130 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–
مسند أحمد:
9391 حدثني عفان حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عم أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من يدخل الجنة ينعم لا يبأس؛ لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
قلت سيف: على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
فهو في الصحيح متفرق، والشطر الأخير في الصحيحين حديث قدسي، وأنزلناه على شرط المتمم وليس على شرط الذيل خشيت الشذوذ، لأن الأكثر يروون الشطر الأخير كحديث قدسي.
———–
[الجنة مهرها غالي]
(الجنة اسم للدار التي حوت كل نعيم).
أعلاه النظر إلى الله إلى ما دون ذلك مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين مما قد نعرفه وقد لا نعرفه كما قال الله تعالى فيما رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم {أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر}. قاله ابن تيمية في المجموع [(28) / (443)].
قال ابن القيم: ولما علم الموفقون ما خلقوا له وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبد لا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا آلامه تزيد على لذاته وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متالف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السماوات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا عربا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيئات الأخلاق مسافحات أو متخذات أخدان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي … متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملامة في هواك لذيذة … حبا لذكرك فليلمني اللوم
وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعتريه الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال.
فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا استام! إلا أفراد من العباد فواعجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين.
حادي الأرواح الى بلاد الافراح [ص (6) – (7)].
و قال أيضا: فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في ابد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ومحلة عالية بهية ولو لم يكن من خطر الجنة وشرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره شرفا وفضلا. نفس المصدر السابق ((279)).
قال الطيبي في شرح المشكاة:
قوله: ((ينعم ولا يبأس)) معناه أن الجنة دار الثبات والقرار، وأن التغيير لا يتطرق إليها، فلا يشوب نعيمها بؤس، ولا يعتريه فساد ولا تغير، فإنها ليست دار الأضداد ومحل الكون والفساد.
قوله: ((لايبأس)) تأكيد لقوله ينعم، والأصل أن الإيحاء بالواو لكن أراد به التقرير على الطرد والعكس كقوله تعالى: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}.
قال ابن هبيرة في الإفصاح [(6) / (314)]: في هذا الحديث من الفقه أنه لما كانت الدنيا دار ضيق وحرج، وكانت الآخرة دار إكرام الله تعالى لأوليائه، ومستقرا لمن رضي عنه، أعد لهم الله فيها ما لم تر عين، وما لم تسمع أذن، ولا خطر على قلب بشر، صونا لعطائه في الآخرة، وعن أن يوصف على جهته، فلا تصدقه النفوس لعظمته؛ لأن هذه الأعين ضيقة، وهذه النفوس نشأت في محل صغير، فإذا حدثت بما يتجاوز مقدار عقولها أو مبلغ إحساسها، مما ليس عندها أصل تقيسه عليه إلا ما تشاهده وتراه وتألفه، عجلت إلى الإرتياب فيه، وسارعت إلى الشك في الخبر عنه؛ فلذلك أرى أن الله سبحانه وتعالى قال: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}.
قال الحافظ العراقي: معناه أن الله تعالى ادخر في الجنة من النعيم، والخيرات، واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق بطريق من الطرق فذكر الرؤية، والسمع لأنه يدرك بهما أكثر المحسوسات، والإدراك بالذوق، والشم، واللمس أقل من ذلك، ثم زاد على ذلك أنه لم يجعل لأحد طريقا إلا توهمها بفكر وخطور على قلب فقد جلت وعظمت عن أن يدركها فكر وخاطر، ولا غاية فوق هذا في إخفائها، والإخبار عن عظم شأنها على طريق الإجمال دون التفصيل. طرح التثريب (ج (8) / (273))
قال ابن بطال: فمن أنعم النظر فى هذا كان حريا ألا يذهب عنه وقت من صحته وفراغه إلا وينفقه فى طاعة ربه، ويشكره على عظيم مواهبه والاعتراف بالتقصير عن بلوغ كنه تأدية ذلك، فمن لم يكن هكذا وغفل وسها عن التزام ما ذكرنا، ومرت أيامه عنه فى سهو ولهو وعجز عن القيام بما لزمه لربه تعالى فقد غبن أيامه، وسوف يندم حيث لا ينفعه الندم، وقد روى الترمذى من حديث ابن المبارك، عن يحيى بن عبيد الله بن موهب، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع). وأما قوله: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة). فإنه نبه بذلك أمته على تصغير شأن الدنيا وتقليلها، وكدر لذاتها وسرعة فنائها، وما كان هكذا فلا معنى للشغل به عن العيش الدائم الذى لا كدر فى لذاته، بل فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. شرح صحيح البخاري (ج (10) / (147)).
[وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله]
تنبيه: حديث: ما من أحد يموت إلا ندم، قالوا: وما ندامته يا رسول الله؟ قال: إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع
حكم عليه الألباني بالضعف.
قال ابن تيمية: فالناس في الجنة على درجات متفاوتة كما قال انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا وكل مطلوب للعبد بعبادة أو دعاء أو غير ذلك من مطالب الآخرة هو في الجنة طلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق أنبياء الله ورسله وجميع أولياءه السابقين المقربين وأصحاب اليمين كما في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل بعض أصحابه كيف تقول في دعائك قال أقول اللهم اني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. الزهد و الورع و العبادة (ص (133)).
قال ابن رجب في لطائف المعارف ((28)): وقوله صلى الله عليه وسلم: “من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم” إشارة إلى بقاء الجنة وبقاء جميع ما فيها من النعيم وإن صفات أهلها الكاملة من الشباب لا تتغير أبدا وملابسهم التي عليهم من الثياب لا تبلى أبدا وقد دل القرآن على مثل هذا في مواضع كثيرة كقوله: {وجنات لهم فيها نعيم مقيم} [التوبة: (21)] وقوله تعالى: {أكلها دائم وظلها} [الرعد: (35)] وقوله تعالى: {خالدين فيها أبدا} [النساء: (57)] في مواضع كثيرة وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه”.
قال العلامة ابن عثيمين:
نعيم الجنة، فقد أخبر الله تعالى أن في الجنة طعاما، وشرابا ولباسا، وزوجات، ومساكن، ونخلا، ورمانا، وفاكهة، ولحما، وخمرا، ولبنا، وعسلا، وماء، وحلية من ذهب ولؤلؤ وفضة وغير ذلك، وكله حق على حقيقته، وهو في الاسم موافق لما في الدنيا من حيث المعنى لكنه مخالف له في الحقيقة.
أما موافقته لما في الدنيا في المعنى فلأن الله تعالى قال عن القرآن: {إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}. ولولا موافقته له في المعنى ما فهمناه ولا عقلناه.
وأما مخالفته له في الحقيقة فلقوله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}. وقوله في الحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». قال ابن عباس رضي الله عنهما: ” ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء “.
المجموع (ج (4) / (141)).
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء الأبرار الكرام البررة إنه على كل شيء قدير.