1300 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ ( من المجلد الثاني)
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2، والمدارسة ،والاستفادة
( من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا )
( جمع وتأليف عبد الله المشجري )
_._._. _._._. _._._. _._._. _.
1300 – قال أبو داود رحمه الله ( ج11 ص156 ): حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو عامر عن سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لِبسة المرأة والمرأة تلبس لِبسة الرجل.
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمـــه الله : هذا حديث حسن على شرط مسلم .
————————
أولاً : ما يتعلق بسند الحديث :
* هذا الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم 4098 ، وصححه محققو المسند ( 14 / 61 ) وقالوا : إسناده صحيح على شرط مسلم .
ثانياً : ما يتعلق بمتن الحديث :
* قوله : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي : دعا اللهَ عز وجل أن يطرده من رحمته؛ فدلَّ على أن هذا الأمر من الكبائر .
* قوله ( الرجل يلبس لبسة المرأة ) : أي : أن يلبس اللباس الذي اختصت به النساء، قال الطبري كما نقله عنه ابن بطال في شرح البخاري ( فيه من الفقه : أنه لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي هي للنساء خاصة، ولا يجوز للنساء التشبه بالرجال فيما كان ذلك للرجال خاصة .
فمما يحرم على الرجال لبسه مما هو من لباس النساء : البراقع، والقلائد، والمخانق، والأسورة والخلاخل، ومما لا يحل له التشبه بهن من الأفعال التي هن بها مخصوصات : كالإنخناث في الأجسام، والتأنيث في الكلام ) .
* قوله : ( والمرأة تلبس لبسة الرجل ): وقال الطبري أيضاً في الموضع السابق : ( يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ والمتشبهين مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ .
ومما يحرم على المرأة لبسه مما هو من لباس الرجال : النعال، والرقاق التي هي نعال الحدو والمشي بها في محافل الرجال، والأردية والطيالسة على نحو لبس الرجال لها في محافل الرجال، وشبه ذلك من لباس الرجال، ولا يحل لها التشبه بالرجال من الأفعال في إعطائها نفسها مما أمرت بلبسه من القلائد والقرط والخلاخل والأسورة، ونحو ذلك مما ليس للرجل لبسه، وترك تغيير الأيدي والأرجل من الخضاب الذي أُمرن بتغييرها به ) [ شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/140) ].
تنبيه( سيف) : كذا وقع( إعطائها ) ولعل الصواب (منعها ) وليس عندي شرح ابن بطال.
* قال النووي : ( إذا كان ذلك – أي اللعن – في اللباس، ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح، فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المتشبه بل يُفسَّق فاعله للوعيد عليه واللعن ) .
* الأحاديث الواردة في تحريم تشبه الرجال بالنساء والعكس، كثيرة منها ما يأتي :
1- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. [ البخاري 6834 ]
وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. ((رواه البخاري)). [ برقم 5885]
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. [ رواه أبو داود بإسناد صحيح ] .
3- وقالت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : (لعنَ رسُول اللهِ صلى اللهُ عليْهِ وسلّم الرّجلةَ مِن النّساءْ ) رواه أبو داود ( 4099 ) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
4- وأخرج أحمد (2/200)، والنسائي في «الكبرى» والبزار كما في «الكشف» (1875), والحاكم (1/72) من حديث ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه، والديوث، ورجلة النساء)). قال الألباني حسن صحيح [الترغيب والترهيب برقم 2070 ]
5- عن أنس- رضي اللّه عنه- أنّه قال: ( نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يتزعفر الرّجل ) . أخرجه البخاري (5846) ومسلم (2101)
وجاء النهي عن ذلك؛ لأن التزعفر من فعل النساء فإذا فعله الرجال كان دليلا على الخنوثة. [ نضرة النعيم ]
* قال ابن الجوزي رحمه الله : ( اعلم : أن الله عز وجل كرم الرجل بكونه ذكراً، فإذا تشبه بالنساء حط نفسه عن مرتبته، ورضي بخسة الحال فاستوجب اللعن، وأما المرأة إذا تشبهت بالرجال فإن ذلك يوجب مخالطة الرجال لها ورؤيتها، وهي عورة غير مستورة ) . [ كشف المشكل ] (2/425) .
* قال المناوي : ( ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ)) في اللباس والزي والكلام ونحوها (( وَلَا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ )) أي : ليس يفعل ذلك من هو من أشياعنا العاملين باتباعنا المقتفين لشرعنا، فتشبه أحد النوعين بالآخر فيما ذكر حرام، وفي كونه من الكبائر احتمال . ” فيض القدير ” (5/384) .
* قال الإمام الذّهبيّ: ( إنّ تشبّه الرّجال بالنّساء من الكبائر بدليل قول الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم: «لعن اللّه المتشبّهات من النّساء بالرّجال والمتشبّهين من الرّجال بالنّساء»
وقوله أيضا: «لعن اللّه المخنّثين من الرّجال والمترجّلات من النّساء» يعني اللّاتي يتشبّهن بالرّجال في لبسهم وحديثهم.
وقال: إذا لبست المرأة زيّ الرّجال فقد شابهتهم في لبسهم فتلحقها لعنة اللّه ورسوله ولزوجها إذا أمكنها من ذلك أي رضي به، لأنّه مأمور بتقويمها على طاعة اللّه ونهيها عن المعصية وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: «لعن اللّه المرأة تلبس لبسة الرّجل، والرّجل يلبس لبسة المرأة » ) [ الكبائر ] .
* قال الإمام أبو العباس القرطبي رحمه الله : ( وأمَّا من تخانث وتشبه بالنساء فقد أتى كبيرة من أفحش الكبائر، لعنه الله عليها ورسوله، ولا يقرُّ عليها، بل يؤدَّب بالضرب الوجيع والسجن الطويل والنفي حتى ينزع عن ذلك، ويكفي دليلاً على ذلك ما خرَّجه البخاري عن ابن عباس قال : (( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال ))، وقال : (( أخرجوهم من بيوتكم ))، وأخرج فلانًا وفلانًا، غير أنه لا يقتل؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد خضب يديه ورجليه، فقال : (( ما بال هذا ؟! ))، فقيل : ( يتشبَّه بالنساء ) ، فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون، فقيل : ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ألا نقتله ؟ )، قال : (( إني نهيت عن قتل المصلين )) [ المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ] .
* ذكر بعض الباحثين أن من الحِكَم في النهي عن تشبه كل من الجنسين بالآخر؛ أن الله تعالى جعل للرجال على النساء درجة، وجعلهم قَوّامين على النساء، وميزهم بأمور قَدَرية، وأمور شرعية فقيام هذا التمييز وثبوت فضيلة الرجال على النساء، مقصود شرعاً وعقلاً, فتشبُّه الرجال بالنساء يهبط بهم عن هذه الدرجة الرفيعة, وتشبه النساء بالرجال يبطل التمييز. وأيضاً، فتشبه الرجال بالنساء بالكلام واللباس ونحو ذلك: من أسباب التخنث، وسقوط الأخلاق، ورغبة المتشبه بالنساء في الاختلاط بهن، الذي يخشى منه المحذور, وكذلك بالعكس، وهذه المعاني الشرعية، وحفظ مراتب الرجال ومراتب النساء، وتنزيل كل منهم منزلته التي أنزله الله بها، مستحسن عقلاً، كما أنه مستحسن شرعاً.
* أما حديث عائشة رضي الله عنها ( لعنَ رسُول اللهِ صلى اللهُ عليْهِ وسلّم الرّجلةَ مِن النّساء ) المراد بالرّجلَةُ مِنْ النِّسَاءِ : التي تتشبه بالرجال في هيئاتهم، وأخلاقهم، وأفعالهم، وأقوالهم . [ جامع الأصول ].
وقال الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله : ( (لعن الله الرجلة من النساء) يعني: التي تتشبه بالرجال أو تحاكي الرجال في لباسهم وهيئاتهم، فهذا هو المقصود بالرجلة، نسبة إلى الرجل، يعني: أنها تجعل نفسها كأنها رجل، أو أنها من الرجال، وهذا مثلما يقولون في المثل عندما يتشبه الرجل بالمرأة (استنوق الجمل) وفي المرأة: (استديكت الدجاجة)؛ (استنوق الجمل) يعني: بدلاً من أن يكون ذكراً صار من قبيل الإناث أو لحق بالإناث، و(استديكت الدجاجة): خرجت من كونها دجاجة إلى أن صارت من قبيل الديكة) .
وقال في مرقاة المفاتيح : الرّجُلة بضم الجيم من النساء؛ بيان للرجلة لأن التاء فيها لإرادة الوصفية أي المتشبهة في الكلام واللباس بالرجال ويقال كانت عائشة رجلة الرأي أي: رأيها رأي الرجال، فالتشبه بالرأي والعلم غير مذموم .
* ذكر بعض الباحثين أن أسباب تشبه الرجال بالنساء والعكس يمكن إجمالها كالآتي :
1- نقص الإيمان وقلة الخوف من الله .
2- التربية السيئة .
3- وسائل الإعلام .
4- التقليد الأعمى .
5- رفقاء ورفيقات السوء .
6- النقص النفسي .
7- حُب لفت الأنظار .
8- القدوة السيئة .
9- انعدام الغيرة من الزوج أو الولي ( للمرأة ).
* من مضار تشبه كلا الجنسين بالآخر :
(1) قلّة الإيمان وفقد الحياء وانعدام الحشمة.
(2) كثرة الفواحش وانتشار الزّنا واللّواطة.
(3) جلب غضب الرّبّ والّذي يجب أن يخاف منه كلّ عبد .
(4) تغيير الفطرة الّتي فطر اللّه النّاس عليها .
(5) الطّرد والإبعاد من رحمة اللّه .
[ نضرة النعيم ] .
* إشكال // بعض النساء وعلى بعض الناس أيضا يفعل الإنسان ما فيه التشبه ويقول أنا ما نويت أنا لم أنو التشبه .
الجواب // فيقال إن الشبه صورة غالبة متى وجدت حذِّر التشبه، سواء بنية أو بغير نية؛ فمتى ظهر أن هذا تشبه ويشبه الكافرات ويشبه الفاجرات والعاريات أو يشبه الرجال من المرأة أو المرأة من الرجل متى ظهر التشبه، فهو حرام سواء كان بقصد أو بغير قصد لكن إذا كان بقصد فهو أشد وإن كان بغير قصد قلنا يجب عليك أن تغير ما تشبهت به حتى تبتعد عن التشبه .
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين] .
* وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ” الْمُشَابَهَةُ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ تُورِثُ تَنَاسُبًا وَتَشَابُهًا فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، وَلِهَذَا نُهِينَا عَنْ مُشَابَهَةِ الْكُفَّارِ، وَمُشَابَهَةِ الْأَعَاجِمِ، وَمُشَابَهَةِ الْأَعْرَابِ، وَنَهَى كُلًّا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مُشَابَهَةِ الصِّنْفِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ ” مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمِ فَهُوَ مِنْهُمْ “، ” وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا ” ، وَالرَّجُلُ الْمُتَشَبِّهُ بِالنِّسَاءِ يَكْتَسِبُ مِنْ أَخْلَاقِهِنَّ بِحَسَبِ تَشَبُّهِهِ حَتَّى يُفْضِيَ الْأَمْرُ بِهِ إلَى التَّخَنُّثِ الْمَحْضِ، وَالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ امْرَأَةٌ، وَلَمَّا كَانَ الْغِنَاءُ مُقَدِّمَةَ ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ عَمَلِ النِّسَاءِ كَانُوا يُسَمُّونَ الرِّجَالَ الْمُغَنِّينَ ” مَخَانِيثَ “، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ تَكْتَسِبُ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ حَتَّى يَصِيرَ فِيهَا مِنْ التَّبَرُّجِ، وَالْبُرُوزِ، وَمُشَارَكَةِ الرِّجَالِ مَا قَدْ يُفْضِي بِبَعْضِهِنَّ إلَى أَنْ تُظْهِرَ بَدَنَهَا كَمَا يُظْهِرُهُ الرَّجُلُ، وَتَطْلُبُ أَنْ تَعْلُوَ عَلَى الرِّجَالِ كَمَا تَعْلُو الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ، وَتَفْعَلَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَا يُنَافِي الْحَيَاءَ، وَالْخَفْرَ الْمَشْرُوعَ لِلنِّسَاءِ، وَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْمُشَابَهَةِ .
وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَرْقٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ الرِّجَالُ عَنْ النِّسَاءِ، وَأَنْ يَكُونَ لِبَاسُ النِّسَاءِ فِيهِ مِنْ الِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ مَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَصْلُ هَذَا الْبَابِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ اللِّبَاسَ إذَا كَانَ غَالِبُهُ لُبْسَ الرِّجَالِ نُهِيَتْ عَنْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ كَانَ سَاتِرًا كالفراجي الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ الْبِلَادِ أَنْ يَلْبَسَهَا الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، وَالنَّهْيُ عَنْ مَثَلِ هَذَا بِتَغَيُّرِ الْعَادَاتِ، وَأَمَّا مَا كَانَ الْفَرْقُ عَائِدًا إلَى نَفْسِ السِّتْرِ فَهَذَا يُؤْمَرُ بِهِ النِّسَاءُ بِمَا كَانَ أَسْتَرُ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِذَا اجْتَمَعَ فِي اللِّبَاسِ قِلَّةُ السَّتْرِ وَالْمُشَابَهَةُ نُهِيَ عَنْهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ”
[ مجموع الفتاوى ] .