1338 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
=======””======
صحيح البخاري؛؛؛
بَابٌ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ
1338 – حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فَيُقَالُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ
فوائد الباب:
1 – قوله (الميت يسمع خفق النعال) وأورد حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ (يسمع قرع نعالهم) إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه عند مسلم 2870 عن محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع به بلفظ (إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا).
2 – كأن الموقف يشير إلى ذهاب الدنيا عن الميت وبقي معه عمله فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله” متفق عليه.
3 – حديث أنس في الباب أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
4 – وفي الباب عن البراء بن عازب، وأبي هريرة
5 – فيه ْمَسْأَلَة المسلم والكافر فِي الْقَبْرِ قاله النسائي.
6 – فيه إثبات نعيم القبر وعذابه.
7 – النار تسع جميع المؤمنين والكافرين.
8 – سَببه كَمَا فِي أبي دَاوُد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل نخلا لبني النجار فَسمع صَوتا فَفَزعَ فَقَالَ من أَصْحَاب هَذِه الْقُبُور فَقَالُوا يَا رَسُول الله مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة الدَّجَّال قَالُوا وَمَا ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ إِن العَبْد فَذكره. قاله ابن حمزة الحسيني كما في البيان والتعريف.
9 – قوله (الْعَبْدُ إذا وضع في قبره) ههنا يعرف كل أحد حقيقته القدرية وأنه عبد ذليل خاضع لربه.
10 – قوله: (“إذا وضع في قبره”) ” أن يكون مستقبل القبلة على شقه الأيمن؛ لأنه كذلك فعل برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وكذلك كان يفعله”. قاله ابن الملقن في التوضيح.
11 – قوله: (“وتولي وذهب عنه أصحابه”) كرر اللفظ، والمعنى واحد. قاله ابن الملقن.
12 – قوله (وذهب عنه أصحابه) فيه أثر الصحبة لكنهم ومع صحبتهم فإنهم يتركونه في قبره ليلقى مصيره.
13 – قوله (لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ) “ذهب بعض الناس إلى كراهية المشي بين القبور في النعال، وقيل: إن أهل القبور يؤذيهم صوت النعال، والعامة على أن لا كراهية فيه، والأمر بالنزع، قيل: إنما كان أكثر أهل الجاهلية كانوا يلبسونها غير مدبوغة، إلا أهل السعة منهم، فأمر بنزعها لنجاستها، وقال أبو عبيد: أراه أمره بذلك لقذر رآه في نعليه، فكره أن يطأ بهما القبور كما كره أن يحدث الرجل بين القبور.” قاله البغوي في شرح السنة. “وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسًا”. قاله ابن الملقن في التوضيح.
14 – “سماع قرع نعله وكلامه مع الملكين يبين أن قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ} [فاطر: 22] أنه على غير العموم، وقال المهلب: لا معارضة بينهما؛ لأن كل ما نسب إلى الموتى من إسماعِ النداء والنوح فهي في هذا الوقت عند الفتنة، أول ما يوضع الميت في قبره أو متى شاء الله إلى أن ترد أرواح الموتى ردها إليهم لما يشاء {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23] ثم قَالَ بعد ذلك: لا يسمعون كما قَالَ تعالى: {إِنّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى} [النمل: 8] {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُورِ} [فاطر: 22].” قاله ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح. قلت أي أن الموتى لا يسمعون إلا ما استثني كما في سماع خفق النعال هنا. وذهب بعض أهل العلم إلى أن السماع المنفي في الآيات هو سماع الانتفاع، والسماع المثبت في الحديث هو الذي لا انتفاع فيه.
فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائما، بل قد يسمع في حال دون حال ….. وهذا السمع سمع إدراك ليس يترتب عليه جزاء، ولا هو السمع المنفي بقوله (إنك لا تسمع الموتى) فإن المراد بذلك سماع القبول والامتثال …. فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى فإنه لا يمكنه إجابة الداعي، ولا امتثال ما أمر به، ونهي عنه، فلا ينتفع بالأمر والنهي.
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (24) / (364)
قال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي:
وتعلق الروح بالبدن واتصالها به بنوع أنواعا:
(أحدها) تعلقها به في هذا العالم يقظة ومناما.
الثاني تعلقها به في البرزخ والأموات متفاوتون في ذلك فالذي للرسل والأنبياء أكمل مما للشهداء، ولهذا لا تبلى أجسادهم، والذي للشهداء أكمل مما لغيرهم من المؤمنين الذين ليسوا بشهداء.
والثالث تعلقها به يوم البعث الآخر.
ورد الروح إلى البدن في البرزخ لا يستلزم الحياة المعهودة، ومن زعم استلزامه لها لزمه ارتكاب أمور باطلة مخالفة للحس والشرع والعقل …. ثم ذكر حديث وحديث آخر وهو ما من رجل يمر بقبر أخيه ….
قال ولَم يقل أحد أن هذا الرد يقتضي استمرار الروح في الجسد،
ولا قال أنه يستلزم إثبات حياة نظير الحياة المعهودة.
15 – قوله (أَتَاهُ مَلَكَانِ) هما منكر ونكير قاله ابن الملقن، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا قبر الميت – أو قال: أحدكم – أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير” رواه الترمذي 1071 وقال حسن غريب وحسنه الألباني كما في الصحيحة 1391 قلت فيه عبد الرحمن ابن إسحق المدني صدوق رمي بالقدر، وقال البزار في مسنده، وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ، عَن أبي هُرَيرة إلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
16 – قوله (فأقعداه) هذا الإقعاد من أمور الآخرة نؤمن به على حقيقته.
17 – قال الفراء: (لا دريتَ ولا ائتليتَ). أي: ولا قصرت في طلب الدراية ثم لا تدري؛ ليكون ذلك أشقى لك. قَالَ: وهو افتعلت، من ألوت في الشيء إذا قصرت فيه. نقله ابن الملقن في التوضيح
18 – قوله (ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ) فيه إثبات عذاب القبر
19 – “صيحة الميت في القبر عند فتنته هي عقوبة وجزاء فدخلت في حكم الآخرة؛ فمنع الله الثقلين الذين هما في دار الدنيا سماع عقوبته وجوابه في الآخرة”. قاله ابن الملقن في التوضيح.
20 – والثقلان هما الإنس والجن
21 – قوله: (وقال لي خليفة). إذا قَالَ “البخاري” مثل هذا، يكون أخذه عنه في المذاكرة غالبًا، لا جرم قَالَ أبو نعيم الأصبهاني: إن البخاري رواه عن خليفة وعياش الرقام.”. قاله ابن الملقن.
22 – قوله (حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ) هو ابن الوليد صرح به البخاري 1374 في باب عذاب القبر.
23 – قوله (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى) ابن عبد الأعلى صرح به البخاري 1374 في باب عذاب القبر، تابعه يَزِيدُ بْنُ زُرَيْع كما ترى في الإسناد الثاني عند البخاري ومسلم 2870 والنسائي 2049 و2051 وتابعهما عبد الوهاب بن عطاء كما عند مسلم 2870 وأبي داود في سننه 3231، وتابعهم روح بن عبادة كما عند أحمد في مسنده.12271
24 – قوله (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هو ابن أبي عروبة صرح به مسلم 2870، تابعه شيبان بن عبد الرحمن كما عند مسلم في صحيحه 2870 والنسائي في سننه 2050.
25 – قوله (عَنْ قَتَادَةَ) ومن طريق شيبان (حدثنا قتادة) كما عند مسلم، تابعه مطر الوراق كما عند الطبراني في الأوسط 7025.
26 – قوله (عن أنس) وعند مسلم (حدثنا أنس بن مالك)
27 – ورد من حديث البراء عند أبي داود والنسائي وابن ماجة وصححه الالباني أن الملكين يسألان العبد من ربك وما دينك ومن نبيك؟ هذه الأسئلة الثلاثة عليها مدار الإسلام ولعظمها أولاهما العلماء أهمية وأفردها بعض أئمة الإسلام برسالة مفردة.
——–‘——–‘——-
رياح المسك
باب الميت يسمع خفق النعال
المشي بالنعال في طريق المقبرة بين فرجات القبور
قال الشيخ الألباني في أحكام الجنائز: ولا يمشي بين قبور المسلمين في نعليه، لحديث بشيرين الحنظلية قال: (بينما أماشي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) … أتى على قبور المسلمين … فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك، فنظر، فلما عرف الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه، فرمى بهما) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وقد مضى بتمامه في المسألة (88). قال الحافظ في (الفتح) (3 – 160): (والحديث يدل على كراهة المشي بين القبور بالنعال، وأغرب ابن حزم فقال: يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها! وهو جمود شديد.
وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الحيلاء، فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها.
وهو حديث صحيح.
وقال الطحاوي: (يحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى).
قلت (أي الألباني): وهذا الاحتمال بعيد، بل جزم ابن حزم (5/ 137) ببطلانه، وأنه من التقول على الله! والاقرب أن النهي من باب احترام الموتى، فهو كالنهي عن الجلوس على القبر الاتي في المسألة (128 فقرة 6)، وعليه فلا فرق بين النعلين السبتيتين وغيرهما من النعال التي عليها شعر، إذ الكل في مثابة واحدة في المشي فيها بين القبور ومنافاتها لاحترامها، وقد شرح ذلك ابن القيم في (تهذيب السنن) (4/ 343 – 345) ونقل عن الامأم أحمد أنه قال: (حديث بشير إسناده جيد، أذهب إليه إلا من علة).
وقد ثبت أن الامام أحمد كان يعمل بهذا الحديث، فقال أبو داود في مسائله (ص 158): (رأيت أحمد إذا تبع الجنازة فقرب من المقابر خلع نعليه).
فرحمه الله، ما كان أتبعه للسنة.
ولا يعارضه حديث (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم)،
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: وهذا فيه دلالة على أنه يُمشى بالنعل في المقبرة، وقد مر في حديث صاحب السبتيتين أنه لا يمشى، ويمكن أن يجمع بينهما بأن هذا الحديث لا يلزم منه أن يكون المشي بين القبور، وإنما قد يكون في المقبرة فضاء فيمشي الناس في ذلك الفضاء بنعالهم حتى يصلوا إلى القبور ثم يخلعونها، وعند الانصراف إذا وصلوا إلى ذلك الفضاء في المقبرة لبسوا نعالهم، وإنما المحذور إذا مشوا بها بين القبور، فالناس عندما يدفنون في المقبرة فإنهم يبدءون من آخرها ثم تتصل القبور حتى تصل إلى الباب، فهذه المنطقة التي يمشون فيها هي تلك المنطقة التي لم يكن فيها قبور، فهم يمشون إذاً في أرض لا قبور فيها وإن كانت في داخل مقبرة، فيحمل هذا الحديث على هذا المعنى، ولا يلزم أن يكون المشي بين القبور
—-
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
السلام على الموتى وردهم
12 – ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا، فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتلى بدر، فألقوا في قليب، ثم جاء حتى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فقال له عمر: يا رسول الله، ما تخاطب من أقوام قد جيفوا، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي بعثني بالحق، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون جوابا.
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسلام على الموتى، حيث جاء أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون.
قال ابن القيم: وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به.
وجاء في فتاوى العز بن عبد السلام: والظاهر أن الميت يعرف الزائر، لأنا أمرنا بالسلام عليهم، والشرع لا يأمر بخطاب من لا يسمع. اهـ
وممن ذهب إلى سماع الميت مطلقا ابن تيمية في مجموع الفتاوى 3/ 70
قال الألباني في الضعيفة 1147:
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ” العبد إذا وضع في قبره، وتولى وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له .. ” الحديث رواه البخاري فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين كما هو واضح من سياق الحديث.
ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر: ” ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ” هو خاص أيضا بأهل القليب، وإلا فالأصل أن الموتى لا يسمعون، وهذا الأصل هو الذي اعتمده عمر رضي الله عنه حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتنادي أجسادا قد جيفوا، فلم ينكره الرسول صلى الله عليه وسلم بل أقره، وإنما أعلمه بأن هذه قضية خاصة، ولولا ذلك لصحح له ذلك الأصل الذي اعتمد عليه، وبين له أن الموتى يسمعون خلافا لما يظن عمر، فلما لم يبين له هذا، بل أقره عليه كما ذكرنا، دل ذلك على أن من المقرر شرعا أن الموتى لا يسمعون. وأن هذه قضية خاصة.
وبهذا البيان ينسد طريق من طرق الضلال المبين على المشركين وأمثالهم من الضالين، الذين يستغيثون بالأولياء والصالحين ويدعونهم من دون الله، زاعمين أنهم يسمعونهم، والله عز وجل يقول: ” إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير “.
وراجع لتمام هذا البحث الهام مقدمتي لكتاب ” الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات ” للآلوسي. اهـ
قال العباد في شرح سنن أبي داود:
وفي هذا الحديث أيضاً دليل على سماع الأموات، ولكن لا يستدل به على سماعهم مطلقاً، فالأصل هو أن هذا من أمور الغيب التي لا يثبت منها شيء إلا بدليل، فالشيء الذي ورد فيه دليل مثل هذا، ومثل تكليمه عليه الصلاة والسلام لأصحاب القليب يوم بدر وقال: (إنهم يسمعون)، فهذا يُثبت، ولا يتوسع في ذلك بأن يقال: إنهم يسمعون كل شيء؛ لأن هذه من أمور الغيب، فيقتصر فيها على ما ورد. اهـ
قال العثيمين في تعليقه على البخاري:
– فيه دليل على أن الميت من حين ينصرف الناس عنه يأتيه الملكان، وفيه دليل على أنه لو بقي الميت لم يدفن فإنه لا يأتيه الملكان، وعلى هذا لو بقي الميت في الثلاجة ـ أحيانا يبقى في الثلاجة يومين أو ثلاثة أو أكثر ـ فإنه لا يأتيه الملكان حتى يسلمه الأحياء إلى دار الجزاء.
– فيه دليل على أن الميت يسمع، ولكن هل يسمع في تلك الحال وهو قريب عهد بالحياة أم السماع عام؟ فيه خلاف بين العلماء، فالله أعلم.
– فيه أن الملكين يقعدان الميت.
– ما جاء في هذا السياق أنه يسأل عن الرسالة، ولكن الأحاديث الأخرى تبين أنه يسأل عن ثلاثة أشياء: عن ربه ودينه ونبيه، فإما أن يكون هذا اختصارا من بعض الرواة، وإما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يحدث عن كل شيء بما يقتضيه المقام، والاحتمال الأول ضعيف لأنه يتهم الرواة بحذف أشياء مهمة من الحديث، فيكون الأولى الأخذ بالاحتمال الثاني.
– فيه أن الإنسان يكتب له مقعدان مقعد في الجنة ومقعد في النار من أجل أن يتبين نعمة الله عليه حيث أبدله الله به مكانا من الجنة.
– فيه أن المنافق يحجب عنه قول الحق. وقوله “أما الكافر أو المنافق” شك من الراوي، والظاهر أن الصواب هو المنافق، لأن الكافر لا يشهد أن محمدا رسول الله، فيتعين أن يكون الصواب هو المنافق.
– فيه إثبات عذاب القبر.
– فيه أنه يقيد ما جاء في بعض الألفاظ “يسمعه كل شيء إلا الثقلين” فهنا قال يسمعه من يليه، وهذا تقييد للمطلق، لأن سماع كل شيء في البر والبحر والجو قد يستبعده الإنسان، ولو لم يأت هذا الحديث المقيد لقلنا يجب أن نؤمن بهذا أنه يسمعه كل شيء. اهـ
—-
الحديث الذي أورده ابن حجر (وأنه ليسمع خفق نعالهم) … قال هو من حديث البراء … وهو في الصحيح المسند 141.
موافق للفظة الخفق في تبويب البخاري
قال ابن حجر وروى إسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين. أخرجه البزار ووالد السدي الكبير مجهول. وورد بإسناد حسن من حديث أبي هريرة … وعزاه ابن حجر لابن حبان
وسبق أن ذكر أصحابنا أن لفظة: (خفق) في صحيح مسلم
—-
وهذا بحث في العقيدة حول:
سماع الأموات لكلام الأحياء.
سماع الأموات حق لورود النقل به , والناس فيه بين إفراط وتفريط: فمنهم من أثبته مطلقا ومنهم من نفاه مطلقا ومنهم من توسط فجعله مقيدا بما دلت عليه النصوص وهو الحق الذي لا مرية فيه.
1_ قال نبي الله صالح عليه السلام {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم عن قبول الحق وإعراضهم عن الهدى إلى العمى قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم , تقريعا وتوبيخا وهم يسمعون ذلك (تفسيره:2/ 234)
2_ قال شعيب عليه السلام كما قال الله عنه: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} قال قتادة: أسمع شعيب قومه وأسمع صالح قومه كما أسمع نبيكم قومه يوم بدر يعني أنه خاطبهم بعد الهلاك (زاد المسير:3/ 227)
3_ عَنْ ثَابِتٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، قَالَ: كُنَّا مَعَ عُمَرَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ نَتَرَاءَى الْهِلَالَ، فَرَأَيْتُهُ، وَكُنْتُ حَدِيدَ الْبَصَرِ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ لِعُمَرَ: أَمَا تَرَاهُ؟ وَجَعَلَ عُمَرُ يَنْظُرُ وَلَا يَرَاهُ , فَقَالَ عُمَرُ: سَأَرَاهُ، وَأَنَا مُسْتَلْقٍ عَلَى فِرَاشِي. ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا عَنْ أَهْلِ بَدْرٍ , قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرِي مَصَارِعَ أَهْلِ بَدْرٍ بِالْأَمْسِ , يَقُولُ: ” هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ “. قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا أَخْطَئُوا تِيكَ الْحُدُودَ يُصْرَعُونَ عَلَيْهَا , ثُمَّ جُعِلُوا فِي بِئْرٍ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ” يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ , وَيَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَقًّا؟ ” فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَيْفَ تُكَلِّمُ أَجْسَادًا لَا أَرْوَاحَ فِيهَا؟ قَالَ: ” مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ يَرُدُّونَ عَلَيَّ شَيْئًا] أخرجه أحمد.
4_ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة [قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله للاحقون] أخرجه أحمد ومسلم نحوه.
5_ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة فسلم على أهلها قال: [سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون] أخرجه أحمد ومسلم نحوه.
قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية: فهذا خطاب لهم وإنما يخاطب من يسمع (مجموع الفتاوى:24/ 363)
وقال: الميت يسمع في الجملة كلام الحي ولا يجب أن يكون السمع له دائما (مجموع الفتاوى:24/ 364)
وبنحوه قال ابن القيم رحمه الله ونقله عن السلف: قد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به (الروح:24)
وهذا السلام مقيد بالزيارة لهم في مقابرهم.
6_ حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه [إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين] أخرجه أحمد.
7_ حديث أنس رضي الله عنه يرفعه: [إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه , حتى إنه ليسمع قرع نعالهم , أتاه ملكان … ]
خلاصة: دلت النصوص أن سماع الأموات حق وأنه سماع مقيد وليس بمطلق وهو سماع إدراك وتعقل وتفهم.
لكن: الميت وإن سمع الكلام فإنه لا يمكنه إجابة الداعي ولا امتثال ما أمر به ونهى عنه فلا ينتفع بالأمر والنهي
تعقيب على كون الميت يعرف أخبار الأحياء:
سأل ابن باز:
هل يعرف الميت أخبارنا، وكيف ذلك إذا كان يعرفها، وهل يسمعنا إذا ذهبنا إلى مكان القبر وكلمناه؟
هذا فيه تفصيل، أما كونه يسمع أخبارهم على الإطلاق فلا، يقول الله سبحانه: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى .. (80) سورة النمل، ويقول سبحانه: .. وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ (22) سورة فاطر، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، ومن ذلك السمع ينقطع، إلا ما جاء به النص، يعني هو مستثنى، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الميت إذا انصرفوا عنه فإنه يسمع قرع نعالهم)، هذا جاء به النص، كونه يسمع في قبره الملك إذا سأله من ربك؟ من دينك؟ هذا جاء به النص، أما كونه يسمع أخبارهم في بيوتهم، لا، لا دليل عليه، ولا يعلم أخبارهم ولا يسمعها، أما من جاء يسلم عليه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، وفيه أخبار جاءت فيها ضعف، أنه إذا سلم عليه من يعرفه رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام، هذا قول له قوة، ومن هذا: الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من أحدٍ يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام)، فهذا قول قوي، إذا سلم عليه من يعرفه في الدنيا وكونه ترد عليه روحه حتى يرد السلام قول قوي، ولكن الأحاديث في صحتها نظر، فيها ضعف، فيقال: يمكن هذا، الله أعلم يمكن، إن صحت الأخبار؛ لأن الأخبار فيها ضعف.
قلت سيف: وهذا كلام عن الروح كنا كتبناه في تعليقنا على صحيح مسلم قلنا:
ونختم مباحثنا في الرؤيا قبل أن ننتقل لشرح باب في تأويل الرؤيا بمبحثين:
– المبحث الأول:
تكلم ابن القيم على التقاء أرواح الأحياء والأموات وأنها تلتقي وربما أخبره بالماضي والمستقبل، وربما أخبره بمال دفنه أو بدين عليه، وذكر لذلك أدلة في كتابه الروح منها، في قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42))
قال ابن عباس: إنَّ أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فتتعارف ما شاء الله لها، فإِذا أرادت الرجوع إلى أجسادها، أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادهم.
وقال بهذا الأثر ابن جرير وابن كثير والسعدي والسيوطي والبقاعي ونعمان الألوسي
قال السعدي: وفي هذه الآية دليل على أن الروح والنفس جسم قائم بنفسه، مخالف جوهره جوهر البدن، وأنها مخلوقة مدبرة، يتصرف الله فيها في الوفاة والإمساك والإرسال، وأن أرواح الأحياء والأموات تتلاقى في البرزخ، فتجتمع، فتتحادث، فيرسل الله أرواح الأحياء، ويمسك أرواح الأموات.
ومما استدل به ابن القيم حديث الأرواح جنود مجندة، وحديث خزيمة بن ثابت قال: رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فأخبرت بذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن الروح لتلقى الروح، وأقنع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هكذا-[قال عفان برأسه
إلى خلف]- فوضع جبهته على جبهة النبي – صلى الله عليه وسلم –
وهذه رواية حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت أن أباه قال: فذكره
وصححه الألباني في الصحيحة 3262، وخالفه محققو المسند 5/ 214 فقالوا: بأنه مضطرب.
قلت: من أوجه اضطرابه أن شعبه وهو أوثق من حماد رواه عن أبي جعفر قال سمعت عمارة بن سهل بن حنيف يحدث عن خزيمة به ولفظه (أنه رأى أنه يقبل النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فناوله النبي صلى الله عليه وسلم فقبل جبهته) وعمارة مجهول. وقد أردف الإمام أحمد بين الروايتين. وأحياناً اتضح أنه يريد الإعلال، وهنا محتمل.
وراجع شرح حديث في صحيح البخاري 1315 من رياح المسك العطرة … حول كلام ابن تيمية أن الأموات لا ينفعون الأحياء