1322 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3 والمدارسة، والاستفادة، والسلف الصالح، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
وممن شارك أبومحمد الألباني وأحمد بن علي وسعيد الجابري وإبراهيم المشجري وهشام وبسام وخالد البريكي
(جمع وتأليف سيف بن دورة الكعبي)
_._._. _._._. _._._. _._._. _.
1322 – قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه رحمه الله: حدثنا محمد بن يحيى وعبد الرحمن بن عمر قالا حدثنا أبو عاصم حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة).
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها).
-_. -_. -_. -_. -_. -_-_.-_.
هذا بحث للجنة الدائمة اختصرته، وربما ذكرت بعض الترجيحات:
الشفعة اصطلاحا: الضم والزيادة موجودان في المعنيين اللغوي والشرعي، غير أن الشفعة في عرف الشرع اعتبر فيها قيود جعلتها أخص من معناها في اللغة.
مشروعية الشفعة
الشفعة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
وثبت في الصحيحين عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – «قضى بالشفعة فيما لم يقسم» وغيرها من الأحاديث
أما الإجماع فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم فيما بيع من أرض أو دار أو حائط
قال ابن القيم في رده على شبهة أن الشفعة تنافي القياس:
لما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض: شرع الله سبحانه رفع هذا الضرر بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه، وبالشفعة تارة أعلام الموقعين ج2 ص111.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الشفعة: فإنها شرعت لتكميل الملك للشفيع لما في الشركة من التضرر. اهـ مجموع فتاوى ابن تيمية ج29 ص178.
وباستعراض ما تقدم من تعاريف الشفعة لدى أهل العلم وحكمة مشروعيتها يتضح ما يلي:
1 – اتفاقهم على القول بالشفعة على وجه الإجمال.
2 – اتفاقهم على ثبوت الشفعة للشريك المسلم بشرطه.
3 – اتفاقهم على عدم اعتبار رضا الشريك والمشفوع عليه في انتزاع الشفيع حصة شريكه من يد من انتقلت إليه.
4 – اتفاقهم في الجملة على ثبوت الشفعة في العقار.
5 – اختلافهم في سبب الشفعة حيث اتفق الأئمة الثلاثة: مالك، والشافعي، وأحمد على أن الشفعة خاصة للشريك فلا شفعة بجوار ولا بمرفق خاص مشترك كطريق وبئر ومسيل، وخالف في ذلك الإمام أبو حنيفة حيث أثبت الشفعة بالجوار وبالمرافق الخاصة ووافقه في ذلك الإمام أحمد في رواية عنه في الشفعة بالمرافق الخاصة.
6 – اختلافهم في الشركة فيما لا يقبل القسمة من العقار كالحمام الصغير والحانوت.
7 – اختلافهم في الشركة في المنقولات هل فيها شفعة؟
8 – اختلافهم في الكافر هل له حق الشفعة على المسلم، حيث اتفق الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي على إثبات الشفعة له على المسلم، وخالفهم في ذلك الإمام أحمد حيث منعها عنه بحجة أنه ليس له مثل حق المسلم.
9 – اختلافهم فيما إذا انتقلت الحصة إلى الغير بعوض غير مسمى.
10 – اختلافهم في الوقف هل تثبت فيه وبه الشفعة؟
11 – اختلافهم في شفعة غير المكلف كالصبي والمجنون.
12 – اختلافهم في شفعة الغائب.
13 – اختلافهم في إرث الحق في الشفعة.
وفيما يلي ذكر بعض من أقوال أهل العلم فيما اختلفوا فيه مما ذكر.
-الاشتراك فيما لا يقبل القسمة من العقار:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: اتفق الأئمة على ثبوت الشفعة في العقار الذي يقبل القسمة قسمة الإجبار كالقرية والبستان ونحو ذلك، وتنازعوا فيما لا يقبل قسمة الإجبار وإنما يقسم بضرر أو رد عوض فيحتاج إلى التراضي، هل تثبت فيه الشفعة؟ على قولين:
أحدهما: تثبت وهو مذهب أبي حنيفة واختاره بعض أصحاب الشافعي كابن سريج وطائفة من أصحاب أحمد كأبي الوفاء بن عقيل وهي رواية المهذب عن مالك وهذا القول هو الصواب كما سنبينه إن شاء الله.
والثاني: لا تثبت فيه الشفعة – ثم قال – والقول الأول أصح فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «من كان له شريك في أرض أو ربعة أو حائط فلا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به»، ولم يشترط النبي – صلى الله عليه وسلم – في الأرض والربعة والحائط أن يكون مما يقبل القسمة … وفي حديث ( … إذا كان طريقهما واحدا» فإذا قضى بها للاشتراك في الطريق فلأن يقضى بها للاشتراك في رقبة الملك أولى
وأيضا فمن المعلوم أنه إذا أثبت النبي – صلى الله عليه وسلم – الشفعة فيما يقبل القسمة فما لا يقبل القسمة أولى
وهو اختيار ابن سعدي وغيره من أهل العلم
-الاشتراك في المنقولات
لا يخلو أمر المنقول من حالين: إما أن يكون متصلا بالأرض كالبناء والغراس مما يباع مع الأرض فهذا يؤخذ بالشفعة تبعا لأصله
وإما أن يكون منفصلا عنه: كالزرع والثمرة وغيرهما من المنقولات
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الشفعة ثابتة في كل شيء حتى في الثوب لما روى الترمذي بسند جيد عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعا: «الشريك شفيع والشفعة في كل شيء» ورواه مرسلا وصحح المرسل. قال الحافظ: ورواه الطحاوي بلفظ: «قضى النبي – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل شيء» ورجاله ثقات. ولأن الشفعة شرعت لدفع ضرر المشاركة.
قلت (سيف): الصواب أن الشفعة ثابته في كل شئ ففي رواية مسلم (في كل ما لم يقسم) أما حديث (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق … ) فلا يدل على اقتصار الشفعة في الأرض، إنما هو أن أحد أنواع الشفعة.
-الجار:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد تنازع الناس في شفعة الجار على ثلاثة أقوال، أعدلها هذا القول إنه إن كان شريكا في حقوق الملك ثبتت له الشفعة وإلا فلا. اهـ.
وقال ابن القيم – رحمه الله -: والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه إن كان بين الجارين حق مشترك من حقوق الأملاك من طريق أو ماء أو نحو ذلك ثبتت الشفعة، وإن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان واحد منهما متميزا ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة.
وبه قال محمد بن ابراهيم مفتي السعوديه سابقا رحمه الله لحديث «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا» ولمفهوم حديث «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة»
وأما الجار غير الشريك فقد ذهب الحنفية إلى القول بحقه في الأخذ بالشفعة على شرط انتقاء من هو أحق منه بها، كالخليط في المبيع أو في حقه
أدلة القائلين بثبوت الشفعة بحق المبيع والجوار ومناقشتها:
استدل القائلون بثبوت الشفعة بالمرافق الخاصة وبالجوار بما يأتي:
– ما روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن الشريد قال: وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور بن مخرمة وضع يده على إحدى منكبي إذ جاء أبو رافع مولى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال يا سعد ابتع مني بيتي في دراك، فقال سعد والله ما ابتاعها فقال المسور والله لتبتاعنها فقال سعد والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة فقال أبو رافع: لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «الجار أحق بسقبه» ما أعطيتكها بأربعة وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاه إياها. صحيح البخاري الشفعة (2139)
كما استدلوا من جهة المعنى بقولهم:
إن حق الأصيل وهو الجار أسبق من حق الدخيل، وكل معنى اقتضى ثبوت الشفعة للشريك فمثله في حق الجار
وأجيب لو صحت هذه الأحاديث ببيان واضح أن الشفعة للجار لكان حكمه – عليه الصلاة والسلام – وقوله وقضاؤه «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» يقضي على ذلك كله ويرفع فكيف ولا بيان في شيء منها. ا هـ.
حديث جابر الذي أنكره من أنكره على عبد الملك صريح فيه، فإنه قال: «الجار أحق بسقبه ينتظر به وإن كان غائبا طريقهما واحدا» وحديث أبي رافع الذي رواه البخاري يدل على مثل ما دل عليه حديث عبد الملك فإنه دل على الأخذ بالجوار حالة الشركة في الطريق فإن البيتين كانا في نفس دار سعد والطريق واحد بلا ريب.
– الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى
إذا انتقل ما يجب فيه الشفعة للغير بعوض غير مسمى فقد ذهب الحنفية إلى نفي الشفعة فيه قال في الهداية: ولا شفعة في الدار التي يتزوج الرجل عليها أو يخالع المرأة بها أو يستأجر بها دارا أو غيرها أو يصالح بها عن دم عمد أو يعتق عليها عبدا.
قلت (سيف) أما الميراث فاتفقوا أنه لا شفعة فيه، وكذلك الراجح في الهبة أنه لا شفعة فيها، أما إن كان الشقص منقلا بعوض غير المال فالراجح ثبوت الشفعة.
-الشفعة بشركة الوقف:
قال السعدي: فلو باع الشريك الذي ملكه طلق فلشريكه الذي نصيبه وقف الشفعة لعموم الحديث المذكور ووجود لمعنى. بل صاحب الوقف إذا لم يثبت له شفعة يكون أعظم ضررا من صاحب الطلق لتمكن المالك من البيع بخلاف مستحق الوقف
شفعة غير المسلم:
انفرد أحمد بالمنع دون الثلاثة، لأن الشفعة من حقوق المسلمين ونصره ابن القيم
شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون
قد رد ابن قدامة – رحمه الله – على أهل هذا القول- يعني المانعين – فقال ما نصه:
قولهم لا يمكن الأخذ غير صحيح، فإن الولي يأخذ بها كما يرد المعيب
شفعة الغائب
ورد ابن قدامة- يعني على المانعين – القول بتضرر المشتري بأن ضرره يندفع بإيجاب القيمة له.
وقد يرد على ذلك بأن غيبته ما دامت غير محددة بحيث تصل إلى عشر سنين أو أكثر فإن تضرر المشتري ببقاء مشتراه معلقا حتى يحضر فيقرر رغبته في الشفعة من عدمها لا يقابل برد القيمة إليه لما في ذلك من تعطل هذه القيمة عن الإدارة، فضلا عما في ذلك من تعطيل هذا العقار عن التعمير لتكون منفعته العامة والخاصة أكثر.
قلت: إن كانت مدة يسيرة، ولم يعلم فله الشفعة
شفعة الوارث:
فمن ذلك اختلافهم في ميراث حق الشفعة فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع، وذهب مالك والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الأموال.
هذا ما تيسر ذكره، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
ملخص
قرار هيئة كبار العلماء
المتعلق
بمسألة الشفعة فيما لا يمكن قسمته من العقار
الحمد لله بعد الإطلاع على البحث المعد في (مسألة الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار) من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وبعد تداول الرأي والمناقشة من الأعضاء وتبادل وجهات النظر قرر المجلس بالأكثرية: أن الشفعة تثبت بالشركة في المرافق الخاصة، كالبئر والطريق والمسيل ونحوها. كما تثبت الشفعة فيما لا تمكن قسمته من العقار كالبيت والحانوت الصغيرين ونحوهما لعموم الأدلة في ذلك، ولدخول ذلك تحت مناط الأخذ بالشفعة وهو دفع الضرر عن الشريك في المبيع وفي حق المبيع ولأن النصوص الشرعية في مشروعية الشفعة تتناول ذلك. ومن ذلك ما رواه الترمذي بإسناده إلى ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «الشريك شفيع والشفعة في كل شيء» وفي رواية الطحاوي بإسناده إلى جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – «قضى بالشفعة في كل شيء» قال الحافظ: حديث جابر لا بأس برواته. ولما روى الإمام أحمد والأربعة بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا» قال في البلوغ ورجاله ثقات.
ولما روى البخاري في صحيحه وأبو داود والترمذي في سننهما بإسنادهم إلى جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: «قضى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» ووجه الاستدلال بذلك ما ذكره ابن القيم – رحمه الله – في كتابه أعلام الموقعين: أن الجار المشترك مع غيره في مرفق خاص ما مثل أن يكون طريقهما واحدا أو أن يشتركا في شرب أو مسيل أو نحو ذلك من المرافق الخاصة لا يعتبر مقاسما كلية، بل هو شريك لجاره في بعض حقوق ملكه، وإذا كان طريقهما واحد لم تكن الحدود كلها واقعة بل بعضها حاصل وبعضها منتف إذ وقوع الحدود من كل وجه يستلزم أو يتضمن تصريف الطرق. أ هـ.
وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. . .
وجهة نظر المخالفين
بالنسبة إلى الشفعة بالشركة في المرافق هو أن الشفعة لا تثبت إلا في العقار المشترك شركة مشاعة، ولا تثبت بالاشتراك في المرافق كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – وبالله التوفيق.
قلت (سيف)
وهذه تتمات من اختيارات ابن عثيمين على شرحه للزاد اختصرته ووضعت كلام الشيخ بين قوسين:
للحكم بالشفعة (لا بد من نقل المُلك، فلو آجرها فإنه لا شفعة)
(قوله: «بعوض» يخرج به ما انتقل بغير عوض وهو نوعان:
أحدهما: أن يكون الانتقال قهرياً مثل الميراث، فلا شفعة وهذا واضح؛ لأن الشريك لم ينقله باختياره.
الثاني: أن يكون انتقال الملك فيه بالاختيار كالهبة، فالمذهب أنه لا شفعة، والصحيح أن الشفعة ثابتة؛ لأن الحكمة من الشفعة موجودة في الهبة، إذ إن الحكمة من الشفعة إزالة ضرر الشريك الجديد عن الشريك الأول؛ لأنه قد يكون الشريك الجديد شكساً سيئ الخلق)
(وقوله: «بعوض مالي» يشترط أن يكون العوض مالياً فإن لم يكن مالياً فإنه لا شفعة، فالمالية كالنقود والثياب والسيارات وما أشبه ذلك، والعوض المالي يشمل الأعيان والمنافع، لو أنه أعطاها مصالحة عن دم عمد كالقتل العمد … والذي نرى أنه كلما خرج الشقص بالاختيار فإن للشريك أن يأخذ بالشفعة، سواء كان العوض مالياً أو غير مالي، فإن كان العوض مالياً فواضح أنه يأخذه بعوضه، وإن كان غير مالي قُدِّر بقيمته في السوق).
(وإن كان عوضه غير مالي بأن جُعِل صداقاً … فالقول الراجح أن له أن يشفع) (الأرض الصغيرة – أولى بالشفعة؛ لأن الأولى لا يمكن قسمتها، ولا يمكن التخلص من الشريك الجديد، والثانية يمكن أن يتخلص من الشريك الجديد بطلب القسمة وتقسم وينتهي الإشكال)
(القول الراجح، أن الجار له الشفعة في حال وليس له الشفعة في حال، فإذا كانت الطريق واحدة، أو الماء الذي يسقى به الزرع واحداً، أو أي شيء اشتركا فيه من حق الملك فإن الشفعة ثابتة، وإذا لم يكن بينهما حق مشترك فلا شفعة، هذا هو القول الراجح في ثبوت الشفعة للجار، وعليه يحمل حديث: «الجار أحق بسقبه» [(133)]، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله) ـ.
و (الشفعة في كل شيء إلا ما أمكن قسمته من المنقولات فإنه لا شفعة فيه؛ لإمكان قسمته من دون ضرر ككيس من البر ونحو ذلك، وهذا القول أرجح)
(الصحيح أنه إذا كانت الثمرة موجودة حين البيع، وشفع الشريك والثمرة موجودة فإنها تتبع، وكذلك يقال في الزرع لما يلي:
أولاً: أن الثمرة فرع الغراس، والشجر والزرع فرع الأرض، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
ثانياً: أنه قد يحدث ضرر ولو يسيراً، والدليل على هذا أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع الحب حتى يشتد [(136)]؛ لئلا يحصل النزاع والخصومة بين البائع والمشتري.
ثالثاً: أننا إذا منعنا الشفعة في الثمرة والزرع صار في ذلك تشقيص على الشريك، وهذا قد يتضرر به وحتى المشتري قد يتضرر به؛ لأنه قد يقول: إن لم يحصل لي النصيب كاملاً فأنا لا أريد الثمرة ولا الزرع، وإذا قال الشريك الأول: أنا لا أريدها ـ أيضاً ـ صار في ذلك ضرر على المشتري، فإذا قلنا: إنها تتبع الأصل استرحنا من هذا الضرر.
أما لو كانت النخيل حين البيع ليس فيها ثمر ثم أثمرت بعد عند المشتري فإنها تكون للمشتري، لأنها نماء ملكه فإنه قبل أن يؤخذ بالشفعة للمشتري)
(الراجح الذي يتعين الأخذ به أن يقال: هي على التراخي لا تسقط إلا بما يدل على الرضا.
فإذا قال المشتري: إلى متى أنتظر، ما أدري متى يرضى أو لا يرضى؟ ففي هذه الحال نضرب له أجلاً مناسباً، فيقال للشريك الذي له الشفعة: لك ثلاثة أيام، أو لك يومان، أو لك أربعة أيام، حسب الحال؛ لأننا لو قلنا: لك إلى شهرين أو ثلاثة حتى ترضى، صار في ذلك ضرر على المشتري)
(والخلاصة: أن هذه المسألة لها أربع صور:
الأولى: اتحاد البائع والمشتري والمبيع، فإذا طلب الشفيع أخذ البعض لم يُمَكَّن وتسقط شفعته على المذهب.
الثانية: تعدد البائع، بأن يبيع رجلان نصيبيهما من أرض واحدة على رجل واحد، فهنا للشفيع أن يأخذ بأحدهما.
الثالثة: تعدد المشتري، بأن يبيع الإنسان نصيبه من أرض واحدة على شخصين، فللشفيع أن يأخذ من أحد الشخصين.
الرابعة: تعدد الشقصين، أن يكون للشريك شركة في أرضين فيبيع شركته في الأرضين على شخص واحد صفقة واحدة فللشفيع الأخذ بالشفعة في إحدى الأرضين، فالصورة التي يمتنع فيها تبعض الشفعة هي الصورة الأولى).
في حالة الوقف (القول الراجح في هذه المسألة أن له الشفعة، أي: للشريك الذي نصيبه الوقف أن يأخذ بالشفعة)
(لا بد أن يسبق ملكُ الشريكِ الشفيعِ ملكَ المشتري، فلو اشترى اثنان حق واحد أو اشتريا أرضاً صفقة واحدة، فهل لأحدهما أن يشفع على الآخر؟ لا؛ لأن ملكهما ليس بسابق، فهما ملكا الأرض صفقة واحدة)
(لا شفعة في شركة إجارة، كما لو استأجر رجلان بيتاً، فأجر أحدهما نصيبه، فإنه ليس لشريكه أن يشفع)
في شفعة الكافر (لو قلنا برجوع هذا إلى نظر الحاكم أي القاضي لكان هذا جيداً، ويظهر هذا بالقرائن، فإذا عرفنا أن الكافر سوف يفتخر بأخذ الشفعة من المسلم ويرى أنه علا عليه فحينئذ لا نمكنه، أما إذا علمنا أن الكافر مهادن وأنه لم يأخذ بالشفعة إلا لأنه مضطر إليها لمصلحة ملكه، فإننا نمكنه منها)
( … فتصرفات المشتري في الشقص تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: تصرف بلا عوض لا تثبت به الشفعة، وهو الوقف والهبة، والراجح ثبوت الشفعة.
الثاني: تصرف بعوض ينقل الملك وهو البيع فله أخذه بالشفعة بأحد البيعين.
الثالث: تصرف بعوض لا ينقل الملك وهو الرهن والإجارة، والمؤلف يرى سقوط الشفعة بالرهن والإجارة، والصحيح أن ذلك لا يسقط الشفعة وأن للشريك أن يأخذ الشقص قوله: «وللمشتري الغلة» أي: لمشتري الشقص الغلة.
مثال ذلك: رجلان شريكان في عمارة وأجَّراها السنة بمائة ألف، ثم إن أحد الشريكين باع نصيبه على شخص، وخفي على الشريك أنه باع حتى مضى أربعة أشهر، فالغلة في هذه أربعة الأشهر للمشتري، وتعليل ذلك أنه نماء ملكه، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الخراج بالضمان» القول الراجح ـ بلا شك ـ أن النماء المتصل كالمنفصل يكون لمن انتقل إليه الملك ولا فرق، وهذا هو العدل؛ لأن الرجل تعب عليه، ونما بسبب عمله، ومثل ذلك الشاة في غير الشفعة إلا على القول الراجح إذا سمنت، فإن النماء المتصل يكون للمشتري.
إذاً الصواب خلاف مفهوم كلام المؤلف، وكلام المؤلف يدل على أن النماء المتصل يتبع العين وليس للمشتري شيء، والقول الراجح أنه لا يتبع، ولكن إن لم يمكن فصله فحينئذ تقدر قيمته للمشتري الشريك يظن أن هذا وكيل ولا يدري أنه انتقل الملك، وبعد ذلك يعلم أنه انتقل الملك، فحينئذ يتصور أن المشتري يبني ويغرس، فإذا بنى أو غرس يخيَّر الشفيع بين أمرين: بين تملكه بقيمته أو قلعه ويغرم النقص إذاً نمنعه في حالين:
الأولى: إذا كان على الأرض ضرر.
الثانية: إذا كان المشتري لا ينتفع بها، فنكون زدنا على كلام المؤلف: «بلا ضرر» إن كان يمكنه الانتفاع بها؛ لأنه إذا كان ضرر فإنه لا يمكن أن يقع الإنسان في ضرر لأجل مصلحة؛ لأن دفع الضرر مقدم على المصلحة.
وإن لم يكن ضرر، لكن يفسد هذا الغراس والبناء، فإننا لا نمكّن المشتري من ذلك؛ لأن هذا من باب إضاعة المال والسفه فالقول الراجح في هذه المسالة أنه ينتقل حق المطالبة بالشفعة إلى الوارث؛ لأن هذا تابع للملك، فإذا مات الشفيع ولم يطالب فللوارث أن يطالب؛ لأن هذا من حقوق الملك وأفادنا المؤلف بقوله: «بكل الثمن» أنه يأخذه بالثمن لا بالقيمة).
قوله: («فإن عجز عن بعضه – يعني من له الشفعة – سقطت شفعته»)