1314، 1315 … رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة.
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——“——-“——-”
صحيح البخاري:
باب حمل الرجال الجنازة دون النساء
1314 – حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت يا ويلها أين يذهبون بها يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق.
——–‘——–‘——-
فوائد الباب:
1 – قوله (باب حمل الرجال الجنازة دون النساء) فيه حديث أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا متفق عليه وقد سبق. أشار إليه العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في تعليقه على فتح الباري.
2 – وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة، فقال: أتحملنه؟ قلن: لا قال: أتدلينه؟ قلن: لا قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات.
رواه أبو يعلى في مسنده وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه 312 بسند ضعيف لجهالة التابعي، وعزاه السيوطي كما في جامع الأحاديث للدارقطني في الأفراد. و ضعفه الألباني وضعف حديث علي بن أبي طالب بنحوه الذي أخرجه ابن ماجة كما في السلسلة الضعيفة 2742.
قلت سيف بن دورة: ورجح الدارقطني في العلل رواية الإرسال 2635.
3 – حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أخرجه البخاري والنسائي.
4 – قوله (إذا وضعت الجنازة) ومن حديث أبي هريرة مرفوعا (إِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ) أخرجه النسائي 1908 وغيره من طريق سعيد المقبري عن عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فذكره، وقال الألباني إسناد صحيح على شرط مسلم، وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 1398 وحسنه.
5 – قال ابن حبان في صحيحه: روى هذا الخبر سعيد المقبري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري وعن عبد الرحمن بن مهران عن أبي هريرة فالطريقان جميعا محفوظان.
6 – قوله: (واحتملها الرجال) فإن النساء يضعفن عن ذلك ولو كان الميت أنثى، وربما انكشف منها شيء بسببه. قاله ابن الملقن في التوضيح.
7 – قوله (على أعناقهم) وهذا من شأن الرجال أيضا
8 – قوله: (“فإنْ كانتْ صالحةً قالتْ: قَدِّمُوني”). وذلك أن تأخيرها لا فائدة فيه، وفي تعجيلها ستر لها. قاله ابن الملقن في التوضيح.
9 – وفي رواية للبخاري 1380 (قدموني قدموني) كررها بطلب التعجيل بها.
10 – وقوله: (وإِنْ كانتْ غيرَ صَالِحَةٍ قالتْ: يا ويلها”) وفي الرواية الأخرى: “قالت لأَهْلِهَا يَا وَيْلَهَا”. وهي كلمة تقولها العرب عند الشر تقع فيه، وتقول ذلك لغيره. قاله ابن الملقن.
11 – السرعة بالجنازة قاله النسائي في السنن الصغرى.
12 – قوله (يا ويلها) وأضاف الويل إلى ضمير الغائب حملا على معنى كراهية أن يضيف الويل إلى نفسه.
13 – وإنما يتكلم روح الجنازة، لأن الجنازة لا تتكلم بعد خروج الروح منها إلا أن يرده الله فيها، فإنما يسمع الروح من هو مثله ويجانسه، وهم الملائكة والجن. قاله ابن بطال في شرحه، وفيه إثبات قول الميت وهو على السرير محمولا.
تنبيه: – النقل عن ابن بطال رحمه الله أن الذي يتكلم هو الروح.
في فتح الباري هناك ثلاثة مسائل:
– هل هو كلام حقيقي أم مجازي، فابن بطال يرى أنه حقيقي ووافقه ابن حجر
– هل هو كلام الروح أم الجسد، ابن بطال يرى أنه كلام الروح وخالفه ابن حجر.
– هل سماع هذا الكلام خاص بالجن والملائكة، هذا رأي ابن بطال وخالفه ابن حجر.
ولعل القول بأنه كلام الروح خلاف الظاهر، قال ابن حجر:
وبأنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح كما تقدم والله تعالى أعلم
قال الأثيوبي حفظه الله في الذخيرة (19/ 73):
والحاصل الصواب أن جسد الميت يتكلّم، وأنه يسمعه كل شيء، إلا المستثنى، وهو الإنسان، كما هو ظاهر النصّ.
ولعله يقال أن الأحاديث ليست صريحة ومحتملة، فحصل الاختلاف في تحديد من المتكلم الروح أم الجسد.
فائدة تتعلق بوقت ابتداء العذاب والنعيم والسؤال
قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية:
قوله (بِعَذَابِ الْقَبْرِ) عذاب القبر اسم لما بعد الموت، وقيل عنه عذاب القبر تَغْلِيباً، وقد يكون عذاباً في القبر وقد يكون عَذَابَاً في غير القبر.
يعني أنَّ من فارَقَتْ روحه جسده فإنَّهُ إمَّا أن يُنَعَّمْ وإما أن يُعَذَّبْ، وغالب الناس من جميع الملل والنِّحَلْ والديانات يُقْبَرون، فلذلك صارت سِمَةً للمسألة اسم نعيم القبر أو عذاب القبر، وإلا فحقيقتها عذاب البرزخ ونعيم البرزخ؛ لأنَّ الحياة المقصود بالتَّنَعُّمِ أو العذاب فيها هي الحياة الثانية وهي الحياة البرزخية.
فالحياة ثلاث:
– الحياة الدنيا.
– والحياة البرزخية.
– والآخرة.
والمقصود هنا الحياة البرزخية ولذلك من دُفِنَ أو من لم يُدْفَنْ وأُحْرِقَ وذُرَّ أو من أُكِل فَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ أو مَنْ رُمِيَ في البحر ولم يُقْبَرْ أو إلى آخره، أو من رُفِعَ في مكان ولم يُجْعَلْ تحت الأرض في قبر، فالجميع صاروا إلى حياةٍ برزخية.
فإذاً قول العلماء عذاب القبر أو ما جاء في الدليل في بعض النصوص من تسميته عذاب القبر هذا من باب التغليب؛ لأنَّ غالب الناس يُدْفَنُون.
ملاحظة:
– سيأتي معنا في صحيح البخاري في أواخر كتاب الجنازة، باب كلام الميت على الجنازة وفيه تكرار للحديث
انتهى
قال أبوصالح حازم: قال ابن القيم في الروح:” ثم تأتي الروح فتشاهد غسل البدن وتكفينه وحمله وتقول قدموني قدموني أو إلى أين تذهبون بي”
وفِي الحديث فكلما أتوا سماء قالوا ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين فلهم أفرح به من أحدكم بغائبه إذا قدم عليه ويسألونه ما فعل فلان
قلت سيف بن دورة: ابن حجر نقل كلام ابن بطال في أن الذي يتكلم الروح ثم نقل رد ابن المنير بأنه لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال. قال ابن حجر: وهو بعيد ولا حاجة إلى دعوى إعادة الروح إلى الجسد قبل الدفن لأنه يحتاج إلى دليل، فمن الجائز أن يحدث الله النطق في الميت. وكلام ابن فيما يظهر لي أصوب.
14 – الجمع بين الخوف والرجاء. قاله النووي في رياض الصالحين.
15 – حمل الجنازة وقولها. قاله ابن حبان في صحيحه.
16 – فيه إثبات عذاب القبر ونعيمه، ذكر البيهقي هذا الحديث في كتاب إثبات عذاب القبر له.
17 – قوله (يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان) وذكره ابن الأثير في جامع الأصول بلفظ (يسمع صوتَها كلُّ شيء إلا الثقلين – أو قال: الإنسان)، وعزاه للبخاري والنسائي. ولا أدري ما مصدر قوله (إلا الثقلين) وكأنه دخل عليه حديث في حديث. وكلام ابن الملقن المتقدم قريبا يخالف ذلك.
قلت سيف بن دورة: ويمكن أن يقال أن الاقتصار على ذكر الإنسان في هذه الرواية من باب أن الجن تابعين لهم في الحكم. وكثيرا الخطابات توجه للإنس، ويكون الجن داخلين.
أو الجن يسمعون الصوت لسهولة هربهم من الأصوات. أو عدم تأثرهم
خاصة أن هذا ظاهر الحديث فلم يستثن إلا الإنسان، أما في عذاب القبر فاستثني الإنس والجن.
وسيأتي بعض النقولات حول هذه المسألة إن شاء الله
18 – قوله (لصعق): صعق الرجل: إذا مات، وصعق: إذا غشي عليه قاله ابن الأثير كما في جامع الأصول.
19 – وقد بين (صلى الله عليه وسلم) المعنى الذى من أجله منع الإنسان أن يسمعها، وهو أنه كان يصعق لو سمعها، فأراد تعالى الإبقاء على عباده، والرفق بهم فى الدنيا، لتعمر ويقع فيها البلوى والاختبار. قاله ابن بطال في شرحه.
20 – قوله (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) هو الأويسي، تابعه عبد الله بن يوسف كما عند البخاري بعد باب 1316، وتابعه قتيبة بن سعيد كما عند البخاري 1380والنسائي في السنن الصغرى 1909، وتابعه يونس وحجاج أخرجه الإمام أحمد في مسنده 11372، تابعه أبو سلمة الخزاعي أخرجه الإمام أحمد في مسنده 11553، تابعه يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اخرجه عبد بن حميد في مسنده 933.
21 – قوله (عن سعيد المقبري) وعند البخاري بعد باب (حدثنا سعيد)، وعند البخاري أيضا 1380 (عن سعيد بن أبي سعيد)
“””””””
فوائد الباب:
فيه أن السُّنَّة حمل الجنازة على الأعناق وهو أفضل من حملها على السيارة ونحو ذلك، بل لا ينبغي حملها في السيارة وغيرها إلا لعذر؛ كبعد مسافة، أو وجود ريح، أو أمطار، أو خوف.
فيه أن الجنازة يحملها الرجال لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” واحتملها الرجال على أعناقهم “، فإن كلام الشارع كله تشريع ولو كان خبراً، وقد نقل النووي في شرح المهذب أنه لا خلاف في هذه المسألة بين العلماء والسبب في ذلك أن الحمل على الأعناق والأمر بالإسراع مظنة الانكشاف غالبا وهو مباين للمطلوب منهن من التستر مع ضعف نفوسهن عن مشاهدة الموتى غالبا فكيف بالحمل مع ما يتوقع من صراخهن عند الحمل والوضع على أن الحمل يحتاج قوة وضعف النساء من الأمور المحسوسة التي لا تحتاج إلى دليل ثم إن الجنازة لا بد أن يشيعها الرجال فلو حملها النساء لكان ذلك ذريعة إلى اختلاطهن بالرجال فيفضي إلى الفتنة.
قال ابن بطال في شرح البخاري:
(واحتملها الرجال) دليل أن النساء لا يحملنها، لأنهن لا يلزمهن ما يلزم الرجال من المؤن، والقيام بالحقوق، ونصرة الملهوف، وإعانة الضعيف، وقد سقط عنهن كثير من الأحكام، عذرهن الله بضعفهن، فقال: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان) [النساء: 98] الآية. اهـ
قلت سيف بن دورة: ومن تتبع السنة العملية يعلم أن الحديث يحكي ما عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أن الذي يحمل الجنازة ويحفر القبر وينزل الميت في قبره ويدفن هم الرجال. وكفى بعمل يعمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم دليلا.
فيه أن الجنازة تتكلم بلسان المقال أو بلسان الحال، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يسمعها كل شيء)، يثبت أنها تتكلم، وكذا قوله: (ولو سمعها الإنسان لصعق). (شرح أسامة علي محمد سليمان على البخاري)
قلت سيف بن دورة: الأصل في الكلام إذا أطلق فيحمل على الكلام الحقيقي لا النفسي
وستأتي بعض النقولات
قوله (إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال) الجنازة تطلق على الميت في سريره وقد تطلق على الميت وقد تطلق على السرير وهنا تحتمل نفس الميت باعتبار جثته ووضعها جعلها في السرير وتحتمل السرير والمراد وضعها على أعناق الرجال وعليه فجملة “واحتملها الرجال” تفسيرية والأول أولى لقوله بعد ذلك “فإن كانت صالحة قالت” فإن المراد به الميت ويؤيده رواية “إذا وضع المؤمن على سريره يقول قدموني” وعبر باحتملها بدل حملها لإفادة ما يصاحب الحمل من المشقة والتكلف.
قوله (على أعناقهم) الحمل يكون على الأكتاف لا على الأعناق ففي الكلام مضاف محذوف أي على أصول أعناقهم وهي أكتافهم
أن العبد يرى مصيره وما أعد له قبل أن يصل إلى قبره
أن للميت كلاما يسمعه غير الإنس رحمة بهم.
أن كلام الميت هذا مزعج للأحياء وأنهم يصعقون لو سمعوه.
فيه ترغيب في الطاعات وترهيب عن المعاصي
—-
: 49 – باب حمل الرجال للجنازة دون النساء
قال العثيمين في شرح رياض الصالحين:
يستفاد منه أنه ينبغي أن يعبر عن الألفاظ السيئة بما يدل عليها بدون سوء لأن قسيم الصالحة الفاسدة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عدل عن كلمة فاسدة إلى قوله وإن تك سوى ذلك وهذا من باب التأدب في اللفظ وإلا فالمعنى واحد والتأدب في اللفظ له شأن عجيب انظر إلى قوله تعالى عن الجن وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا لما أرادوا الخير أضافوه إلى الله {أم أراد بهم ربهم رشدا} وفي الشر قالوا {أشر أريد} وما قالوا شر أراده الله مع أن الله مريد للخير والشر لكن الشر الذي يريده الله ليس شرا في فعله بل في مفعولاته أما فعله عز وجل فلا شك أنه خير لكن يقدر الشر للخير لحكمة يريدها عز وجل. اهـ
قال الأثيوبي في ذخيرة العقبى وذكر بعض ما سبق من الفوائد وقال:
– ومنها: أن ما بعد الموت، من جملة أمور الآخرة التي لا يُوصَل إلى معرفتها إلا عن طريق الوحي، فلا مدخل للعقل فيها، فلا يقاس بعض أمورها على بعض، بل يُقتصر فيها على ما ورد عن الشارع الحكيم.
===== ===== =====
صحيح البخاري
باب السرعة بالجنازة وقال أنس رضي الله عنه أنتم مشيعون وامش بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها وقال غيره قريبا منها
1315 – حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال حفظناه من الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم
——-
فوائد الباب:
1 – حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه الستة.
2 – فَلْيُكْثِرْ مَعَ مَنْ تَبِعَ الْجَنَازَةَ حَيْثُ مَشَى مِنْهَا ذِكْرَ الْمَوْتِ وَالتَّفَكَّرَ فِي صَاحِبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ صَائِرُونَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ، وَلْيَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ وَلِمَا بَعْدَهُ، سَهَّلَ اللهُ لَنَا حُسْنَ الِاسْتِعْدَادِ وَاللِّقَاءِ بِهِ. قاله ابن المنذر في الأوسط.
تنبيه: قوله (فليكثر مع من تبع) نسخة الشاملة كما نقلته أنا، وعندي نسخة من الكتاب وفيها كما نقلته أيضا لكن علق المحقق في الهامش فقال كذا بالأصل والأقرب “وليكثر من”
وأقول وكأن للأصل وجها وهو فليكثر أي ليستصحب معه ذكر الموت. والله أعلم
3 – عن عيينة بن عبد الرحمن بن يونس قال حدثني أبي قال
شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون رويدا رويدا بارك الله فيكم فكانوا يدبون دبيبا حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى إليهم بالسوط وقال خلوا فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملا فانبسط القوم. أخرجه أبو داود 3183 والنسائي 1912 وصححه العلامة الألباني، وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند برقم 1171 وصححه.
4 – “هَذَا الْأَمْرُ بِالْإِسْرَاعِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي اسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى. وذهب ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ إلَى وُجُوبِهِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ شَاذٌّ ” قاله العراقي كما في طرح التثريب في شرح التقريب.
5 – أثر أنس رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 11344 والطحاوي في شرح معاني الآثار 2547 عن أبي بكر بن عياش، وعبد الوهاب الخفاف في كتاب الجنائز له – كما قال الحافظ في تغليق التعليق، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف 6261 عن أبي جعفر الرازي وأخرجه الحافظ أيضا في التغليق من طريق يزيد بن هارون كلهم عن حميد عن أنس به.
6 – … قوله (وقال غيره قريبا منها) عن أبي العالية، قال: “خلفها قريب وأمامها قريب، وعن يسارها قريب، وعن يمينها قريب ” أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 11346 عن أبي أسامة عن عوف عن أبي المنهال به إسناده صحيح.
7 – وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: «وَيُمْشَى بِالْجَنَازَةِ أَسْرَعَ سَجِيَّةِ مَشْيِ النَّاسِ، لَا الْإِسْرَاعَ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى ضَعَفَةِ مَنْ يَتْبَعُهَا إِلَّا أَنْ يَخَافَ تَغَيُّرُهَا أَوِ انْبِجَاسُهَا فَيُعَجِّلُوا بِهَا مَا قَدَرُوا» قاله ابن المنذر في الأوسط.
8 – قوله (حدثنا علي بن عبد الله) تابعه أبو بكر بن أبي شيبة عند مسلم 944 وابن ماجة 1477، وتابعه زهير بن حرب عند مسلم 944 تابعه معمر عند مسلم 944 وتابعه محمد بن أبي حفصة عند مسلم 944 تابعه مسدد عند أبي داود 3181 تابعه أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عند الترمذي 1015 تابعه قتيبة بن سعيد عند النسائي 1910 تابعه هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عند ابن ماجة 1477
9 – تابعه يونس بن يزيد عند مسلم 944 لكنه استبدل سعيد بن المسيب بأبي أمامة بن سهل بن حنيف.
===== =====
50 – باب السرعة بالجنازة
فوائد الباب:
في (شرح المهذب): جاء عن بعض السلف كراهة الإسراع بالجنازة، ولعله يكون محمولا على الإسراع المفرط الذي يخاف منه انفجار الميت، وخروج شيء منه.
قلت سيف بن دورة: وموافقة أثر أنس في قوله إنما أنتم مشيعون للتبويب في الإسراع بالجنازة أن المشيعين عادة يمشون قريبا من الجنازة من أي جهه فمن كان سريعا يمشي أماما ومن كان أبطأ يمشي خلف.
ويكون الإسراع المطلوب هو المعتدل الذي يراعي جماعة المشيعين بعضهم بعضا. انتهى معنى كلام ابن حجر في الفتح.
فيه: استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد تحقق موته، فإن من المرضى من يخفى موته ولا يظهر إلا بعد مضي زمان، كالمسبوت والمطعون والميت بالفالج ونحوه، وعن ابن بزيزة: ينبغي أن لا يسرع بتجهيزهم حتى يمضي يوم وليلة ليتحقق موتهم.
فيه: مجانبة صحبة أهل البطالة وصحبة غير الصالحين.
فيه حث على الإسراع بالجنازة تحقيقا لرغبة المطيع وإرغاما للعاصي
“”””””” “””””
50 – باب السرعة بالجنازة
قال النووي في شرح مسلم:
قوله صلى الله عليه وسلم (أسرعوا بالجنازة) فيه الأمر بالإسراع للحكمة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم قال أصحابنا وغيرهم يستحب الإسراع بالمشي بها ما لم ينته إلى حد يخاف انفجارها ونحوه وإنما يستحب بشرط أن لا يخاف من شدته انفجارها أو نحوه وحمل الجنازة فرض كفاية قال أصحابنا ولا يجوز حملها على الهيئة المزرية ولا هيئة يخاف معها سقوطها قالوا ولا يحملها إلا الرجال وإن كانت الميتة امرأة لأنهم أقوى لذلك والنساء ضعيفات وربما انكشف من الحامل بعض بدنه وهذا الذي ذكرناه من استحباب الإسراع بالمشي بها وأنه مراد الحديث هو الصواب الذي عليه جماهير العلماء. اهـ
قال البسام في تيسير العلام:
ما يؤخذ من الحديث:
1 – استحباب الإسراع بتجهيز الميت وفي حمله، لكن بغير سرعة يحصل معها ضرر على الجنازة، أو على المشيعين.
2 – يقيد الإسراع بما إذا لم يكن الموت فجأة يخشى أن يكون إغماء.
فينبغي أن لا يدفن حتى يتحقق موته، أو يكون في تأخيره مصلحة، من كثرة المصلين، أو حضور أقاربه. ولم يُخش عليه الفساد.
قلت سيف بن دورة: وقرر ذلك ابن حجر في الفتح.
3 – فيه طلب مصاحبة الأخيار، والابتعاد عن الأشرار.
4 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان مظهراً للإسلام فإنه تجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة من المناكحة والموارثة وتغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك. اهـ
قال العثيمين في شرح رياض الصالحين:
الميت إذا مات فإما أن يكون صالحا وإما أن يكون سوى ذلك فإن كان صالحا فإن حبسه حيلولة بينه وبين ما أعده له الله من النعيم في قبره لأنه ينتقل من الدنيا إلى خير منها وإلى أفضل لأنه حين احتضاره ومنازعته الموت يبشر يقال لروحه أبشري برحمة من الله ورضوان فيشتاق لهذه البشرى فيجب أن يتعجل وأن يعجل به فإذا حبس كان في هذا شيء من الجناية عليه والحيلولة بينه وبين ما أعده الله له من النعيم وإن كان غير صالح والعياذ بالله فإنه لا ينبغي أن يكون بيننا وينبغي أن نسارع بالتخلص منه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم أسرعوا بالجنازة أسرعوا بها في تجهيزها وتشييعها ودفنها لا تؤخروها فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه يعني خير مما انتقلت منه تقدمونها إليه لأنها تقدم جعلنا الله وإياكم منهم إلى رحمة الله ونعيم وسرور ونور فتقدمونها إلى خير وإن تك سوى ذلك يعني ليست صالحة فشر تضعونه عن رقابكم تسلمون منه لأنه ما لا خير فيه لا خير في بقائه. اهـ
—–‘——‘—–
– قاعدة: لا يصح في أفضلية جهه أثناء المشي مع الجنازة حديث
فحديث المغيرة مرفوعا الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها. ذكره ابن حجر في الفتح وذكر أنه أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم لكن ذكره مقبل في أحاديث معلة ظاهرها الصحة ونقل عن تلخيص الحبير أن الدارقُطني رجح الموقوف. لكن راجعت علل الدارقُطني 1258 فإنما ذكر الخلاف دون ترجيح وأيدني في ذلك صاحبنا أبوصالح حازم. لكن ذكر محققو المسند الخلاف ورجحو الموقوف 30/ 96 … لكن قالوا إنه لا يقال من قبيل الرأي. لكن في ذلك نظر حيث يحتمل أراد الاعتدال في المشي أو التواضع أو غير ذلك فهو اجتهاد.
تنبيه: نقل ابن حجر عن الدارقُطني أنه رجح الموقوف؛ لعلها هكذا النسخة وقعت لابن حجر، وسقط ذلك من النسخ التي طبع عليها الكتاب.
وذكر ابن حجر حديث رواه سعيد بن منصور وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبزى عن علي بن أبي طالب أنه قال: المشي خلفها أفضل من المشي أمامها كفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ. وقال إسناده حسن. وهو موقوف له حكم الرفع، لكن حكى الأثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده. انتهى من الفتح
وذكر ابن حجر في البلوغ 555 عن سالم عن أبيه رضي الله عنهما أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة. رواه الخمسة وصححه ابن حبان وأعله النسائي وطائفة بالإرسال. انتهى من البلوغ قال الترمذي وأهل الحديث كلهم يرون أن المرسل في ذلك أصح.
قال صاحب كتاب فتح العلام شرح بلوغ المرام أنه روي عن أنس أخرجه ابن ماجة والترمذي وحكم عليه البخاري وأحمد بالوهم والخطأ. مسائل أبي داود للإمام أحمد 1920.
——
ذكر ابن حجر أن المقصود أسرعوا بالجنازة أي بحملها إلى قبرها وبعضهم عمم فيشمل تجهيزها. ورجح القرطبي والنووي الأول وذكر دليله في الحديث (تضعونه عن رقابكم) ونقل ابن حجر تعقيب الفاكهي بأن الوضع عن الرقاب يعبر به عن المعاني تقول حمل فلان على رقبته ذنوبا انتهى. ويؤيده حديث ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه واسرعوا به إلى قبره أخرجه الطبراني بإسناد حسن. ولأبي داود من حديث حصين بن وحوح مرفوعا: لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله الحديث. انتهى من الفتح
قلت سيف بن دورة: حديث ابن عمر قال الهيثمي فيه يحيى البابلتي ضعيف. وحديث حصين ضعفه الألباني فيه عزرة بن سعيد الانصاري مجهول وكذلك أبوه راجع الضعيفة 3232 وأحكام الجنائز
قال صاحبنا أبوصالح حازم: قال المزي في التهذيب: عروة ويقال عزرة بن سعيد الأنصاري أي أن الراجح عروة.
—
هل يمكن للأحياء سماع أصوات الموتى في قبورهم، سواء كانوا معذّبين، أو منعّمين؟
قال باحث:
يستثنى موضعين:
أما الموضع الأول فقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم ” الإنس ” من السماع كما في حديث الباب.
وأما الموضع الثاني: فقد استثنى ” الإنس والجن “.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:
قوله في آخر الحديث (يسمع صوتها كل شيء): دال على أن ذلك بلسان القال، لا بلسان الحال.
” فتح الباري ” (3/ 185).
وقال العيني – رحمه الله -:
واستدل بالحديث المذكور على أن كلام الميت يسمعه كل حيوان غير الإنسان.
” عمدة القاري ” (8/ 114).
ب. الموضع الثاني:
وهو حديث البراء بن عازب المشهور، وفيه:
فَيَاتِيهِ آتٍ فَيَقُولُ مَنْ رَبُّكَ مَا دِينُكَ مَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي فَيَقُولُ لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَوْتَ وَيَاتِيهِ آتٍ قَبِيحُ الْوَجْهِ قَبِيحُ الثِّيَابِ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِهَوَانٍ مِنْ اللَّهِ وَعَذَابٍ مُقِيمٍ فَيَقُولُ وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِالشَّرِّ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ كُنْتَ بَطِيئًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ سَرِيعًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَجَزَاكَ اللَّهُ شَرًّا ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ أَبْكَمُ فِي يَدِهِ مِرْزَبَةٌ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ كَانَ تُرَابًا فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا ثُمَّ يُعِيدُهُ اللَّهُ كَمَا كَانَ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ النَّارِ وَيُمَهَّدُ مِنْ فُرُشِ النَّارِ.
رواه أحمد (30/ 578)، وصححه الألباني في ” صحيح الترغيب ” (3/ 219).
وفي حديث أنس يقال له ((لا دريت، ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين)) أخرجه البخاري 1273. ومسلم، ولفظ الحديث للبخاري، ولمسلم: ((إن العبد إذا وضع في قبره))،
وفي الفرق بين الموضعين، وعدم سماع الإنس في الأول، وعدم سماع الإنس والجن في الموضع الثاني غيرهم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله – تعليقاً على الحديث الأول -:
وقد استُشكل هذا مع ما ورد في حديث السؤال في القبر (فيضربه ضربة فيصعق صعقة يسمعه كل شيء إلا الثقلين) والجامع بينهما: الميت والصعق، والأول استثنى فيه الإنس فقط، والثاني استثنى فيه الجن والإنس؟! والجواب: أن كلام الميت بما ذُكر لا يقتضي وجود الصعق – وهو الفزع – إلا من الآدمي؛ لكونه لم يألف سماع كلام الميت، بخلاف الجن في ذلك، وأما الصيحة التي يصيحها المضروب: فإنها غير مألوفه للإنس والجن جميعاً؛ لكون سببها عذاب الله، ولا شيء أشد منه على كل مكلف، فاشترك فيه الجن، والإنس.
” فتح الباري ” (3/ 185).
ولا يستُثنى من الإنس في سماع عذاب القبر إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
أ. عن زَيْد بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ إِذْ حَادَتْ بِهِ فَكَادَتْ تُلْقِيهِ وَإِذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَالَ: (مَنْ يَعْرِفُ أَصْحَابَ هَذِهِ الْأَقْبُرِ) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، قَالَ: (فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ) قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاكِ، فَقَالَ: (إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ).
رواه مسلم (2868).
ب. عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَجَبَتْ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ: (يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا).
رواه البخاري (1309) ومسلم (2769).
وجبت الشمس: غربت.
والحديث رواه ابن حبان (7/ 394) وبوَّب عليه بقوله: ” ذِكر الإخبار بأن المصطفى صلى الله عليه و سلم أسمع أصوات الكفرة حيث عذبت في قبورها “.
قلت سيف بن دورة: وفي إطلاق سماع النبي صلى الله عليه وسلم لعذاب أهل القبور كلهم نظر. إنما يثبت من ثبت في الأخبار.
وقد لا يكون الباحث يقصد الإطلاق.
وفي عدم سماع الإنسان في كلا الموضعين حكَم جليلة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
قوله: (إلا الإنسان): يعني: أنه لا يسمع هذا الصياح، وذلك لحِكَم عظيمة؛ منها:
أولاً: ما أشار إليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر).
ثانياً: أن في إخفاء ذلك ستراً للميت.
ثالثاً: أن فيه عدم إزعاج لأهله؛ لأن أهله إذا سمعوا ميتهم يعذَّب ويصيح: لم يستقر لهم قرار.
رابعاً: عدم تخجيل أهله؛ لأن الناس يقولون: هذا ولدكم! هذا أبوكم! هذا أخوكم! وما أشبه ذلك.
خامساً: أننا قد نهلك؛ لأنها صيحة ليست هينة، بل صيحة قد توجب أن تسقط القلوب من معاليقها، فيموت الإنسان أو يغشى عليه.
سادساً: لو سمع الناس صراخ هؤلاء المعذبين: لكان الإيمان بعذاب القبر من باب الإيمان بالشهادة، لا من باب الإيمان بالغيب، وحينئذ تفوت مصلحة الامتحان؛ لأن الناس سوف يؤمنون بما شاهدوه قطعاً؛ لكن إذا كان غائباً عنهم، ولم يعلموا به إلا عن طريق الخبر: صار من باب الإيمان بالغيب.
” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” (8/ 482، 483).
ثالثاً:
أما من يزعم أنه يستطيع سماع الأموات في قبورهم، وأنه يراهم، ويتحدث معهم: فهو يكذب في ذلك، أو مُلَبَّس عليه. وإنما يرى الشياطين تتمثل له بصورة الأموات، أو تخاطبه بأصواتها، وتلبس عليه، وهو يلبس على الناس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
ولهذا يحصل عند القبور لبعض الناس من خطابٍ يسمعه، وشخصٍ يراه، وتصرفٍ عجيب، ما يظن أنه من الميت، وقد يكون من الجن والشياطين، مثل أن يرى القبر قد انشق، وخرج منه الميت وكلمه وعانقه، وهذا يُرى عند قبور الأنبياء وغيرهم، وإنما هو شيطان؛ فإن الشيطان يتصور بصور الإنس، ويدَّعي أحدهم أنه النبي فلان، أو الشيخ فلان، ويكون كاذباً في ذلك، وفي هذا الباب من الوقائع ما يضيق هذا الموضع عن ذكره، وهي كثيرة جدّاً، والجاهل يظن أن ذلك الذي رآه قد خرج من القبر وعانقه أو كلمه هو المقبور، أو النبي أو الصالح وغيرهما، والمؤمن يعلم أنه شيطان، ويتبين ذلك بأمور:
أحدها: أن يقرأ آية الكرسي بصدق، فإذا قرأها: تغيب ذلك الشخص، أو ساخ في الأرض، أو احتجب، ولو كان رجلاً صالحاً أو ملَكاً أو جنيّاً مؤمناً: لم تضرَّه آية الكرسي، وإنما تضر الشياطين، كما ثبت في الصحيح مِن حديث أبي هريرة لما قال له الجني: اقْرَا آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَيْت إلَى فِرَاشِك فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ عَلَيْك مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَدَقَك وَهُوَ كَذُوبٌ).
ومنها: أن يستعيذ بالله من الشياطين.
ومنها: أن يستعيذ بالعوَذ الشرعية …
والمقصود هنا: أنَّ مِن أعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان كإخبار عن غائب، أو أمر يتضمن قضاء حاجة، ونحو ذلك، فإذا شاهد أحدهم القبر انشق، وخرج منه شيخ بهيٌّ: عانقه، أو كلَّمه: ظنَّ أن ذلك هو النبي المقبور، أو الشيخ المقبور، والقبر لم ينشق؛ وإنما الشيطان مثَّل له ذلك، كما يمثل لأحدهم أن الحائط انشق، وأنه خرج منه صورة إنسان، ويكون هو الشيطان تمثل له في صورة إنسان، وأراه أنه خرج من الحائط.
” مجموع الفتاوى ” (1/ 168 – 178) باختصار. والله أعلم
وقال ابن تيمية مرة في إثبات سماع البهائم:
وقال صلى الله عليه وسلم: إنهم يُعذّبون عذاباً تسمعه البهائم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم اذا مُغِلَتْ الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى، والجهال تظن أنهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله، وإنما هو من هذا القبيل، فقد قيل: إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغل. انتهى كلامه – رحمه الله –.
– إثبات عذاب القبر:
يقول ابن ابي العز في شرح الطحاوية:
في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين:
فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا تتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذا الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول. فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا.
تنبيه: سبق نقلنا … من شرح أسامة علي محمد سليمان على البخاري قال: الحديث فيه أن الجنازة تتكلم بلسان المقال أو بلسان الحال.
قلت سيف بن دورة: الأصل في الكلام إذا أطلق فيحمل على الكلام الحقيقي لا النفسي
وهذا نقل عن ابن تيمية وصالح آل الشيخ.:
*هذا تفصيل من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتعلق بدلالات الألفاظ من مجموع الفتاوى (33/ 181):
وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ دَلَالَاتِ اللَّفْظِ وَيَعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ:
– تَارَةً يَكُونُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ إمَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ وَإِمَّا فِي الْمُرَكَّبَةِ،
– وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ مِنْ التَّرْكِيبِ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ دَلَالَتُهُ فِي نَفْسِهِ،
– وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهَا مَجَازًا،
– وَتَارَةً بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَالْمُتَكَلَّمِ فِيهِ
وَسِيَاقُ الْكَلَامِ الَّذِي يُعَيِّنُ أَحَدَ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ أَوْ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ مَجَازُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُعْطِي اللَّفْظَ صِفَةَ الظُّهُورِ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَخَبَّطُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ.
نَعَمْ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِاللَّفْظِ قَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ تَبَيَّنَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ، بَلْ عُلِمَ مُرَادُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَفْظِيٍّ مُنْفَصِلٍ، فَهُنَا أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَفِي تَسْمِيَةِ الْمُرَادِ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَإِنْ كَانَ الصَّارِفُ عَقْلِيًّا ظَاهِرًا فَفِي تَسْمِيَةِ الْمُرَادِ خِلَافُ الظَّاهِرِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
_______
*وهذا كلام نفيس للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شرحه للطحاوية، يتعلق بالمسألة*:
والأمور الغيبية يجب أنْ يُسَلَّمَ لها إذا صح فيها دليل، إذا كان الدليل من كتاب الله – جل جلاله – أو كانَ الدّليل مما صح من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها ما في جنس أخبار الغيب بأنه لا يُتَعَرَضُ لها بمجاز ولا بما يَنْفِيْ حقيقتها ولا بالتأويل الذي يصرفها عن ظواهرها.
فباب التأويل والمجاز مرفوضٌ في مسائل الغيب جميعهاً، أو رَدْ هذه الآيات بالعقلانيات وأنَّ العقل يُحيلُ مثل هذا، هذا كله مردود.
ولهذا تجد في الكتب المؤلفة والشروح، ربما ما يصرف الأحاديث عن ظاهرها والواجب هو التسليم لها.
وهذا يَدْخُلْ في مقتضى الشهادة بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه من مقتضى الشهادة معناها تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، فكل ما أخبر به من أمور الغيب ومن قصص السالفين ومما لم تُدْرِكْهُ فيجب التصديق به والإيمان بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم يُبَلِّغُ عن ربه – جل جلاله – وتقدست أسماؤه.
قال ابن حجر في الفتح:
وقال ابن بزيزة قوله في آخر الحديث يسمع صوتها كل شيء دال على أن ذلك بلسان القال لا بلسان الحال.
إلى أن قال
بل لا يستثنى إلا الإنسان كما هو ظاهر الخبر وإنما اختص الإنسان بذلك إبقاء عليه وبأنه لا مانع من إنطاق الله الجسد بغير روح كما تقدم والله تعالى أعلم انتهى