1359 – تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
(جمع وتأليف عبد الله الديني)
وشارك معه: عبدربه، وعبدالرحمن المشجري وعبدالفتاح الصومالي وعبدالله البلوشي
_._._. _._._. _._._. _._._. _.
1359 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي، أن سليمان بن ب?ل، حدثهم، قال: حدثني الع?ء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هـريرة: أن رج? جاء، فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: «بل أدعو» ثم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: «بل الله يخفض ويرفع، وإني ?رجو أن ألقى الله وليس ?حد عندي مظلمة ”
حديث حسن على شرط مسلم، إلا محمد بن عثمان وهو أبو الجماهر وهو ثقة.
———-
قال الإمام البغوي في ” شرح السنة ” أن إسناد الحديث صحيح، وأخرجه أبو داود في البيوع: باب في التسعير. وأخرجه ابن ماجه في التجارات: باب من كره أن يسعر بلفظ.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الباب أيضًا عن أبي جحيفة وابن عباس وأبي سعيد الخدري عند الطبراني في معاجمه الثلاثة.
قَوْلُهُ (غَلَا السِّعْرُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ نرخ أَيْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ (سَعِّرْ لَنَا) أَمْرٌ من تسعير وَهُوَ أَنْ يَامُرَ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ أَوْ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ أَهْلِ السُّوقِ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إِلَّا بِسِعْرِ كَذَا فَيَمْنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ النُّقْصَانِ لِمَصْلَحَةٍ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الْأَشْيَاءَ وَيُغْلِيهَا فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ
ولِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ انْتَهَى
(الْقَابِضُ الْبَاسِطُ) أَيْ مُضَيِّقُ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَمُوَسِّعُهُ (وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَصْدَرُ ظَلَمَ وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ بِكَسْرِ لَامٍ وَفَتْحِهَا وَقَدْ يُنْكَرُ الْفَتْحُ انْتَهَى
وقَدْ اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، والتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ
والْإِمَامُ مَامُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلْزَامِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أن تكون تجارة عن تراض) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ
وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ وَلَا حَالَةِ الرُّخْصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ
وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ
وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ
راجع ” تحفة الأحوذي ”
قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله: وفيه أن هذا إلى الله عز وجل، فهو الذي يخفض ويرفع ويبسط ويضيق، وهذه من أفعال الله عز وجل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد سبحانه وتعالى، وهو الذي يأتي بالخير ويأتي بالنعم، وإذا شاء أن تقل فكل ذلك يرجع إلى مشيئة الله سبحانه وتعالى. ولو ألزم التجار بسعر معين، فقد تكون السلع دخلت عليهم بأثمان غالية، فإذا ألزم التاجر أن يبيع بأقل مما اشترى فهذا يعني أنه ألزم بالخسارة، وفي ذلك ظلم له. قوله: [(إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق)]. هذه من أفعال الله عز وجل، والقابض الباسط متقابلان، أي: تضييق الرزق وتوسيعه. والمسعر يعني أن الله هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي يحصل منه كثرة الرزق بأيدي الناس ولا يحتاجون إلى طلب تسعير، وقد يحصل خلاف ذلك فيحتاج الناس إلى التسعير، لكن التسعير فيه ظلم للناس كما عرفنا. ” شرح سنن أبي داود ”
@ أقوال العلماء في موضوع التسعير الجبري:
قال أحد الباحثين:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يخلو التسعير من حالتين: أن يكون في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها، أو أن يكون في حالة الغلاء. وفي كلا الحالتين اختلف أهل العلم رحمهم الله في جوازه وبيان اختلافهم كالتالي:
الحالة الأولى: التسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: عدم جواز التسعير في الأحوال العادية التي لا يظهر فيها ظلم التجار ولا غلاء في الأسعار، وهذا هو قول جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وهو قول ابن عمر وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد، واستدلوا بقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29].
ووجه الدلاله في الآية الكريمة أن الناس مسلطون على أموالهم والتسعير حجر عليهم، والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين، وليس نظره في مصلحة رخص الثمن أولى من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن، وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الاجتهاد لأنفسهم، وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضى به مناف لقول الله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29].
واستدلوا أيضاً بما رواه الترمذي بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الناس يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطلبني في دم ولا مال. رواه الخمسه إلا النسائي وصححه ابن حبان وقال أبو عيسى الترمذي: حديث حسن صحيح.
وبما رواه أبو داود بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً جاء فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: بل أدعو ثم جاء، رجل فقال: يا رسول الله، سعر، فقال: بل الله يخفض ويرفع وإني لأرجو أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة. إسناده حسن كما قال الحافظ ابن حجر.
ووجه الدلاله من هذين الحديثين أنه عليه الصلاة والسلام لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لأجابهم إليه، وإذا كان عليه الصلاة والسلام لم يسعر وقد طلب منه التسعير رغم غلاء السعر كما ورد في الحديث، فمن باب أولى أن لا يكون تسعير في الأحوال التي تكون فيها الأسعار عادية.
قال ابن قدامة في المغني: قال بعض أصحابنا: التسعير سبب الغلاء؛ لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بلداً يكرهوا على بيعها فيه بغير ما يريدون، ومن عنده البضاعه يمتنع من بيعها ويكتمها، ويطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلاً، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتغلوا الأسعار ويحصل الإضرار بالجانبين: جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري من الوصول إلى غرضه فيكون حراماً.
القول الثاني: جواز التسعير في الأحوال العادية التي لا يظهر فيها ظلم التجار ولا غلاء الأسعار. وهذا القول نقل عن سعيد بن المسيب وربيعه بن عبد الرحمن ويحيى بن سعيد الأنصاري، فالتسعير عندهم جائز مطلقاً، وعللوا بأن فيه مصلحة للناس، وفيه منع من إغلاء السعر.
والذي ذهب إليه الجمهور هو الأولى بالأخذ والاعتبار، ونظراً لقوة الأدلة التي استدلوا بها، ولأن الأصل في الشريعة هو حرية التعامل بين الناس ماداموا واقفين عند حدود الله فلا ظلم ولا غش ولا احتكار ولا تلاعب في الأسعار، ولا شك أن هذه الحرية تعد عاملاً قوياً في زيادة الفعالية الاقتصادية وتوفير أنواع المتاع، والتسعير دون الحاجة إليه عمل يخالف الأصل الذي بني عليه التعامل، ويقيد الحرية ويؤدي إلى اختفاء السلع .. الأمر الذي لا يعود على الأمة إلا بالغلاء، ويؤدي إلى انتشار السوق السوداء على نطاق واسع.
الحالة الثانية: التسعير في حالة الغلاء: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على رأيين:
الرأي الأول: رأي المانعين للتسعير، وقد ذهب إلى ذلك كثير من الشافعية والحنابلة والمالكية، واستدل هؤلاء بما أخرجه مالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه … وسبق. ووجه الدلالة من هذا الحديث هو أن التسعير يعد إجباراً للناس على بيع ما عندهم بغير طيب من أنفسهم، وهذا ظلم لهم.
واستدلوا بما أخرجه البيهقي في سننه من طريق الشافعي عن عمر أنه مر بحاطب بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيب فسأله عن سعرهما فسعر له مدين لكل درهم، فقال له عمر: قد حُدِّثْت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً وهم يعتبرون بسعرك. ز فإما أن ترفع في السعر وأما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت، فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره فقال له: إن الذي قلت لك ليس بعزمة مني ولا قضاء إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع وكيف شئت فبع.
قال الشافعي رحمه الله في سياق هذا الحديث: وبه أقول لأن الناس مسلطون على أموالهم ليس لأحد أن يأخذها ولا شيئاً منها بغير طيب أنفسهم إلا في المواضع التي تلتزمهم، وهذا ليس منها. انتهى
الرأي الثاني: رأي المجيزين للتسعير، وهو ما ذهب إليه الحنفية وبعض المالكية وابن تيمية وابن القيم، يقول صاحب الفتاوى الهندية: ولا يسعر بالإجماع إلا إذا كان أرباب الطعام يتعدون عن القيمة، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير، فلا بأس به بمشورة أهل الرأي والبصر وهو المختار وبه يفتى.
ويقول ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي بعد ذكره حديث أنس: والتسعير على الناس إذا خيف على أهل السوق أن يفسدوا أموال المسلمين ….. وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حق، وما فعله حكم؛ لكن على قوم صح ثباتهم واستسلموا إلى ربهم. وأما قوم قصدوا أكل أموال الناس والتضييق عليهم فباب الله أوسع وحكمه أمضى.
ويقول ابن تيمية في كتابه الحسبة: فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها مع ضرورة الناس إليها إلا بزيادة على القيمة المعروفة فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل فيجب أن يلتزموا بما ألزمهم الله به.
وما ذهب إليه الفريق الثاني من جواز التسعير في حالة الغلاء هو الأولى بالأخذ لأنه يوافق روح الشريعة التي تقوم أصلاً على مراعاة الصالح العام، وإذا كانت المصلحة الفردية قد روعيت في كثير من الأحاديث والوقائع فإن مراعاة المصلحة العامة تكون من باب أولى، ويمكن حمل الأحاديث المانعة من التسعير رغم غلاء السعر على أن يكون في الأحوال العادية التي يخضع فيها السعر لما يعرف بقانون العرض والطلب والتي لا دخل فيها لإرادة الإنسان، ولا تكون بسبب الرغبة في زيادة الثمن من قبل أرباب السلع. وأما حينما تستبين الرغبة في الظلم الناتج عن تعمد زيادة الثمن ووضع المشتري تحت الأمر الواقع فهذا مغاير لمفهوم الشريعة وليس هو مفهوم النصوص، ولأن الغلاء بلاء: وهو يؤدي بالإنسان إلى أحد أمرين كلاهما مر:
-أن لا يشتري السلعة رغم حاجته إليها فيقع في الحرج.
-أو أن يضطر إلى شرائها رغم عدم قدرته المادية فيضطر إلى إرهاق نفسه بالدين الذي هو سبب من أسباب الفقر. ولمعرفة المزيد حول هذا الموضوع (منقول) والله أعلم.
هل المسعر من أسماء الله؟
الجواب:
1 الذين ألحقوا ” المسعر” بأسماء الله الحسنى:
أ) الإمام القرطبي [الأسنى في شرح الأسماء الحسنى 1/ 502]
ب) الإمام ابن حز م في (المحلى) (8/ 31)
ت) الإمام عبد الحق الإشبيلي، المعروف بابن الخراط (المتوفى: 581هـ) في كتابه (الأحكام الشرعية الكبرى) (1/ 218)
ث) الإمام الشوكاني في (نيل الأوطار) (5/ 335) [قال (5/ 335): [قَوْلُهُ: الْمُسَعِّرُ: فيه دَلِيلٌ على أَنَّ الْمُسَعِّرَ من أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى]
ج) الألباني حيث أجاز التسمية بعبد المسعر.
من أدلتهم: أن كل ما أضيف إلى الله بصيغة المشتق، كالخالق والخلاق والرازق والرزاق والفتاح فإنه اسم من أسمائه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن ما ورد في القرآن من هذا لا يختلف الناس في اعتباره اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى؛ كأسمائه المذكورة في آخر سورة الحشر، وأسمائه التي ختم بها كثير من الآيات كالعليم والخبير والحكيم والغفور وعالم الغيب وعلام الغيوب والقوي والمتين، وهكذا ما ورد في السنة من الألفاظ التي أضيفت إلى الله وهي بصيغة المشتق كما تقدم، ومن ذلك الجميل الرفيق والمسعر والقابض والباسط
وبهذا الاعتبار تكون الأسماء كثيرة جدا فيدخل مثل أسرع الحاسبين.
2) كلام العلماء الذين لم يلحقوا ” المسعر” بأسماء الله الحسنى:
أ- قال بعض الباحثين أن البيهقي وابن العربي والأصبهاني وابن منده غضوا الطرف عن (المسعر)
قلت: يقصد الباحث أنهم لم يذكروه في كتبهم ضمن أسماء الله.
ب- سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -:
[يأتي في السنة كلمات أحياناً بالنسبة لله عز وجل، فما هو الضابط لتحديد الاسم، مثل (المسعِر) هل هو اسم لله عز وجل؟
الجواب
الظاهر لي أن ما عاد إلى الأفعال فهو من جنس الصفات الفعلية، ما عاد إلى الأفعال ليس إلى الذات، المسعِر يعني في مقابل قول الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: سعر لنا.
يبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن التسعير من فعل الله عز وجل، هو الذي يقدر زيادة القيمة أو نقص القيمة.
فالذي يظهر لي أن هذا من باب الخبر وليس من باب التسمية.] (لقاء الباب المفتوح)
– وسئل أيضا:
الذي يظهر لي أن هذه صفة من صفات الأفعال، يعني: أن الله هو الذي يُغَلِّي الأشياء ويرخِّصها، فليس من الأسماء، هذا الذي يظهر لي، والله أعلم؛ لكنا نقول كما قال الرسول.] (لقاء الباب المفتوح)
ج- قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه على (سنن أبي داود):
قوله: [(إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق)]. هذه من أفعال الله عز وجل، والقابض الباسط متقابلان، أي: تضييق الرزق وتوسيعه. والمسعر يعني أن الله هو الذي بيده كل شيء، وهو الذي يحصل منه كثرة الرزق بأيدي الناس ولا يحتاجون إلى طلب تسعير، وقد يحصل خلاف ذلك فيحتاج الناس إلى التسعير، لكن التسعير فيه ظلم للناس كما عرفنا، لكن
لا يقال: إن من أسماء الله المسعر؛ لأن هذا من أفعال الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن الله بهذه الأشياء، ولا يقال: إن هذا من أسماء الله. والقابض الباسط متقابلان، قال الله: [يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ] [الشورى:12]، فكل منهما مرتبط بالآخر. والله هو النافع الضار لكن لا يقال: من أسماء الله النافع الضار، فالله عز وجل يوصف بأنه نافع وضار، أعني: يخبر عنه بأنه نافع ضار، لكن لا يقال: إن من أسمائه النافع الضار. والرزاق جاء في القرآن في قوله تعالى: [إن الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ] [الذاريات:58]، وأما الرازق فجاء في هذا الحديث، وهو إخبار عن أفعال الله سبحانه وتعالى، لكن لا أدري هل جاء اسم الرازق في غير هذا الحديث؟
قلت: سئل العلامة ابن باز_رحمه الله_ عن التسمية بـ: عبد الباسط، وعبد اللطيف، وعبد الناصر فأجاب؟
أما (عبد اللطيف) فلا بأس به لان (عبد اللطيف) من أسماء الله وأما (عبد الناصر) و (عبد الباسط) فالباسط لا أعلم فيه حديث صحيحاً فتركه وتسمي بغيره أولى (كعبد الخالق) و (عبد الكريم) و (عبد القدير) و (عبد السميع)
وأما عبد الناصر فلا أصل له ليس من أسماء الله الناصر المعدودة فيه وان كان هو الناصر سبحانه وتعالي لكن لم يثبت في أسماءه فيما نعلم الناصر (فعبد الناصر) ما ينبغي بل يتسمى بغير ذلك كعبد القادر عبد العزيز عبد الكريم …. وأشباههها مما هو محفوظ.
قال شيخ الإسلام: وقد قال من قال من العلماء إن مثل هذه الأسماء المعطي والمانع … لايذكر ولا يدعى بأحد الاسمين لأن الاسمين إذا ذكرا معاً دلا على عموم قدرته وتدبيره وأنه لارب غيره وإذا ذكر أحدهما لم يكن فيه مدح والله له الأسماء الحسنى ليس له مثل السوء قط. “نقض تأسيس الجهمية” (2/ 10)
قال أبو إسحاق الزجاج: الأدب في هذين الاسمين أن يذكرا معاً، لأن تمام القدرة بذكرها معاً. “تفسير الأسماء الحسنى” ص (40).
وقال الخطابي: قد يحسن في مثل هذين الاسمين أن يقرن أحدهما في الذكر بالآخر وأن يوصل به ليكون ذلك أنبأ عن القدرة وأدل على الحكمة، وإذا ذكرت القابض مفرداً عن الباسط كنت كأنك قد قصرت بالصفة على المنع والحرمان، وإذا أوصلت أحدهما بالآخر فقد جمعت بين الصفتين منبئاً عن الحكمة فيها. “شأن الدعاء” ص (57)، وانظر: “شرح النونية” (2/ 113) للهراس.
وقالت بعض لجان الفتوى في سؤال لشخص قال: قرأت في كتاب البيوع حديث إن الله هو المسعر فهل يوصف سبحانه بذلك؟
وقد وصف الله تعالى بهذه الصفة فهي من صفات الأفعال، وقد عدها من أسماء الله تعالى ابن حزم والشوكاني.
وبناء عليه؛ فإنه لا مانع من وصف الله بهذه الصفة في أسلوب يماثل السياق الذي أوردها فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي كتاب شرح أسماء الله الحسنى
في ضوء الكتاب والسنة قال المؤلف:
– القابض، – الباسط، – المعطي
قال الله تعالى: {والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون} البقرة (245)
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله هو المسعر، القابض، الباسط، الرازق .. » أخرجه أبو داود في كتاب البيوع والإجارات، باب في التسعير، برقم (3451)،
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والله المعطي وأنا القاسم … » أخرجه البخاري.
وذكر نصوص أخرى إلى أن قال:
هذه الصفات الكريمة من الأسماء المتقابلات التي لا ينبغي أن يثنى على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر؛ لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين، فهو القابض للأرزاق والأرواح والنفوس، والباسط للأرزاق والرحمة والقلوب، وهو الرافع لأقوام قائمين بالعلم والإيمان، الخافض لأعدائه، وهو المعز لأهل طاعته، وهذا عز حقيقي؛ فإن المطيع لله عزيز وإن كان فقيرا ليس له أعوان، المذل لأهل معصيته وأعدائه ذلا في الدنيا والآخرة.
نقل البيهقي أن الحليمي قال في معنى الباسط: إنه الناشر فضله على عباده يرزق ويوسع، ويجود ويفضل ويمكن ويخول ويعطي أكثر مما يحتاج إليه وقال في معنى القابض: يطوي بره ومعروفه عمن يريد ويضيق ويقتر أو يحرم فيفقر قال أبو سليمان: وقيل القابض وهو الذي يقبض الأرواح بالموت الذي كتبه على العباد قالا: ولا ينبغي أن يدعى ربنا جل جلاله باسم القابض حتى يقال معه الباسط انتهى
وقال البيهقي: وَمِنْهَا الضَّارُّ النَّافِعُ: ونقل عن الْحَلِيمِيُّ أنه قال: وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِاسْمِ النَّافِعِ وَحْدَهُ، وَلا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى بِالضَّارِّ وَحْدَهُ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَ الاسْمَيْنِ كَمَا قُلْتُ فِي الْبَاسِطِ وَالْقَابِضِ، وَهَذَانِ الاسْمَانِ قَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي خَبَرِ الأَسَامِي.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَفِي اجْتِمَاعِ هَذَيْنِ الاسْمَيْنِ وَصْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ عَلَى نَفْعِ مَنْ يَشَاءُ، وَضَرِّ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ قَادِرٌ لَمْ يَكُنْ مَرْجُوًّا وَلا مَخُوفًا
الترجيح:
يتبين مما سبق وعن طريق جمع الأحاديث والآثار وكلام العلماء، فيتبين أن الأقرب هو عدم صحة إطلاق ” المسعر ” كاسم من أسماء الله الحسنى مفردا ولكن يقيد كما جاء في الحديث [المسعر القابض الباسط الرازق].
وأدلة ذلك كالتالي:
1) النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – لم يذكر هذا الاسم كاسم من أسماء الله الحسنى وإنما من باب الإخبار عن فعل الله – عز وجل-، والدليل على ذلك أن ذكر النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – لهذا الاسم جاء متفقا مع لفظة أسئلة الصحابة.
في بعض الروايات قالوا سعر لنا فقال: إن الله هو المسعر وفي بعضها قوِّم لنا ‘ فقال: المقوم هو الله. وهم لم يثبتوا المقوِّم
2) أيضا لو كان النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – يعتبر المسعر اسمًا لله، فلماذا لم يدع – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ – به عندما سئل استجابة لقوله تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}؟ بل قال – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: [بَلْ أَدْعُو]
3) ومما يؤيد ذلك أيضا هو من أدرج هذا الاسم في أسماء الله، لم يدرج اسم الطبيب مع أنه ورد في لفظ صريح أخرجه أحمد (17492) وغيره عَنْ أَبِي رِمْثَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي، فَرَأَى الَّتِي بِظَهْرِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا أُعَالِجُهَا لَكَ فَإِنِّي طَبِيبٌ؟ قَالَ: ” أَنْتَ رَفِيقٌ، وَاللهُ الطَّبِيبُ “. [الصحيحة: 1537]، فلا فرق بين الاسمين، فإن قيل إن اسم الطبيب يحتمل النقص لما يحمل من معنى السحر وغيره، رُد عليه بأن قاعدة اشتراط الكمال المطلق ليست بهذه الصورة، فمثلا اسم (الجبار)، جاء في لسان العرب: [والجَبَّارُ الذي يَقْتُلُ على الغَضَبِ والجَبَّارُ القَتَّال في غير حق].واسم الله المتكبر، والله تبارك وتعالى سمى بعض الكفار متكبراً جباراً فقال: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّه عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [سورة المؤمن: 35].
لذلك فالأسماء التي تحتمل النقص في معناها عند إطلاقها على البشر، لا تستلزم ذلك النقص في المعنى عند تسمية الله تبارك وتعالى نفسه بها.
4) ولا يصح الدعاء بـ[المسعر] فقط فنقول يا مسعر كما لا يصح أن نقول يا طبيب، ولكن يأتي مقيدا. كما قال البيهقي في (الأسماء والصفات) (1/ 217): [فَأَمَّا الطَّبِيبُ فَهُوَ الْعَالِمُ بِحَقِيقَةِ الدَّاءِ وَالدَّوَاءِ وَالْقَادِرُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالشِّفَاءِ، وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلاَّ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِهَذَا الاسْمِ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَأَمَّا صِفَةُ تَسْمِيَةِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَهِيَ أَنْ يُذْكَرَ ذَلِكَ فِي حَالِ الاسْتِشْفَاءِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمُصِحُّ وَالْمُمْرِضُ وَالْمُدَاوِي وَالطَّبِيبُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: يَا طَبِيبُ كَمَا يُقَالُ: يَا رَحِيمُ أَوْ يَا حَلِيمُ أَوْ يَا كَرِيمُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُفَارَقَةٌ لآدَابِ الدُّعَاءِ] ا. هـ
5) فلا يصح اشتقاق أسماء لله من ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن ذلك بالفعل مقيدا فلا يشترط من كل فعل مقيد أن يشتق منه اسم مطلق،
قال ابن القيم رحمه الله: (الفعل أوسع من الاسم، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالا لم يتسم منها أسماء الفاعل، كأراد، وشاء، وأحدث. ولم يسم “بالمريد” و”الفاعل” … وغير ذلك من الأسماء التي أطلق أفعالها على نفسه. فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء. وقد أخطأ- أقبح خطأ- من اشتق له من كل فعل أسماء، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف فسماه “الماكر، والمخادع، والفاتن، والكائد” ونحو ذلك)] ا. هـ وراجع
(معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى) (1/ 56