130 جامع الأجوبة الفقهية ص 169
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات زايد الخير)
—————-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين، من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. متفق عليه، واللفظ لمسلم
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
مسألة: المجاوزة في غسل اليدين والرجلين على المرفقين والكعبين.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-تعريف الغرة والتحجيل:
– (غراً) بضم المعجمة وتشديد الراء، جم أغر دون غرة, وأصل الغرة لمعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت في البهاء والشهرة، وطيب الذكر.
انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 296)، المجموع المغيث” (2/ 551).
– (محجلين): قال ابن الأثير في النهاية: (1/ 339) أي: بيضُ مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس، ويديه، ورجليه.
-الغُرَّةُ: فهي البياض في الوجه، والتَّحجيلُ: بياضٌ في اليدين والرّجلين، وأصله في اللغة: البياضُ في جبهة الفرس ويديها ورجليها
انظر: الفائق في غريب الحديث للزمخشري (3/ 62)، ومختار الصحاح” (ص: 197)، ولسان العرب لابن منظور (5/ 14)، (مادة: غرر)
و (مادة: حجل)
-قال محقق بلوغ المرام مكتبة ابن تيمية: وزيادة (فمن استطاع منكم. … ) مدرج من كلام أبي هريرة أشار لذلك ابن حجر في الفتح. وجزم بذلك شيخ الإسلام وابن القيم ثم العلامة الألباني- كما في الضعيفة 3/ 106. وغير واحد من الحفاظ كما أشار إلى ذلك المنذري في الترغيب. ويؤيده أن نعيما شك في رفع هذه اللفظة كما في مسند أحمد 2/ 334 فقال: لا أدري قوله: فمن استطاع. … من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة رضي الله عنه
-اختلف العلماء في مشروعية المجاوزة في غسل اليدين والرجلين على المرفقين والكعبين على قولين مشهورين:
-القول الأول: أن إطالة الغرة والتحجيل مستحبة، وهذا مذهب أبي هريرة رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنهما، وقول جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والقول المعتمد عند الحنابلة.
-القول الثاني: أنها مكروهة، وهذا قول المالكية ورواية للإمام أحمد، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، ورجح هذا القول جمع من العلماء المعاصرين كالعلامة السعدي وابن باز والعثيمين والألباني رحم الله الجميع.
-استدل اصحاب القول الأول:
1 – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين، من أثر الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. متفق عليه، واللفظ لمسلم
-واجيب:
بأن لفظ: (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) مدرجة في الحديث من قول أبي هريرة وليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (1/ 236): لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه – يعني: نعيم بن عبد الله المجمر، عن أبي هريرة». انتهى
-وقال ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح: فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بَين ذلك غير واحد من الحفاظ. وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث، قال نعيم: فلا أدرى قوله: من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ” من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أو شيء قاله أبو هريرة من عنده. وكان شيخنا – ابن تيمية- يقول: هذه اللفظة لا يمكن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الغرة لا تكون في اليد، ولا تكون إلا في الوجه، وإطالته غير ممكنة، إذ تدخل في الرأس فلا تسمى تلك غرة. انتهى.
2 – عن نعيم بن عبد الله المجمر، قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ، وقال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله (مسلم 246).
-واجيب:
بأن قوله: (فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله)، يعنى يديمها، فالطول والدوام بمعنى متقارب، أي من استطاع أن يواظب على الوضوء لكل صلاة فإنه يطيل غرته، أي يقوى نوره، ويتضاعف بهاؤه، فكنى بالغرة عن نور الوجه يوم القيامة.
-واعترض:
بأن تأويل حديث أبي هريرة بأن المراد به المداومة على الوضوء خلاف الظاهر، ورد بأن الراوي أعرف بما روى، كيف وقد رفع معناه ولا وجه لنفيه. انظر: سبل السلام (1/ 70)
3 – عن أبي حازم قال كنت خلف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة فكان يمر يده حتى تبلغ إبطيه فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء (رواه مسلم) (250).
-واجيب:
بأن الحديث لا يدل على الإطالة؛ فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم، لا في العضد والكتف.
-واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
1 – أن مجاوزة محل الفرض، على أنها عبادة، دعوى تحتاج إلى دليل، وحديث أبي هريرة لا يدل عليها، وإنما يدل على نورَ أعضاء الوضوء يوم القيامة.
(انظر: تيسير العلام (ص: 34)
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: والعبادات مبناها على الاتباع، ولأن ذلك ذريعة إلى غسل الفخذ والكتف، وهذا مما يعلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه لم يفعلوه ولا مرةً واحدةً؛ ولأن هذا من الغلو في الدين، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: “إياكم والغُلُوَّ في الدين”، ولأنه تعمُّق، وهو منهي عنه.
2 – أن هذا الذي قاله أبو هريرة لم يتابع عليه وأن المسلمين مجمعون على أن الوضوء لا يتعدى به ما حد الله ورسوله وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبدر الناس إلى الفضائل، وأرغبهم فيها، ولم يجاوز قط مواضع الوضوء. انظر: شرح البخاري لابن بطال (1/ 221).
-وأجيب:
بأن أبا هريرة لم يفعله من تلقاء نفسه بل أخبر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ولأن تفسير الراوي إذا لم يخالف الظاهر يجب قبوله على المذهب الصحيح لأهل الأصول، وأما نقله الإجماع فلا يقبل مع خلاف أبي هريرة وابن عمر وقد صرح باستحبابه جماعة من السلف وأكثر الشافعية والحنفية. انظر: المجموع (1/ 429) وفتح الباري (1/ 236)
3 – إن كل الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا إلا أنه يغسل الوجه واليدين إلى المرفقين، والرجلين إلى الكعبين، وما كان ليترك الفاضل في كل مرة من وضوئه.
4 – الآية الكريمة تحدد محل الفرض بالمرفقين والكعبين، وهى من أواخر القرآن نزولاً. فقال تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6].
-وجاء في الأحاديث الصحيحة أنه إذا غسل يديه أدار الماء على مرفقيه حتى يشرع في العضد، لا أنه غسل العضدين، وإذا غسل رجليه شرع في الساق ولم يصل إلى الركبة.
5 – عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثا، ثلاثا قال: هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء، وتعدى، وظلم.
(رواه احمد في المسند) وقال محقق المسند طبعة الرسالة: (صحيح)، وهذا إسناد حسن، يعلى: هو ابن عبيد، وسفيان: هو الثوري. وأخرجه النسائي في المجتبى وابن ماجه، والبيهقي في السنن من طريق يعلى بن عبيد، بهذا الإسناد، ولفظ ابن ماجه: أو تعدى أو ظلم” بأو التخييرية.
-واجيب:
بأن المرادَ به الزّيادةُ في عدد المراتِ أو النقصُ عن الواجبِ، أو الثواب المرتب على نقص العدد، لا الزّيادة على تطويل الغرة والتَّحجيل. انظر: العدة لابن العطار (1/ 107).
والله تعالى أعلى وأعلم …
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-قلت: في مسألة المجاوزة في غسل اليدين والرجلين على المرفقين والكعبين: قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ما ذهب إليه بعض العلماء: أنه ينبغي أن يزيد على محل الفرض لتزيد الغرة والتحجيل، وهذا القول ليس له حظ من النظر في هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الناس سيأتون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء، والوضوء محدد بالقرآن: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} [المائدة: (6)].
يعني: لو أن إنسانا خرج وزاد إلى نصف العضد أو إلى الكتف ما كان للوضوء محل؛ إذ أن الوضوء محدد بالمرافق، وفي الرجلين محدد بالكعبين، فلا نقول: توضئوا إلى الركبتين؛ لأن الوضوء محدد، فالحديث لا يقتضي زيادة ولا يدل على فضيلة الزيادة، وبهذا نعرف أن قوله: فمن استطاع منكم … ” إلخ. مدرج ولا يستقيم لكنه قد ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه “أنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد وغسل رجليه حتى أشرع في الساق، وقال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل”، وهذا مرفوع لكن هل إشراعه في العضد إشراع زائد أو على قدر ما يتأتى به الفرض؟ الثاني هو المتعين؛ لأنه لا يمكن أن يجزم بأنه غسل المرفق إلا إذا غسل بعض العضد، وكذلك في الكعبين لا يمكن أن يتيقن أنه غسلهما إلا إذا شرع في الساق، وما ذكرناه هو ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يعني: أنه لا تسن الزيادة على موضع الفرض في الوضوء. انتهى كلامه.
المرجع (فتح ذي الجلال)
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
قال النووي رحمه الله:
” قَوْلُهُ (أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ وَأَشْرَعَ فِي السَّاقِ) مَعْنَاهُ أَدْخَلَ الْغُسْلَ فِيهِمَا ” انتهى.
تعليق لشيخ الإسلام ابن تيمية حول ذلك ذكره في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة- تحقيق الشيخ ربيع بن هادي عمير المدخلي (ص/200 – 201)
قال رحمه الله تعالى:
وكان أبو هريرة يغسل يديه إلى العضد في الوضوء ويقول: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل
وروي أنه كان يمسح عنقه ويقول: هو موضع الغل
فإن هذا وإن استحبه طائفة من العلماء اتباعًا لهما، فقد خالفهم في ذلك آخرون وقالوا: سائر الصحابة لم يكونوا يتوضئون هكذا، والوضوء الثابت عنه صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين وغيرهما من غير وجه ليس فيه أخذ ماء جديد للأذنين، ولا غسل ما زاد على المرفقين والكعبين، ولا مسح العنق، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل
بل هذا من كلام أبي هريرة، جاء مدرجًا في بعض الأحاديث، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنكم تأتون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء)) وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ، حتى يشرع في العضد والساق، فقال أبو هريرة: من استطاع أن يطيل غرته فليفعل وظن من ظن أن غسل العضد من إطالة الغرة، وهذا لا معنى له فإن الغرة في الوجه لا في اليد والرجل، وإنما في اليد والرجل الحجلة والغرة لا يمكن إطالتها، فإن الوجه يغسل كله، لا يغسل الرأس، ولا غرة في الرأس، والحجلة لا يستحب إطالتها، وإطالتها مثلة
قال البسام: قال ابن القيم: حديث أبي هريرة رضي الله عنه في مسلم في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ حتى شرع في العضد. يدل على إدخال المرفقين في الوضوء. توضيح الأحكام
مع أن الشوكاني نقل في النيل عن ابن حجر في التلخيص تعقبه على ابن بطال أن أبا هريرة تفرد بالغسل إلى الإبط فقال: بل قال به جماعة من السلف ومن أصحاب الشافعي وكذلك أسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما.
لكن رواية الإمام مسلم عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم ههنا! لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء. سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء.
المقصود ببني فرّوخ الموالي، وقيل: العجم.
فالغسل للإبط لم ينسبه أبو هريرة ولا ابن عمر رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم
إنما نسب أبو هريرة الشروع في العضد وسبق توجيهه، فغسل الإبط اجتهاد منهما.
فائدة: قال ابن تيمية: إنما يعرف من كان أغرّ محجّلا، وهم الذين يتوضؤون للصلاة، وأما الأطفال فهم تبع للرجال، وأما من لم يتوضأ قط، ولم يُصِلّ، فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة. انتهى.