1339 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وسيف بن غدير
بالتعاون مع مجموعات السلام1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——-‘—–‘—–‘
——‘——‘——
صحيح البخاري
باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها
1339 – حدثنا محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت فرد الله عليه عينه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم ماذا قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر
——‘——‘—–
الحديث اعتبره العلماء من الأحاديث القدسية, ولذلك أورده صاحب كتاب الصحيح المسند من الأحاديث القدسية وغيره من ضمن الأحاديث القدسية برقم: (129)
جاءت رواية عند ابن حبان في صحيحه برقم: (6190):
(أرسل ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه فلطمه موسى ففقأ عينه قال: فرجع إلى ربه فقال: يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت؟ قال: ارجع إليه فقل: إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة قال: فقال له: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت قال: فالآن يا رب قال: فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر) فقال رسول :
(لو كنت ثمة لأريتكم موضع قبره إلى جانب الطور تحت الكثيب الأحمر)
قال صاحبنا ابوصالح حازم: لفظة (الطور) لا أراه إلا شاذا.
ولفظ ” الطريق” هو الثابت في الطرق التي وقفت عليها إلا ما رواه ابن حبان من طريق اسحق بن إبراهيم وأظنه ابن راهويه عن عبد الرزاق فقال ” الطور” وأظنه من شيخ ابن حبان
وأما بقية الطرق عن عبد الرزاق وبعضها عن الإمام أحمد فيها “الطريق ”
ولَم أجد من أشار إلى ذلك.
وأشار إلى لفظة الطور كرواية أخرى القرطبي في المفهم. انتهى
وأورد الشيخ الألباني في الصحيحة برقم: (3279) الحديث مع جمع رواياته:
– (جاء ملكُ الموتِ إلى (وفي طريق: إنَّ ملكَ الموتِ كان يأتي الناسَ عياناً، حتّى أتى) موسى عليه السلام، فقال له: أجب ربَّك، قال: فلطَم موسى عليه السلام، عينَ مَلكِ الموتِ ففَقأها، فرجعَ الملكُ إلى اللهِ تعالى، فقالَ: [يا ربِّ!] إنَّك أرسلتني إلى عبدٍ لكَ لا يريدُ الموتَ، وقد فقأ عيني، [ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه]. قال: فردَّ اللهُ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدِي فقِل: الحياة تريدُ؟ فإن كنت تريدُ الحياةَ؛ فضع يدَك على متنِ ثورٍ، فما توارت يدُك من شعرة؛ فإنّك تعيشُ بها سنةً، قال: [أي ربِّ!] ثمَّ مَه؟ قالَ: ثم تموتُ، قال: فالآن من قريبٍ، ربِّ! أمتني من الأرضِ المقدّسةِ رميةً بحجرٍ! [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً].قال رسول الله – -:
والله! لو أني عنده لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق عند (وفي طريق: تحت) الكثيبِ الأحمرِ).
—–
فوائد الحديث:
1 – قوله (من أحب الدفن في الأرض المقدسة) أي بيت المقدس (أو نحوها) وأفضل منها مكة والمدينة النبوية وسيأتي حديث في فضل المدينة بإذن الله تعالى.
2 – حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
3 – ظاهر الحديث الوقف على أبي هريرة رضي الله عنه، لكن قول أبي هريرة في آخره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر يبين أنه مرفوع،
وقد أخرج ابن حبان الحديث في صحيحه من طريق ابن طاوس به فصرح بالرفع، وذكر الحافظ في الفتح أن الإسماعيلي أخرجه أيضا وصرح بالرفع،
ويؤيده الطريق الأخرى المرفوعة عند الشيخين كما سيأتي،
وكذا طريق ثالثة عند أحمد والبزار في مسنديهما من طريق عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة مرفوعا وستأتي إن شاء الله.
4 – فيه ذكر وفاة موسى عليه السلام قاله البخاري.
5 – ذكر خبر شنع به على منتحلي سنن المصطفى صلى الله عليه و سلم من حرم التوفيق لإدراك معناه. قاله ابن حبان في صحيحه.
6 – قال ابن حبان كما في صحيحه: “إن الله جل وعلا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما لخلقه فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلغ صلى الله عليه و سلم رسالته، وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه، أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار وأمره أن يقول له: أجب ربك أمر اختبار وابتلاء، لا أمرا يريد الله جل وعلا إمضاءه، كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين فداه بالذبح العظيم،
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم حتى أوجس منهم خيفة،
وكمجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولى، فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيورا فرأى في داره رجلا لم يعرفه فشال يده فلطمه فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها، ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه و سلم في خبر ابن عباس حيث قال: (أمني جبريل عند البيت مرتين) فذكر الخبر وقال في آخرهن: (هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك): كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا من الأمم، ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه أو الناظر إلى بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ولا حرج على مرتكبه للأخبار الجمة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا كان جائزا اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له ولا حرج عليه في فعله، فلما رجع ملك الموت إلى ربه وأخبره بما كان من موسى فيه أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل إذ قال الله له: قل له: إن شئت فضع يدك على متن ثور فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله طابت نفسه بالموت ولم يستمهل وقال
(فالآن)، فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حمالة الحطب ورعاة الليل يجمعون ما لا ينتفعون به ويروون ما لا يؤجرون عليه ويقولون بما يبطله الإسلام جهلا منه لمعاني الأخبار وترك التفقه في الآثار معتمدا منه على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس “اه.
ونقل نحوه مختصرا الحافظ ابن حجر عن ابن خزيمة وهو شيخ ابن حبان،
وقبله ذكر الحديث ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث
ووجهه بنحوه،
وقال العلامة الألباني كما في مختصر صحيح البخاري وهذا الحديث الصحيح مما أنكره من لا علم عنده من أهل الأهواء المعاصرين كالشيخ الغزالي المصري وأمثاله. اه
وقال الإمام اسماعيل الأصبهاني المشهور بقوام السنة كما في المحجة: “هَذَا الحَدِيث حكم أهل الْحِفْظ بِصِحَّتِهِ، وَحمله أهل السّنة عَلَى ظَاهره، وَأَن ذَلِكَ الْفِعْل كَانَ من مُوسَى – عَلَيْهِ السَّلامُ – عَلَى الْحَقِيقَة وَقَالُوا: فعل ذَلِكَ بِالْإِذْنِ وَللَّه تَعَالَى أَن يَاذَن فِيمَا يَشَاء”.
7 – جاء في أول الحديث عند الإمام أحمد في مسنده 10904 (قد كان ملك الموت يأتي الناس عيانا) وفي آخره (وكان يأتي خفية) أي صار يأتي خفية، وقال الهيثمي في المجمع رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني إسناده صحيح على شرط مسلم.
8 – قوله (أرسل ملك الموت إلى موسى) أرسل على البناء للمجهول، أي أرسله الله تعالى، وتسميه العامة عزرائيل ولم يثبت بنص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء.
9 – قوله (فلما جاءه صكه) زاد مسلم والنسائي (ففقأ عينه). “والصك: الضرب باليد، كاللطم ونحوه،. فقأ عينه: إذا بخصها وقلعها ” قاله ابن الأثير كما في جامع الأصول.
10 – وزاد أحمد في مسنده من طريق عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة مرفوعا قال ملك الموت لربه سبحانه (ولولا كرامته عليك لعنفت به) وفي رواية عنده أيضا (لشققت عليه).
11 – قوله (وقال ارجع فقل له) زاد مسلم في رواية – وذكر البخاري إسنادها أيضا ولم يسق لفظها – من طريق همام عن أبي هريرة (وقال ارجع إلى عبدي فقل الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة).
12 – قوله (قال ثم الموت) قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت) فلا تغتر بالحياة الدنيا يا عبد الله فإنك يوما ما ستغادرها مهما طال عمرك.
13 – وقوله (قَالَ: فالآن) هو ظرف زمان غير متمكن، وهو اسم لزمان الحال، وهو الزمان الفاصل بين الماضي والمستقبل، وهو يدل على أن موسى لما خيره الله تعالى اختار الموت؛ شوقًا إلى لقاء ربه تعالى، كما خير نبينا – صلى الله عليه وسلم – فقال: “الرفيق الأعلى” قاله ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح.
14 – قوله (فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر) وذلك “لفضل من دفن في الأرض المقدسة من الأنبياء والصالحين، فاستحب مجاورتهم في الممات كما في الحياة؛ ولأن الفضلاء يقصدون المواضع الفاضلة ويزورون قبورها ويدعون لأهلها”
قاله ابن الملقن في التوضيح.
قلت من غير شد رحل.
15 – وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها) أخرجه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني، وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 735. وقال صحيح على شرط الشيخين.
16 – عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائمٌ يصلي في قبره أخرجه مسلم في صحيحه.
17 – قوله (لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر) وفي رواية عند الشيخين (تحت الكثيب الأحمر) والكثيب: المجتمع من الرمل. قاله ابن الأثير كما في جامع الأصول.
18 – قوله (حدثنا محمود) هو ابن غيلان،
تابعه يحيى بن موسى عند البخاري أيضا 3407،
و تابعهما محمد بن رافع كما عند مسلم 2372 والنسائي 2089 وعبد بن حميد كما عند مسلم 2372،
وتابعهم الإمام أحمد في مسنده
كلهم عن عبد الرزاق 7646 عن معمر عن ابن طاوس به.
19 – قوله (عن ابن طاوس) هو عبد الله تابعه همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري3407 ومسلم في بعض النسخ 2372 وكذا من زيادات راوي صحيح مسلم أبي إسحق إبراهيم بن سفيان، والإمام أحمد في مسنده 8172،
تابعه عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة مرفوعا به كما عند الإمام أحمد في مسنده 10904
===
باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها
علق الشيخ العثيمين رحمه الله عند قول ابن حجر: وهذا بناء على أن المطلوب القرب من الأنبياء الذين دفنوا ببيت المقدس وهو الذي رجحه عياض وقال المهلب إنما طلب ذلك ليقرب عليه المشي إلى المحشر وتسقط عنه المشقة الحاصلة لمن بعد عنه.
قائلا: ما قاله العلماء رحمهم الله كله خطأ، هذا غير صحيح، إنما طلب موسى عليه السلام أن يقرب من الأرض المقدسة لأنها أرض الأنبياء، وهي أيضا أرض فيها بركة كما قال الله غز وجل “الذي باركنا حوله” وليس لأن فيها دفن الأنبياء والأولياء وما أشبه ذلك.
وقوله يلحق بذلك أن يختار الإنسان الدفن عند قبور الصالحين والأولياء كل هذا لا دليل عليه.
ولو قال قائل ما الجواب عن طلب عمر أن يدفن مع صاحبيه؟ فالجواب: أن عمر طلب ذلك لشدة تعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وهذه خاصية لا توجد في غيره. اهـ
قال العثيمين رحمه الله في التعليق على الحديث:
– فيه شدة موسى عليه الصلاة والسلام، وهو من أشد الأنبياء وأقواهم وكما جاءت قصته في القرآن مع الرجل الذي من شيعته على الرجل الذي من عدوه حيث وكزه مرة واحدة فقضى عليه، وهل كان يعلم أن هذا الرجل جاء من عند الله أو أنه رأى رجلا يهدده يقول سأقبض روحك؟
يحتمل هذا وهذا والثاني أقرب، أنه إنما فعل ذلك دفاعا عن نفسه.
لو قال له أنه جاءه من عند الله ليقبض روحه ما صكه.
ورأيت جوابا لابن الملقن حيث أورد الإشكال ورد عليه فقال:
ومعنى الحديث صحيح، وذلك أن موسى لم يبعث الله إليه الملك وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه اختبارا وابتلاء، كما أمر الله خليله بذبح ولده ولم يرد إمضاء ذلك … وقد جاء الملك إلى مريم فلم تعرفه ولو عرفته لما استعاذت منه، وقد دخل الملكان على داود في شبه آدميين يختصمان عنده فلم يعرفهما.
واعترض على هذا بما في الحديث: “يا رب أرسلتني إلي عبد لا يريد الموت”، فلو لم يعرفه موسى لما صح هذا من الملك.
انتهى كلام ابن الملقن والحمد لله على أني وجدت سلفا لي. في ترجيح أن موسى عرف انه من عند الله من أول مرة.
– فيه أن لملك الموت عينا.
– فيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يملكون تحديد الأرض التي يموتون بها، وهذا كقوله تعالى: “وما تدري نفس بأي أرض تموت”.
– فيه أن قبر موسى عليه السلام غير معروف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يريه أمته، ومثل هذا لا يمكن ثبوته إلا عن طريق الوحي، والآن ليس قبر أحد من الأنبياء معروفا إلا قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والبقية تعرف الجهات التي دفنوا فيها، لكن لا يعرف موطن القبر بالتعيين. اهـ
قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح:
وقول من قال: فقأ عينه بالحجة ليس بشيء لما في الحديث: “فرد الله عينه”، فإن قيل: رد حجته فغير جيد أيضا، وقال ابن قتيبة في “مختلفه”: أذهب موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست على حقيقته، وعاد ملك الموت إلى حقيقة خلقه الروحاني كما كان ولم ينقص منه شيء، وذكر ابن عقيل أنه يجوز أن يكون موسى أُذِن له في ذلك الفعل بالملك، وابتلي الملك بالصبر عليه كما جرى له مع الخضر.
وفي قوله: “يضع يده على متن ثور، فله بكل ما غطت يده بكل شعرة سنة” دلالة أن الدنيا بقي منها كثير، وإن كان قد ذهب أكثرها؛ لأنه لم يكن ليعده ما لا تبقى الدنيا إليه. اهـ
===
قال أبوبكر الكلاباذي رحمه الله تعالى: روت الأئمة هذا الحديث من وجوه كثيرة، ووضعوه في كتبهم وصححوه، وعدلوا روايته، واستفظعه قوم فجحدوه، وأنكروه فردوه لضيق صدورهم، وقصور علمهم، وقلة معرفتهم بالحديث، وهذا الحديث ما أدخلوه في الصحاح حتى رضوا إسناده، وهم أهل العلم بالحديث، وأهل المعرفة بالرجال، والحديث إذا صح من جهة النقل فإنه يجب قبوله …… فإن في رده تكذيب الأئمة وجرح عدول الأئمة. ….. وهذا الحديث له في كتاب الله نصا نظيره قال تعالى في خبر موسى وهارون عليهما السلام ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا إلى قوله وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي. وليس الجر إليك بالخشونة والغلظة بأقل من الدفع عنك بالخشونة والغلظة، وهو الصك واللطم، دفع عنك بغلظة وخشونة فما سواه، وليس هارون بأدون منزلة من ملك الموت صلوات الله عليهما، بل هو أجل قدرا منه، وأعلى مرتبة، وأبين فضلا عند أكثر علماء الأمة من أهل النظر والأثر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نبي مرسل قال الله تعالى ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه، وهو مع جليل قدره في نبوته، وعلو درجته في رسالته أخو موسى لأبيه وأمه، وأكبر سنا منه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده». فإذا أخبر الله تعالى عن موسى عليه السلام أنه أخذ برأسه ولحيته وجره إليه بعنف وغلظة حتى استعطفه عليه، واعتذر إليه، فقال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي، وقوله إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء، ولولا ذلك عسى كان يكون منه ما هو أعظم مما صنع به، ثم لم نجد في الكتاب ما يدل على عتاب الله إياه، ولا على توبته منه، ولو كان ذلك منه صغيرة أو زلة لظهر ذلك نصا في الكتاب أو دلالة …..
صورة أدخل الله الملك فيها، والفقاء إنما حل في الصورة دون الملك، وهو أن يكون الله تعالى أذهب عين الصورة عند لطم موسى عليه السلام، فكأنه في ذلك الوقت في صورة رجل أعور، كما كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل ليست له أجنحة، ولا على ذلك العظم الذي أتى له مرة على صورة دحية فهو يعرفه فيها، ومرة على صورة غيره فلم يعرفه فيها، كذلك ملك الموت أتى موسى صلوات الله عليهما حين أتاه على صورة إنسان صحيح العينين، ثم نقله الله عند لطم موسى على صورة إنسان فقئت عينه، وهو ملك كما هو قبل انتقاله إلى إحدى الصورتين لم ينتقل من الملكية إلى الإنسانية والبشرية. انتهى
وسيأتي نقل ستة توجيهات للقرطبي
تنبيه 1: رجح محققو المسند ترجيح رواية الوقف في الحديث. مع أن الحديث أخرجه البخاري ومسلم. فربما ظنوا أن الشيخين اوردا الموقوف والمرفوع إشارة للتعليل.
لكن صنيع البخاري ومسلم يدل أنهما يرجحان أن المرفوع صحيح. ثم هما وضعا الموقوف في الأصول التي ارتضوها كأدلة. فلو لم يكن الراجح الرفع لما وضعوه.
وحكم كذلك محققو المسند على لفظة: ان ملك الموت كان يأتي عيانا ثم أتى خفية بالنكارة. وذكروا تفرد حماد بن سلمة وعمار بن أبي عمار به ولهما ما ينكر.
لكن نحتاج للبحث عن سلف لهذا التعليل. ثم هذه أمور غيبية لا نستطيع أن نردها. بدعوى مخالفة الحقائق. لأنها أمور ماضية غيبية.
تنبيه 2: شبهة كون وقوع الأذى على ملك الموت.
ردها بعض أهل العلم خوفا من المستشرقين من أهل الكتاب.
مع أن المستشرقين من اليهود والنصارى يروون في كتبهم المحرفة إيقاع يعقوب الأذى على الله. وصلب اليهود لعيسى وهو ابن الله بزعمهم.
ولا مانع من فقأ العين فاللقاء الأول لقاء اختبار والثاني قدري أي الأجل وسبق في الفائدة السادسة لأبي صالح حازم عن ابن حبان معنى هذا التوجيه.
تنبيه 3: بالنسبة لكلام الأئمة حول طلب موسى القرب من الأرض المقدسة حيث عللوا ذلك بأن أكثر الأنبياء قبروا فيها. فهذا التعليل غير مدفوع، لأن الإنسان يؤجر على حبه القرب من الصالحين أحياء وأموات، ولو اختار أن يدفن بجوار ممن أثنى عليه الناس بالصلاح فهو يؤجر على هذه النية، لذا عمر رضي الله عنه ينفعه حبه الدفن بجوار صاحبيه؛ وحقق الله له هذه النية، وعائشة كانت تتمنى أن تدفن بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم وأبيها، فهي تؤجر على هذه النية، والأرض المقدسة ونحوها لا تنفع أمثال عبدالله بن أبي بن سلول فهو مدفون في المدينة وهو في الدرك الأسفل من النار.
——‘——‘—–
جواب مشكل الحديث في فقأ عين ملك الموت وكراهية موسى للموت:
القرطبي يعرض الأقوال:
فصل: إن قال قائل: كيف جاز لموسى عليه السلام أن يُقدم على ضرب ملك الموت حتى فقأ عينه؟ فالجواب من وجوه ستة:
الأول: أنها كانت عيناً متخيلة، لا حقيقة لها، و هذا القول باطل. لأنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء. من صور الملائكة لا حقيقة لها، و هذا مذهب السالمية.
الثاني: أنها كانت عيناً معنوية فقأها بالحجة، و هذا مجاز لا حقيقة له.
الثالث: أنه لم يعرفه، و ظنه رجلاً دخل منزله بغير إذنه، يريد نفسه فدافع عنها، فلطمه: ففقأ عينه، وتجب المدافعة في مثل هذا بكل ممكن، وهذا وجه حسن، لأنه حقيقة في العين والصك، قاله الإمام أبو بكر بن خزيمة إلا أنه اعترض بما في الحديث نفسه، وهو أن ملك الموت عليه السلام لما رجع إلى الله تعالى، قال: يا رب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فلو لم يعرفه موسى لما صدر هذا القول من ملك الموت.
الرابع: أن موسى عليه السلام كان سريع الغضب، وسرعة غضبه كانت سبباً لصكه ملك الموت، قاله ابن العربي في الأحكام، وهذا فاسد، لأن الأنبياء معصومون أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا والغضب.
الخامس: ما قاله ابن مهدي رحمه الله: أن عينه المستعارة ذهبت لأجل أنه جعل له أن يتصور بما شاء، فكأن موسى عليه السلام لطمه وهو متصور بصورة غيره بدلالة أنه رأى بعد ذلك معه عينه.
السادس: وهو أصحها إن شاء الله، وذلك أن موسى عليه السلام كان عنده ما أخبر تبيناً عليه السلام من أن الله تعالى لا يقبض روحه حتى يخيره.
التذكرة للقرطبي (1/ 103)
فموسى لم يعلم أنه مأمور من الله عزوجل ولو علم لسلم كما سلم لما عاد له ملك الموت.
من فوائد الحديث اثبات العلو لله جل وعلا, ولذلك أورد الشيخ الألباني في مختصر العلو رواية استدل بها من ضمن أحاديث عديدة على اثبات العلو لله جل وعلا, وهي قوله : (فعرج إلى ربه عزوجل فقال يا رب بعثتني إلى موسى فلطمني فذهب بعيني ولولا كرامته عليك لشققت عليه.
الحديث أورده ابن أبي عاصم في كتاب السنة وبوب عليه بقوله:”باب” حديث: “أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهما السلام … ”
جاءت رواية [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً].
تبويبات أهل العلم على حديث الباب:
تبويبات أهل العلم على حديث الباب:
بوب النووي في شرحه لمسلم بقوله- باب من فضائل موسى .
بوب البيهقي في كتابه الأسماء والصفات بقوله: باب ما جاء في التردد.
بوب القرطبي في كتابه التذكرة بقوله: باب ما جاء في اختيار البقعة للدفن.
الحديث أورده ابن أبي عاصم في كتاب السنة وبوب عليه بقوله:”باب” حديث: “أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عليهما السلام … ”
فوائد الحديث:
فيه جواز الحلف من غير استحلاف ,كما في الرواية الصحيحة (وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ)
وقد جمع أحد الباحثين رسالة بعنوان: الأحاديث الواردة في حلف النبي من صحيح البخاري ومسلم.
فائدة: أنواع حلف النبي :
1 – والذي نفسي بيده
2 – والذي نفس محمد بيده
3 – والله
4 – أيم الله
5 – رب الكعبة
6 – تالله
– فيه دلالة ظاهرة على أن لموسى عليه الصلاة والسلام منزلة كبيرة حيث فقأ عين ملك الموت ولم يعاتبه عليه.
– وفيه استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والقرب من مدافن الصالحين.
– وفيه أن للملك قدرة على التصور بصورة غير صورته.
– وفيه في قوله يضع يده على متن ثور دلالة على أن الدنيا بقي منها كثير وإن كان قد ذهب أكثرها.
– وفيه دلالة على الزيادة في العمر مثل الحديث الآخر من سره أن يبسط رزقه وينسأ في أثره فليصل رحمه.
ومنها: أن قبر موسى – عليه السلام – غير معروف، قال بعضهم: وليس في قبور الأنبياء ما هو محقق سوى قبر نبينا – -.
شبه والرد عليها:
وَقَالَ قوم من أهل الْبِدْعَة: إِن جَازَ على ملك الْمَوْت جَازَ عَلَيْهِ الْعَمى، قَالَ بعض الْعلمَاء: إِن الله جعل الْمَلَائِكَة أَن تتَصَوَّر بِمَا شَاءَت من الصُّور الْمُخْتَلفَة أَلا ترى أَن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي – – فِي صُورَة دحْيَة الْكَلْبِيّ، وَمرَّة فِي صُورَة أَعْرَابِي، وَمرَّة أُخْرَى وَقد سد بجناحيه مَا بَين الْأُفق.
وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فتمثل لَهَا بشرا سوياً} قيل: إِن جِبْرِيل تصور بِصُورَة رجل، وَهَذِه الصُّور الَّتِي تنْتَقل تمثيلات فاللطمة أذهبت الْعين الَّذِي هِيَ تَمْثِيل.
وَقَول من قَالَ: معنى اللَّطْمَة إِلْزَام الْحجَّة. غلط، لِأَن فِي الْخَبَر أَنه عرج إِلَى ربه فَرد عَلَيْهِ عينه، وَلَا يكون هَذَا إِلَّا فِي عين هِيَ حَقِيقَة لِأَن الْعين الَّتِي لَيست بِحَقِيقَة لَا تحْتَاج إِلَى ردهَا.
وَقَوله اللَّطْمَة: إِلْزَام الْحجَّة لَو كَانَت اللَّطْمَة إِلْزَام الْحجَّة لم يعد إِلَى قبض روحه لِأَن الْحجَّة قد لَزِمته فِي ترك قبض روحه كلما عَاد ليقْبض روحه.
– قال المازري: وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث، وقالوا: كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت؟.
وأجاب عن هذا بأجوبة: أحدها: أنه لا يمتنع أن يكون موسى عليه الصلاة والسلام قد أذن الله له في هذه اللطمة، ويكون ذلك امتحانًا للملطوم، والله سبحانه يفعل في خلقه ما يشاء ويمتحنهم بما أراد.
والثاني: أن هذا على المجاز والمراد أن موسى ناظره وحاجَّه فغلبه بالحجة، يقال: فقأ فلان عين فلان إذا غلبه بالحجة، قال: وفي هذا ضعف لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فرد الله عليه عينه)) فإن قيل: أراد رد حجته، كان بعيدًا.
حس: يجب على المسلم الإيمان به على ما جاء به من غير أن يعتبره بما جرى عليه عرف البشر فيقع في الارتياب، لأنه أمر مصدره قدرة الله تعالى وحكمه، وهي مجادلة جرت بين ملك كريم ونبي كليم، كل واحد منهما مخصوص بصفة يخرج بها عن حكم عوام البشر ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خص به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، وقد اصطفي الله تعالى موسى بالمعجزات الباهرة والآيات الظاهرة، فلما دنت وفاته وهو بشر يكره الموت طبعًا لطف الله به بأن لم يفاجئه بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به بأن يأخذه قهرًا، بل أرسله على سبيل الامتحان في صورة بشر، فلما رآه موسى استنكر شأنه واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعًا عن نفسه بما كان من صكه إياه فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية، وقد كان في طبع موسى عليه السلام حدة على ما قص الله تعالى علينا من أمره في كتابه، من: وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه، هذا وقد جرت سنة الدين بدفع كل قاصد بسوء.
وقد ذكر الخطابي رحمه الله هذا المعنى في كتابه ردًا على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع الملحدين – أبادهم الله تعالى – انتهى كلامه -.
شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بـ (الكاشف عن حقائق السنن)
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وهذا يدلّ على أن موسى – عليه السلام – لما خيّره اللَّه بين الحياة والموت، اختار الموت شوقًا للقاء اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، واستعجالاً لما له عند اللَّه، من الثواب والخير، واستراحة من الدنيا المكدرة، وهذا كما خُيّر نبيّنا – – عند موته، فقال: “اللَّهم الرفيقَ الأعلى”. انتهى.
(فَسَأَلَ اللَهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، أَنْ يُدْنِيَهُ) أي يقرّبه (مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ) هي بيت المقدس (رَمْيَة بِحَجَرٍ) وفي نسخة: “رمية الحجر”، وهو منصوب أنه ظرف مكان: أي مقدار رَمْية بحجر.
قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وإنما سأل موسى – عليه السلام – ذلك تبرّكا بالكون في تلك البقعة، وليدفن مع من فيها من الأنبياء، والأولياء؛ ولأنها أرض المحشر، على ما قيل انتهى.
وقال بعض العلماء: وإنما سأل الإدناء، ولم يسأل نفس بيت المقدس؛ لأنه خاف أن يكون قبره مشهورًا عندهم، فيفتتن به الناس انتهى.
“شرح مسلم” للنووي -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ج 15 ص 127. “كتاب الفضائل”.
مسألة: وهي عدم ثبوت قصة استئذان ملك الموت النبي .
سئل الشيخ ابن عثيمين: ذكرت بعض كتب التاريخ أن ملك الموت أتى النبي يستأذنه على شكل أعرابي ما صحة هذا الكلام؟
الجواب
هذا غير صحيح، كون ملك الموت أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يستأذنه فهذا غير صحيح إطلاقاً، لكن ملك الموت أتى إلى موسى ليقبض روحه فضربه حتى فقأ عينه، فرجع ملك الموت إلى الله عز وجل وقال: أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت، فقال الله له: اذهب إلى موسى وقل له يضع يده على ظهر ثور، فما كان من تحت يده من الشعر فله مثله من السنوات، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت؛ لأنه كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:185] هذه السنوات لو نفرض أنها ألف سنة، أو أكثر فإنها تمضي على الإنسان وكأنها ساعة، الآن كلنا أعمارنا مختلفة لكن الذي عاش منا طويلاً والذي عاش منا قصيراً، كلنا سواء في الماضي كأنه لم يكن، ولهذا لما قال ملك الموت لموسى ثم الموت، قال: يا رب إذاً قربني من البلاد المقدسة، فقربه الله عز وجل من البلاد المقدسة، وقُبض هناك وقال النبي : (إن قبره عند الكثيب الأحمر ولو كنت ثمَّ لأريتكم إياه).
أما النبي فلم يأته ملك الموت ولم يستأذن منه، بل خطب في آخر حياته خطبة وقال: (إن عبداً خيره الله تعالى بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه) هكذا قال في آخر حياته، فبكى أبو بكر، فتعجب الناس كيف يبكي أبو بكر من هذه الكلمات، فكان النبي هو المخير، وكان أبو بكر أعلم الناس برسول الله ، هذا الذي ورد، أما أن ملك الموت جاء يستأذنه فهذا غير صحيح. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(لقاء الباب المفتوح)
النقل لمصلحة الدفن:
* وسئل ابن باز: عن القريب من مكة هل يوصي بالدفن فيها؟ فسكت، ثم قال هذا بين موسى وربه، ولا أعرف إلا هذا الأثر، والأصل الدفن بالبقعة التي مات بها، ولئلا يشق على غيره، فترك النقل أولى، وقد يقال: شرع موسى ليس شرعًا لنا ولم يرد بشرعنا هذا، فالأصل أن من مات بمحل يدفن فيه سدًا لباب المشقة والتكلف.
* من أوصى أن يدفن في مكة والمدينة لا تنفذ وصيته؛ للمشقة، وإطالة النفقة.
الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري.
تنبيه 1: ملك الموت بعزرائيل؛ سبق أن ذكر في المشاركات أنه لم يصح:
قال الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لم يصرّح باسم ملك الموت في القرآن، ولا في الأحاديث الصحاح انتهى.
وقال السيوطيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- تعالى: لم يرد تسميتُهُ في حديث مرفوع، وورد عن وهب منبّه أن اسمه عزرائيل. رواه أبو الشيخ في “العظمة” انتهى
تنبيه 2:
– فيه استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والقرب من مدافن الصالحين.
قلت: للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعليق على هذا القول في شرحه للبخاري عندما قرر ابن حجر الجواز، والأخ أحمد بن علي ذكر في مشاركته كلام الشيخ بتمامه فليراجع.
وأما العيني فقال بالاستحباب كما في شرحه على البخاري، ومنه نقلت الفائدة.