية جحيم فذكر حالهم في القيامة الكبرى في أول السورة ثم ذكر حالهم في القيامة الصغرى في البرزخ في آخر السورة و لهذا قدم قبله ذكر الموت و مفارقة الروح فقال (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
ثم قال فأما إن كان من المقربين إلى آخرها و يقول العلامة السفاريني رحمه الله و قد ذكر الله عذاب القبر في القرآن العظيم في عدة آيات منها قوله تعالى (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)
و يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله فالثلاثة أصناف التي في آخر الواقعة ظاهرة في ثبوت عذاب القبر و نعيمه.