1343 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
———”’——–”——–”
———‘——–‘——-‘
قال البخاري:
باب الصلاة على الشهيد
1343 – حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم
1344 – حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال إني فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها
——–‘——‘——
فوائد الباب:
1 – قوله (الصلاة على الشهيد) أي حكمها، والمقصود به شهيد المعركة ولا يدخل فيه من له حكم الشهيد ولم يقتل في المعركة.
2 – حديث جابر أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
3 – قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين ليس عند مسلم لعبد الرحمن بن كعب بن مالك في مسند جابر شيء.
4 – فيه غزوة أحد قاله البخاري
5 – فيه باب الحوض قاله البخاري أي ثبوته.
6 – فيه باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها قاله البخاري.
7 – فيه باب علامات النبوة قاله البخاري.
8 – فضل حافظ القرآن.
9 – تقديم الأفضل في اللحد.
10 – اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الشَّهِيدِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ. وقَالَ بَعْضُهُمْ: يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَهْلِ الكُوفَةِ، وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ. قاله الترمذي.
11 – حديث عقبة مثبت في الصلاة على الشهيد، وحديث جابر ناف والمثبت أولى ….. ثم إن الصلاة على الموتى أصل في الدين وفرض كفاية فلا تسقط من غير فعل أحد بالتعارض قاله العيني بنحوه في عمدة القارئ.
12 – حديث عقبة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
13 – حديث عقبة مطابقته للترجمة من حيث إنها تحتمل مشروعية الصلاة على الشهيد من جهة عمومها. قاله العيني في عمدة القارئ.
14 – قوله: (صلاته على الميت) أي: مثل صلاته على الميت، وهذا يرد قول من قال: إن الصلاة في الأحاديث التي وردت محمولة على الدعاء. قاله العيني
15 – قال الخطابي: فيه أنه صلى الله عليه وسلم قد صلى على أهل أحد بعد مدة، فدل على أن الشهيد يصلى عليه كما يصلى على من مات حتف أنفه، وإليه ذهب أبو حنيفة، وأول الخبر في ترك الصلاة عليهم يوم أحد على معنى اشتغاله عنهم وقلة فراغه لذلك، وكان يوما صعبا على المسلمين، فعذروا بترك الصلاة عليهم. نقله العيني
16 – وفيه: أن الحوض مخلوق موجود اليوم وأنه حقيقي. قاله العيني
17 – وفيه: معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث نظر إليه في الدنيا وأخبر عنه. وفيه: معجزة أخرى أنه أعطى مفاتيح خزائن الأرض وملكتها أمته بعده. قاله العيني
18 – وفيه: أن أمته لا يخاف عليهم من الشرك، وإنما يخاف عليهم من التنافس، ويقع منه التحاسد والتباخل. قاله العيني
19 – وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم الشيء وتوكيده. قاله العيني
——–‘——-‘——-
باب الصلاة على الشهيد
قال ابن بطال في شرح البخاري:
– اختلف العلماء فى هذا الباب، فقال مالك: الذى سمعته من أهل العلم والسنة أن الشهداء لا يغسلون، ولا يصلى على أحد منهم، ويدفنون فى ثيابهم التى قتلوا فيها، وهو قول عطاء، والنخعى، والحكم، والليث، والشافعى، وأحمد. وقال أبو حنيفة، والثورى، والأوزاعى: يصلى عليه ولا يغسل، وهو قول مكحول. وقال عكرمة: لا يغسل الشهيد، لأن الله قد طيبه، ولكن يصلى عليه. وقال سعيد بن المسيب، والحسن البصرى: يغسل الشهيد ويصلى عليه، لأن كل ميت يجنب.
– واختلف الفقهاء إذا جرح فى المعركة، ثم عاش بعد ذلك، أو قتل ظلما بحديدة، أو غيرها فعاش، فقال مالك: يغسل ويصلى عليه. وبه قال الشافعى. وقال أبو حنيفة: إن قتل ظلما فى المصر بحديدة لم يغسل، وإن قتل بغير الحديدة غسل. وحجة مالك ما رواه نافع، عن ابن عمر، أن عمر غسل وصلى عليه، لأنه عاش بعد طعنته وكان شهيدا. قال ابن القصار: ولم ينكر هذا أحد من الصحابة. قال: وكذلك جرح على بن أبى طالب، فعاش ثم مات من ذلك، فغسل وصلى عليه، ولم ينكره أحد.
– واختلفوا فى دفن الاثنين والثلاثة فى قبر، فكره ذلك الحسن البصرى، وأجازه غير واحد من أهل العلم، فقالوا: لا بأس أن يدفن الرجل والمرأة فى القبر الواحد، وهو قول مالك، وأبى حنيفة، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، غير أن الشافعى وأحمد، قالوا ذلك فى موضع الضرورات. اهـ
تعليق الشيخ العثيمين على حديث 1343:
– فيه الجمع بين الرجلين بثوب واحد، ولكن هذا مشروط بما إذا شق طلب الكفن لكل واحد منهما.
– فيه أن الشهيد يدفن في ثيابه وفي دمه ولا يغسل دمه، واستدل به بعض أهل العلم على طهارة دم الآدمي، وهو كذلك لأنه لو كان نجسا لوجب غسله، إذ لا يجوز أن يدفن الميت مع شيء نجس، وهذه المسألة فيها خلاف وجمهور العلماء على أن دم الآدمي نجس، وذهب بعض أهل العلم إلى أن دم الآدمي طاهر إلا ما خرج من السبيلين القبل أو الدبر وهذا أصح، لأن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على النجاسة.
– فيه أن دفن الميت وتغسيله وما أشبه ذلك من فروض الكفاية لقوله “أمر”.
– فيه السؤال عند الاشتباه لا سيما مع قوة الشبهة لقوله: “أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ “.
– فيه أنه إذا وجدت صفة تفضل على صفة الكبر قدمت عليها، ولهذا لم يقل أيهم أكبر، قال أيهم أكثر أخذا للقرآن؟.
– فيه فضيلة القرآن كلام الله عز وجل ولا شك أنه خير الكلام، ولذلك من كان أكثر أخذا للقرآن فهو مقدم على غيره حتى في إقامة الصلاة.
– جواز إطلاق المقتول على الشهيد لأنهم قالوا: من قتلى أحد، ولم يقولوا شهداء أحد، وإذ نظرنا إلى الصحابة رضي الله عنهم وسهولة كلماتهم وألفاظهم وعدم تعمقهم وجدنا الفرق العظيم بيننا وبينهم، نحن الآن نطلق الشهيد على من ليس بشهيد ولا يستحق أن يكون شهيدا، وأولائك يعدلون عن لفظ الشهيد إلى الوصف الذي لا إشكال فيه ولا مرية وهو القتل.
– المخاطبة بالإشارة إذا كانت أدل على المقصود، ولا تعتبر تقليلا من شأن المخاطب.
– فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، لأنه لو علم الغيب ما سأل.
– فيه إثبات يوم القيامة وإقامة الشهادة فيه، لقوله أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة.
– فيه التنصيص على نفي ما كانت العادة موجودة لقوله “ولم يغسلوا ولم يصل عليهم” وهذا موجود في كلام العلماء في الفقه، ينفون قولا وهو لا حاجة إلى نفيه، لكن ليدفعوا قول من يقول به، مثل قولهم مثلا: “ولا ينقض الوضوء أكل ما مست النار” هذه لا حاجة إليها إذا ذكرنا النواقض، فمعناه أن سوى ذلك لا ينقض، ولكن ينصون عليه دفعا لقول من يقول أن أكل ما مست النار ينقض الوضوء، وله أمثلة كثيرة.
تعليقه على 1344:
– فيه استعمال المنبر لأن الخطيب يقوم عليه فيعلو، وكلما على ازدادت رقعة الصوت.
– فيه استعمال طلب ما يرفع الصوت حتى يسمع الحاضرين، وبناء عليه نقول إن مكبرات الصوت اليوم من الأمور المشروعة وليست من الأمور المبتدعة، لكنها مشروعة لغيرها لا لذاتها، كما لو لبس الإنسان على عينه نظارة لتكبر الحروف حتى يقرأ القرآن، نقول لبس النظارة في هذه الحال يعتبر قربة وعبادة لأنه يتوصل به إلى عبادة.
– فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام فرط أمته أي مقدمه.
– فيه أن ما فتح بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم كالذي فتح في حياته تماما، لقوله: “أعطيت مفاتيح خزائن الأرض”، ومعلوم أن النبي في حياته لم يفتح إلا الجزيرة وما قرب منها جدا جدا، والشام لم تفتح ومصر لم تفتح والعراق لم تفتح، لكن فتحت هذه البلاد بشريعته ورجاله وخلفائه فكأنه هو الفاتح عليه الصلاة واالسلام.
– فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام أقسم أنه لا يخاف أن نشرك بعده يعني أن نعبد الأصنام، ما يخاف هذا لأنه عليه الصلاة والسلام استبعد جدا أن يشرك الناس بعد أن دخلوا في دين الله أفواجا، فلا يمكن في خوفه عليه الصلاة والسلام أن يشرك الناس بعده، وهذا مما وقع في نفسه،
فلا يرد علينا أن يقول قائل إن الناس أشركوا في الجزيرة فصار بعضهم يدعو النبي عليه الصلاة والسلام وبعضهم يدعو فلان وفلان من أولياء الله أو العلماء وصار يشرك حتى تحت الكعبة، يدعى علي يدعى الحسين وفلان وفلان في وسط الكعبة، في وسط المسجد الحرام، فيجمع قوله ” والله لا أخاف أن تشركوا بعدي” وما وقع من الشرك بأن قوله”ما أخاف” باعتبار ما في نفسه ولم يقل لا تشركوا بعدي، ولو قال والله لا تشركوا بعدي صار إشكال كبير ولإدعى المشرك الآن أنه ليس بمشرك لأن النبي حلف ألا نشرك بعده، لكنه أخبر أنه لا يخاف الشرك مما وقع في نفسه في ذلك الوقت، ولا يمنع أن يقع بعد ذلك.
فيه التحذير من التنافس على الدنيا. اهـ
مسألة:
من جرح في الحرب ثم مات بعد ذلك هل يعد شهيدا
وأما من حيث الغسل والتكفين والصلاة عليه فلا تجري عليه أحكام شهيد المعركة، بل هو كسائر الموتى يغسل ويكفن ويصلى عليه؛ لأن شهيد المعركة وحده هو الذي لا يغسل ولا يصلى عليه عند جمهور العلماء، انظر تبيين الحقائق، الذخيرة، روضة الطالبين، المغني.
ومن الأدلة على ذلك كقصة سعد بن معاذ رضي الله عنه، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَاتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيهَا. رواه البخاري ومسلم.
أما رواية غسله فقد أخرجها ابن سعد في الطبقات، وحسن إسنادها الأرناؤوط في حاشية سير أعلام النبلاء.
فمع موت سعد بن معاذ رضي الله عنه بسبب جرحه في المعركة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم غسله وصلى عليه، وهو معدود في الشهداء عند عامة العلماء.
ومن الأدلة أيضا: مارواه الإمام مالك في الموطأ بسند صحيح عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَكَانَ شَهِيدًا يَرْحَمُهُ اللَّهُ.
وقال الإمام مالك عقب الأثر السابق: أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي الثِّيَابِ الَّتِي قُتِلُوا فِيهَا. قَالَ مَالِك: وَتِلْكَ السُّنَّةُ فِيمَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ فَلَمْ يُدْرَكْ حَتَّى مَاتَ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ مِنْهُمْ فَعَاشَ مَا شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا عُمِلَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. اهـ.
وقال ابن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الشهيد إذا حمل حيًا -ولم يمت في المعترك، وعاش أقل شيء – فإنه يصلى عليه، كما صنع بعمر رضي الله عنه. اهـ. التمهيد.
——
بوب النسائي في سننه:
باب الصَّلاَةِ عَلَى الشُّهَدَاءِ:
1965 – أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ ابْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَخْبَرَهُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ أُهَاجِرُ مَعَكَ. فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ: ((قَسَمْتُهُ لَكَ)). قَالَ مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا- وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ- فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: ((إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ)). فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَهُوَ هُوَ)). قَالُوا نَعَمْ. قَالَ: ((صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ)).
ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ: ((اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ)).وهو في الصحيح المسند 474
ثم رأينا أن الاثيوبي نقل أن النسائي يعله فقال في الكبرى 2091: ما نعلم أحداً تابع ابن المبارك على هذا، والصواب: ابن أبي عمار، عن ابن شداد بن الهاد. وابن المبارك أحد الأئمة، ولعل الخطأ من غيره والله أعلم. انتهى كلام النسائي
فنقل الاثيوبي أن النسائي يعله بالإرسال ثم دفعه بأن ابن المبارك إمام ثبت.
ودفعه البيهقي بأنه مات في غير المعركة قال الاثيوبي: وهو خلاف ظاهر الخبر.
ثم رجح الاثيوبي الصلاة خلافا لما نقله صاحبنا نورس حيث نقل بعض الكلام قال الاثيوبي: العمدة في هذا الباب حديثان (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت) أخرجه البخاري ودعوى أن المقصود الدعاء مدفوعه بلفظ (صلاته على الميت)
وحديث شداد بن الهاد. فهذا الحديثان يكفيان لإثبات مشروعية الصلاة على الشهيد، فالمذهب الراجح هو مذهب من أثبت الصلاة عليه، لكن على سبيل الجواز لا على سبيل الوجوب. انتهى باختصار
وقيل (صلاته على الميت) بمعنى دعائه كدعائه للميت في الصلاة أو تكون خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأهل احد
بل ورد في مسلم من حديث أبي هريرة أنه أتى المقابر فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين ….. بمعناه فإن كانت القصة واحده فسر معنى (صلاته على الميت)
لكن البخاري والنسائي جعلوه في باب الصلاة على الشهيد فكأنهم يرون الجواز
وبوب أبوداود قال: الميت يصلى على قبره بعد حين
فإن لم نحمله على الخصوصية خاصة بعد هذه المدة وإلا جاز الصلاة على الشهيد.
أما حديث شداد فأعله النسائي.
ولم أقف على الرواية المرسلة لكن يكفي أن النسائي أشار إليها
ثم لو كان معنى الصلاة على أهل أحد هي الصلاة المعروفة على الأموات لم يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليهم بنفسه ولأشرك الصحابة معه كما فعل لما صلى على النجاشي.
لكن قال صاحبنا ابوصالح حازم: ولماذا خص بالدعاء شهداء أحد. انتهى
أما قول أبي حنيفة أنه انشغل صلى الله عليه وسلم فلعله يقصد انشغل بغزوة حمراء الأسد. وأمر بدفنهم فلم يصلوا عليهم.
لكن يشكل أنه ترك الصلاة عليهم ثمان سنين.
لذا نقل ابن حجر عن الإمام أحمد أنه قال: إن صلى عليهم فجيد. وإن ترك الصلاة فلا بأس.
——
تنبيه: في الحديث (ما أخاف أن تشركوا بعدي) إشكال حيث أن الشرك وقع في هذه الأمة:
وليس في الحديث نفي وقوع الشرك في هذه الأمة، بل فيه أنه لا يخاف على جميع الأمة، بدليل أنه وقع من بعضهم، كما دلت نصوص أخرى على علمه وإخباره صلى الله عليه وسلم بأن بعض أمته يقع في الشرك.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: ” وفي هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه سلم؛ فإن معناه الإخبار بأن أمته تملك خزائن الأرض وقد وقع ذلك، وأنها لا ترتد جملة وقد عصمها الله تعالى من ذلك، وأنها تتنافس في الدنيا وقد وقع كل ذلك ” انتهى.
قال العثيمين -رحمه الله- في شرح رياض الصالحين:
وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يخشى على أمته الشرك لأن البلاد ولله الحمد فتحت وصار أهلها إلى التوحيد ولم يقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقع الشرك بعد ذلك
لكن لا يفهم من هذا أي من كونه لا يخاف الشرك على أمته ألا يقع فإن الشرك وقع الآن فهو موجود الآن من المسلمين من يقول إنه مسلم وهو يطوف بالقبور ويسأل المقبورين ويذبح لهم وينذر لهم فهو موجود
والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إنكم لن تشركوا حتى نقول إن ما وقع ليس بشرك لأن الرسول نفى أن يكون الشرك وهو لا ينطق عن الهوى لكن قال إني لا أخاف وهذا بناء على وقوع الدعوة في عهده صلى الله عليه وسلم وبيان التوحيد وتمسك الناس به لكن لا يلزم من هذا أن يستمر ذلك إلى يوم القيامة
ويدل لهذا أنه صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تعبد فئام من أمته الأوثان أي جماعات كبيرة ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة لا يخشى على أمته الشرك
لكن خشي شيئا آخر الناس أسرع إليه وهو أن تفتح الدنيا على الأمة فيتنافسوها ويتقاتلوا عليها فتهلكهم كما أهلكت من قبلهم
وراجع مشكل الحديث رقم 35 بإشراف سيف بن دورة الكعبي فالخلاصة في الجواب عن هذه الشبهة بما أجاب به الحافظ ابن حجر في (الفتح)، حيث قال في شرح الحديث:
أ- (أي على مجموعكم، لأن ذلك قد وقع من البعض، أعاذنا الله تعالى منها).
ب- أو يقال: إنه في الصحابة خاصة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم)). قال الحافظ في (الفتح): (فيه إنذار بما سيقع فوقع كما قال صلى الله عليه وسلم … وأن الصحابة لا يشركون بعده، فكان كذلك، ووقع ما أنذر به من التنافس في الدنيا).
ج- أو يقال: (لعل النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم ويوحى إليه بأن طوائف من الأمة سوف يضلون ويشركون)