1352 – تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف ومراجعة سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
(جمع وتأليف عبد الله المشجري)
_._._. _._._. _._._. _._._. _.
1352 – قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد ثنا محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال صلى الله عليه وسلم ((لا يزال لهذا الأمر أو على هذا الأمر عصابة على الحق، ولا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله)).
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن.
* وقال الإمام البزار رحمه الله كما في كشف الأستار: حدثنا زهير بن محمد، أخبرنا عبد الله بن يزيد، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يزال هذا أو على هذا الأمر عصابة من أمتي، لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله)).
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن.
———————–
أولاً: الكلام عن سند الحديث:
* قال محققو المسند (14/ 499): إسناده قوي من أجل محمد بن عجلان.
* هذا الحديث من الأحاديث المتواترة كما نص عليهم أهل العلم منهم:
1 – شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في إقتضاء الصراط المستقيم ص 6: (بل قد تواتر عنه أنه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة).
2 – والسيوطي في الأزهار المتناثرة، نقله عنه الكتاني في نظم المتناثر، وذكر الحديث عن أحد عشر صحابياً.
3 – الكتاني في نظم المتناثر ص 141 برقم 145 زاد على ما ذكره السيوطي خمسة من الصحابة فبلغ العدد 16 صحابياً.
4 – يفهم من كلام الشيخ الألباني في الصحيحة برقم 270 حيث قال (واعلم أن الحديث صحيح ثابت مستفيض عن جماعة من الصحابة).
* سردهم الكتاني كالتالي:
(1) معاوية بن أبي سفيان (2) والمغيرة بن شعبة (3) وجابر بن سمرة (4) ومعاذ بن جبل (5) وجابر بن عبد اللّه (6) وزيد بن أرقم (7) وأبي أمامة (8) وعمر (9) وأبي هريرة (10) ومرة البهوي (11) وشرحبيل بن السمط (12) عقبة بن عامر (13) وثوبان (14) وسعد بن أبي وقاص (15) وسلمة ابن نفيل الحضرمي (16) وعمران بن حصين.
?
ثانياً: ما يتعلق بمتن وفوائد الحديث:
الأحاديث التي ذكرها العلماء في نقلهم التواتر كالتالي مع بيان الحكم فيما بين المعقوفتين:
* حديث الْمُغِيرَةِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَاتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ”. البخاري (3640)، ومسلم (1921).
* حديث معاوية، رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَاتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ”. قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّامِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: وَهُمْ بِالشَّامِ. البخاري (3641) ومسلم (1037).
* أخرجه مسلم (1920) من حديث ثوبان، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”.
* أخرجه مسلم (1922) من حديث جابر بن سمرة، رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: “لَنْ يَبْرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ عِصَابَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ”.
* أخرجه مسلم (1923) من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ”.
* وأخرج مسلم (1924) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك “.
* وأخرج مسلم (1925) من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة “.
* عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَاوَاءَ حَتَّى يَاتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”. [قال محققو المسند (36/ 657): حديث صحيح لغيره دون قوله: “قالوا: يا رسول الله، وأين هم … إلخ”، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله السيباني الحضرمي، فقد تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي عمرو السيباني، ولم يوثقه غير ابن حبان والعجلي].
* وأخرج أبو داود (2484)، والإمام أحمد (19851)، من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يَاتِيَ أَمْرُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام”. [قال محققو المسند (23/ 83): إسناده صحيح على شرط مسلم، وراجع الصحيحة 1959 وصححه الألباني في سنن أبي داود 2484، وفي الصحيح المسند 1025].
* الإمام أحمد (8274)، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: “لَا يَزَالُ لِهَذَا الْأَمْرِ- أَوْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ- عِصَابَةٌ عَلَى الْحَقّ، ِ وَلَا يَضُرُّهُمْ خِلَافُ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَاتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ”. [وهو حديث الباب].
* أخرج الترمذي من حديث قرة بن إياس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. [قال الشيخ مقبل في الصحيح المسند برقم 1079: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح].
* أخرج البخاري في التاريخ الكبير (4/ 70): عن سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( … لا تزال من أمتى أمة قائمة على الحق ظاهرة على الناس يزيغ الله قلوب قوم فيقاتلوهم لينالوا منهم … )) الحديث. [الصحيح الجامع في القدر 141].
* أخرج الحاكم في المستدرك (4/ 449) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)).
[صححه الألباني في الصحيحة 1956].
* وأخرج البخاري في التاريخ الكبير (4/ 248): عن أبي هريرة وشرحبيل بن السمط رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزالُ من أمَّتي عِصابةٌ قوَّامةٌ على أمْرِ الله عزّ وجلّ، لا يضرُّها من خالفَها؛ تقاتلُ أعداءها، كلما ذهبَ حربٌ نشِبَ حربُ قومٍ آًخرين، يزيغُ اللهُ قلوب قوم ليرزقَهم منه، حتى تأتيهم الساعةُ، كأنّها قطعُ الليلِ المظلمِ، فيفزعونَ لذلك؛ حتّى يلبسُوا له أبدانَ الدُّروع، وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: همْ أهلُ الشّامِ، ونكَتَ رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بإصبعِه؛ يومئُ بها إلى الشّامِ حتّى أوجَعها)) [صححه الألباني في الصحيحة 3425].
* أخرج الطيالسي من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله ” [صححه الألباني في الصحيحة برقم 1958].
* حديث مُرَّة بن كعب البهزي، رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لَا تَزَالُ طائِفةٌ مِن أُمَّتي عَلَى الحَقِّ ظاهِرِين على مَن نَاوَأَهُمْ، وَهُمْ كالإِنَاءِ بينَ الأَكَلَةِ حتَّى يَاتِي أَمْرُ اللهِ وهُمْ كَذَلِكَ”. قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: “بأَكْنَافِ بيتِ المَقْدِسِ”. [قال الألباني في الضعيفة 6390: منكر بهذا السياق].
* حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَا تَزَالُ عِصابَةٌ مِن أُمَّتي يُقاتِلونَ علَى أبوابِ دِمَشْقَ ومَا حَوْلَهُ، وعلَى أبوابِ بيتِ المَقْدِسِ ومَا حَوْلَهُ، لَا يَضُرُّهُم خِذْلانُ مَن خذَلهم، ظَاهِرِين علَى الحَقِّ إلى أنْ تَقُومَ السَّاعَةُ”. [قال الهيثمي في المجمع (7/ 565): رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عباد وهو مجهول، وقال في موضع آخر (10/ 41): رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، وذكره ابن عدي في الكامل (7/ 84) في ترجمة الوليد بن عباد، وقال محققو المسند (14/ 26): إسناده ضعيف لجهالة الوليد بن عباد].
* قال الإمام النووي: (وأما هذه الطائفة فقال البخاري: هم أهل العلم.
وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم.
وقال القاضي عياض: إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث … ).
وقال أيضًا: (ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخي، ر ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض … ) ينظر: شرح النووي على مسلم (13/ 67).
* انتقد بعضهم على الشيخ الوادعي رحمه الله قوله عن هذا الحديث أنه حديث حسن، مع أنَّ الحديث بلغ حد التواتر، فأجاب عليه بعضهم بالتالي:
والرد على هذا القول هو: أن كون هذا الحديث متواترا هذا لم يكن بحمد الله خافيا على الشيخ مقبل رحمه الله، وبرهان ذلك أنه خرج هذا الحديث في كتابه «الجامع الصحيح في القدر» (ص411 415) عن تسعة من الصحابة -رضي الله عنهم-.
و الشيخ حكم على كل حديث بما يقتضيه سنده، كما يصنع الهيثمي في «مجمع الزوائد» بما لا يخفى على من نظر فيه، إذ يحكم على كل حديث بما يستحقه، معللا بما علمه من حال سنده، وهذا شأنه، وشأن غيره من الأئمة.
* ذكر الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم 270 ترجيح أن المراد بالفرقة الناجية المنصورة هم أهل الحديث، وذكر سلفه في هذه المسألة؛ فقال رحمه الله:
1 – عبد الله بن المبارك (118 – 181)، فروى الخطيب بسنده عن سعيد ابن يعقوب
الطالقاني أو غيره قال:
” ذكر ابن المبارك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة … قال ابن
المبارك: هم عندي أصحاب الحديث “.
2 – علي بن المديني (161 – 234)، و روى الخطيب أيضا من طريق الترمذي و هذا
في ” سننه ” (2/ 30) و قد ساق الحديث من رواية المزني المتقدمة (رقم 5)
ثم قال:
” قال محمد بن إسماعيل (هو البخاري) قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث ”
3 – أحمد بن حنبل (164 – 241)، روى الحاكم في ” معرفة علوم الحديث ” (ص 2)
و الخطيب بإسنادين، صحح أحدهما الحافظ ابن حجر عن الإمام أحمد أنه سئل عن معنى
هذا الحديث فقال:
” إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم “.
و روى الخطيب (33/ 3) مثل هذا في تفسير الفرقة الناجية.
4 – أحمد بن سنان الثقة الحافظ ( … – 259) روى الخطيب عن أبي حاتم قال:
سمعت أحمد بن سنان و ذكر حديث ” لا تزال طائفة من أمتي على الحق ” فقال: هم
أهل العلم و أصحاب الآثار.
5 – البخاري محمد بن إسماعيل (194 – 256)، روى الخطيب عن إسحاق بن أحمد
قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري – و ذكر حديث موسى بن عقبة عن أبي الزبير
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تزال طائفة من أمتي “، فقال
البخاري: يعني أصحاب الحديث. و قال في ” صحيحه ” و قد علق الحديث و جعله
بابا: ” و هم أهل العلم ” و لا منافاة بينه و بين ما قبله كما هو ظاهر، لأن
أهل العلم هم أهل الحديث، و كلما كان المرء أعلم بالحديث كان أعلم في العلم
ممن هو دونه في الحديث كما لا يخفى. و قال في كتابه ” خلق أفعال العباد ”
(ص 77 – طبع الهند) و قد ذكر بسنده حديث أبي سعيد الخدري في قوله تعالى
(و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس) قال البخاري:
” هم الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” فذكر الحديث.
و قد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة و الفرقة الناجية
بأنهم أهل الحديث، و لا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي.
أولا: أن أهل الحديث هم بحكم اختصاصهم في دراسة السنة و ما يتعلق من معرفة
تراجم الرواة و علل الحديث و طرقه أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم صلى الله عليه
وسلم و هديه و أخلاقه و غزواته و ما يتصل به صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: أن الأمة قد انقسمت إلى فرق و مذاهب لم تكن في القرن الأول، و لكل
مذهب أصوله و فروعه، و أحاديثه التي يستدل بها و يعتمد عليها. و أن المتمذهب
بواحد منها يتعصب له و يتمسك بكل ما فيه، دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى
و ينظر لعله يجد فيها من الأحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده، فإن من
الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة و الأحاديث ما لا يوجد في المذهب
الآخر، فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل و لابد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى
المذاهب الأخرى، و ليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده، في أي مذهب كان، و من أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة، حتى لو كان
شيعيا أو قدريا أو خارجيا فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك، و قد
صرح بهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه حين خاطب الإمام أحمد بقوله:
” أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى أذهب إليه
سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا ” فأهل الحديث – حشرنا الله معهم – لا
يتعصبون لقول شخص معين مهما علا و سما حاشا محمد صلى الله عليه وسلم، بخلاف
غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث و العمل به، فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم –
و قد نهوهم عن ذلك – كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم!! فلا عجب بعد هذا
البيان أن يكون أهل الحديث. هم الطائفة الظاهرة و الفرقة الناجية. بل و الأمة
الوسط، الشهداء على الخلق.
ثم ساق الخطيب رحمه الله تعالى الأبواب التي تدل على شرف أصحاب الحديث و فضلهم
لا بأس من ذكر بعضها، و إن طال المقال، لتتم الفائدة، لكني أقتصر على أهمها
و أمسها بالموضوع:
1 – قوله صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه.
2 – وصية النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام أصحاب الحديث.
3 – قول النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله.
4 – كون أصحاب الحديث خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ عنه.
5 – وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان أصحاب الحديث.
6 – كون أصحاب الحديث أولى الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم لدوام صلاتهم عليه
7 – بشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بكون طلبة الحديث بعده و اتصال
الإسناد بينهم و بينه.
8 – البيان أن الأسانيد هي الطريق إلى معرفة أحكام الشريعة.
9 – كون أصحاب الحديث أمناء الرسل صلى الله عليهم و سلم لحفظهم السنن و تبيينهم
لها.
10 – كون أصحاب الحديث حماة الدين بذبهم عن السنن.
11 – كون أصحاب الحديث ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ما خلفه من السنة
و أنواع الحكمة.
12 – كونهم الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر.
13 – كونهم خيار الناس.
14 – من قال: إن الأبدال و الأولياء أصحاب الحديث.
15 – من قال: لولا أهل الحديث لا ندرس الإسلام.
16 – كون أصحاب الحديث أولى الناس بالنجاة في الآخرة، و أسبق الخلق إلى الجنة
17 – اجتماع صلاح الدنيا و الآخرة في سماع الحديث و كتبه.
18 – ثبوت حجة صاحب الحديث.
19 – الاستدلال على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث.
20 – الاستدلال على المبتدعة ببغض الحديث و أهله.
21 – من جمع بين مدح أصحاب الحديث و ذم أهل الرأي و الكلام الخبيث.
22 – من قال: طلب الحديث من أفضل العبادات.
23 – من قال: رواية الحديث أفضل من التسبيح.
24 – من قال: التحديث أفضل من صلاة النافلة.
25 – من تمنى رواية الحديث من الخلفاء و رأى أن المحدثين أفضل العلماء.
هذه هي أهم أبواب الكتاب و فصوله. أسأل الله تعالى أن ييسر له من يقوم بطبعه
من أنصار الحديث و أهله، حتى يسوغ لمثلي أن يحيل عليه من شاء التفصيل في معرفة
ما جاء في هذه الفصول الرائعة من الأحاديث و النقول عن الأئمة الفحول!
و أختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في
الهند، ألا و هو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي (1264 – 1304)
قال رحمه الله:
” و من نظر بنظر الإنصاف، و غاص في بحار الفقه و الأصول متجنبا الاعتساف،
يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية و الأصلية التي اختلف العلماء فيها،
فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم، و إني كلما أسير في شعب الاختلاف
أجد قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف، فلله درهم، و عليه شكرهم (كذا) كيف
لا وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم حقا، و نواب شرعه صدقا، حشرنا الله في
زمرتهم، و أماتنا على حبهم و سيرتهم “.