1303 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———-‘———‘——–
صحيح البخاري:
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا بك لمحزونون
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تدمع العين، ويحزن القلب
1303 – حدثنا الحسن بن عبد العزيز، حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا قريش هـو ابن حيان، عن ثابت، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئرا ?براهـيم عليه الس?م، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهـيم، فقبله، وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهـيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف إنها رحمة»، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، و? نقول إ? ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهـيم لمحزونون» رواه موسى، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
——–‘———‘——–‘
فوائد الباب
(1) – قوله (وقال ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي صَل الله عليه وسلم تدمع العين ويحزن القلب) وصله بعد بابين
(2) – حديث أنس رضى الله عنه. أخرجه. البخاري ومسلم وأبو دواد.
(3) – الرخصة في البكاء بلا ندب ولا نياحة قاله البيهقي في السنن الكبرى.
(4) -يجوز أن يكون ذلك البكاء الذي يعذب به بكاء قد كان أوصى له في حياته فإن أهل الجاهليه قد كانوا يوصون بذلك أهليهم أن يفعلوه بعد وفاتهم فيكون الله عز وجل يعذبه في قبره بسبب قد كان سببه في حياته فعل بعد موته.
قاله الامام الطحاوي في شرح معاني الاثار وقد سبقت الإشارة إليه قبل أبواب.
(5) – فيه أن ما لا يملك الإنسان من دمع العين وحزن القلب غير مؤاخذ به عند المصائب ولا في التفريق بما يجده الإنسان من ذلك إثم ولا حرج.
قاله القاضي عياض في إكمال المعلم.
(6) -فيه خلقه عليه السلام في الرحمه التي وصفه الله بها فقال. (بالمؤمنين رؤوف رحيم) وسماه نبي الرحمة
قاله القاضي عياض في إكمال المعلم
(7) – وفيه حب الذرية، وجواز الاسترضاع وتقبيل الولد، والصغير، ورحمته. قاله القاضي عياض في إكماله.
(8) -فيه أن المرء عندما امتحن بالمصائب عليه زجر النفس عن الخروج إلى ما لا يرضي الله عز وجل دون دمع العين وحزن القلب قاله ابن حبان في صحيحه.
(9) -فيه تقبيل من قارب الموت، وشمه وذلك كالوداع والتشفي منه قبل فراقه قاله ابن الملقن في التوضيح.
(10) _قد سلف فيما سلف من الأبواب بيان البكاء والحزن المباحين وأبو سيف هذا هو البراء بن الغنوي وأم سيف زوجته هي أم بردة. واسمها خوله بنت المنذر الأنصاريه قاله القاضي عياض.
(11) – قوله (دخلنا مع رسول الله صَلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين) وعند مسلم (2315) من طريق سليمان بن المغيره عن ثابث) وانطلق يأتيه واتبعته فانتهينا الى أبي سيف).
(12) -ثم قال أ نس كما في رواية مسلم (2315) (فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صَلى الله عليه وسلم فقلت يا أبا سيف أمسك جاء رسول الله صَلى الله عليه وسلم).
(13) -ثم قال كما في رواية مسلم أعلاه (فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره قد امتلاء البيت دخانا).
(14) – قوله (القين) أي الحداد.
(15) -قوله (وكان ظئرا لإبراهيم) أي زوج المرضعة.
(16) _قوله (فأخذ رسول الله صَل الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه) وعند مسلم (2315) من طريق سليمان بن المغيره (وضمه).
(17) -قوله (ثم دخلنا عليه بعد ذلك) ظاهره أن النبي صَلى الله عليه وسلم دخل ومعه طائفة من الصحابة.
(18) -قوله (وإبراهيم يجود بنفسه) يريد النزع قاله العيني في عمدة القاري.
(19) -قوله (فجعلت عينا رسول الله صَلى الله عًليه وسلم تذرفان) وعند مسلم من طريق سليمان بن المغيره (فدمعت عينا رسول الله صَلى الله عليه وسلم.
(20) -أ خرج مسلم (2315) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس مرفوعا” ولد لي الليله غلام فسميته باسم أبي إبراهيم” وفيه التسمية باسم الأنبياء.
(21) – قوله (ورواه موسى بن إسماعيل) علقه البخاري ووصله البيهقي كما في الدلا ئل من طريقه وفيه (تدمع العين ويحزن القلب) كما أورده البخاري في الترجمة من حديث ابن عمر مرفوعا.
(22) -قوله (فقال له عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وأنت يا رسول الله) اي لم يتوقع عبد الرحمن ذلك ظنا منه أن البكاء بعمومه منهي عنه.
(23) _قوله (فقال يا ابن عوف إنها رحمه)
أي ليست من المنهي عنه.
(24) -قوله (ثم أتبعها باخرى) وعند البيهقي في شعب الإيمان (9683) من هذه الطريق (ثم أتبعها والله بأخرى) فزاد القسم.
(25) -قوله (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وانا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) فكأنها هذه التي عنى بها بقوله ثم (ثم أتبعها بأخرى).
(26) _قوله (وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) زاد مسلم في رواية (والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون) فزاد القسم.
(27) – أخرج البخاري في صحيحه (6195) من حديث البراء رضى الله عنه (أن له مرضعا في الجنه) وهي رواية عند مسلما من حديث أنس وظاهرها هناك الإرسال.
(28) -قال ابن أبي أوفى رضى الله عنه في إبراهيم (مات صغيرا ولو قضي أن يكون بعد محمد صَلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه ولكن لا نبي بعده) أخرجه البخاري (6194).
(29) -قوله (رواه موسى عن سليمان بن المغيرة عن ثابث عن أنس رضى الله عنه عن النبي صَل الله عليه وسلم) هكذا علقه البخاري في صحيحه وموسى بن إسماعيل من شيوخ البخاري وقد وصله البيهقي في دلائل النبوه من طريق تمتام حدثنا موسى بن إسماعيل به تابعه هداب بن خالد وشيبان بن فروخ أخرجه مسلم في
صحيحه (2315) والثاني أخرجه ابو دواد في سننه (3126)، تابعه بهز وعفان وهاشم أخرجه الامام احمد في مسنده (13014)، تابعه عبد الملك بن عمرو أخرجه عبد بن حميد في مسنده (1287).
(30) -وفِي الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وجابر بن عبدالله، وعمران بن حصين، ومحمود بن لبيد، وأسماء بنت يزيد. بأسانيد فيها مقال.
—–‘——-‘——
رياح المسك
فوائد باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا بك لمحزونون:
الظئر: زوج المرضعة فهو صاحب اللبن، والمرضعة أيضا ظئر، وأصله: عطف الناقة على غير ولدها ترضعه.
قال ابن الملقن: هذا الحديث أبين شيء وقع في البكاء، وهو يبين ما أشكل من المراد بالأحاديث المخالفة له، وفيه ثلاثة أوجه جائزة: حزن القلب، والبكاء، والقول الذي لا تحذير فيه، وأن الممنوع النوح وما في معناه مما يفهم أنه لم يرض بقضاء الله ويتسخط له، إذ الفطرة مجبولة على الحزن.
قال ابن المنير: وفيه: أنه -عليه السلام- بين أن مثل هذا لا يدخل تحت القدرة، ولا يكلف العبد الانكفاف عنه، وذلك بأن أضاف الفعل إلى الجوارح كأنها امتنعت على صاحبها، فصارت هي الفاعلة، لا هو، ولهذا قال: “وإنا بفراقك لمحزونون”، فعبر بصيغة المفعول، لا بصيغة الفاعل؛ أي: ليس الحزن من فعلنا، ولكنه واقع بنا من غيرنا، ولا يكلف الإنسان بفعل غيره.
وفيه استفسار المَفضُول فيما يَستغربه من الفاضِل
فيه الإخبار عمَّا في القَلْب من الحُزن وإن كان كتمه أولى.
قلت سيف بن دورة: هذا اختيار ابن حجر أن حال أم سليم هي الأكمل وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم المفضول وهو دمع العين للاقتداء. لكن قدمنا أن كل واحد فعل الأكمل في حقه فأم سليم راعت حال زوجها. ورسول الله صلى الله عليه وسلم دمعت عينه وأخبر أنها رحمة مع الرضى بقضاء الله.
———-‘———-‘——
رياح المسك
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا بك لمحزونون»
قال العيني في عمدة القري:
– كان ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أخذ من بعض معنى الحديث الذي رواه الذي يأتي عقيب هذا الباب، ولفظه: (إن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب)، وذلك لأن عدم تعذيب الله بدمع العين وحزن القلب يستلزم أنهما إذا وجدا لا يعذب بهما.
– قوله: (إبراهيم)، يعني: ابن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف أن جميع أولاد النبي، صلى الله عليه وسلم، من خديجة، رضي الله تعالى عنها، سوى إبراهيم، عليه السلام، فإنه ما مارية القبطية، وكان ميلاده في ذي الحجة سنة ثمان. وقال الواقدي: مات إبراهيم يوم الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة عشر، وهو ابن ثمانية عشر شهرا في بني مازن بن النجار، في دار أم برزة بنت المنذر، ودفن بالبقيع. اهـ
قال ابن القيم في مدارج السالكين:
فصل درجات الصبر:
– الدرجة الأولى الصبر عن المعصية
وهو على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: الصبر عن المعصية، بمطالعة الوعيد: إبقاء على الإيمان، وحذرا من الحرام، وأحسن منها: الصبر عن المعصية حياء.
– الدرجة الثانية: الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها دواما، وبرعايتها إخلاصا. وبتحسينها علما.
– الدرجة الثالثة: الصبر في البلاء، بملاحظة حسن الجزاء، وانتظار روح الفرج. وتهوين البلية بعد أيادي المنن. وبذكر سوالف النعم.
– وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم. وأن من رافق الراحة فارق الراحة. وحصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة، فإن قدر التعب تكون الراحة. اهـ
—-”’—–
قاله (، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون) … وإن كان الخطاب لإبراهيم وهو لم يكن ممن يفهم الخطاب لوجهين: أحدهما: لصغره، والثاني:: نزعه وإنما أراد بالخطاب غيره من الحاضرين إشارة أن ذلك لا يدخل في نهيه السابق. قاله ابن حجر.
كما فعل عمر في مخاطبته للحجر الأسود. إنك حجر لا تسمع …. قاله العباد
والعرب تستعمل ذلك. قاله ابن عثيمين
– نقل ابن حجر ان ابن التين حكى قول من قال ر ان في الحديث دليلا على تقبيل الميت وشمه، ورده بأن ذلك قبل الموت. قال ابن حجر وهو كما قال.
لكن ثبت أن أبا بكر قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت سيف بن دورة: سبق تقبيل أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم في البخاري 1241، ونقلنا كلام أهل العلم حول تقبيل الميت.
أما ما ورد من تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم. لعثمان بن مظعون فلا يصح. وتراجع الألباني عن تصحيحه. وراجع رياح المسك العطرة على البخاري 1241 إلى 1244.
——”——-
قلنا في:
لطائف التفسير: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)
[سورة آل عمران 144]
يخاطب رب العزة المؤمنين بأنه مطلوب منهم أن يصلوا لدرجة الشكر حتى مع أعظم المصائب. وأن يعلموا أن ما اختاره الله لهم خيرا لهم مما يريدون.
وقد نص العلماء على دلالة النصوص على مطلوبية الوصول لدرجة الشكر مع المصيبة
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
“والمصائب التي تحل بالعبد، وليس له حيلة في دفعها، كموت من يعزُّ عليه، وسرقة ماله، ومرضه، ونحو ذلك، فإن للعبد فيها أربع مقامات:
أحدها: مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة.
المقام الثاني: مقام الصبر، إما لله، وإما للمروءة الإنسانية.
المقام الثالث: مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر، وفي وجوبه نزاع، والصبر متفق على وجوبه.
المقام الرابع: مقام الشكر، وهو أعلى من مقام الرضى؛ فإنه يشهدُ البليةَ نعمة، فيشكر المُبْتَلي عليها ” انتهى من “عدة الصابرين” (67).
قال القاسمي رحمه الله:
” اعْلَمْ أَنَّهُ مَا مِنْ نِعْمَةٍ مِنَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ، إِلَّا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بَلَاءً بِالْإِضَافَةِ، وَنِعْمَةً كَذَلِكَ، فَرُبَّ عَبْدٍ تَكُونُ لَهُ الْخَيْرَةُ فِي الْفَقْرِ وَالْمَرَضِ وَلَوْ صَحَّ بَدَنُهُ وَكَثُرَ مَالُهُ لَبَطِرَ وَبَغَى، قَالَ اللَّهُ – تَعَالَى -: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشُّورَى: 27] وَقَالَ – تَعَالَى -: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى) [الْعَلَقِ: 6 وَ 7]، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ وَالْوَلَدُ وَالْقَرِيبُ وَأَمْثَالُهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ – تَعَالَى – لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا إِلَّا وَفِيهِ حِكْمَةٌ وَنِعْمَةٌ أَيْضًا.
فَإِذَنْ؛ فِي خَلْقِ اللَّهِ – تَعَالَى – الْبَلَاءُ: نِعْمَةٌ أَيْضًا؛ إِمَّا عَلَى الْمُبْتَلَى، أَوْ عَلَى غَيْرِ الْمُبْتَلَى، فَإِذَنْ كُلُّ حَالَةٍ لَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا بَلَاءٌ مُطْلَقٌ، وَلَا نِعْمَةٌ مُطْلَقَةٌ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا عَلَى الْعَبْدِ وَظِيفَتَانِ: الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ جَمِيعًا.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهُمَا مُتَضَادَّانِ، فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ، إِذْ لَا صَبْرَ إِلَّا عَلَى غَمٍّ، وَلَا شُكْرَ إِلَّا عَلَى فَرَحٍ؟
فَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ يُغْتَمُّ بِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَيُفْرَحُ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الصَّبْرُ مِنْ حَيْثُ الِاغْتِمَامُ، وَالشُّكْرُ مِنْ حَيْثُ الْفَرَحُ.
وَفِي كُلِّ فَقْرٍ وَمَرَضٍ وَخَوْفٍ وَبَلَاءٍ فِي الدُّنْيَا: خَمْسَةُ أُمُورٍ يَنْبَغِي أَنْ يَفْرَحَ الْعَاقِلُ بِهَا، وَيَشْكُرَ عَلَيْهَا:
أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ مُصِيبَةٍ وَمَرَضٍ: يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ مِنْهَا، إِذْ مَقْدُورَاتُ اللَّهِ – تَعَالَى – لَا تَتَنَاهَى، فَلَوْ ضَعَّفَهَا اللَّهُ وَزَادَهَا، مَاذَا كَانَ يَرُدُّهُ وَيَحْجِزُهُ؟ فَلْيَشْكُرْ إِذْ لَمْ تَكُنْ أَعْظَمَ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مُصِيبَتُهُ فِي دِينِهِ، وَفِي الْخَبَرِ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا».
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مَا مِنْ عُقُوبَةٍ إِلَّا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ تُؤَخَّرَ إِلَى الْآخِرَةِ، وَمَصَائِبُ الدُّنْيَا يُتَسَلَّى عَنْهَا بِأَسْبَابٍ أُخَرَ، تَهُونُ الْمُصِيبَةُ فَيَخِفُّ وَقْعُهَا، وَمُصِيبَةُ الْآخِرَةِ تَدُومُ، فَلَعَلَّهُ لَمْ تُؤَخَّرْ عُقُوبَتُهُ إِلَى الْآخِرَةِ، وَعُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ فِي الدُّنْيَا، فَلِمَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ؟
الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَالْبَلِيَّةَ: كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهَا إِلَيْهِ، وَقَدْ وَصَلَتْ، وَوَقَعَ الْفَرَاغُ، وَاسْتَرَاحَ مِنْ بَعْضِهَا، أَوْ مِنْ جَمِيعِهَا، فَهَذِهِ نِعْمَةٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّ ثَوَابَهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، فَإِنَّ مَصَائِبَ الدُّنْيَا طُرُقٌ إِلَى الْآخِرَةِ، وَكُلُّ بَلَاءٍ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ: مِثَالُهُ الدَّوَاءُ الَّذِي يُؤْلِمُ فِي الْحَالِ، وَيَنْفَعُ فِي الْمَآلِ.
فَمَنْ عَرَفَ هَذَا: تُصُوِّرَ مِنْهُ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى الْبَلَايَا، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَذِهِ النِّعَمَ فِي الْبَلَاءِ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الشُّكْرُ؛ لِأَنَّ الشُّكْرَ يَتْبَعُ مَعْرِفَةَ النِّعْمَةِ بِالضَّرُورَةِ، وَمَنْ لَا يُؤْمِنُ بِأَنَّ ثَوَابَ الْمُصِيبَةِ أَكْبَرُ مِنَ الْمُصِيبَةِ، لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الشُّكْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ ..
ثُمَّ مَعَ فَضْلِ النِّعْمَةِ فِي الْبَلَاءِ كَانَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَسْتَعِيذُ فِي دُعَائِهِ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا، وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِهَا … وَفِي دُعَائِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَعَافِيَتُكَ أَحَبُّ إِلَيّ َ» … ” انتهى، من ” تهذيب موعظة المؤمنين” (287 – 288).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” الناس إزاء المصيبة على درجات:
الأولى: الشاكر.
الثانية: الراضي.
الثالثة: الصابر.
الرابعة: الجازع.
والشاكر: هو أن يشكر الله على هذه المصيبة.
ولكن كيف يشكر الله على هذه المصيبة وهي مصيبة؟
والجواب: من وجهين:
الوجه الأول: أن ينظر إلى من أصيب بما هو أعظم، فيشكر الله على أنه لم يصب مثله.
الوجه الثاني: أن يعلم أنه يحصل له بهذه المصيبة تكفير السيئات، ورفعة الدرجات إذا صبر، فما في الآخرة خير مما في الدنيا، فيشكر الله، وأيضاً أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، فيرجو أن يكون بها صالحاً، فيشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة.
والشكر على المصيبة مستحب؛ لأنه فوق الرضا؛ لأن الشكر رضا وزيادة “.
انتهى من الشرح الممتع (5/ 395 – 396).
ثانيا:
لا يؤدي الشكر على المصيبة إلى زيادتها، لأن قول الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم/ 7؛ إنما هو في شكر النعمة، وليس في الشكر على المصيبة، بدلالة قوله بعدها: (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) قال السعدي رحمه الله:
” (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ)؛ أي: أعلمَ ووعد، (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) من نعمي (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، ومن ذلك: أن يزيل عنهم النعمة التي أنعم بها عليهم. والشكر: هو اعتراف القلب بنعم الله، والثناء على الله بها، وصرفها في مرضاة الله تعالى. وكفر النعمة ضد ذلك ”
انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص: 422).
قال ابن القيم في ” طريق الهجرتين ” (1/ 417) بعد أن ذكر نحوا من هذه الأسباب التي تعين العبد على الرضا بقضاء الله تعالى: ” فهذه الأسباب ونحوها تثمر الصبر على البلاء، فإن قويت أثمرت الرضا والشكر ” انتهى
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
والفرق بين الرضا والصبر: أن الراضي لم يتألم قلبه بذلك أبدا، فهو يسير مع القضاء (إن إصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له)، ولا يرى الفرق بين هذا وهذا بالنسبة لتقبله لما قدره الله عز وجل، أي إن الراضي تكون المصيبة وعدمها عنده سواء ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن عثيمين ” (3/ 206).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/ 682):
” الرضا بالمصائب كالفقر والمرض والذل: مستحب في أحد قولي العلماء وليس بواجب، وقد قيل: إنه واجب، والصحيح أن الواجب هو الصبر” انتهى.
قال ابن باز:
لواجب الصبر؛ أما الرضا والشكر فهما مستحبان، وعند المصيبة ثلاثة أمور: الصبر وهو واجب، والرضا سنة، والشكر أفضل.
وإليك
تذكير بثواب المصائب، والصبر عليها، فما بالك بثواب الشاكرين:
1 – دخول الجنة: قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
وقال صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).وصفيه هو حبيبه المصافي كالولد، والأخ، وكل من يحبه الإنسان، والمراد بقوله عز وجل (ثم احتسبه): أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله تعالى على ذلك
2 – الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب. قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (24)، قال الأوزاعي: (ليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفاً)
3 – معية الله للصابرين، وهي المعية الخاصة المقتضية للمعونة والنصرة والتوفيق، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
4 – محبة الله للصابرين، قال تعالى: {وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}.
5 – تكفير السيئات لمن صبر على ما يصيبه في حال الدنيا، كبر المصاب أم صغر؛ قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:” ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا همٍ، ولا حزن، ولا أذىً، ولا غم, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه”، والنصب التعب، والوصب: المرض، وقيل هو المرض اللازم
قال الإمام القرافي (ت684هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ: (المصائب كفارات جزماً سواءً اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقتران بها الرضا عظم التكفير وإلا قل).
وقال صلى الله عليه وسلم:”ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله, حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)
6 – حصول الصلوات، والرحمة، والهداية من الله ـ تعالى ـ للعبد الصابر؛ قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
7 – رفع منزلة المصاب؛ قال صلى الله عليه وسلم:” إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى”.
وإليك هذه الآثار عن بعض الصحابة والتابعين:
و للعبد فيما يكره درجتان: درجة الرضا، ودرجة الصبر، فالرضا فضل مندوب إليه، والصبر واجب على المؤمن حتم.
دخل أبو الدرداء رضي الله عنه – على رجل يموت وهو يحمد الله فقال أبو الدرداء: أصبت إن الله عز وجل إذا قضى قضاء أحب أن يرضى به.
قال الحسن: “من رضي بما قسم له وسعه وبارك الله فيه، ومن لم يرض لم يسعه، ولم يبارك له فيه”.
وقال عمر بن عبد العزيز: “ما بقى لي سرور إلا في مواقع القدر”، وقيل له ما تشتهى؟ فقال: “ما يقضى الله عز وجل”.
وقال بعضهم: “لن يُرى في الآخرة أرفع درجات من الراضين عن الله تعالى في كل حال، فمن وهب له الرضا فقد تبلغ أفضل الدرجات”
وهناك معاني ولطائف اذا تأمل فيها العبد هان عليه البلاء وصبر وآثر العاقبة الحسنة وأبصر الوعد والثواب الجزيل وسبق بعضها في كلام القاسمي:
أولاً: أن يعلم أن هذا البلاء مكتوب عليه لامحيد عن وقوعه واللائق به ان يتكيف مع هذا الظرف ويتعامل بما يتناسب معه.
ثانياً: أن يعلم أن كثيراً من الخلق مبتلى بنوع من البلاء كل بحسبه و لايكاد يسلم أحد فالمصيبة عامة , ومن نظر في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.
ثالثاً: أن يذكر مصاب الأمة الإسلامية العظيم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى انقطع به الوحي وعمت به الفتنه وتفرق بها الأصحاب ” كل مصيبة بعدك جلل يا رسول الله ”
رابعاً: ان يعلم ما أعد الله لمن صبر في البلاء أول وهلة من الثواب العظيم قال رسول الله ” إنما الصبر عند المصيبة الأولى ”
خامساً: أنه ربما ابتلاه الله بهذه المصيبة دفعاً لشر وبلاء أعظم مما ابتلاه به , فاختار الله له المصيبة الصغرى وهذا معنى لطيف.
سادساً: أنه فتح له باب عظيم من أبواب العبادة من الصبر والرجاء , وانتظار الفرج فكل ذلك عبادة.
سابعاً: أنه ربما يكون مقصر وليس له كبير عمل فأراد الله أن يرفع منزلته و يكون هذا العمل من أرجى أعماله في دخول الجنة.
ثامناً: قد يكون غافلا معرضاً عن ذكر الله مفرطاً في جنب الله مغتراً بزخرف الدنيا , فأراد الله قصره عن ذلك وإيقاظه من غفلته ورجوعه الى الرشد.
فاذا استشعر العبد هذه المعاني واللطائف انقلب البلاء في حقه الى نعمة وفتح له باب المناجاة ولذة العبادة , وقوة الاتصال بربه والرجاء وحسن الظن بالله وغير ذلك من أعمال القلوب ومقامات العبادة ما تعجز العبارة عن وصفة.
قال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظرالرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء و قال رسول الله (: يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقارض) رواه الترمذي
ومن الأمور التي تخفف البلاء على المبتلى وتسكن الحزن وترفع الهم وتربط على القلب:
(1) الدعاء: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه، لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة.
(2) الصلاة: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا حزبه أمر فزع الى الصلاة رواه أحمد.
(3) الصدقة” وفى الأثر “داوو مرضاكم بالصدقة”
(4) تلاوة القرآن: ” وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين”
(5) الدعاء المأثور: “وبشر الصابرين الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا اليه راجعون” وما استرجع أحد في مصيبة إلا أخلفه الله خيرا منها.
وراجع كتاب الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ السعدي فقد ذكر أسباب تعين على الصبر بل ترفعك لدرجة الرضا بل الشكر عند المصائب
—–
تنبيه: الحديث الذي أورده ابن حجر من حديث عبدالرحمن بن عوف: انما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان ….
لا يصح منكر
وورد من حديث أنس وفيه رجل مجهول. ومن حديث جابر وهو ضعيف جدا أنكره ابن حبان في المجروحين على محمد بن أبي ليلى وفيه (الغناء ينبت النفاق).