1354.1355.1356.1357 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى وطارق أبي تيسير.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
======
======
قال البخاري:
باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه وهل يعرض على الصبي الإسلام وقال الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة إذا أسلم أحدهما فالولد مع المسلم وكان ابن عباس رضي الله عنهما مع أمه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه وقال الإسلام يعلو ولا يعلى.
1354 – حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره أن عمر انطلق مع النبي صلى الله عليه وسلم في رهط قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد الحلم فلم يشعر حتى ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده ثم قال لابن صياد تشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد للنبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فرفضه وقال آمنت بالله وبرسله فقال له ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلط عليك الأمر ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم إني قد خبأت لك خبيأ فقال ابن صياد هو الدخ فقال اخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله
1355 – * وقال سالم سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب إلى النخل التي فيها ابن صياد وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع يعني في قطيفة له فيها رمزة أو زمرة فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل فقالت لابن صياد يا صاف وهو اسم ابن صياد هذا محمد صلى الله عليه وسلم فثار ابن صياد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو تركته بين * وقال شعيب في حديثه فرفصه رمرمة أو زمزمة وقال عقيل رمرمة وقال معمر رمزة
1356 – حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد وهو ابن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليهوسلمأ فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار
1357 – حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال قال عبيد الله بن أبي يزيد سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول كنت أنا وأمي من المستضعفين أنا من الولدان وأمي من النساء
1358 – كان يحدث قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه {فطرة الله التي فطر الناس عليها} الآية
1359 – حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم}
—-‘—–‘
فوائد الباب
1 – قوله (إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟) وذكر أحاديث فيها عرض الإسلام على الصبي، وأورد أحاديث تفيد بصحة إسلام الصبي الذي يقبل الإسلام وإن لم يسلم أبواه، وصحة إسلام من تبع أحد والديه.
2 – لا شك أنه يصلى على الصغير المولود في الإسلام؛ لأنه كان على دين أبويه. قاله ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح.
3 – أخرج حميد بن زنجويه في الأموال 506 عن الْحُسَيْنُ بْنُ الْوَلِيدِ، أنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو، وَلَا يُعْلَى»، تابعه يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ , قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ به أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار 5267، تابعه هشيم، أخبرنا خالد، عن عكرمة، قال: أحسبه، عن ابن عباس به أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في الأموال 295. قلت إسناده صحيح.
4 – وزاد الطحاوي فيه: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ , تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ , فَتُسْلِمُ هِيَ , قَالَ (يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا …. ) قال العلامة الألباني في إرواء الغليل 1268 إسناده موقوف صحيح. وعلقه البخاري في ” الجنائز “، وروي مرفوعا بأسانيد لا يخلوا أفرادها من مقال.
5 – فإن قلت: ما مناسبة ذكر هذا الحديث في هذا الباب؟ قلت: الباب في نفس الأمر ينباء عن علو الإسلام، ألا يرى أن الصبي غير المكلف إذا أسلم ومات يصلى عليه، وذلك ببركة الإسلام وعلو قدره، وكذلك يعرض عليه الإسلام حتى لا يحرم من هذه الفضيلة. قاله العيني في العمدة.
6 – حديث ابن عمر أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
7 – فيه ما يجوز من الاحتيال والحذر مع من يخشى معرته قاله البخاري في صحيحه.
8 – فيه باب كيف يعرض الإسلام على الصبي قاله البخاري.
9 – فيه قول الرجل للرجل اخسأ قاله البخاري.
10 – فيه باب شهادة المختبئ قاله البخاري.
11 – قوله عز وجل {يحول بين المرء وقلبه} لقوله: «لن تسلط عليه» قاله البخاري.
12 – قوله (اخسأ فلن تعدو قدرك) يعني: قدر الكهان. وهي كلمة زجر وطرد، وهي مهموزة تقول منه: خسأتُ الكلبَ، ومنه: قوله تعالى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]. قاله ابن الملقن في التوضيح.
13 – قوله ((“وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُو فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ”) يعني: لصغره، وهذا يدل على أنه – صلى الله عليه وسلم – لم يتضح له ” حينها ” شيء من أمره هل هو الدجال أم لا؟) قاله ابن الملقن.
14 – فيه وجوب “الإيمان بخروج الدجال الكذاب” قاله ابن الملقن.
15 – فيه دلالة على التثبت في أمر التهم، وأن لا تستباح الدماء إلا بيقين قاله ابن الملقن.
16 – فيه جواز التجسس على من يخشى منه فساد الدين والدنيا. قاله ابن الملقن في التوضيح
====
====
====
فوائد حديث أنس:
1 – حديث أنس أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي في السنن الكبرى، وفي رواية لأبي داود “قال أبواه أطع أبا القاسم” قاله ابن الأثير في جامع الأصول.
2 – موضع الشاهد منه قوله (فقال له أسلم) أي قال للصبي.
3 – فيه عرض الإسلام على الصبي، كما ترجم له، وإنما دعاه إليه بحضرة أبيه؛ لأن الله تعالى أخذ عليه فرض التبليغ لعباده ولا يخافُ في الله لومة لائم، وتعذيب من لم يسلم إذا عقل الكفر، لقوله: (“الحَمْدُ لله الذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ”). قاله ابن الملقن. وعند أبي داود “الحمد لله الذي أنقذه بي من النار” وقد أخرجه الإمام أحمد أيضا عن شيخ البخاري سليمان بن حرب به.
4 – فيه عيادة المشرك قاله البخاري، وقبل ذلك عاد أبا طالب وعرض عليه الإسلام قاله البيهقي في السنن الكبرى.
5 – زاد أحمد في رواية (فلما مات، قال: صلوا على صاحبكم) قاله الألباني.
====
====
فوائد حديث ابن عباس:
1 – حديث ابن عباس أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي قاله المزي.
2 – وفي رواية عند البخاري أيضا أن ابن عباس تلا {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان} قال كنت أنا وأمي ممن عذر الله
===
فوائد حديث أبي هريرة:
1 – قوله (وقال الحسن وشريح وإبراهيم وقتادة “إذا أسلم أحدهما فالولد مع المسلم”). أما أثر الحسن فاخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9902 والبيهقي في السنن الكبرى 21829
2 – وأما أثر شريح: فعَنْ شُرَيْح: أَنَّهُ اخْتُصِمَ إِلَيْهِ فِى صَبِىٍّ أَحَدُ أَبَوَيْهِ نَصْرَانِىٌّ قَالَ الْوَالِدُ الْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ” أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 21828
3 – وأما أثر إبراهيم النخعي: فعن الحسن ومغيرة عن إبراهيم قال في نصرانيين بينهما ولد صغير فأسلم أحدهما قال أولاهما به المسلم يرثانه ويرثهما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه 9899 عن معمر عن عمرو به. وعن قتادة قال يرثانه جميعا ويرثهما أخرجه عبد الرزاق عقبه 9900 عن معمر به.
4 – “أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل صلي عليه واختلفوا في الصلاه على الطفل الذي لم يعرف له حياه”.قاله ابن المنذر في الأوسط.
5 – حديث أبي هريرة المرفوع أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي
6 – “الولد يتبع أبويه في الكفر، فإذا أسلم أحدهما تبعه الولد في الإسلام قال الله تعالى {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} [الطور: 21]. قاله البيهقي في السنن الكبرى.
7 – قوله (قال ابن شهاب يصلى على كل مولود متوفى وإن كان لغية من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام يدعي أبواه الإسلام أو أبوه خاصة) فيه أن المسلم يصلى عليه إذا مات مهما عمل من معاصي قبل ذلك.
8 – قال الحافظ في الفتح:”حديث أبي هريرة في أن كل مولود يولد على الفطرة , أخرجه من طريق ابن شهاب عن أبي هريرة منقطعا , ومن طريق آخر عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة , فالاعتماد في المرفوع على الطريق الموصولة , وإنما أورد المنقطعة لقول ابن شهاب الذي استنبطه من الحديث”.
9 – قَال مُحَمَّد بْن سعد – صاحب الطبقات الكبرى-: قَالُوا: وكان الزُّهْرِيّ ثقة، كثير الحديث والعلم والرواية فقيها جامعا.
10 – فيه أن العالم قد لا يذكر الإسناد في معرض الاستدلال والاستنباط وإنما يشير إلى الحديث فلا ينبغي أن يعد ذلك اضطرابا.
11 – قوله {لا تبديل لخلق الله} لدين الله خلق الأولين دين الأولين والفطرة الإسلام ” قاله البخاري في صحيحه
12 – كان الحسن – أي البصري – يقول” فطرة الله الإسلام” أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره عن معمر به، وهو قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ومجاهد أخرجه عنهما الإمام الطبري في تفسيره بأسانيد صحيحة.
13 – باب في ذراري المشركين قاله أبو داود في سننه، وعند مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة “فقال رجل يا رسول الله أرأيت لو مات قبل ذلك قال الله أعلم بما كانوا عاملين”
14 – قوله (ما من مولود إلا يولد على الفطرة)، وفي رواية عند مسلم “إلا على هذه الملة حتى يبين عنه لسانه”
15 – عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته * ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا) الحديث رواه مسلم 2865
16 – “قوله (حنفاء) جمع حنيف من الحنف، والحنف: إقبال إحدى القدمين على الأخرى، فالحنيف: الصحيح الميل إلى الإسلام، الثابت عليه، وقيل: الحنف: الاستقامة، وقيل للمائل الرجل: أحنف تفاؤلا بالاستقامة.” قاله البغوي في شرح السنة.
17 – قال ابن عبد البر عند نقله الأقوال في معنى الفطرة:”وقال آخرون الفطرة ها هنا الإسلام قالوا وهو المعروف عند عامة السلف من أهل العلم بالتأويل قالوا في قول الله عز وجل (فطرة الله التي فطر الناس عليها) الروم 30 يعني الإسلام” كما في الاستذكار والتمهيد أيضا كلاهما له.
18 – “اتفق جمهور العلماء على أنه لا يصلى على السقط حتى يستهل، وهو قول مالك والكوفيين، والأوزاعى، والشافعى، وروى عن ابن عمر أنه يصلى عليه وإن لم يستهل، وهو قول أحمد وإسحاق، ذكره ابن المنذر، والصواب قول الجمهور، لأن من لم يستهل لم تصح له حياة، ولا يقال فيه أنه ولد على الفطرة، وإنما سن النبى، (صلى الله عليه وسلم)، الصلاة على من مات ممن تقدمت له حياة، لا من لم تصح له حياة” قاله ابن بطال في شرحه
===
===
رياح المسك
باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام
قال ابن الملقن في التوضيح:
قال ابن القاسم: إذا أسلم الصغير وقد عقل الإسلام فله حكم المسلمين في الصلاة عليه، ويباع على النصراني إن ملكه؛ لأن مالكا يقول: لو أسلم وقد عقل الإسلام ثم بلغ فرجع عنه أجبره عليه. قال أشهب: وإن لم يعقله لم أجبر الذمي على بيعه، ولا يؤخذ الصبي بإسلامه إن بلغ.
وقد اختلف الناس في حكم الصبي إذا أسلم أحد أبويه على ثلاثة أقوال:
أحدها: يتبع أيهما أسلم، وهو أحد قولي مالك، وبه أخذ ابن وهب، وهي مقالة هؤلاء الجلة، ويصلى عليه إن مات على هذا.
وثانيها: يتبع أباه وإسلام أمه لا يعد به الولد مسلما، وهو قول مالك في “المدونة”.
ثالثها: يتبع أمه وإن أسلم أبوه وهي مقالة شاذة ليست في مذهب مالك …
وقال ابن بطال: أجمع العلماء في الطفل الحربي يسبى ومعه أبواه، أن إسلام الأب إسلام له. واختلفوا فيما إذا أسلمت الأم، وحجة مالك إجماع العلماء، أنه من دام مع أبويه لم يلحقه سباء فحكمه حكم أبويه حتى يبلغ، فكذلك إذا سبي لا يغير السباء حكمه حتى يبلغ فيعبر عن نفسه، وكذلك إن مات لا يصلى عليه، وهو قول الشعبي.
وفي “شرح الهداية” إذا سبي صبي مع أحد أبويه فمات لم يصل عليه حتى يقر بالإسلام، وهو يعقل، أو يسلم أحد أبويه خلافا لمالك في إسلام الأم، والشافعي في إسلامه هو والولد: يتبع خير الأبوين دينا.
والتبعية مراتب: أقواها: تبعية الأبوين ثم الدار، ثم اليد.
وفي “المغني”: لا يصلى على المشركين إلا أن يسلم أحد أبويهم، أو يموت مشركا، فيكون ولده مسلما، أو يسبى منفردا، أو مع أحد أبويه فإنه يصلى عليه …
فإن قلت: ما تركه – عليه السلام – لابن صياد وقد ادعى النبوة؟
قلت لأوجه:
أحدها: أنه من أهل الذمة.
ثانيها: أنه كان دون البلوغ، وهو ما اختاره عياض، فلم تجر عليه الحدود.
ثالثها: أنه كان في أيام المهادنة مع اليهود. جزم به الخطابي …
– وفي حديث ابن صياد من الفقه: جواز التجسس على من يخشى منه فساد الدين والدنيا، وهذا الحديث يبين أن قوله تعالى: {ولا تجسسوا} [الحجرات: 12]، ليس على العموم، وإنما المراد به عن التجسس على من لم يخش القدح في الدين، ولم يضمر الغل للمسلمين واستتر بقبائحه، فهذا الذي ترجى له التوبة والإنابة، وأما من خشي منه مثل ما خشي من ابن صياد ومن كعب بن الأشرف وأشباههما ممن كان يضمر الفتك لأهل الإسلام فجائز التجسس عليه، وإعمال الحيلة في أمره إذا خشي.
– وفيه: أيضا أن للإمام أو الرئيس أن يعمل نفسه في أمور الدين ومصالح المسلمين، وإن كان له من يقوم في ذلك مقامه.
– وفيه: أن للإمام أن يهتم بصغار الأمور ويبحث عنها خشية ما يئول منها من الفساد.
– وفيه: أن للإمام أن يصبر ويعفو إذا خفي عليه أو قوبل بما لا ينبغي لقول ابن صياد لنبينا – صلى الله عليه وسلم -: (أشهد أنك نبي الأميين). ولم يعاقبه.
– وفيه: أن للعالم والرئيس أن يكلم الكاهن والمنجم على سبيل الاختبار لما عندهم والعيب لما يدعونه والإبطال لما ينتحلونه. انتهى من التوضيح.
قال العثيمين في التعليق على حديث 1356:
– فيه دليل على جواز عيادة المريض غير المسلم ولا سيما إذا رجي إسلامه.
– فيه أنه يعرض على المريض ما يحتاج إلى عرضه من أمور الدين، فإن كان كافرا عرض عليه الإسلام وإن كان مسلما عرض عليه ما كان يعمل من المعاصي حتى يتوب منها، وعرض عليه أن يتذكر ما عليه من الديون حتى يوفيها أو يوصي بها وما أشبه ذلك.
– فيه دليل على ملاطفة المريض لأن النبي عليه الصلاة والسلام قعد عند رأسه، وهذا أقرب ما يكون للقلب.
– فيه دليل على مراجعة الوالدين في الإسلام لأن اليهودي راجع والده بالنظر إليه، ولكن لو منعاه من الإسلام فلا يطيعهما، لكن يراجعهما لتطييب قلوبهما وليعلم ما عندهم، وأما إذا منعاه وقالا لا تسلم فلا يطيعهما.
– فيه أن اليهود يعرفون النبي عليه الصلاة والسلام وأنه على حق لأن أبا هذا اليهودي لو كان يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام على باطل ما أذن له في هذه الحال وهو مريض مقبل على الآخرة.
– فيه هذه الكنية للنبي عليه الصلاة والسلام وهي (أبو القاسم).
– فيه أن الرجل يفرح إذا هدى الله على يديه أحد.
– فيه أن الإنسان إذا مات على الكفر فإنه يكون من أهل النار، فإن أسلم ولو عند قرب موته فإنه يصح إسلامه إذا لم يحضر الموت وتغرغر الروح. اهـ
===
قال ابن حجر: ذكر البخاري هنا عرض الإسلام على الصبي بصيغة الاستفهام.
و ترجم البخاري في كتاب الجهاد بصيغة تدل على الجزم بذلك فقال: وكيف يعرض الإسلام على الصبي. فكأنه لما أقام الأدلة هنا على صحة إسلامه استغنى بذلك وأفاد هناك ذكر الكيفية. انتهى
– ذكر ابن حجر من وصل أثر الحسن وإبراهيم وشريح. وقتادة.
– قوله (ولم يكن مع أبيه على دين قومه) قال ابن حجر: هذا قاله المصنف تفقها وهو مبني على إسلام العباس كان بعد وقعة بدر. ثم نقل الخلاف في ذلك وحديث ابن عباس أنه أسلم قبل الهجرة إنما أقام بمكة لمصالح المسلمين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه الكلبي. ويرده أنه أسر ببدر وفدى نفسه ويرده أيضا أن الآية في المستضعفين نزلت بعد بدر بلا خلاف. فالمشهور أنه أسلم قبل فتح خيبر. ويدل عليه قصة الحجاج بن علاط
وروى ابن سعد أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ورده بقصة الحجاج. والصحيح أنه هاجر عام الفتح في أول السنة وقدم مع النبي صلى الله عليه وسلم وشهد الفتح. انتهى
قلت سيف بن دورة: لا يلزم كونه أسر أن لا يكون مسلم. لأن المسلم الذي يكون مع المشركين يجوز أسره. ويفدي نفسه.
وكذلك قضية المستضعفين فيمكن أن يكون العباس يخفي إسلامه ولم يهاجر لسبب. فيكون ابن عباس وأمه من المستضعفين.
وتعقبني هنا صاحبنا ابوصالح حازم: بأنه ما دام مسلما ولو كان خفية فزوجته وابنه ليسوا من المستضعفين.
وكون المشهور أنه أسلم قبل فتح خيبر لقصة الحجاج بن علاط حيث استاذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة لمال له فجاء باشاعة أن النبي صلى الله عليه وسلم هزم في خيبر فحزن العباس ثم إنه أخبر العباس أنها إشاعة وان النبي صلى الله عليه وسلم انتصر فاكتم علي ثلاثا لآخذ مالي ففرح العباس.
وإسنادها جيد لولا الكلام في معمر فإن في روايته عن ثابت كلام.
لكن القصة لا تدل على إسلامه. فيجوز أن يكون يحزن ولو كان كافرا
المهم ابن حجر يعلم هذه التعقبات فيما أظن لكن ذكر ذلك من باب غلبة الظن. والأرجحية لكن أوردت هذه التعقبات من باب البحث العلمي.
وذكر ابن حجر الرد على الواقدي في دعواه أنه أسلم قبل بدر لأنه لو كان أسلم لما أسر ولا فودي فلعل الرواية بعد بدر. انتهى من تهذيب التهذيب
قلت سيف بن دورة: سبق الجواب
بل ورد:
409 – حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال: ثنا أبو شعيب الحراني قال: ثنا أبو جعفر النفيلي ثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابنا، عن مقسم عن ابن عباس قال: كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو اليسر رج مجموعا وكان العباس رج جسيما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عباس افد نفسك وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن جحدم أخا أبي الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال. قال: يا رسول الله، إني كنت مسلما ولكن القوم استكرهـوني. قال: «الله أعلم بإس مك، إن يك ما تقول حقا فالله يجزيك به، فأما ظاهـرك فكان علينا، فافد نفسك». وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ منه عشرين أوقية من ذهـب فقال العباس: يا رسول الله احسبها لي من فداي. قال: ذلك شيء أعطانا الله منك. قال: فإنه ليس لي مال. قال: فأين المال الذي وضعت بمكة حين خرجت من عند أم الفضل بنت الحارث وليس معكما أحد قلت: إن أصبت في سفري هـذا فللفضل كذا ولعبد الله كذا؟ قال: والذي بعثك بالحق ما علم بها أحد غيري وغيرهـا وإني علم أنك رسول الله.
دلائل النبوة لأبي نعيم
لكن في إسناده مجهول.
ووردت متصلة عند الحاكم من طريق ابن إسحاق ثنا يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عائشة بنحوه وبين الشيخ مقبل في مقدمته لأسباب النزول أنها مدرجة في هذا السند. فبين البيهقي أنها مدرجة مبينا أن قصة العباس لها سند آخر مرسل. قال ابن حجر في الفتح هي معضلة
قلت: هي من مراسيل ابن إسحاق كما في تاريخ ابن خيثمه 560 اعضلها فذكر القصة وكذلك في طبقات ابن سعد معضلة
وراجع تاريخ دمشق 26/ 288.
ولم ينتبه لهذه العلة محققو المسند 5/ 336 فحسنو الحديث في الحاشية
وورد من طريق ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن الزهري عن جماعة سماهم فذكروا قول العباس إني مسلم …. وقد روى ابن إسحاق أيضا عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس في هذه الآية بنحو مما تقدم وقال أبوجعفر حدثنا ابن وكيع حدثنا ابن إدريس عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس بنحوه
فالله أعلم هل تتقوى هذه الطرق
– حديث ابن صياد الشاهد فيه على صحة إسلام الصبى: أتشهد أني رسول الله؟ قرره ابن حجر
– ذكر ابن حجر ضبط (فرفضه) للأكثر كذا بالضاد المعجمة أي تركه وانكرها عياض. ولبعضهم بالمهملة (فرفصه) أي دفعه برجله قال عياض ولا وجه لها. قال المازري لعلها رفسه أي ضربه برجله. …… ثم ذكر أوجه أخرى
قوله (وهو يختل) أي يستغفله ليسمع كلامه وهو لا يشعر.
قلت سيف بن دورة: الختل في لغتنا الكعبيين يعني المشي خفيه مثل ما ذكر ابن حجر.
قوله (له رمزة) أي إشارة أو (زمرة) من الزمر أي حكاية صوته أما (رمرمرة) من الحركة وهو هنا الصوت الخفي وكذلك (زمزمة) قال الخطابي هو تحريك الشفتين بالكلام وقال غيره: هو كلام العلوج وهو صوت يصوت من الخياشيم والحلق.
– ذكر ابن حجر فوائد حديث زيارة النبي صلى الله عليه وسلم للغلام اليهودي وبين المعاني فليراجع الفتح.
– ذكر ابن حجر: أن في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار) فائدة أن الصبي الذي يعقل أنه في النار.
واعترض عليه ابن باز بأنه معارض لحديث رفع القلم عن ثلاثة والصبي حتى يبلغ فالصبي اليهودي لا دليل أنه لم يكن بالغ.
يقصد ابن باز أن الراجح أنه ممن يختبر يوم القيامة.
ومسألة أولاد المشركين هل يختبرون أم في الجنة سبق ذكر الخلاف فيها في بعض شروحنا وستأتي ذكرها اذا شرحها ابن حجر لكن أردنا أن نذكر الخلاف هل الصبي كان بالغا أم لا.
قال صاحبنا ابوصالح حازم لم أجد في الشراح من قال انه كان بالغا وتبويب البخاري هنا يدل أنه غير بالغ. انتهى
ومن حيث اللغة هل يطلق الصبي على من بلغ:
غُلَام (اسم):
غُلَام: جمع أُغَيْلِمَةُ
غُلاَم (اسم):
الجمع: أغْلِمَة و غِلمان و غِلْمة
الغُلامُ: الطارّ الشاربِ
الغُلامُ: صبيُّ حين يولد إلى أن يَشبّ أو حين يقارب سنَّ البلوغ، ويطلق على الرَّجُل مجازًا
غُلامٌ مُرَاهق: مُقَارِب للحُلُم
مسألة الخلاف في إسلام الصبي:
مسألة
قال: [والصبى إذا كان له عشر سنين وعقل الإسلام فأسلم فهو مسلم]
وجملته أن الصبى يصح إسلامه في الجملة وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه , وإسحاق وابن أبي شيبة وأبو أيوب وقال الشافعي وزفر: لا يصح إسلامه حتى يبلغ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ) حديث حسن ولأنه قول تثبت به الأحكام , فلم يصح من الصبى كالهبة ولأنه أحد من رفع القلم عنه فلم يصح إسلامه كالمجنون , والنائم ولأنه ليس بمكلف أشبه الطفل ولنا , عموم قوله عليه السلام: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة) ولأن الإسلام عبادة محضة فصحت من الصبى العاقل , كالصلاة والحج ولأن الله تعالى دعا عباده إلى دار السلام وجعل طريقها الإسلام , وجعل من لم يجب دعوته في الجحيم والعذاب الأليم فلا يجوز منع الصبى من إجابة دعوة الله ولأن ما ذكرناه إجماع فإن عليا رضي الله عنه أسلم صبيا , وقال:
سبقتكم إلى الإسلام طرًا ** صبيًا ما بلغت أوان حلم
فأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (رفع القلم عن ثلاث) فلا حجة لهم فيه , فإن هذا يقتضي أن لا يكتب عليه ذلك والإسلام يكتب له لا عليه ……
مسألة
قال: [فإن رجع وقال: لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الإسلام] ……
راجع كتاب المغني لبسط المسائل
قال الإمام النووي رحمه الله:
((ولا يصح إسلام صبي مميز استقلالا على الصحيح.))
قال الخطيب الشربيني رحمه الله:
((المنصوص في القديم والجديد كما قاله الإمام؛ لأنه غير مكلف فأشبه غير المميز والمجنون وهما لا يصح إسلامهما اتفاقا كما سيأتي؛ ولأن نطقه بالشهادتين إما خبر وإما إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة.
والثاني (أي القول الضعيف): يصح إسلامه حتى يرث من قريبه المسلم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم دعا عليا رضي الله تعالى عنه إلى الإسلام قبل بلوغه فأجابه؛ ولأنه لا يلزم من كونه غير مكلف به أنه لا يصح منه كالصلاة والصوم وسائر العبادات. قال المرعشي وهو الذي أعرفه في مذهب الشافعي.
وأجاب الأول عن قصة علي رضي الله تعالى عنه بأنه كان بالغا عند إسلامه كما نقله القاضي أبو الطيب عن الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه فعلى تقدير ثبوته فلا كلام، وعلى عدم تقديره فقد ذكر البيهقي في المعرفة أن الأحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة. قال السبكي وهو صحيح؛ لأن الأحكام إنما أنيطت بخمسة عشر عام الخندق، فقد تكون منوطة قبل ذلك بسن التمييز والقياس على الصلاة ونحوها لا يصح؛ لأن الإسلام لا يتنفل به …… أهـ
قال الإمام النووي رحمه الله في المنهاج:
((ويحكم باسلام الصبي بجهتين …. : إحداهما الولادة، فإذا كان أحد أبويه مسلما وقت العلوق فهو مسلم، فإن بلغ ووصف كفراً فمرتد، ولو علق بين كافرين ثم أسلم أحدهما حكم بإسلامه …. الخ))
يقول النووي رحمه الله في باب قتل المرتد:
إذا ثبت هذا فإن الردة إنما تصح من كل بالغ عاقل مختار، فأما الصبى والمجنون فلا تصح ردتهما. وقال أبو حنيفة تصح ردة الصبى ولكن لا يقتل حتى يبلغ. ومرد هذا الخلاف إلى صحة إسلام الصبى ….
وكنت نقلت نقولات مطولة لابن قدامة والنووي لكن ارسل لي صاحبي طارق أبي تيسير النقولات بشكل أفضل وستأتي إن شاء الله آخر البحث
——
*قال أحد الباحثين عن حديث عرض الإسلام على الغلام اليهودي:*
فهذا الحديث لا يدل على أن غير البالغ مكلف بالأحكام الشرعية حتى يكون هذا الحديث مشكلاً، ويحكم بتعارضه مع حديث رفع القلم المذكور قريباً، وعلى فرض أن هذا الحديث مشكل؛ فإن العلماء قد تكلموا عنه وبينوا المخرج من هذا الإشكال، ومن ذلك:
(1) أن الصبي إذا كان يعقل ويفهم فهماً مستقيماً فإنه يكون مكلفاً، قال ابن حجر وفي قوله “أنقذه من النار” دلالة على أنه صح إسلامه، وعلى أن الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه أنه يعذب (فتح الباري 3/ 284). وهذا التوجيه موافق لمن قال: إن الصبي المميز يكون مكلفاً ولو لم يبلغ؛ لأنه يفهم الخطاب ويرد الجواب، وهذا القول هو أحد الأقوال في مسألة تكليف الصبي المميز، وهي من المسائل الخلافية المشهورة في الأصول.
(2) أن أولاد المشركين يتبعون آباءهم في الآخرة فيكونون من أهل النار، وبناءً على هذا القول فإن هذا الغلام لو لم يسلم لكان من أهل النار، لا لأنه مكلف؛ بل لأنه يهودي تبعاً لأبيه اليهودي، ومن مات وهو يهودي بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو من أهل النار، ومسألة مصير أولاد المشركين من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم على أقوال عديدة ذكرها ابن حجر في فتح الباري (3/ 314 – 316).
(3) أن الغلام المذكور في الحديث قد بلغ فيكون مكلفاً؛ لأنه ليس في الحديث ما يدل على عدم بلوغه، قال شيخنا عبد العزيز بن باز تعقيباً على ما ذهب إليه ابن حجر في توجيه حديث الغلام المذكور قريباً ما نصه: في هذه الفائدة نظر؛ لأنه ليس في الحديث المذكور دلالة صريحة على أن الغلام المذكور لم يبلغ، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “رفع القلم عن ثلاثة … وذكر منهم: الصغير حتى يبلغ” (سبق تخريجه) والله أعلم.
وهذا التوجيه للحديث هو الأقرب لموافقته الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على أن الصغير الذي لم يبلغ غير مكلف، وليس في حديث الغلام ما يخالف ذلك؛ لأن لفظ الغلام ليس محصوراً في الدلالة على الصغير الذي لم يبلغ، بل له معانٍ متعددة، ومنها: الخادم، فإن الغلام يطلق على الخادم، والغلام المذكور في الحديث كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في رواية البخاري المتقدمة، وكما في رواية أحمد (12381) لهذا الحديث، ومحل الشاهد منها قوله: “كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم-، يضع له وضوءه، ويناوله نعليه”، وبناءً على هذا يكون معنى الغلام في الحديث: الخادم وبهذا يزول الإشكال، والحمد لله رب العالمين.
—————————–
*قال الصنعاني -رحمه الله- في سبل السلام (باختصار):*
وعن عائشة – رضي الله عنها – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – «رفع القلم» أي ليس يجري أصالةً لا أنه رفع بعد وضع والمراد برفع القلم عدم المؤاخذة لا قلم الثواب، فلا ينافيه صحة إسلام الصبي المميز كما ثبت في «غلام اليهودي الذي كان يخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – فعرض عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – الإسلام فأسلم، فقال الحمد لله الذي أنقذه من النار» وكذلك ثبت أن «امرأةً رفعت إليه – صلى الله عليه وسلم – صبيًا، فقالت ألهذا حج؟ فقال: نعم ولك أجر» ونحو هذا كثير في الأحاديث.
(عن «ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل، أو يفيق». رواه أحمد والأربعة إلا الترمذي وصححه الحاكم وأخرجه ابن حبان).
الحديث فيه كلام كثير لأئمة الحديث. وفيه دليل على أن الثلاثة لا يتعلق بهم تكليف، وهو في النائم المستغرق إجماع والصغير الذي لا تمييز له.
وفيه خلاف إذا عقل وميز والحديث جعل غاية رفع القلم عنه إلى أن يكبر فقيل: إلى أن يطيق الصيام ويحصي الصلاة، وهذا لأحمد وقيل: إذا بلغ اثنتي عشرة سنةً وقيل: إذا ناهز الاحتلام وقيل: إذا بلغ والبلوغ يكون بالاحتلام في حق الذكر مع إنزال المني إجماعًا …. وفي الكل خلاف معروف.
*وللفائدة أنقل مسألة تتعلق بالبحث من كتاب “المهذب في علم أصول الفقه المقارن”:*
المسألة الرابعة: الصبي المميز هل هو مكلَّف؟
الصبي المميز هو: من تجاوز سن السابعة من عمره – وقيل: هو من تجاوز سن السادسة – وهو يدرك حقائق الأمور ويميز بين الأفعال
والأقوال، والجيد والرديء، والحق والباطل. فهو في هذه الحالة قد توفر فيه العقل، وفهم خطاب الشارع فهل هو مكلَّف؟
اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أنه غير مكلف مطلقا. وهو قول جمهور العلماء، وهو الحق عندي؛ لأن كون الصبي
المميز عاقلاً يفهم الخطاب ويميز بين حقائق الأمور جعل تكليفه ممكن، لكن الشارع وضع وحط عنه التكليف؛ رفعا للحرج؟
حيث إن العقل والفهم يتزايدان تزايداً غير واضح، فلا يعلم هو بنفسه ولا غيره ذلك التزايد، فلا يمكن الوقوف على أول وقت فهم فيه خطاب الشارع، وأول وقت عرف حقيقة المرسل – بكسر السين – والمرسَل – بفتح السين -، والغرض من إرسال الرسل، فنظراً لعدم معرفة ذلك بالتحديد، جعل الشارع وقتاً محدداً للتكليف، ألا وهو: البلوغ، فهو علامة واضحة جلية لظهور العقل وفهم الخطاب
على الغالب، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ … “.
والبلوغ يكون إما باستكمال خمس عشرة سنة، أو بالاحتلام، أو بإنبات شعر من قبل، وتزيد الأنثى بخروج الحيض.
فوضع الشارع ضابطاً يضبط الحد الذي تتكامل فيه بنيته وعقله وهو ” البلوغ “، ولهذا فإن أكثر الأحكام تتعلق به.
قال بعض العلماء: كأن الشارع لم يلزم الصبي قضايا التكليف؟ لأمرين:
أولهما: أن الصبي مظنة الغباوة، وضعف العقل، فلا يستقل بأعباء التكليف.
ثانيهما: أنه عري عن البلية العظمى، وهي الشهوة.
المذهب الثاني: أن الصبي المميز مكلف مطلقاً. وهو رواية عن الإمام أحمد.
دليل هذا المذهب:
أن الصبي المميز عاقل، يفهم خطاب الشرع، مميز بين الأقوال والأفعال، ويميز بين الخير والشر، والجيد والرديء، والحق
والباطل، وما دام الأمر كذلك فما المانع من تكليفه، وقد توفر فيه الشروط التي تشترط في البالغ وهو العقل والفهم؛
جوابه:
يجاب عنه بأنا لا نعلم متى فهم وأدرك وعقل حتى يكلف بالتكاليف الشرعية ويطالب بها، وذلك لأن نمو العقل وتزايد الفهم
وتطوره خفي عنا، ويصعب علينا – إن لم يستحيل – الوقوف على الحدِّ الذي به يمكن أن نحكم عليه بأنه عاقل وفاهم للخطاب.
ثم إن الصبيان يختلفون باختلاف تنشئتهم، وبيئتهم، ومعاملتهم، ونحو ذلك، وقد يكون عقل وفهم هذا الصبي يختلف عن عقل
وفهم صبي آخر، مما يلزم منه اختلاف الحكم باختلاف الصبيان. فسداً لذلك ورفعا للحرج: بيَّن الشارع علامة لا نختلف عند
وجودها وهي: ” البلوغ “، فإذا بلغ الشخص كان مكلَّفا، أما قبل البلوغ فلا يمكن تكليفه.
المذهب الثالث: الفرق بين الصبي المميز البالغ عشر سنين وبين الصبي المميز غير البالغ عشر سنين.
فالبالغ عشر سنين يكلف بالصلاة، أما من هو أقل من ذلك فلا يكلف، ذهب إلى ذلك الإمام أحمد في رواية عنه، وابن سريج من
الشافعية.
دليل هذا المذهب:
قوله – صلى الله عليه وسلم -: “مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر”.
وجه الاستدلال: أن الصبي المميز مأمور بالصلاة ومعاقب على تركها، وهذا يدل على تكليفه، ولو لم يكن مكلَّفا لما ضُرِب على
تركها.
جوابه:
يجاب عنه: بأن الأمر بصلاة الصبي المميز والأمر بضربه ليس من جهة الشارع، وإنما هو من جهة الولي، والعبارة تدل على ذلك
حيث قال: ” مروا … وأضربوهم ” يعني: أيها الأولياء مروا أولادكم، واضربوهم … ، وقلنا ذلك لأن الصبي يفهم خطاب
الولي، ويخاف ضربه، فصار أهلاً لذلك، ولكنه لا يفهم خطاب الشارع أصلاً، ولا يفهم عقابه، فالصبي مأمور ومعاقب من قبل
الولي. ثم الأمر والضرب هنا: للتأديب والتهذيب.
—–
ذكر المذاهب وإن كان الأخوة جمعوا ووفوا:
بخصوص تحول المسلم الذي يولد لأبوين مسلميْن عن دين الإسلام عندما يبلغ: فهي مسألة مهمة، وينتظم البحث فيها من خلال النقاط الآتية:
1. أطفال المسلمين تبع لوالديهم المسلمين، ولذا فمن كان له أبوان مسلمان فله حكم الإسلام، فهو يرث ويورث، وإذا مات غسِّل ودفن وصليَ عليه ودُفن في مقابر المسلمين، وهو في الآخرة من أهل الجنة بإجماع أهل العلم.
قال النووي الشافعي – رحمه الله -: ” فمَن كان أبواه أو أحدهما مسلماً: استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا “. انتهى من ” شرح مسلم ” (16/ 208).
وقال ابن قدامة الحنبلي – رحمه الله -: ” الولد يتبع أبويه في الدّارين، فان اختلفا: وجب أن يتبع المسلم منهما كولد المسلم من الكتابية “. انتهى من ” المغني ” (10/ 91).
2. لا يُشترط لصحة إسلام الصبي البلوغ، بل يصح الإسلام من المميِّز، وهو قول الجمهور، خلافاً للشافعي وزُفَر – من الحنفية -.
قال ابن قدامة الحنبلي – رحمه الله -: ” الصبي يصح إسلامه في الجملة، وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه وإسحاق وابن أبي شيبة وأبو أيوب.
وقال الشافعي وزفر: لا يصح إسلامه حتى يبلغ “. انتهى من ” المغني ” (10/ 85) وفيه رد علمي موفَّق على المخالفين. وينظر أيضا: ” بدائع الصنائع “، للكاساني (7/ 104).
والصحيح قول الجمهور:
أ. لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ). رواه البخاري (1292) ومسلم (2658).
ب. إسلام سيدنا علي رضي الله عنه وغيره من الصحابة وهم صغار دون البلوغ.
ج. عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَاسِهِ فَقَالَ لَهُ (أَسْلِمْ) فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ). رواه البخاري (1290).
3. ردة الصبي المميز معتبرة عند الجمهور، سواء كان تابعاً لأبويه أو أنه أسلم بنفسه، خلافاً للشافعي وأبي يوسف لأنهما لا يريان انعقاد إسلامه أصلاً.
قال ابن قدامة – رحمه الله -: ” كلُّ مَن تلفظ بالإسلام أو أخبر عن نفسه به ثم أنكر معرفته بما قال: لم يُقبل إنكاره، وكان مرتدّاً، نص عليه أحمد في مواضع.
إذا ثبت هذا: فإنه – أي: الصبي – إذا ارتد: صحَّت ردته، وبهذا قال أبو حنيفة، وهو الظاهر من مذهب مالك.
وعند الشافعي: لا يصح إسلامه ولا ردته، وقد روي عن أحمد أنه يصح إسلامه ولا تصح ردته “. انتهى من ” المغني ” (10/ 88).
وقال ابن عابدين الحنفي – رحمه الله -: ” قوله (وإذا ارتد صبي عاقل صح) سواء كان إسلامه بنفسه أو تبعاً لأبويه ثم ارتد قبل البلوغ، فتحرم عليه امرأته ولا يبقى وارثاً، ولكن لا يُقتل؛ لأن القتل عقوبة، وهو ليس من أهلها في الدنيا “. انتهى من ” حاشية ابن عابدين ” (4/ 257).
والراجح – والله أعلم – أن الصبي المميز يصح إسلامه ولا تصح ردته.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ” والبالغ ضد الصغير، فإنه إذا ارتد وهو صغير: فإن ظاهر كلام المؤلف – أي: الحجاوي – أنه لا يكفر؛ لأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم، فلو أنه أشرك بأن سجد لصنم، أو ما أشبه ذلك: فإننا لا نكفره، كما أنه لو ترك الصلاة لا يكفر، وعلى هذا: فلا تصح ردة غير البالغ، وهذا ظاهر كلام المؤلف، وهو الصحيح.
ولكن المذهب: أن ردة الصغير المميز معتبرة، ولكنه لا يُدعَى إلى الإسلام إلا بعد بلوغه، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.
وهناك قول ثالث في مسألة الصغير: أن ردته معتبرة، ويُدْعَى إلى الإسلام، فإن تاب وإلا قتل.
فالأقوال إذاً ثلاثة، ولكن القول الصحيح: أن ردته غير معتبرة؛ لعموم الأدلة الدالة على رفع الجناح عن الصغير “. انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (14/ 445، 446).
4. والقائلون بوقوع الردة هذه لا يقولون بقتله وهو صبي إلا في قول شاذ أنه يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل.
قال ابن قدامة – رحمه الله -: ” الصبي لا يُقتل، سواء قلنا بصحة ردته أو لم نقل؛ لأن الغلام لا يجب عليه عقوبة، بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنا والسرقة في سائر الحدود، ولا يقتل قصاصاً “. انتهى من ” المغني ” (10/ 62).
وفي ” الموسوعة الفقهية ” (22/ 181): ” ذهب القائلون بوقوع ردة الصبي إلى أنه لا يُقتل قبل بلوغه “. انتهى.
وأما بخصوص القول الشاذ بقتل الصبي المميز المرتد فقد قال المرداوي الحنبلي رحمه الله: ” وقال في ” الروضة “: تصح ردة مميز، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل، وتجري عليه أحكام البُلَّغ، وغير المميز ينتظر بلوغه، فإن بلغ مرتداً: قُتل بعد الاستتابة.
وقيل: لا يقتل حتى يبلغ مكلفاً. انتهى من ” الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ” (10/ 249).
5. وعند الحنفية: يُنتظر بلوغه ليجبر على الإسلام بالضرب والتهديد.
وعند الحنابلة: ينتظر بلوغه ليستتاب، فإن تاب وإلا قُتل.
قال ابن عابدين الحنفي – رحمه الله -: ” قوله (ويجبر عليه بالضرب) أي: والحبس.
قلت: والظاهر: أن هذا بعد بلوغه؛ لما مرَّ أنَّ الصبي ليس من أهل العقوبة، ولما في ” كافي الحاكم “: وإن ارتد الغلام المراهق عن الإسلام: لم يُقتل، فإن أدرك كافراً: حُبس ولم يقتل “. انتهى من ” حاشية ابن عابدين ” (4/ 257).
وقال أبو عبد الله الزركشي الحنبلي – رحمه الله -: ” إذا أقام – أي: الصبي – على رجوعه – أي: عن الإسلام -: فإنه يصير مرتداً، لكن لا يُقتل حتى يبلغ؛ لأن القتل عقوبة متأكدة فلا تجب على الصبي كالحد، وحذاراً من قتله بأمرٍ محتمل “. انتهى من ” شرح الزركشي على مختصر الخِرَقي ” (3/ 93).
وقال أبو الحسن المرداوي الحنبلي – رحمه الله -: ” قوله ” ولا يُقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه “: وهذا المذهب، وعليه عامة الأصحاب، وقطع به أكثرهم ” انتهى من ” الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ” (10/ 249).
وفي ” الموسوعة الفقهية ” (13/ 229): ” ذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة تكفير الصبي المميز إذا صدر منه ما هو مكفِّر.
ويُفهم من كلام المالكية تقييده بالصبي المميز المراهق فقط … .
مع اتفاقهم على أنه لا يُقتل بل يُجبر على الإسلام بالضرب والتهديد والحبس.
وعند الحنابلة: يُنتظر إلى ما بعد البلوغ والاستتابة، فإن أصر قتل؛ لحديث (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) “. انتهى.
6. إذا بلغ الصبي فأقر بالإسلام أو استمر مسلماً حكماً، ثم ارتد: فهو مرتد بالإجماع.
قال الكاساني – رحمه الله -: ” لو أقر بالإسلام ثم ارتد يقتل لوجود الردة منه بوجود دليلها وهو الإقرار.”. انتهى من ” بدائع الصنائع ” (7/ 135).
7. إذا بلغ الصبي مرتداً ولم يُسمع منه الإقرار بالإسلام: يكون مرتداً عند الحنابلة، فيستتاب وإلا قتل.
قال ابن قدامة – رحمه الله -: ” فإذا بلغ فثبت على ردَّته: ثبت حكم الردة حينئذ، فيستتاب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل، سواء قلنا إنه كان مرتداً قبل بلوغه أو لم نقل، وسواء كان مسلماً أصليّاً فارتد أو كان كافراً فأسلم صبيّاً ثم ارتد “. انتهى من ” المغني ” (10/ 62).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: ” ولكن ما هو الأصل في الإنسان أهو الكفر أو الإسلام؟.
الجواب: إذا كان أبواه مسلميْن أو أحدهما: فهو مسلم، فإن اختار غير الإسلام: فهو مرتد “. انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (14/ 452).
وقال – رحمه الله – أيضاً -: ” المذهب – أي: الحنبلي -: أن ردة الصغير المميز معتبرة، ولكنه لا يُدعَى إلى الإسلام إلا بعد بلوغه، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل “. انتهى من ” الشرح الممتع على زاد المستقنع ” (14/ 446).
ولا يكون مرتداً عند الحنفية والشافعية، وعليه: فلا يقتل، لكنه يُجبر على الإسلام بالحبس والضرب عند الحنفية، ويُجتهد عليه عند الشافعي.
قال الشافعي – رحمه الله -: ” فمن أقر بالإيمان قبل البلوغ، وإن كان عاقلاً، ثم ارتد قبل البلوغ أو بعده، ثم لم يتب بعد البلوغ: فلا يقتل؛ لأن إيمانه لم يكن وهو بالغ، ويؤمر بالإيمان، ويجهد عليه بلا قتل إن لم يفعله “. انتهى من ” الأم ” (6/ 649).
وقال الكاساني – رحمه الله -: ” صبي أبواه مسلمان حتى حُكم بإسلامه تبعاً لأبويه فبلغ كافراً ولم يُسمع منه إقرار باللسان بعد البلوغ: لا يقتل؛ لانعدام الردة منه؛ إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق، ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ أصلاً لانعدام دليله، وهو الإقرار … .
فلم يكن الموجود منه حقيقة، فلا يقتل، ولكنه يحبس؛ لأنه كان له حكم الإسلام قبل البلوغ “. انتهى من ” بدائع الصنائع ” (7/ 135).
وقال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله -: ” وقال أصحاب الرأي: إذا أسلم أبواه أو أحدهما وأدرك فأبى الإسلام: أُجبر عليه ولم يقتل “. انتهى من ” المغني ” (10/ 91).
وينبغي تقييد كلام الحنفية والشافعي بأن الصبي عند بلوغه لم يستمر على الإسلام لا بإقرار ولا بقيام بشعائره؛ لأن مثل هذا لو وقعت منه الردة بعد ذلك كان مرتدّاً، وإنما يريدون بقولهم ذاك أن الصبي عند بلوغه كان على غير الإسلام لا إقراراً ولا عملاً.
رابعاً:
بما أن عين المسألة فيها خلاف بين العلماء فإن مرجع المسألة هو القضاء، وبحسب ما يرى القاضي الشرعي فإنه يحكم به على من بلغ مرتداً.
وبكل حال فلا ينبغي أن ننشغل بأمر مختلف فيه – وهو هل كونه يستتاب أم لا – ونغفل عما هو متفق عليه وهو أنه كافر مصيره نار جهنم خالداً فيها أبداً، فمن العجيب ما نراه من المدافعين عن كون مثل هذا الشخص غير مرتد، وأنه لا ينبغي إكراهه على الإسلام، وأنه لا يدخل في جملة المرتدين، وكأن هؤلاء القائلين يريدون رحمته والرأفة به، وما علموا أنهم يضرونه بذلك، وأنَّ من قال بعدم تطبيق حد الردة عليه لم يتركه هملاً، بل منهم من قال بوجوب بذل الجهد عليه حتى يُسلم، وآخرون قالوا يحبس ويهدد ويضرب حتى يُسلم، ومنهم قال إنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتل ردة؛ وهذا العقاب، وإن كان ظاهره الشدة والغلظة عليه؛ فباطنه الرحمة والشفقة الحقيقية به؛ لأنه هو الذي ينقذه من الموت على الكفر والذي إن مات عليه استحق الخلود في نار جهنم.
والعجيب أن الوصول إلى الإسلام يستغرق من أناس جل حياتهم ويبذلون في ذلك الغالي والنفيس، ومثل هذا الإنسان يُنعم الله تعالى بنعمة جليلة وهي أنه يجعله مولوداً لأبوين مسلميْن ثم هو يكفر بهذه النعمة بل ويكفر بمنعمها! ويختار بشراً ليعبده، أو حجراً ليقدسه، أو حيواناً ليعظمه، وما بمثل هذا تقابل أدنى النعم فكيف بأعلاها وأجلِّها؟!.