1361 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
مشاركة مجموعة الديني ومجموعة خميس و ناجي و سالم و رجب و رامي
———
1361 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه.
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله
هذا حديث حسن. رجاله رجال الصحيح، إلا عبد الوهاب بن بخت، وقد وثقه ابن معين وغيره، كما في ” تهذيب التهذيب
———————————–
مشاركة مجموعة الديني:
بوب الإمام أبو داود على هذا الحديث: باب في ثمن الخمر والميتة
وذكر أيضا حديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام»، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: «لا، هو حرام»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه» وهو في الصحيحين.
قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:
قوله: باب في ثمن الميته والخمر، أي: في حكم ذلك، وأنه حرام؛ وذلك أن هذه الأعيان يحرم الانتفاع بها، فتكون أثمانها حراماً، والله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فهي حرام وثمنها حرام، فلا يجوز استعمالها ولا بيعها واستعمال ثمنها؛ لأنها حرام وثمنها حرام.
قوله (لا. هو حرام) فمن العلماء من قال: يرجع إلى البيع، ومعنى ذلك: أن الاستصباح وطلاء السفن سائغ، ومن العلماء من قال: إن ذلك يرجع إلى المسئول عنه، وإن الاستصباح به محرم، وكذلك طلاء السفن، ودهن الجلود، فيكون قوله: (لا. هو حرام) أي: هذا الذي سئل عنه، فيكون هذا من أعمال الجاهلية التي كانت موجودة من قبل وحرمها الإسلام. وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: منهم من قال بجواز الاستفادة منها في هذه الأمور، ومنهم من قال بتحريمها وهم الجمهور، يعني: قالوا بأن استعمال الشحوم في جميع الوجوه حرام كاستعمال الميتة، ولا يستثنى من الميتة إلا الجلد إذا دبغ كما جاء في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دبغ جلد الميتة فإنه يطهر بالدباغ) وأما غير ذلك فهو باق على التحريم، ولا يخرج منه شيء. قوله: (فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحوم الميتة أجملوها) أي أذابوها فباعوها وأكلوا أثمانها، وهذا تحيل واحتيال للوصول إلى الاستفادة من المحرم بتحويله من حال إلى حال، أي: من كونه شحماً إلى أن يصير ودكا
راجع: شرح سنن أبي داود للعباد.
قال صاحبنا خميس:
ــ قال الحافظ في الفتح (4/ 425): “قوله: (أرأيتَ شحوم الميتة، فإنَّه يُطلى بها السفن، ويُدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟) أي: فهل يحلُّ بيعُها لِمَا ذكر من المنافع؛ فإنَّها مقتضية لصحة البيع، قوله: (فقال: لا، هو حرام)، أي: البيع، هكذا فسَّره بعض العلماء كالشافعي ومَن اتَّبعه، ومنهم من حمل قوله: (هو حرام) على الانتفاع، فقال: يحرم الانتفاع بها، وهو قول أكثر العلماء، فلا يُنتفع من الميتة أصلاً عندهم إلاَّ ما خُصَّ بالدليل، وهو الجلد المدبوغ”.
قال ابن رجب الحنبلي – بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر -:
فالحاصل من هذه الأحاديث كلها: أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحا به في: (إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه)، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراما، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه، كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة، وكذلك شراء الجواري للغناء …
والقسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّماً: فإنه يحرم بيعه، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها – كأكل الميتة للمضطر ودفع الغصة بالخمر وإطفاء الحريق به والخرز بشعر الخنزير عند قوم والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك – ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة: أكلها، ومن الخمر شربها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام …
” جامع العلوم والحكَم ” (1/ 415، 416).
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟
فأجابت: ” لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها ” اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (13/ 49)
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله:
الْخِنْزِيرُ هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة، حرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة، وما يورثه من الأمراض الخطيرة، كما قرر ذلك أهل الطب، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة اكتشفت ولا تزال تكتشف، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم. [المنتقى من فتاوى الفوزان 1 /
@ تحريم لحم وشحم الخنزير:
قال العلامة الشيخ / محمد العثيمين رحمه الله: ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير مُحَّرم مع أن الله تعالى لَم يذكر في القرآن إلا اللحم، فقال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]، ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن شحم الخنزير محرَّم. [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11/ 140].
السؤال
(يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) لماذا لم يرد نص بتحريم الخمر؟ مثال: ماهي الحكمة في عدم بداية الآية بكلمة حرم عليكم الخمر؟ مثل حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير؟
الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
التشكيك والتشويه-للدين – هو عمل أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والوثنيين، لأن الله تعالى يقول: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) [البقرة:217] لكن الذي نعجب له هو أن ينساق وراء هذه الدعاوى الهدامة قوم من بني جلدتنا يتكلمون بألسنتنا.
وننبه قبل الجواب إلى أن حرمة الخمر معلومة من دين الإسلام بالضرورة، من أنكرها كفر، وخرج من ملة الإسلام، وعلى الحاكم المسلم أن يستتيبه ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل.
وإليك أدلة تحريم الخمر في الكتاب والسنة والإجماع:
أما الكتاب: فيقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون* إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) [المائدة:90 – 91] وقد بينت هاتان الآيتان حرمة الخمر أعظم بيان، وذلك من وجوه:
الأول: أن الله قرن الخمر بالأنصاب والأزلام والتي قال الله تعالى عنها في آية أخرى: (ذلكم فسق) قال ابن عباس: لما حرمت الخمر مشى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: حرمت الخمر، وجعلت عدلاً للشرك: (أي معادلة ومساوية للشرك). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن”. {الصحيحة 677 وقال الشيخ الألباني: (فائدة): ذكر الضياء عن ابن حبان أنه قال: ” يشبه أن يكون معنى الخبر: من
لقي الله مدمن خمر مستح? لشربه لقيه كعابد وثن، ?ستوائهما في حالة الكفر}
الثاني: حكم الله على الخمر وما ذكر معها بأنه رجس، ولفظ الرجس لم يطلق في القرآن إلا على الأوثان ولحم الخنزير، وهو يدل على التنفير، والزجر الشديد.
الرابع: تعقيب الله تعالى على ذلك بقوله: (فاجتنبوه لعلكم تفلحون) والأمر بالاجتناب لفظ استخدم في الزجر عن الأوثان وعبادتها، فقال تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) [الحج:30] وقال: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) [النحل:36] وقال: (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها) [الزمر:17]. كما استخدم لفظ الاجتناب في ترك كبائر الذنوب والآثام، قال تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) [النساء:31] وقال تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) [النجم:32]
الخامس: أن الله رتب على هذا الاجتناب الفلاح بقوله: (لعلكم تفلحون) وتحصيل أسباب الفلاح واجب لازم.
السادس: أن الخمرة سبب للعداء والبغضاء بين المسلمين، قال تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر)
السابع: أن الخمرة سبب يقطع عن الله تعالى وعبادته وذكره، قال تعالى: (ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة)
الثامن: ختم الآية بقوله: (فهل أنتم منتهون) أي: بعد ذكر هذه الحجج كلها هل أنتم منتهون مقلعون؟! ولذا لما سمعها المؤمنون قالوا: قد انتهينا يا رب، قد انتهينا يا رب.
والذين ناقشوا في دلالة الآية على تحريم الخمر إنما أوقعهم في ذلك جهلهم المطبق باللغة والشرع معاً، وظنوا ظناً فاسداً أن التحريم لا يستفاد إلا من لفظ: حرم ويحرم، وهذا باطل، بل التحريم تدل عليه ألفاظ كثيرة: كلعن فاعله، أو الوعيد على فعله بالنار، أو ذكر أنه من الكبائر، أو الإخبار بأنه رجس … إلخ.
ثم إن القرآن نص على تحريم الخمر بلفظ التحريم، قال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) [الأعراف:33] فالإثم حرام، والله تعالى يقول عن الخمر: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير) [البقرة:219] فإذا كان الإثم حراماً، وكان في الخمر إثم كبير، كانت النتيجة أن الخمر حرام، وهذا واضح، كما هو مصرح به في الآيتين.
أما أدلة التحريم من السنة: فهي كثيرة فمنها: ما رواه مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام”.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن”
وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس “أتاني جبريل فقال: (يا محمد، إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها) ” {الصحيحة 839}
وضرر الخمر على الفرد في دينه وجسمه وعقله ونفسه وماله مما لا ريب فيه، وكذلك ضررها على المجتمع والأسرة. ذلك كاف في تحريمها.
والله أعلم.
———–
ذكر الأخ خميس
6 ــ مِمَّا يُستفاد من الحديث:
1 ــ بيان تحريم النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هذه الأمور الأربعة.
2 ــ بيان النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هذا التحريم بمكة عام الفتح؛ كما في حديث جابر ليُبادر الذين أسلموا إلى الامتناع من هذه الأربعة، انتفاعاً وبيعاً.
3 ــ أنَّ ما حرَّم الله فبيعُه حرام وثمنه حرام.
4 ــ تحريم الحيل التي يُتوصَّل بها إلى استحلال ما حرَّم الله.
5 ــ ذمُّ اليهود وبيان أنَّهم أهلُ حيَل للوصول إلى استباحة الحرام.
6 ــ تحذير هذه الأمَّة أن تقع فيما وقعت فيه اليهود من هذه الحيَل.
تتمات: قال صاحبنا رامي:
وسئل الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله:
سؤال: إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، فلماذا جاز الحمار وقد حرم الله أكله؟
فكان الجواب: الحمار حرم الله أكله، ولكن أباح الله ركوبه واستعماله، فيباح بيعه وثمنه، واستعماله فيما أبيح وشرع استعماله فيه، وأما بيعه لذبحه وأكله فهو حرام، فهو محرم الأكل، ولكنه مباح الاستعمال، وإباحته إنما هي لركوبه واستعماله والحمل عليه، لا من أجل أكله.
وسئل أيضا: ذكرتم أن بيع الشحم مذاباًَ من الحيل المحرمة، فهل هناك حيل جائزة؟ الجواب: هناك حيل جائزة، و ابن القيم ذكر كثيراً منها في إعلام الموقعين، ومنها الحيلة التي حصلت من يوسف عليه السلام للحصول على أخيه كما ذكرها الله في القرآن، وكذلك أيوب عليه السلام عندما أمره الله أن يضرب زوجته بضغث فيه مائة شمراخ ليبر قسمه.
و أيضا سئل: بعض الناس يقوم باصطياد الخنازير ثم يبيعها للقائمين على حديقة الحيوانات كي يطعموها لحيوانات مثل السباع، فهل هذا فعل جائز؟
فأجاب: لا يجوز بيع الخنزير.
قلت سيف: قال باحث ولا يجوز أن يباع الخنزير للكفار في بلاد الكفر وهاك الرد على من أجازها خارج بلاد الإسلام:
• أن حرمة هذه المحرمات ثابتة في حق الكفار كما هي ثابتة في حق المسلمين على الصحيح من أقوال أهل العلم في مخاطبة الكفار بالحرمات، وقد قال تعالى: ((وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل)) [النساء: 161]، وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن المسيح عليه السلام عندما ينزل آخر الزمان سيقتل الخنزير كما سيكسر الصليب، الأمر الذي يدل على أن إباحتهم للخنزير ليست من دين القوم ولا تستند فيه على اصل صحيح، ومتى كانت المحرمات أمراً خاصاً بالمسلمين في ديار الإسلام، فإذا خرجوا منها استحلوا محارم الله! والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “اتق الله حيثما كنت”؟!.
• قياس حرمة هذه المحرمات بين المسلم والحربي في دار الحرب على حرمتها بين المسلم والمستأمن في دار الإسلام، فإن المستأمن في دار الإسلام يجري تحريم الربا بينه وبين المسلم إجماعاً، ولا يحل له أن يبيعه خمرا أو خنزيرا أو ميتة بلا نزاع [راجع: المجموع للنووي: 9/ 443، والمغني لابن قدامة: 4/ 39]، وممن نقل هذا الإجماع الأحناف أنفسهم [راجع حاشية ابن عابدين: 5/ 186]، فكذلك إذا دخل المسلم دار الحرب بأمان، وإلا فهو التناقض الذي لا مهرب منه.
• ما يفضي إليه تحريم هذه المحرمات في علاقة المسلم بالمسلم، وإباحته في علاقة المسلم بالحربي، من التشبه باليهود في تحريمهم الربا في علاقة اليهودي باليهودي، وإباحته في علاقته مع الأمميين! ((ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)) [آل عمران:75].
أما ما ذهب إليه الأحناف في هذا المقام من القول بجواز التعامل بالعقود الفاسدة خارج ديار الإسلام فهو قول مرجوح لا ينهض أمام الأدلة الصحيحة التي قال بموجبها جمهور الفقهاء بتحريم هذه العقود، فضلا عن ما تتضمنه من المآلات الوخيمة والتي سنعرض لها بصدد مناقشتنا لهذه الأدلة بإذن الله.
قال الشافعي رحمه الله: (لا تُسقط دار الحرب عنهم (أي عن المسلمين) فرضًا، كما لا تُسقط عنهم صومًا ولا صلاة). وقال: (والحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر)
وقال الشوكاني رحمه الله: (إن الأحكام لازمة للمسلمين في أي مكان وجدوا، ودار الحرب ليست بناسخة للأحكام الشرعية).
مناقشة أدلة الأحناف
اعتمد الأحناف في مذهبهم على أدلة نصية وعلى أدلة من النظر والاعتبار
أولا: الأدلة النصية
أما الأدلة النصية فهي جميعا موضع نظر، وليس فيها عند التأمل ما يرجح اختيار الأحناف في هذه المسألة، بل إن قول الجمهور كما سبق أقوم قيلا وأهدى سبيلا وذلك على النحو التالي:
1. حديث مكحول: “لا ربا بين مسلم وحربي في دار الحرب” وهو يعد عمدة أدلتهم في هذا المقام:
وهذا الحديث قد رده كثير من أهل العلم بالحديث والفقه معاً:
• فقد قال فيه الشافعي رحمه الله: “وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت فلا حجة فيه” [سير الأوزاعي للشافعي: 7/ 359]
• وذكره الحافظ إبن حجر في الدراية (2/ 158) وقال: لم أجده أ هـ
• وقال الزيلعي: “غريب” أي لا أصل له
• وقال فيه النووي: “مرسل ضعيف فلا حجة فيه” [المجموع للنووي: 9/ 392]
• وقال العيني في البناية: “هذا حديث غريب ليس له أصل مسند” [الدراية في تخريج أحاديث الهداية: 2/ 158]
• وقال ابن قدامة في المغني: “وخبرهم مرسل لا نعرف صحته، ويحتمل أنه أراد النهي عن ذلك. ولا يجوز ترك ما ورد بتحريمه القرآن وتظاهرت به السنة وانعقد الاجماع على تحريمه بخبر مجهول لم يرد في صحيح ولا مسند ولا كتاب موثوق به” [المغني: 4/ 46].
وعلى فرض ثبوته فإنه يحتمل النهي وذلك كقوله تعالى: ((الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)) [البقرة:197].
• قال النووي رحمه الله تعالى: “والجواب عن حديث مكحول أنه مرسل ضعيف فلا حجة فيه، ولو صح لتأولناه على أن معناه لا يباح الربا في دار الحرب جمعاً بين الأدلة” [المجموع للنووي: 9/ 392].
والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، أو يفهم في ضوء الأدلة القاطعة التي تحرم الربا، إذ لا يجوز ترك هذه الأدلة لخبر مجهول لم يرد في كتاب من كتب السنة الصحيحة المعتمدة.
• ومن أدلتهم ما روي من قوله صلى الله عليه وسلم ليهود بني قينقاع أو ليهود بني النضير عندما قالوا له إن لنا ديونًا لم تحل بعد، فقال: “تعجلوا و ضعوا”، ومعلوم أن هذه المعاملة بين المسلمين تكون من باب الربا
والاستدلال بذلك موضع نظر لأن قاعدة ضع وتعجل من القضايا المختلف فيها بين أهل العلم، وقد أجازها بعض الصحابة نذكر منهم: عبد الله بن عباس وزيد بن ثابت رضي الله عنهم. والقول بحلها بين المسلمين وعدم اعتبارها من الربا المحرم هو أحد القولين لكل من الإمامين الشافعي وأحمد، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وأجازها ابن عابدين من فقهاء الحنفية كما في حاشيته على “الدر المختار” (5/ 160). وقد أجازها المجمع الفقهي بمنظمة المؤتمر الإسلامي إذا وقعت بين الدائن والمدين ولم تكن عن اشتراط مسبق،
قلت سيف: ذكر قصة بني قينقاع الواقدي.
- ومن أدلتهم قصة ركانة وما كان من مصارعة النبي صلى الله عليه وسلم له على ثلث غنمه، ثم تركه له هذا المال تكرما بعد ذلك، وما روي من أن الصديق أبا بكر خاطر مشركي قريش قبل الهجرة حين أنزل الله تعالى: {ألم غُلِبَتِ الرُّومُ} (الروم: 1 – 2)، فقالت له قريش: ترون أن الروم تغلب؟ قال: نعم، فقالوا: هل لك أن تخاطرنا؟ فقال: نعم. فخاطرهم، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اذهب إليهم فزد في الخطر”. ففعل، وغلبت الروم فارسا فأخذ أبو بكر خطره، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم بل وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيدهم في الخطر
• والاستدلال بهاتين القصتين ليس استدلالا بمحرم مجمع على تحريمه في دار الإسلام، ولم يقع جوازه إلا في دار الحرب، بل المسألة من مواضع النظر، فإن قضية المسابقة إذا قصد بها تقوية الدين وإعلاء كلمة الله فإن القول بجوازها هو أحد القولين في مسألة اجتهادية، بل لعله القول الذي تشهد له الأدلة عند التحقيق والتأمل، سواء أكان ذلك في دار الإسلام أم كان في دار الكفر.
فقد اتفق الفقهاء على جواز بذل العوض وأخذه في سباق الخيل والإبل والسهام، إذا كان العوض من أحد المتسابقين أو من أجنبي عنهما، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر” رواه الترمذي والنسائي وأبو داود.
واختلفوا فيما عدا هذه الثلاثة، مثل السباق على الأقدام، والمسابقة بالفيلة والبغال والحمير، والسباحة والمصارعة والمغالبة برفع الأثقال. كما اختلفوا في بذل العوض في المسابقات الدينية، كالمسابقة على حفظ القرآن الكريم، وحفظ مجموعة من الأحاديث النبوية، أو كتابة بحث علمي، فذهب جماعة من أهل العلم إلى الجواز، وهو الراجح إن شاء الله.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه: ” الفروسية” (المسألة الحادية عشرة: المسابقة على حفظ القرآن والحديث والفقه وغيره من العلوم النافعة، والإصابة في المسائل، هل تجوز بعوض؟ منعه أصحاب مالك وأحمد والشافعي، وجوزه أصحاب أبي حنيفة وشيخنا، وحكاه ابن عبد البر عن الشافعي، وهو أولى من الشباك والصراع والسباحة، فمن جوز المسابقة عليها بعوض فالمسابقة على العلم أولى بالجواز، وهي صورة مراهنة الصِديق لكفار قريش على صحة ما أخبرهم به وثبوته، وقد تقدم أنه لم يقم دليل شرعي على نسخه، وأن الصديق أخذ رهنهم بعد تحريم القمار، وأن الدين قيامه بالحجة والجهاد …
وفي الإنصاف من كتب الحنابلة: (والصراع، والسبق بالأقدام ونحوهما طاعة إذا قصد بهما نصر الإسلام، وأخذ العوض عليه أخذ بالحق. فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما يعين على الدين، كما في مراهنة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. واختار هذا كله الشيخ تقي الدين -رحمه الله- وذكر أنه أحد الوجهين عندنا، معتمداً على ما ذكره ابن البنا، قال (ابن مفلح) في الفروع (فظاهره جواز المراهنة بعوض في باب العلم، لقيام الدين بالجهاد والعلم. وهذا ظاهر اختيار صاحب الفروع وهو حسن) انتهى. الإنصاف للمرداوي.وفي تبيين الحقائق من كتب الحنفية (وعلى هذا: الفقهاء إذا تنازعوا في المسائل وشرط للمصيب منهم جعل جاز ذلك إذا لم يكن من الجانبين على ما ذكرنا في الخيل، لأن المعنى يجمع الكل، إذ التعليم في البابين يرجع إلى تقوية الدين وإعلاء كلمة الله.)
قلت سيف: تنبيه: قصة مصارعة ركانة قال البخاري: إسناده مجهول، قال الترمذي: غريب وإسناده ليس بالقائم ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني ولا ابن ركانه. قال ابن حبان: في إسناده نظر. وورد مرسل على سعيد بن جبير وموصول من نفس الطريق والمرسل أصح. وهو من طريق حماد بن سلمة وروايته عن غير ثابت فيها خطأ كثير.
وله شاهد عن ابن عباس عند أحمد وهو في الصحيح المسند 683، ولكن رجح الدارقطني أنه من مرسل سعيد بن جبير، وكذلك من حديث ابن مسعود وهو منقطع، وحديث أبي سعيد وفيه عطية، ومن حديث البراء وفيه مؤمل، ومن حديث نيار بن مكرم وفيه إسماعيل بن أبي أويس واستغربه الترمذي وهناك مراسيل تقوى أن للقصة أصلاً ثم في حديث نيار في الرواية نفسها (وذلك قبل أن ينزل في الرهان ما نزل)
مع أن ابن القيم جعل هذا مدرج من قول بعض الرواة. لكن نبقى أن الرهان يخالف نصوص التحريم فلا تتقوى هذه الطرق الضعيفة على هذه الجزئية أو نقول ان هذا قبل التحريم.
-العطور الكحولية التي فيها مسكر لا يجوز إمساكها:
فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصحبنا ناقة ملعونة؛ فكيف بالخمر الذي لعن فيها عشرة.
والرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – نهى عن إمساك الخمر لاتخاذها خلاً، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: “واتفقوا على أن الخمر إذا انقلبت بفعل الله بدون قصد صاحبها وصارت خلاً أنها تطهر، ولهم فيها إذا قصد التخليل نزاع و تفصيل، والصحيح أنه إذا قصد تخليلها لا تطهر بحال كما ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب 1 – رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ – لما صح من نهي النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – عن تخليلها و لأن حبسها معصية، والطهارة نعمة، والمعصية لا تكون سبباً للنعمة”اهـ.
وتخليل الخمر يكون بوضع بعض الخل أو الملح ونحوهما عليها فتستحيل كلها خلاً، والخل مباح بالنص والإجماع.
فإذا كان الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – قد نهى عن إمساك الخمر لتحويلها إلى مباح -وهو الخل- ولم يأذن بذلك حتى لو كان هذا الخمر ليتامى، فإن هذا يدل على أن إمساكها مع بقاء عينها والتعطر منها والتزين بها منهي عنه بقياس الأولى وهذا واضح جداً لا يحتاج إلى تأمل.
قلت سيف: أثر عمر رضي الله عنه هو أنه صعد المنبر فقال: «لا تأكل خلاًّ من خمرٍ أُفسدت، حتى يبدأ الله تعالى إفسادها، وذلك حين طاب الخل، ولا بأس على امرئ أصاب خلاًّ من أهل الكتاب أن يبتاعه ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها» أخرجه أبو عبيد في «الأموال» (ص: 104).
وأعله أبوزرعة وأبو حاتم بأنه من قول الزهري. كما فصلناه في جامع الأجوبة الفقهية رقم 53
والرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – أمر بإراقة الخمر ونهى عن إمساكه مطلقاً، فمن ذلك حديث أنس السابق في الخمر الذي ورثه اليتامى، ويدل عليه أيضاً فعل الصحابة رضي الله عنهم الثابت في الصحاح لما بلغهم تحريم الخمر عمدوا إلى خمورهم فأراقوها حتى جرت في سكك المدينة، وما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ” أن رجلاً أهدى لرسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – راوية خمر فقال له الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:هل علمت أن الله حرمها؟ قال: لا، قال: فسار رجلاً، فقال له الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: بم ساررته؟ قال: أمرته ببيعها، فقال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها ” وغير ذلك من الأحاديث، وكلها تدل على وجوب إراقة الخمر وعدم إمساكه، وكل هذه الأحاديث تدل على أن إبقاء الخمر حتى مع عدم شربها – كهذه العطورات- لا يجوز، بل الواجب هو إراقتها.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: “ولو كان إلى استصلاحها سبيل لم تجز إراقتها بل أرشدهم إليه، سيما وهي لأيتام -يعني حديثي أنس وأبي سعيد السابقين- يحرم التفريط في أموالهم”اهـ.
وقال القرطبي رحمه الله تعالى -عن تخليل الخمر-: “ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخمر لا يجوز تخليلها لأحد، ولو جاز تخليلها ما كان رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – ليدع الرجل أن يفتح المزادة … “اهـ.
والرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – نهى عن التداوي بالخمر، أو جعلها مع الدواء للاستشفاء بها، كما روى مسلم عن طارق بن سويد 1 – رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ – أنه سأل النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – عن الخمر فنهاه، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال:” إنه ليس بدواء، ولكنه داء “،
?-قال صاحبنا (ناصر الكعبي) في جامع الأجوبة الفقهية 52: وبقيت عندنا مسألة؛ وهي ما حكم -الكلونيا- المستخدم في العطور وغيرها؟
الفتوى رقم (3951)
الحمد لله وحده، والص?ة والس?م على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
فاللجنة الدائمة سألت عن العطور الكحولية
?-وأجابت بما يلي:
إذا بلغت الكلونيا بما فيها من الكحول درجة ا?سكار بشرب الكثير منها حرم ا?بقاء عليها، قلت أم كثرت، ووجبت إراقتها وإت?فها ?نها خمر، وقد ثبت عن النبي?- أنه أمر المسلمين بإراقة ما لديهم من الخمور حينما نزل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر وا?نصاب وا?ز?م رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}، {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الص?ة فهل أنتم منتهون}،ولما ثبت من قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ما أسكر كثيره فقليله حرام» [سنن الترمذي ا?شربة (1865)، سنن أبو داود ا?شربة (3681)، سنن ابن ماجه ا?شربة (3393)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 343)].
وعلى ذلك يحرم شربها والتطيب أو التطهير بها، أما إن لم تبلغ درجة ا?سكار بما فيها من الكحول بشرب الكثير منها فيجوز شراؤهـا واقتناؤهـا واستعمالها تطيبا وتطهيرا بها؛ ?ن ا?صل الجواز حتى يثبت ما ينقل عنه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية وا?فتاء
عضو … عبد الله بن قعود
عضو … عبد الله بن غديان
نائب الرئيس … عبد الرزاق عفيفي
الرئيس … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
قلت سيف: ونقل أن ابن عثيمين يرى أن الكولونيا ليست بنجسة، كما هو الراجح في الخمر انها ليست نجسة، لكن قال: لا بأس باستعماله إذا احتاج إليه لجرح، أما التطيب به فلا ينبغي استعماله. وراجع تفصيل الفتوى في نور على الدرب
– كذلك لا تجوز المتاجرة بطعام الكلاب الذي فيه ميته ولحم خنزير:
قال النووي:
وأما الميتة والخمر والخنزير: فأجمع المسلمون على تحريم بيع كل واحد منها.
قال القاضي: تضمن هذا الحديث أن ما لا يحل أكله والانتفاع به لا يجوز بيعه , ولا يحل أكل ثمنه , كما في الشحوم المذكورة في الحديث.
” شرح مسلم ” (11/ 8).
قال ابن رجب الحنبلي – بعد أن ساق أحاديث في تحريم بيع الخمر -:
فالحاصل من هذه الأحاديث كلها: أن ما حرم الله الانتفاع به فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه كما جاء مصرحا به في: (إن الله إذا حرَّم شيئاً حرَّم ثمنه)، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراما، وهو قسمان:
أحدهما: ما كان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه، كالأصنام، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله وهو أعظم المعاصي على الإطلاق، ويلتحق بذلك كتب الشرك والسحر والبدع والضلال، وكذلك الصور المحرمة وآلات الملاهي المحرمة، وكذلك شراء الجواري للغناء …
والقسم الثاني: ما ينتفع به مع إتلاف عينه، فإذا كان المقصود الأعظم منه محرّماً: فإنه يحرم بيعه، كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة مع أن في بعضها – كأكل الميتة للمضطر ودفع الغصة بالخمر وإطفاء الحريق به والخرز بشعر الخنزير عند قوم والانتفاع بشعره وجلده عند من يَرَى ذلك – ولكن لما كانت هذه غير مقصودة لم يعبأ بها وحرم البيع، ولكن المقصود الأعظم من الخنزير والميتة: أكلها، ومن الخمر شربها، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك، وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له: أرأيت شحوم الميتة فإنها يطلي بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا هو حرام …
” جامع العلوم والحكَم ” (1/ 415، 416).
وقد سئلت اللجنة الدائمة: هل تجوز المتاجرة في الخمور والخنازير إذا كان لا يبيعها لمسلم؟
فأجابت: ” لا يجوز المتاجرة فيما حرم الله من الأطعمة وغيرها، كالخمور والخنزير ولو مع الكفرة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وعاصرها ومعتصرها ” اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة (13/ 49)
يشترط لصحة البيع أن تكون العين المعقود عليها مالا وهو ما توفرت فيه أربعة أوصاف ذكر منها صاحب الزاد ثلاثة:
1 – أن يكون للعين نفع وهذا يخرج ما لا نفع فيه كالحشرات.
2 – أن يكون نفع العين مباحا وهذا يخرج ما نفعه محرم كآلات اللهو.
3 – أن تكون إباحة النفع إباحة أصلية لا عارضة وهذا يخرج ما أبيح للضرورة أو الحاجة ككلب الصيد.
4 – أن تكون إباحة النفع إباحة مطلقة أي بلا قيد وهذا يخرج ما أباحته مقيدة كالجلد المدبوغ فإن جواز الانتفاع به خاص باليابسات دون المائعات.
قال بعض المشايخ وسأل:
سؤال: أصدر أحد المشايخ فتوى مفادها أن الجلاتين المستخرج من الخنزير مباح إذا تغير تركيبه عن طريق المركبات الصناعية، وأنه يجوز حينها استخدامه في الأكل، فهل هذه الفتوى صحيحة؟
الجواب: الصحيح أن الخنازير نجسة ومحرمة، ويدخل في ذلك شحومها وألبانها، وهكذا هذا الجيلاتين، ولا يفيد فيه تركيبه عن طريق المركبات الصناعية، فإن هذه الصناعة لا تطهره ولا تبيح أكله، فلا يجوز استخدامه كايدام أو طعام، ولا يخلط بالأطعمة، لأن الخنازير محرمة، وهكذا جميع أجزائها، وجميع ما يستخرج منه، ولو تغير تركيبه، فإن الخمر حرام ولو خللها إنسان وقلبها خلاً، فإنها تبقى على تحريمها.
قلت سيف بن دورة: ناقشنا في جامع الأجوبة الفقهية رقم 53 مسألة استحالة النجاسة ورجحت طهارة النجاسة إذا استحالة لمادة أخرى، ونقلنا فتوى بعدم جواز استعمال الجلاتين الخنزيري لأن بعض الكيميائين يشككون في أنه بقي شئ من الخنزير، ولوجود البديل