1290 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بإشراف سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2، والمدارسة، والاستفادة
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
(جمع وتأليف عبد الله المشجري)
_._._. _._._. _._._. _._._. _.
1290 – قال الإمام أبو يعلى رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن زنجويه حدثنا أبو المغيرة: عبد القدوس بن الحجاج حدثنا الأوزاعي حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم -: ((سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون, ويفعلون ما يؤمرون, وسيكون بعدي خلفاء يعملون بما لا يعلمون, ويفعلون بما لا يؤمرون, فمن أنكر عليهم بريء, ومن أمسك يده سلم, ولكن من رضي وتابع))
قال الشيخ مقبل الوادعي حفظه الله: هذا حديث صحيح.
———————-
أولاً: ما يتعلق بسند الحديث:
* هذا الحديث صححه الألباني في الصحيحة برقم 3007، وذكر للحديث شاهداً في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها يشهد لآخره لفظه: ((ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع)) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا))
ويدل عليه حديث عوف بن مالك في صحيح مسلم أيضاً ولفظه ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم))، قيل: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة)).
* في هذا السند فيه أن الحجاج روى هذا الحديث عن الأوزاعي عن الزهري مباشرة، ولكن رجح الدارقطني في العلل (9/ 244) برقم 1735 رواية من جعل بين الأوزاعي والزهري إبراهيم بن مرة، وهو ترجيح البخاري في التاريخ الكبير (1/ 329) برقم 1035.
وراجع تاريخ دمشق (7/ 223) فقد ذكر الحديث في ترجمة إبراهيم بن مرة.
ثانياً: ما يتعلق بمتن الحديث:
* هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك في الإخبار عن أمور مستقبلية.
* فيه أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت بل يأثم بالرضى لقوله صلى الله عليه وسلم ((ولكن من رضي وتابع)).
* فيه أنه لا يجوز الخروج على الخلفاء بمجرد الظلم أو الفسق ما لم يغيروا شيئاً من قواعد الإسلام. قرره النووي.
* وفيه تحريم منابذة الأمراء بالسلاح ومقاتلتهم لحديث أم سلمة و حديث عوف المتقدمَيْن، وقد ذكر الشيخ الألباني في الصحيحة 3007 ما يلي: (تنبيه): ثم وقفت على حديث يخالف ظاهره حديث عوف بن مالك الناهي عن منابذة الأئمة والحكام بالسيف، فرأيت أن أبين حاله خشية أن يتشبث به بعض الجهلة من خوارج هذا الزمان، أو ممن لا علم عنده بهذا العلم الشريف وفقه الحديث، ألا وهو ما أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير” (11/ 39 – 40) من طريق الهياج بن بسطام عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: ((سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك)). وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ ليث- وهو ابن أبي سليم- ضعيف مختلط، والهياج ابن بسطام- وهو الخراساني- متفق على ضعفه؛ بل اتهمه ابن حبان؛ فقال: “يروي الموضوعات عن الثقات “، وبه أعله الهيثمي (5/ 228).
أقول: وهذا الحديث قد عزاه السيوطي لابن أبي شيبة أيضاً؛ يعني في “المصنف “، ولم أره فيه بعد البحث الشديد، فإن صح إسناده عنده أو غيره كان لا بد من تأويل قوله: “نابذهم ” أي: بالقول والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لا بالسيف؛ توفيقاً بينه وبين حديث عوف كما تقتضيه الأصول العلمية والقواعد الشرعية، وان لم يصح نبذناه لشدة ضعف إسناده. والله سبحانه وتعالى أعلم. ا. هـ
* قوله ((فمن أنكر عليهم برئ)) هذا الإنكار مقيدٌ بالأحاديث الواردة في نصيحة الأمراء سراً، وذكر الشيخ عبدالمحسن العباد أن الإنسان لا يحب أن يُنصح علناً، فكيف بالأمير؟!
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة …. إلى أن قال: وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يُؤتى إليه)).
ويدل لذلك فعل الصحابة من نصيحتهم الأمراء سراً لا على الملأ، كما جاء في صحيح مسلم عن طارق بن شهاب: (قال أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة فقال: قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
* في حديث أم سلمة فيه ((فمن كره سلم)) قال النووي: وهي ظاهرة أي: فمن كره ذلك المنكر فقد برئ من إثمه وعقوبته، وهذا حق من لم يستطع إنكاره بيده ولا لسانه، أما رواية ((فمن عرف سلم)) فمعناها: فمن عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريقاً إلى البراءة من إثمه وعقوبته; بأن يغيره بلسانه أو بيده فإن لم يستطع فليكرهه بقلبه.
* قال الطبري: (والصواب أن الواجب على كل من رأى منكراً أن ينكره إذا لم يخف على نفسه عقوبةً لا قِبَل له بها؛ لورود الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للأئمة، وحديث ((لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق)) [الصحيحة برقم 613].