135 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي وناجي الصيعري وعلي الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(135) – قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج (10) ص (310)): حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَن زَائِدَةَ، عَن مَنْصُورٍ، عَن طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كُنَّ لَهُ كَعَدْلِ نَسَمَةٍ».
هذا حديث صحيحٌ.
ـــــــ
أولاً: دراسة الحديث رواية:
جاء أنها تعدل رقبة من ولد إسماعيل:
6404 – حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا عمر بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: «من قال عشرا، كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل» البخاري
863 – حدثنا محمد بن إسماعيل أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال، حدثني أبو بكر عبد الحميد بن عبد الله بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عن سهيل عن أبيه، عن ابن عياش برجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قال حين يصبح: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب له بها عشر حسنات، ومحي عنه بها عشر سيئات، وكان له عدل رقبة يعتقها من ولد إسماعيل، وكانت له حرزا من الشيطان ليلته حتى يصبح فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكرون ذلك على ابن عياش، ويقولون: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فرأى رجل ممن ينكر ذلك على ابن عياش في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أصدق ابن عياش؟ أنت قلت كذا وكذا؟ فقص عليه الحديث، فقال: صدق ابن عياش، صدق ابن عياش فصدقه عشر مرات ”
مكارم الأخلاق للخرائطي (ص281)
ما جاء في أنها تعدل رقبة واحدة من غير ذكر ولد إسماعيل:
في مسند أحمد:
18518 – حدثنا عفان، حدثنا شعبة، قال: طلحة أخبرني، قال: سمعت عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” من منح منحة ورق، أو منح ورقا، أو هدى زقاقا، أو سقى لبنا، كان له عدل رقبة، أو نسمة. ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان له كعدل رقبة، أو نسمة ”
مسند أحمد (30/ 482 ط الرسالة) وراجع مسند أحمد (18516) و (18507) و (18616) و (18704)
وهو في الصحيح المسند 133 وتقدم شرحه
وجاء أنها تعدل أربع رقاب من ولد إسماعيل:
جاء في صحيح مسلم:
(2693) حدثنا سليمان بن عبيد الله أبو أيوب الغيلاني، حدثنا أبو عامر يعني العقدي، حدثنا عمر وهو ابن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: ” من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرار كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ”
وعزاه المنذري كما في صحيح الترغيب 1534 إلى البخاري أيضا
وهو في صحيحه
(6404) – حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ أبِي زائِدَةَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قالَ: «مَن قالَ عَشْرًا، كانَ كَمَن أعْتَقَ رَقَبَةً مِن ولَدِ إسْماعِيلَ» قالَ عُمَرُ بْنُ أبِي زائِدَةَ: وحَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، مِثْلَهُ. فَقُلْتُ لِلرَّبِيعِ مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقالَ: مِن عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، فَأتَيْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقالَ: مِنَ ابْنِ أبِي لَيْلى، فَأتَيْتُ ابْنَ أبِي لَيْلى، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ فَقالَ: مِن أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ، يُحَدِّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ لا، وقالَ إبْراهِيمُ بْنُ يُوسُفَ: عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ أبِي أيُّوبَ قَوْلَهُ عَنِ النَّبِيِّ لا، وقالَ مُوسى، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، عَنْ داوُدَ، عَنْ عامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ أبِي أيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ لا، وقالَ إسْماعِيلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَوْلَهُ. وقالَ آدَمُ: حَدَّثَنا شُعْبَةُ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ، سَمِعْتُ هِلاَلَ بْنَ يَسافٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ، وعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَوْلَهُ. وقالَ الأعْمَشُ، وحُصَيْنٌ: عَنْ هِلاَلٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَوْلَهُ. ورَواهُ أبُو مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ، عَنْ أبِي أيُّوبَ، عَنِ النَّبِيِّ لا: «كانَ كَمَن أعْتَقَ رَقَبَةً مِن ولَدِ إسْماعِيلَ» قالَ أبُو عَبْدِ اللَّهِ: «والصَّحِيحُ قَوْلُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عَمْرٍو»
علق الألباني على صحيح الترغيب: وأما رواية (عشر رقاب … ) المذكورة عقب هذه في الأصل فهي شاذة لا تصح كما حققته في الضعيفة (5126) ولذلك أوردتها في صحيح الترغيب.
وورد أنها تعدل أربعة أنفس من غير ذكر أولاد إسماعيل كما في مسند أحمد:
23518 – حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، حدثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن القاسم بن مخيمرة، عن عبد الله بن يعيش، عن أبي أيوب الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قال إذا صلى الصبح: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كن كعدل أربع رقاب، وكتب له بهن عشر حسنات، ومحي عنه بهن عشر سيئات، ورفع له بهن عشر درجات، وكن له حرسا من الشيطان حتى يمسي، وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك ” وصححه محققو المسند
وجاء أنها تعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل:
3906 – حدثنا نصر بن مرزوق، قال: حدثنا الخصيب بن ناصح، قال: حدثنا وهيب، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب له بقدر عشر محررين من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم أو قال: عدل محرر ”
شرح مشكل الآثار (10/ 52)
وجاء أنها تعدل عشر رقاب من غير ذكر ولد إسماعيل:
ففي صحيح البخاري
(6403) – حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ لا قالَ: «مَن قالَ: لاَ إلَهَ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَ -[(86)]- لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتّى يُمْسِيَ، ولَمْ يَاتِ أحَدٌ بِأفْضَلَ مِمّا جاءَ إلّا رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنهُ»
وفي مسلم
– ((2691)) حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ يَحْيى، قالَ: قَرَاتُ عَلى مالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ لا، قالَ: «مَن قالَ: لا إلَهَ إلّا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ومُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ، يَوْمَهُ ذَلِكَ، حَتّى يُمْسِيَ ولَمْ يَاتِ أحَدٌ أفْضَلَ مِمّا جاءَ بِهِ إلّا أحَدٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِن ذَلِكَ، ومَن قالَ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطاياهُ ولَوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ»
وفي مسند أحمد تقييد ذلك بالصباح والمساء وعدد الذكر عشر مرات وأشار النسائي الى مخالفة عبدالله بن سعيد للإمام مالك ورواية مالك هي التي في الصحيحين
ورد في حديث البراء ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمة
يعني مرة واحدة كعتق نسمة
قال ابن حجر في حديث أبي هريرة هذا الأجر قبل المضاعفة ويكون لكل مرة بالمضاعفة رقبة
وفي مسند أحمد
23546 – حدثنا يزيد، أخبرنا داود، عن عامر، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي أيوب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كن له كعدل عتق عشر رقاب ” أو ” رقبة ” وقال محققو المسند على شرط مسلم
23568 – حدثنا أبو اليمان، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن خالد بن معدان، عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحط الله عنه بها عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملا يقهرهن، فإن قال حين يمسي، فمثل ذلك ” وصححه محققو المسند
3534 – حدثنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن الجلاح أبي كثير، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عمارة بن شبيب السبئي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له»، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات على إثر المغرب، بعث الله له مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجبات، ومحا عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقاب مؤمنات.
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، ولا نعرف لعمارة بن شبيب سماعا من النبي صلى الله عليه وسلم.
سنن الترمذي (5/ 504 ت بشار)
قلت سيف بن دورة: فيه انقطاع
* قال الهيثمي في مجمع الزوائد 16818 في حديث أبي أيوب ” قلت: له حديث في الصحيح غير هـذا فيمن قالها عشرا.
رواه أحمد، والطبراني، وقال في أحد الطرق: ” كان له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل – عليه السلام – “. ولم يشك، ورجال أحمد رجال الصحيح، وفي رجال الطبراني الحجاج بن نصير، وقد ضعفه الجمهور، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطئ ويهم، وبقية رجاله ثقات.”
* حديث أبي أيوب عزاه محققو المسند 29/ 515
للبخاري (6404) ومسلم (2693) وفي رواية عند النسائي عين دبر صلاة الغداة. وأخرجه غير واحد دون تعيين الوقت. وراجع تخريج الترغيب والترهيب لسيف بن دورة وفيه الكلام على حديث معاذ بن جبل (475) و (477) حيث نقل:
(477) – ((6)) وعن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن النبي – لا -؛ أنه قال:
«من قال قَبل أنْ ينصرفَ ويَثنيَ رجلَيه من صلاةِ المغربِ والصبحِ: (لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملك، وله الحمدُ، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير -عشرَ مرات-)؛ كتب الله له بكل واحدةٍ عشرَ حسناتٍ، ومحا عنه عشرَ سيئات، ورَفَعَ له عشرَ درجاتٍ، وكانت حِرزًا من كل مكروه، وحِرزًا من الشيطان الرجيم، ولم يَحِلَّ لذنبٍ أنْ يُدركه إلا الشركُ، وكان من أفضل الناس عَمَلًا، إلا رجلًا يَفضلُهُ، يقول أفضلَ مما قال».
رواه أحمد، ورجاله رجال «الصحيح»؛ غير شهر بن حوشب، وعبد الرحمن بن غَنْم مختلف في صحبته.
وقد رُوي هذا الحديث عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم.
——‘
جمع باحث طرقه وقال:
والناظر لجميع الطرق يجد مدارها على شهر بن حوشب، وقد اضطرب فيها اضطرابًا شديدًا، (فمرة يرويه عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر، ومرة عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، ومرة عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي هريرة، ومرة عن عبد الرحمن بن غنم مرسلًا، ومرة عن أبي أمامة، ومرة عن أم سلمة، هذا غير التفاوت في المتن).
وقد قال الدارقطني في (العلل) [(6) / (248)]: ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من شهر والله أعلم والصحيح عن بن أبي حسين المرسل بن غنم عن النبي؟
وورد من حديث أبي أيوب:
حديث أبي أيوب رضي الله عنه- هذا – له طرق كثيرة جدًا، وهي عندي مخرجة، واكتفيت هنا بذكر الخلاف عن الشعبي، حتى أحرر زيادة (من قال دبر صلاة الغداة ودبر صلاة المغرب) التي لم تأتِ عن الشعبي إلا من طريق محمد بن أبي ليلى، وهي زيادة منكرة كما سبق بيانه، وكذلك ذكرت طريق عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب رضي الله عنه لأن فيه تلك الزيادة (مَن قالَ إذا صَلّى الصُّبْحَ) وهي أيضًا زيادة منكرة، وأهملت كل الطرق -عمدًا – عن أبي أيوب رضي الله عنه التي ليس فيها هذه الزيادة، لأنها محل بحثي. والله أعلم
انتهى من بحث لبعض الباحثين في الشبكة وخلص الباحث أن طرقه لا تتقوى
* جاء في السلسلة الضعيفة 5126 – (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهـو على كل شيء قدير – عشر مرات -؛ كن له كعدل عتق عشر رقاب، أو رقبة).
قال الشيخ الألباني رحمه الله: ” شاذ
أخرجه أحمد (5/ 418)، ويعقوب الفسوي في “المعرفة والتاريخ” (3/ 129)، والطبراني في “المعجم الكبير” (1/ 201/ 1)، والبيهقي في “شعب الايمان” (1/ 344) من طريق داود عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعا به.
قلت: وهـو إسناد صحيح على شرط مسلم؛ لولا الشك الذي في آخره.
ونحوه: ما رواه حماد بن سلمة عن داود بن أبي هـند به؛ إلا أنه قال:
“كانت له كعدل محرر أو محررين”.
أخرجه الطبراني (4/ 196/ 4017)، والبيهقي.
والرواية الاولى أصح؛ لان حماد بن سلمة في روايته عن غير ثابت البناني غيره أقوى منه!
وأوهـى مما مضى: ما روى حجاج بن نصير: أخبرنا شعبة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي به؛ إلا أنه قال:
” … كن له كعدل عشر رقاب من ولد إسماعيل عليه السلام”.
أخرجه الطبراني.
قلت: وحجاج بن نصير؛ قال الحافظ:
“ضعيف، كان يقبل التلقين”.
والصحيح المحفوظ في هـذا الحديث؛ إنما هـو بلفظ:
” … كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل”.
“بعد الصبح”.
وسندهـا صحيح؛ لكنه لم يصرح برفعه؛ إلا أنه في حكم المرفوع.
* قال محققو المسند ((526) / (38) – (527)): ” إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير داود -وهـو ابن أبي هـند- فمن رجال مسلم. يزيد: هـو ابن هـارون، وعامر: هـو ابن شراحيل الشعبي.
وأخرجه ابن أبي شيبة 10/ 301 و13/ 460، وحسين المروزي في زياداته على “زهـد” ابن المبارك (1124)، والشاشي في “مسنده” (1098) و (1099) و (1101) و (1102)، والطبراني في “الكبير” (4016) و (4019)، والبيهقي في “الدعوات” (118) من طريق يزيد بن هـارون، بهذا الاسناد.
وأخرجه حسين المروزي (1125)، والطحاوي في “شرح مشكل الاثار” (3906)، والطبراني (4016) و (4017)، والبيهقي في “شعب الايمان” (593) من طرق عن داود بن أبي هـند، به.
وأخرجه الطبراني (4018) من طريق حماد بن زيد، عن داود بن أبي هـند، عن الشعبي، عن الربيع بن خثيم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى بنحو ما سيأتي بإثر الرواية (23583).
وأخرجه الترمذي (3553)، والنسائي في “عمل اليوم والليلة” (112)، والشاشي (1097) و (1100) و (1104)، والبغوي في “شرح السنة” (1275) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، والشاشي (1103) من طريق إسماعيل ابن أبي خالد، كلاهـما، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي أيوب. وفيه: “كان له عدل أربع رقاب من ولد إسماعيل” وقيد بعضهم الذكر بعد صلاة الغداة.
وانظر ما سلف برقم (23516).
وورد في التهليل فضل آخر
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله: «من قال (سُبْحانَ اللهِ) مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضل من مائة بدنة.
ومن قال (الحَمْدُ للهِ) مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضل من مائة فرس يحمل عليها.
ومن قال (اللهُ أكْبَرُ) مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، كان أفضل من عتق مائة رقبة.
ومن قال (لا إلَهَ إلّا الله، وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيِرٍ) مائة مرة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، لم يجيء يوم القيامة أحد بعمل أفضل من عمله إلا من قال قوله أو زاد» رواه النسائي في الكبرى [رقم (10657)] وغيره. [صحيح الترغيب والترهيب: رقم: (658)]
ثانياً: دراسة الحديث دراية:
معنى النسمة:
قال ابن عبدالبر:
وأما قوله: “نسمة المؤمن” والنسمة هاهنا الروح، يدلك على ذلك قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث نفسه: “حتى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة”. وقيل: النسمة: النفس، والروح، والبدن، وأصل هذه اللفظة، أعني النسمة، الإنسان بعينه، وإنما قيل للإنسان نسمة، والله أعلم، لأن حياة الإنسان بروحه، فإذا فارقته، عدم، أو صار كالمعدم.
والدليل على أن النسمة الإنسان، قوله – صلى الله عليه وسلم -: “من أعتق نسمة مؤمنة”، وقول علي رضي الله عنه: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة.
قال الشاعر:
بأعظم منك يقي في الحساب … إذا النسمات نفضن الغبارا
يعني إذا بعث الناس من قبورهم يوم القيامة.
وقال الخليل بن أحمد: النسمة الإنسان. قال: والنسم نفس الروح، والنسيم هبوب الريح
التمهيد – ابن عبد البر (7/ 199 ت بشار)
* روى البخاري (3293) ومسلم (2691) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَاتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ، إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم (17/ 17).:”وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحَصِّلُ هَذَا الْأَجْرَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي يَوْمِهِ سَوَاءٌ قَالَهُا مُتَوَالِيَةً، أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجَالِسَ، أَوْ بَعْضَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعْضَهَا آخِرَهُ.
لَكِنَّ الْأَفْضَلَ: أَنْ يَاتِيَ بِهَا مُتَوَالِيَةً، فِي أَوَّلِ النَّهَارِ؛ لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ” انتهى
وورد:
– عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير بعدما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله عز و جل له عشر حسنات و محى عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات و كن له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل، فإن قالها حين يمسي كان له مثل ذلك و كن له حجابا من الشيطان حتى يصبح “. الصحيحة (113).
فضيلة عتق الرقاب:
* وردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب في العتق والحث عليه، ومن ذلك:
ما رواه البخاري (6715) ومسلم (1509) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ).
وروى أحمد (15417) عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من أعان مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ.
* قال ابن رجب رحمه الله كما في لطائف المعارف (ص283):
” تحقيق كلمة التوحيد يوجب عتق الرقاب، وعتق الرقاب يوجب العتق من النار، كما ثبت في الصحيح: أن من قالها مائة مرة كان له عدل عشر رقاب.
وثبت أيضا: أن من قالها عشر مرات كان كمن اعتق أربعة من ولد إسماعيل.
وفي سنن أبي دواد وغيره عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم أني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاث مرات أعتق الله ثلاثة أرباعه ومن قالها أربع مرار أعتقه الله من النار) “.
* قال الشيخ عبدالرزاق العباد حفظه الله في فقه الأدعية والأذكار ((1) / (167) وما بعدها):
” فضائل كلمة التوحيد لا إله إلا الله
كان الحديث فيما سبق حول ذكر جملة من النصوص النبوية الدالة على فضل الكلمات الاربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وفيما يلي سيكون الحديث في ذكر فضائل كلمة التوحيد لا إله إلا الله، التي هـي أفضل هـؤلاء الكلمات الاربع، وأجلهن وأعظمهن؛ فلاجل هـذه الكلمة خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبها افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهـل الجنة وأشقياء أهـل النار، فهي العروة الوثقى، وهـي كلمة التقوى، وهـي أعظم أركان الدين وأهـم شعب الايمان، وهـي سبيل الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهـي كلمة الشهادة، ومفتاح دار السعادة، وأصل الدين وأساسه ورأس أمره، وفضائل هـذه الكلمة وموقعها من الدين فوق ما يصفه الواصفون ويعرفه العارفون {شهد الله أنه لا إله إلا هـو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هـو العزيز الحكيم}.
إن لهذه الكلمة الجليلة فضائل عظيمة، وفواضل كريمة، ومزايا جمة، لا يمكن لاحد استقصاؤهـا، ومما ورد في فضل هـذه الكلمة في القرآن الكريم أن الله تبارك وتعالى جعلها زبدة دعوة الرسل، وخلاصة رسالاتهم، قال الله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وقال تعالى في أول سورة النحل: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون}، وهـذه الاية هـي أول ما عدد الله على عباده من النعم في هـذه السورة، فدل ذلك على أن التوفيق لذلك هـو أعظم نعم الله تعالى التي أسبغها على عباده كما قال سبحانه: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهـرة وباطنة}. قال مجاهـد: “لا إله إلا الله”.
وقال سفيان بن عيينة: “ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله”.
ـ ومن فضائلها: أن الله وصفها في القرآن بأنها الكلمة الطيبة، قال الله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون}.
ـ وهـي القول الثابت في قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
وهـي العهد في قوله تعالى: {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا}، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “العهد: شهادة أن لا إله إلا الله، ويتبرأ إلى الله عز وجل من الحول والقوة، وهـي رأس كل تقوى”.
ـ ومن فضائلها: أنها العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن لم يتمسك بها هـلك، قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}، وقال تعالى: {ومن يسلم وجهه إلى الله وهـو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى}.
ـ ومن فضائلها: أنها الكلمة الباقية التي جعلها إبراهـيم الخليل عليه السلام في عقبه لعلهم يرجعون، قال الله تعالى: {وإذ قال إبراهـيم لابيه وقومه إنني برآء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}.
ـ وهـي كلمة التقوى التي ألزمها الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أحق بها وأهـلها، قال الله تعالى: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهـلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهـلها وكان الله بكل شيء عليما}.
روى أبو إسحاق السبيعي، عن عمرو بن ميمون قال: ما تكلم الناس بشيء أفضل من لا إله إلا الله، فقال سعد بن عياض: “أتدري ما هـي يا أبا عبد الله؟ هـي والله كلمة التقوى ألزمها الله أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا أحق بها وأهـلها رضي الله عنهم”.
ـ ومن فضائل هـذه الكلمة: أنها منتهى الصواب وغايته، قال الله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}.
روى علي بن طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}
أنه قال: “إلا من أذن له الرب عز وجل بشهادة أن لا إله إلا الله، وهـي منتهى الصواب”.
وقال عكرمة: “الصواب: لا إله إلا الله”.
ـ ومن فضائلها: أنها هـي دعوة الحق المرادة بقوله تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هـو ببالغه وما دعآء الكافرين إلا في ضلال}.
ـ ومن فضائلها: أنها هـي الرابطة الحقيقية التي اجتمع عليها أهـل دين الاسلام، فعليها يوالون ويعادون، وبها يحبون ويبغضون، وبسببها أصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضها بعضا.
قال الشيخ العلامة محمد الامين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان: “والحاصل أن الرابطة الحقيقية التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هـي رابطة لا إله إلا الله، ألا ترى أن هـذه الرابطة التي تجمع المجتمع الاسلامي كله كأنه جسد واحد، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضا، عطفت قلوب حملة العرش ومن حوله من الملائكة على بني آدم في الارض مع ما بينهم من الاختلاف، قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هـو الفوز العظيم}، فقد أشار تعالى إلى أن الرابطة التي ربطت بين حملة العرش ومن حوله وبين بني آدم في الارض حتى دعوا الله لهم هـذا الدعاء الصالح العظيم إنما هـي الايمان بالله جل وعلا.
إلى أن قال رحمه الله: وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين أن الرابطة التي تربط أفراد أهـل الارض بعضهم ببعض وتربط بين أهـل الارض والسماء هـي رابطة لا إله إلا الله، فلا يجوز ألبتة النداء برابطة غيرهـا” اهـ
ـ ومن فضائل هـذه الكلمة: أنها أفضل الحسنات، قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله خير منها}.
وقد ورد عن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي هـريرة، وغيرهـم: أن المراد بالحسنة: “لا إله إلا الله”، وعن عكرمة رحمه الله في قول الله عز وجل: {من جاء بالحسنة فله خير منها}
قال: “قول: لا إله إلا الله. قال: له منها خير؛ لانه لا شيء خير من لا إله إلا الله”.
وقد ثبت في المسند وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله علمني عملا يقربني من الجنة ويباعدني من النار. فقال: “إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها”. قلت: يا رسول الله، أفمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: “نعم هـي أحسن الحسنات”.
فهذه بعض فضائل هـذه الكلمة العظيمة، من خلال ما ورد في القرآن الكريم، وسوف نستكمل ذكر بعض فضائلها من خلال ما ورد من ذلك في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتوفيق بيد الله وحده.
ـ فمن فضائلها في السنة: أنها أفضل الاعمال وأكثرهـا تضعيفا، وتعدل عتق الرقاب، وتكون لقائلها حرزا من الشيطان، كما في الصحيحين عن أبي هـريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهـو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل أكثر من ذلك”.
وفيهما أيضا عن أبي أيوب الانصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل”.
ـ ومن فضائلها: أنها أفضل ما قاله النبيون، لما ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهـو على كل شيء قدير”، وفي لفظ: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهـو على كل شيء قدير”.
ـ ومن فضائلها: أنها ترجح بصحائف الذنوب يوم القيامة كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما المخرج في المسند، وسنن النسائي، والترمذي، وغيرهـما بإسناد جيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، ثم يقول الله تبارك وتعالى له: أتنكر من هـذا شيئا؟ فيقول: لا يا رب. فيقول عز وجل: ألك عذر أو حسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب. فيقول عز وجل: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك، فتخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هـذه البطاقة مع هـذه السجلات؟ فيقول عز وجل: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة”.
ولا ريب أن هـذا قد قام بقلبه من الايمان ما جعل بطاقته التي فيها لا إله إلا الله تطيش بتلك السجلات، إذ الناس متفاضلون في الاعمال بحسب ما يقوم بقلوبهم من الايمان، وإلا فكم من قائل لا إله إلا الله لا يحصل له مثل هـذا لضعف إيمانه بها في قلبه، فقد ورد في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير”، فدل ذلك على أن أهـل لا إله إلا الله متفاوتون فيها بحسب ما قام في قلوبهم من إيمان.
ـ ومن فضائل هـذه الكلمة: أنها لو وزنت بالسموات والارض رجحت بهن كما في المسند عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أن نوحا قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله، فإن السموات السبع والارضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع في حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله”.
ـ ومن فضائلها: أنها ليس لها دون الله حجاب، بل تخرق الحجب حتى تصل إلى الله عز وجل، ففي الترمذي بإسناد حسن عن أبي هـريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” ما قال عبد لا إله إلا الله مخلصا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر”.
ـ ومن فضائلها: أنها نجاة لقائلها من النار، ففي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: “خرج من النار”، وفي الصحيحين من حديث عتبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله”.
ـ ومن فضائل هـذه الكلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها أفضل شعب الايمان، ففي الصحيحين من حديث أبي هـريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الايمان بضع وسبعون شعبة، أعلاهـا قول لا إله إلا الله، وأدناهـا إماطة الاذى عن الطريق”.
ـ ومن فضائلها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها أفضل الذكر كما في الترمذي وغيره من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله”.
ـ ومن فضائلها: أن من قالها خالصا من قلبه يكون أسعد الناس بشفاعة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما في الصحيح من حديث أبي هـريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد ظننت يا أبا هـريرة أن لا يسألني عن هـذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه”.
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في هـذا الحديث: ” من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه” دليل على أن لا إله إلا الله لا تقبل من قائلها بمجرد قوله لها بلسانه فقط، بل لا بد من استيفاء شروطها والاتيان بقيودهـا الواردة في الكتاب والسنة، إذ هـي لا تقبل من قائلها إلا بذلك.
– وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله والله أكبر، لا إله إلا الله وحده، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. من قالها في مرضه، ثم مات لم تطعمه النار)).
– وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)).
– وعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أيضاً قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله. قال أشهد أن لا إله إلا الله. ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله. قال أشهد أن محمداً رسول الله. ثم قال حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال حي على الفلاح. قال لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال الله أكبر الله أكبر. قال الله أكبر الله أكبر، ثم قال لا إله إلا الله. قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)).
– وعن عتبان بن مالك – رضي الله عنه – يرفعه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -: (( .. فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))
– وعن سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً غفر له ذنبه))
– وعن عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه قال سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – رجلاً يدعو وهو يقول: ((اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد، الصمد الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد))، فقال: ((والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعيَ به أجاب، وإذا سُئل به أعطى))
– وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قولُ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)).
– وعن أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة))
– وعن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) وفي رواية: ((أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء))
– قتل أسامة – رضي الله عنه – رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله، فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أسامة، قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله))؟ قال: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا))؟ وفي رواية: ((كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)) قال: يا رسول الله استغفر لي، قال: ((وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)) فجعل لا يزيده على أن يقول: ((كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة))؟ قال أسامة – رضي الله عنه -: فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ
وللتوسع في فضائل كلمة التوحيد راجع الصحيح المسند:
1280 – – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصا إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر.
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
– كيف التوفيق بين دخول الجنة بقول لا إله إلا الله من أول وهلة وأنه يحرم على النار وبين الأحاديث المتواترة أن من هذه الأمة أقوام تطهرهم النار بسبب معاصي ارتكبوها؟
قال بعض لجان الفتوى:
فللعلماء في معنى الحديث قولان:
الأول: أن من ختم بكلمة التوحيد دخل الجنة، أي لا بد له من دخولها: إما معجلًا معافى، وإما مؤخرًا بعد عقابه.
وعلى هذا المعنى فلا يختص ذلك بمن ختم له بهذه الكلمة. ولا عبرة بمفهوم المخالفة لأنه سيعارض نصوصًا منطوقة كثيرة، والمنطوق مقدم على المفهوم.
الثاني: أن من ختم له بلا إله إلا الله، وكانت خاتمة لفظه -وإن كان قبل ذلك مخلطًا- كان ذلك سببًا لرحمة الله تعالى إياه، ونجاته رأسًا من النار، وتحريمه عليها، بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين، فإنه تحت مشيئة الله سبحانه، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة بلا عذاب، وإن شاء عذبه بذنبه ثم أدخله الجنة.
والله أعلم. انتهى
وهذه الأحاديث دلّت على أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ولكن لابد من استكمال شروطها، وأركانها، ومقتضاها، والابتعاد عن نواقضها، فمن أتى بهذه الكلمة وقد سلم من أنواع الظلم الثلاثة: ظلم الشرك، وظلم العباد، وظلم العبد نفسه بالمعاصي فيما دون الشرك فله الأمن التام والهداية التامة، ويدخل الجنة برحمة الله وفضله بغير حساب، ومن جاء بهذه الكلمة وقد نقصها بالذنوب التي لم يتب منها؛ فإن كانت صغائر كُفِّرت باجتناب الكبائر كما في قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}، وإن كانت كبائر فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ثم أدخله الجنة.
وأحسن ما قيل في هذه الأحاديث ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية كما جاء في الدرر السنية:
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية،: تواترت الأحاديث، بأنه يحرم على النار من قال: لا إله إلا الله، ومن شهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالإخلاص واليقين، والموت عليها، وكلها مقيدة بالقيود الثقال؛ وأكثر من يقولها، لا يعرف الإخلاص، ولا
اليقين؛ وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم أقرب الناس من قول الله تعالى، حاكيًا عن المشركين: {إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وإنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [سورة الزخرف آية: (23)]، وحينئذ، فلا منافاة بين الأحاديث؛ فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين، ومات على ذلك، امتنع أن تكون سيئاته راجحة على حسناته، بل كانت حسناته راجحة، فيحرم على النار، لأنه إذا قالها بإخلاص ويقين تام، لم يكن في هذه الحال مصرًا على ذنب، فإن كمال الإخلاص ويقينه، موجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء سواه، وأخوف عنده من كل شيء، فلا يبقى في قلبه يومئذ إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله. فهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كان له ذنوب قبل ذلك؛ فهذا الإيمان، وهذه التوبة، وهذا الإخلاص، وهذه المحبة، وهذا اليقين والكراهة، لا يتركن له
ذنبًا إلا محي عنه، كما يمحو النهار الليل. فمن قالها على وجه الكمال، المانع من الشرك الأكبر والأصغر، فهذا غير مصر على ذنب أصلًا، فيغفر له، ويحرم على النار. وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر، ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك، فهذه الحسنات لا يقاومها شيء من السيئات، فيرجح بها ميزان الحسنات، كما في حديث البطاقة.
جاء في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد:
قال: “ولهما في حديث عتبان: فإنَّ الله حرَّم على النار مَن قال: “لا إله إلا الله” يبتغي بذلك وجه الله”.
قوله: “ولهما” أي: البخاري ومسلم في “صحيحيهما” بكماله، وهذا طرفٌ من حديثٍ طويلٍ أخرجه الشيخان.
و”عِتبان” بكسر المهملة، بعدها مُثناة فوقية، ثم مُوحدة، ابن مالك بن عمرو بن العجلان، الأنصاري، من بني سالم بن عوف، صحابي مشهور، مات في خلافة معاوية.
وأخرج البخاري في “صحيحه” بسنده عن قتادةَ قال: حدَّثنا أنس بن مالك: أنَّ النبي لا ومعاذ رديفه على الرَّحْل قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ، قال: لبيك يا رسول الله وسعديك -ثلاثًا- قال: ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرَّمه الله تعالى على النار، قال: يا رسول الله، أفلا أُخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذًا يتَّكِلوا. فأخبر بها معاذٌ عند موته تأثُّمًا.
وساق بسندٍ آخر: حدَّثنا مُعتمر قال: سمعتُ أبي قال: سمعتُ أنسًا قال: ذكر لي أنَّ النبي لا قال لمعاذ بن جبل: مَن لقي الله لا يُشرك به شيئًا دخل الجنة، قال: ألا أُبشر الناس؟ قال: لا؛ إني أخاف أن يتَّكلوا.
قلتُ: فتبين بهذا السياق معنى شهادة “أن لا إله إلا الله”، وأنها تتضمن ترك الشِّرك لمن قالها بصدقٍ ويقينٍ وإخلاصٍ.
قال شيخُ الإسلام وغيره في هذا الحديث ونحوه: أنها فيمَن قالها ومات عليها، كما جاءت مُقيدةً بقوله: “خالصًا من قلبه، غير شاكٍّ فيها، بصدقٍ ويقينٍ”، فإنَّ حقيقة التوحيد: انجذاب الروح إلى الله تعالى جملةً، فمَن شهد أن لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة؛ لأنَّ الإخلاص هو انجذاب القلب إلى الله تعالى بأن يتوب من الذنوب توبةً نصوحًا، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك، فإنه قد تواترت الأحاديثُ بأنه: “يخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرةً، وما يزن خردلةً، وما يزن ذرَّةً”.
وتواترت بأنَّ كثيرًا ممن يقول: “لا إله إلا الله” يدخل النار ثم يخرج منها، وتواترت بأنَّ الله حرَّم على النار أن تأكل أثر السُّجود من ابن آدم، فهؤلاء كانوا يُصلون ويسجدون لله، وتواترت بأنه يحرم على النار مَن قال: لا إله إلا الله، ومَن شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، لكن جاءت مُقيدةً بالقيود الثِّقال، وأكثر مَن يقولها لا يعرف الإخلاص، وأكثر مَن يقولها إنما يقولها تقليدًا أو عادةً، ولم تُخالط حلاوةُ الإيمان بشاشةَ قلبه.
وغالب مَن يُفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء، كما في الحديث: سمعتُ الناس يقولون شيئًا فقلتُه.
وغالب أعمال هؤلاء إنما هي تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم من أقرب الناس من قوله تعالى: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23].
وحينئذٍ فلا مُنافاة بين الأحاديث؛ فإنه إذا قالها بإخلاصٍ ويقينٍ تامٍّ لم يكن في هذه الحال مُصرًّا على ذنبٍ أصلًا، فإنَّ كمال إخلاصه ويقينه يُوجب أن يكون الله أحبَّ إليه من كل شيءٍ، فإذا لا يبقى في قلبه إرادة لما حرَّم الله، ولا كراهة لما أمر الله. وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت له ذنوب قبل ذلك، فإنَّ هذا الإيمان وهذا الإخلاص وهذه التوبة وهذه المحبَّة وهذا اليقين لا تترك له ذنبًا إلا مُحي عنه، كما يمحو الليلُ النهارَ، فإذا قالها على وجه الكمال المانع من الشِّرك الأكبر والأصغر، فهذا غير مُصرٍّ على ذنبٍ أصلًا، فيغفر له، ويحرم على النار. وإن قالها على وجهٍ خلص به من الشِّرك الأكبر دون الأصغر، ولم يأتِ بعدها بما يُناقض ذلك، فهذه الحسنة لا يُقاومها شيء من السّيئات، فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة، فيحرم على النار، ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه.
وهذا بخلاف مَن رجحت سيئاته بحسناته، ومات مُصرًّا على ذلك؛ فإنه يستوجب النار وإن قال: “لا إله إلا الله” وخلص بها من الشِّرك الأكبر، ولكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعدها بسيئات رجحت على حسنة توحيده، فإنه في حال قولها كان مُخلصًا، لكنه أتى بذنوبٍ أوهنت ذلك التوحيد والإخلاص فأضعفته، وقويت نارُ الذنوب حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن؛ فإنَّ حسناته لا تكون إلا راجحةً على سيئاته، ولا يكون مُصرًّا على سيئات، فإن مات على ذلك دخل الجنَّة.
وإنما يُخاف على المخلص أن يأتي بسيئةٍ راجحةٍ فيضعف إيمانه، فلا يقولها بإخلاصٍ ويقينٍ مانع من جميع السَّيئات، ويُخشى عليه من الشِّرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر بقي معه من الأصغر، فيُضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك، فيرجح جانب السّيئات، فإنَّ السيئات تُضعف الإيمان واليقين، فيضعف قول “لا إله إلا الله”، فيمتنع الإخلاص بالقلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النَّائم، أو مَن يُحسن صوته بالآية من القرآن من غير ذوق طعمٍ وحلاوةٍ، فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصِّدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تنقض ذلك، بل يقولونها من غير يقينٍ وصدقٍ، ويحيون على ذلك، ويموتون على ذلك، ولهم سيئات كثيرة تمنعهم من دخول الجنة، فإذا كثرت الذنوب ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح، وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غير الله، واطمأنَّ إلى الباطل، واستحلى الرَّفث ومخالطة أهل الغفلة، وكره مُخالطة أهل الحقِّ، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدقه عمله.
قال الحسن: “ليس الإيمانُ بالتَّحلي ولا بالتَّمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمَن قال خيرًا وعمل خيرًا قبل منه، ومَن قال خيرًا وعمل شرًّا لم يُقبل منه”.
وقال بكر بن عبدالله المزني: “ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيامٍ ولا صلاةٍ، ولكن بشيءٍ وقر في قلبه”.
فمَن قال: “لا إله إلا الله” ولم يقم بمُوجبها، بل اكتسب مع ذلك ذنوبًا، وكان صادقًا في قولها، مُوقِنًا بها، لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه، وانضاف إلى ذلك الشِّرك الأصغر العملي، فرجحت هذه السّيئات على هذه الحسنة، ومات مُصرًّا على الذنوب، بخلاف مَن يقولها بيقينٍ وصدقٍ، فإنه إما أن لا يكون مُصرًّا على سيئةٍ أصلًا، ويكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته.
والذين يدخلون النار ممن يقولها: إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافيين للسّيئات أو لرجحانها، أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم، ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم، ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدقٍ ويقينٍ تام؛ لأنَّ الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق واليقين من قلوبهم، فقولها من مثل هؤلاء لا يقوى على محو السّيئات، فترجح سيئاتهم على حسناتهم. انتهى مُلخَّصًا.
علق الشيخ ابن باز رحمه الله كما في موقعه الرسمي على ما ذكره صاحب فتح المجيد بقوله:
” وهذا الكلام يُوضح أنَّ الأحاديث المطلقة يجب أن تُفسر بالأحاديث والآيات المقيدة، وهكذا الشأن في جميع الفضائل، وأخبار الفضائل، والترغيب والترهيب، كلها تُفسر بالآيات والأحاديث المحكمة المقيدة؛ لأنه ثبت في الأحاديث الصَّحيحة وفي القرآن الكريم ما يدل على أنَّ بعض أهل التوحيد يُعذَّبون ويُصيبهم ما يُصيب الناس من العقوبات بسبب اقتراف السّيئات والإصرار عليها؛ ولهذا قال جلَّ وعلا: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ما دون الشرك من أهل التوحيد، فإذا كان أتى بالتوحيد الخالص المتضمن التوبة من جميع السّيئات فهذا يدخل الجنةَ من أول وهلةٍ، أما إذا أتى بالتوحيد ولكن مع اقتراف السّيئات والمعاصي فهذا تحت المشيئة، ولا يكون من أهل النَّجاة مطلقًا، بل إن عفا الله عنه دخل الجنة، وإلا عُذِّب بقدر المعاصي التي مات عليها ولم يتب منها.
فالمقصود أنَّ النصوص المحكمة هي التي تُفسر هذه النصوص المطلقة في الأعمال وفي التوحيد، فمَن مات على التوحيد الخالص بصدقٍ وإخلاصٍ تضمن توبته وندمه وإقلاعه من السيئات دخل الجنةَ من أول وهلةٍ، أما إذا أتى بالتوحيد والذكر، ولكن هو مصرٌّ على السيئات والكبائر، فهذا تحت مشيئة الله، لا يدخل الجنةَ من أول وهلةٍ، بل هو على خطرٍ، فقد يدخل ويُعفا عنه، وقد يُعذَّب على قدر معاصيه، ثم بعد التَّطهير والتَّمحيص يُخرجه الله من النار.
وقال ابن باز: هذا البحث في التوحيد، أما الكافر فهذا إلى النار من أول وهلةٍ، نسأل الله العافية. انتهى كلام ابن باز
فتبين بذلك أن لا إله إلا الله لابد من استكمال جميع شروطها، وأركانها، ومقتضاها، والابتعاد عن نواقضها، ونواقصها من المعاصي؛ ولهذا قال وهب بن منبه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؛ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلاَّ وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح وإلا لم يفتح.
مسألة:
لماذا لا يحرم الإسلام الرق؟
جاء فتاوى اللجنة الدائمة:
السؤال الأول من الفتوى رقم (1977)
س1: يقولون: لماذا لا يحرم الإسلام الرقيق – تعالى الله عما يقولون؟
ج1: لله سبحانه كمال العلم والحكمة، واللطف والرحمة، فهو عليم بشئون خلقه، رحيم بعباده، حكيم في خلقه وتشريعه، فشرع للناس ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة، وما يكفل لهم السعادة الحقة والحرية والمساواة، لكن في نطاق عادل، وهدي شامل، وفي حدود لا تضيع معها حقوق الله ولا حقوق العباد، وأرسل بهذا التشريع رسله، مبشرين ومنذرين، فمن اتبع سبيله، واهتدى بهدي رسله؛ كان أهلا للكرامة، ونال الفوز والسعادة، ومن أبى أن يسلك طريق الاستقامة نزل به ما يكره من قتل أو استرقاق؛ إقامة للعدل، وتحقيقا للأمن والسلام، ومحافظة على النفوس والأعراض والأموال، من أجل ذلك شرع الجهاد؛ أخذا على يد العتاة وقضاء على عناصر الفساد، وتطهيرا للأرض من الظالمين، ومن وقع منهم أسيرا في يد المسلمين كان الإمام مخيرا فيه بين القتل إن فحش شره ولم يرج صلاحه، وبين العفو عنه أو قبول الفدية منه إن كان المعروف يملكه، ويسهل به إلى خير، وبين أن يسترقه إن رأى أن بقاءه بين أظهر المسلمين يصلح نفسه، ويقوم اعوجاجه، ويكسبه معرفة بطرق الهدي والرشاد، وإيمانا بها، واستسلاما لها؛ لما يراه من عدل المسلمين معه، وحسن عشرتهم، وجميل معاملتهم له، ولما يسمعه من نصوص التشريع في أحكام الإسلام وآدابه، فينشرح صدره للإسلام، ويحبب الله إليه الإيمان، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، وعند ذلك يبدأ حياة جديدة مع المسلمين، يكون بها أهلا لكسب الحرية بطريق الكتابة، كما قال تعالى: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} أو بطريق العتق في كفارة يمين أو ظهار أو نذر ونحو ذلك، أو بطريق العتق؛ ابتغاء وجه الله، ورجاء المثوبة يوم القيامة، إلى غير ذلك من أنواع التحرير.
وبهذا يعلم أن أصل الاسترقاق إنما هو عن طريق الأسر أو السبي في جهاد الكافرين لإصلاح من استرقوا بعزلهم عن بيئة الشر، وعيشتهم في مجتمع إسلامي يهديهم سبيل الخير، وينقذهم من براثن الشر، ويطهرهم من أدران الكفر والضلال، ويجعلهم أهلا لحياة حرة يتمتع فيها بالأمن والسلام، فالاسترقاق في حكم الإسلام كأنه مطهرة أو سون حمام يدخله من استرقوا من باب ليغسلوا ما بهم من أوساخ، ثم يخرجوا من باب آخر في نقاء وطهارة وسلامة من الآفات. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله لي صحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (16/ 570)