11 – بَابٌ فِي شَجَاعَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَقَدُّمِهِ لِلْحَرْبِ
48 – (2307) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، وَأَبُو كَامِلٍ – وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ – حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ»
وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَ الصَّوْتِ، فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا، وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٍ، فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ وَهُوَ يَقُولُ: «لَمْ تُرَاعُوا، لَمْ تُرَاعُوا» قَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا، أَوْ إِنَّهُ لَبَحْرٌ» قَالَ: وَكَانَ فَرَسًا يُبَطَّأُ
49 – (2307) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ يُقَالُ لَهُ مَنْدُوبٌ فَرَكِبَهُ فَقَالَ: «مَا رَأَيْنَا مِنْ فَزَعٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا»
49 – وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ح وحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: فَرَسًا لَنَا، وَلَمْ يَقُلْ: لِأَبِي طَلْحَةَ، وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ: عَنْ قَتَادَةَ، سَمِعْتُ أَنَسًا
الفوائد
-_-_-_-_-_-_-_-
في رواية (فوالله ما سبق بعد ذلك اليوم)
قال ابن حجر في الفتح:
فزع أهل المدينة أي سمعوا صوتا في الليل فخافوا أن يهجم عليهم عدو.
وقوله (فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت) أي إنه سبق فاستكشف الخبر فلم يجد ما يخاف منه فرجع يسكنهم.
وقوله (لم تراعوا هي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيسا وإظهارا للرفق بالمخاطب). اهـ
قال البغوي في شرح السنة:
وقوله: ” عريٌ ” يقال: فرس عري، وخيل أعراء، ولا يقال: رجل عريٌ، ولكن عريان. اهـ
يعني بدون سرج
قال القسطلاني في إرشاد الساري:
َ-قوله (أحسن الناس) خلقًا وخُلقًا (وأجود الناس) أي أكثرهم عطاء (وأشجع الناس) أي أكثرهم إقداما وهذه الثلاث هي أمهات الأخلاق أهـ مختصرا
قال الطيبي في شرحه لمشكاة المصابيح:
قوله: ((لم تراعوا)) معناه لا فزع ولا روع فاسكنوا.
: ويروى: ((لن تراعوا)) والعرب تضع ((لم)) و ((لن)) موضع ((لا)).
فعلى هذا يكون خبراً في معنى النهي.
وقوله: ((بحراً)) أي جواداً واسع الجري، وذلك الفرس يسمى ((المندوب)) أي المطلوب. اهـ
مشاركة عبدالحميد البلوشي وشارك أحمد بن علي في الفوائد وعبدالرحمن الشيخ:
الشجاعة صفة محمودة، ما لم تصل إلى حد التهور، والإقدام بدون حكمة، والجبن صفة مذمومة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من الجبن.
قلت (سيف) وهو في الصحيح المسند
وللرسول صلى الله عليه وسلم مواقف تشهد له بالشجاعة، بل مواقف شجاعة انفرد بها من بين أصحابه،
-أبو طلحة هو أبو زيد بن سهل، زوج أم سليم، أم أنس، وفي الرواية الثانية “فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، يقال له: مندوب، فركبه” وفي ملحق الرواية الثانية يقول أنس “استعار فرسا لنا” وهو كذلك، فأبو طلحة زوج أمه.
والظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده فرس حينئذ، وهو في حاجة إلى الإسراع.
قال النووي: وقع في هذا الحديث تسمية هذا الفرس مندوبا، قال القاضي: وقد كان في أفراس النبي صلى الله عليه وسلم “مندوب” فلعله صار إليه، بعد أبي طلحة. هذا كلام القاضي، قلت: ويحتمل أنهما فرسان، اتفقا في الاسم.
(في عنقه السيف) تعليق السيف في العنق يحتاجه الفارس كثيرا، ليكون أعون له على مهامه الأخرى، وهو يشير إلى أنه لم يخرج أعزل مخاطرا، بل مسلحا مقداما.
(قال: وجدناه بحرا – أو إنه لبحر – قال: وكان فرسا يبطأ) أي كان فرس أبي طلحة فرسا يتهم بالبطء، قال الأصمعي: يقال للفرس: بحر، إذا كان واسع الجري، أو لأن جريه لا ينفد، كما لا ينفد البحر.
فقه الحديث
يؤخذ من الحديث
1 – شدة عجلته صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى العدو، قبل الناس كلهم، وتعريض نفسه لمواجهة العدو بمفرده، دليل شجاعته صلى الله عليه وسلم.
2 – وفيه جواز سبق الإنسان وحده في الكشف عن أخبار العدو، ما لم يتحقق الهلاك.
3 – واستحباب تقلد السيف في العنق.
4 – واستحباب تبشير الناس بعدم الخوف، وبث الاطمئنان فيهم إذا ذهب ما يخيف.
5 – وفيه عظيم بركته صلى الله عليه وسلم ومعجزته في انقلاب الفرس سريعا، بعد أن كان يبطأ.
6 – وفيه جواز ركوب الفرس العري.
7 – وتواضعه صلى الله عليه وسلم.
8 – وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الفروسية البالغة، فإن الركوب المذكور، لا يفعله إلا من أحكم الركوب، وأدمن على الفروسية.
9 – وأنه ينبغي للفارس أن يتعاهد الفروسية، ويروض طباعه عليها، لئلا يفجأه شدة، فيكون قد استعد لها. قاله الحافظ ابن حجر.
10 – وجواز استعارة الفرس ونحوه، والعارية بتشديد الياء ويجوز تخفيفها هي هبة المنافع، دون الرقبة، قال الحافظ ابن حجر: ويجوز توقيتها، وإذا تلفت في يد المستعير ضمنها، إلا فيما إذا كان ذلك من الوجه المأذون فيه.
11 – الداعي إلى الله يتصف بالشجاعة.
12 – ويأخذ سلاحه عند الحاجة ومنه قوله تعالى: (فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم … )
13 – ذم الجبن قال تعالى (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَاوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
و: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)
فتح المنعم |تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي |معالم السنن للخطابي بتحقيق الطباخ |فتح الباري لابن حجر |شرح النووي
——-
مشاركة رامي:
وأما صفاته صلى الله عليه وسلم فهو المقدم في كل صفه حميدة عرفت شرعاً أو طبعاً.
ففي الكرم …
وفي الشجاعة: كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس, وأمضاهم عزما و إقداما، كان الناس يفرون وهو ثابت، قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: لما التقى المسلمون والكفار – يعني في حنين – وولى المسلمون مدبرين، طفق الرسول صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار، وأنا آخذ بلجامها أكفها لإرادة ألا تسرع، وكان يقول حينئذ: “أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب”. أخرجه مسلم رقم76 كتاب الجهاد والسير. وأخرجه البخاري بنحوه من حديث. البراء بن عازب رضي الله عنه رقم2864 كتاب الجهاد ورقم 4315, 4317 كتاب المغازي.
وقال علي رضي الله عنه: “كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القومَ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب من العدو منه” أخرجه أحمد في المسند 1/ 156 وبنحوه مسلم رقم 79 كتاب الجهاد من حديث البراء رضي الله عنه.
ومن شجاعته قصته مع الأعرابي الذي اخترط سيفه وتهدده فلم يرتعد بل لما قال من يعصمك مني قال: الله.
وطعن في أحد أبي بن خلف بحربته فأرداه عن فرسه فمات عدو الله وهم قافلون به إلى مكة
وتجلت شجاعته ورباطة جأشه في رحلة الهجرة التي صحبه فيها الصديق الأعظم: أبو بكر، رضي الله عنه، فكان، بلا مرية، أشجع هذه الأمة بعد نبيها.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام:
ملاك الشجاعة، كما يقول ابن تيمية رحمه الله:
“الصبر الذي يتضمن قوة القلب وثباته ولهذا قال تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين).
والشجاعة قوة القلب وثباته فإن القتال مداره على قوة البدن وصنعته للقتال وعلى قوة القلب وخبرته به والمحمود هو الذي يملك نفسه عند الغضب.
[الاستقامة، (2/ 270، 271)].
وهذه الخصلة يحتاج إليها في أمراء الحروب وقواده ومقدميه أكثر من الأولى فإن المقدم إذا كان شجاع القلب ثابتا أقدم وثبت ولم ينهزم فقاتل معه أعوانه وإذا كان جبانا ضعيف القلب ذل ولم يقدم ولم يثبت ولو كان قوي البدن.
“منهاج السنة”، (8/ 77، 78).
ويشير إلى حقيقة الشجاعة الدينية في كلمات موجزات فيقول:
“ومما ينبغي أن يعلم أن الشجاعة إنما فضيلتها في الدين؛ لأجل الجهاد في سبيل الله … فشجاعة علي والزبير وخالد وأبي دجانة والبراء بن مالك وأبي طلحة وغيرهم من شجعان الصحابة إنما صارت من فضائلهم لاستعانتهم بها على الجهاد في سبيل الله فإنهم بذلك استحقوا ما حمد الله به المجاهدين “منهاج السنة”، (8/ 86).مختصرا
ويقول في موضع آخر:
والله سبحانه حمد الشجاعة والسماحة في سبيله كما في الصحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (قيل يا رسول الله: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله، فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).
وقد قال سبحانه: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) “.
الاستقامة، (2/ 284، 285).
وضد السماحة: الشح قال تعالى (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). ومنه حديث (إياكم والشح … )
فجعل أبو بكر يقول له: (هكذا مناشدتك ربك إنه سينجز لك ما وعدك)، وهذا يدل على كمال يقين الصديق وثقته بوعد الله وثباته وشجاعته شجاعة إيمانه إيمانية زائدة على الشجاعة الطبيعية.
“منهاج السنة”، (8/ 79).
وليعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع المحذور.
“منهاج السنة”، (8/ 80_82).
وتطرق ابن تيمية، رحمه الله، إلى بحث آخر فريد عن المفاضلة بين شجاعة أبي بكر، رضي الله عنه وغيره فخلص إلى أنه:
كان لأبي بكر مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية وهي قوة يقينية بالله عز و جل وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين.
والجهاد ينقسم أقساما ثلاثة:
أحدها: الدعاء إلى الله تعالى باللسان.
والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير.
والثالث: الجهاد باليد في الطعن والضرب.
فوجدنا الجهاد باللسان لا يلحق فيه أحد بعد النبي صلى الله عليه و سلم أبا بكر ولا عمر: أما أبو بكر فإن أكابر الصحاب أسلموا على يديه
وبقي القسم الثاني وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصا لأبي بكر ثم لعمر. منهاج السنة (8/ 87_89)
والكرم لازم الشجاعة، فمن قوي قلبه، سخت يده، فلم يخش الفقر أبدا
وكون النبي صلى الله عليه وسلم يضرب له عريش في بدر فهذا بطلب من الصحابة وهو من سياسة الحرب:
وورد في مسلم:
والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل. اهـ
قال بعض لجان الفتوى:
وأما بقاؤه في الخيمة فكان استجابة لاقتراح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقرا لقيادته استعدادا للطوارئ وتقديرا للهزيمة قبل النصر حيث قال: يا نبي الله ألا نبني لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبا منهم. انتهى
-ويجب على المسلم أن يجتهد في إتقان الأسباب ويحرص على تعلم الأنظمة الحديثة النافعة في الحرب، قال ابن تيمية في رسالة عموم بعثته: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتال الترك وأن أمته ستقاتلهم ومعلوم أن قتالهم النافع إنما هو بالقِسي الفارسية ولكن قوتلوا بالقِسي العربية … فلم تغن شيئا بل استطالوا على المسلمين بقوة رميهم فلا بد من قتالهم بما يقهرهم. اهـ
-والشخص قد يلجأ للقتال وحده:
ومنه حين (حمَلَ رجلٌ على العدو، فقال الناس: مَهْ مَهْ، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار)
يعني: لما رأوا كثرة الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرادوا أن يرجعوا لأموالهم ليصلحوها، فالتهلكة ترك الجهاد والرجوع للأموال.
ومنه حديث «عجب ربنا من رجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه فرجع حتى أهريق دمه فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه» (حسن) عن ابن مسعود. صحيح الترغيب 626،
وفي الأنجاد في أبواب الجهاد قسَّم المقاتل لوحده لثلاث أقسام:
– حال اضطرار، وذلك حيث يحيط به العدو، فهو يخاف تَغَلُّبَهم عليه، وأَسْرَهُم إياه، فذلك جائزٌ أن يحمل عليهم باتفاق.
– وحالٌ يكون فيها في صفِّ المسلمين ومنعتهم، فيحمل؛ إرادةَ السُّمعة والاتصافَ بالشَّجاعة، فهذا حرام باتفاق.
– وحالٌ يكون كذلك مع المسلمين، فيحمل غضباً لله، مُحتسباً نفسه عند الله، ففي هذا اختلف أهل العلم، فمنهم من كَرِهَ حَمْلَه وحده، ورآه مما نهى الله عنه من الإلقاء باليد إلى التهلكة، ومنهم من أجاز ذلك واسْتَحْسَنه، إذا كانت به قوة، وفي فِعله ذلك منفعةٌ، إمَّا لنكاية العدوِّ أو تَجرئةِ المسلمينَ؛ حتَى يفعلوا مثل ما فَعَل، أو: إرهابِ العدوِّ؛ ليعلموا صلابة المسلمين في الدِّين.
قال ابن تيمية في «قاعدة في الانغماس في العدو، وهل يباح» (ص 24): «والرجل ينهزم أصحابه، فيقاتل وحده، أو هو وطائفة معه العدو، وفي ذلك نكاية في العدو، ولكن يظنون أنهم يُقْتلون، فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وليس في ذلك إلا خلاف شاذ.
ودلل عليه بتطويل من الكتاب والسنة وإجماع السلف، وراجع «مجوع الفتاوى» (28/ 540)
تنبيه: لا يدل هذا على جواز تفجير المسلم نفسه كما بين علماؤنا.
و قوله تعالى (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَاسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللّهُ أَشَدُّ بَاسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً) قال القرطبي رحمه الله (5/ 279): ” (فقاتل): كأن هذا المعنى لا تدع جهاد العدو والاستنصار عليهم للمستضعفين من المؤمنين ولو وحدك؛ لأنه وعده بالنصر. قال الزجاج: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده؛ لأنه قد ضمن له النصرة. قال ابن عطية: هذا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجئ في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة مدة ما؛ فالمعنى – والله أعلم – أنه خطاب له في اللفظ، وهو مثال ما يقال لكل واحد في خاصة نفسه؛ أي: أنت يا محمد وكل واحد من أمتك القول له: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك). ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يجاهد ولو وحده؛ ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لأقاتلنهم حتى تنفرد سالفتي)
قال صاحبنا أحمد: [تعليق الشيخ الألباني]
صحيح – ((تخريج فقه السيرة)) (330 و332 و 335) , ((صحيح أبي داود)) [ص:231] (247): خ.
ـ وسلمة بن الأكوع رضى الله عنه جاهد لوحده , كما في الصحيح لما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم – أي الإبل – فصادفهم سلمة بن الأكوع خارجا من المدينة تبعهم فقاتلهم من غير إذن , فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [خير رجّالتنا سلمة بن الأكوع] وأعطاه سهم فارس وراجل.
ـ وأبو بصير رضى الله عنه قاتل منحازا لوحده، في أول الأمر حتى انحاز إليه جماعة من المسلمين فكانوا طائفة ذات شوكة ممتنعة، فكانوا بعد ذلك راية مستقلة.
تنبيه: قال ابن قدامة: قال أحمد لا يعجبني أن يخرج مع الإمام أو القائد إذا عُرف بالهزيمة وتضييع المسلمين اهـ
تنبيه آخر:
قال ابن تيمية في آخر كتابه الرد على البكري: لما هجم التتار على الشام قال: حتى إن العدو الخارج عن شريعة الإسلام لما قدم دمشق خرجوا يستغيثون بالموتى عند القبور التي يرجون عندها كشف ضرهم وقال بعض الشعراء:
يا خائفين من التتر لوذوا بقبر أبي عمر
فقلت لهم هؤلاء الذين تستغيثون بهم لو كانوا معكم في القتال لانهزموا كما انهزم من انهزم من المسلمين يوم أحد، فإنه كان قد قضي أن العسكر ينكسر لأسباب اقتضت ذلك ولحكمة كانت لله عز وجل في ذلك
مشاركة عبدالله الديني: بوب البخاري: باب الْحَمَائِلِ وَتَعْلِيقِ السَّيْفِ بِالْعُنُقِ
وبوب باب السرعة و الركض في الفزع …
وباب الخروج في الفزع و حده
قال ابن بطال: جملة ما في هذه التراجم أن الإمام ينبغي له أن يشح بنفسه لما في ذلك من النظر للمسلمين، إلا أن يكون من أهل الغناء الشديد والثبات البالغ فيحتمل أن يسوغ له ذلك، وكان في النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك ما ليس في غيره، ولا سيما مع ما علم أن الله يعصمه وينصره.
وبوب باب إِذَا فَزِعُوا بِاللَّيْلِ
قوله: “باب إذا فزعوا بالليل” أي ينبغي لأمير العسكر أن يكشف الخبر بنفسه أو بمن يندبه لذلك.
وبوب باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل
قال صاحبنا حسين: فيه السرعة في الأمور المفزعة لدرأ الخطر إن وجد.