129 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة أبي عيسى عبدالله البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي وناجي الصيعري وعلي الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسند إياس بن عبد رضي الله عنه
129 – قال أبو داود رحمه الله (ج 9 ص 371): حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ أخبرَنَا دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ.
هذا حديث على شرط الشَّيخين. وأبو المنهال هو عبد الرحمن بن مُطْعِمٍ، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.
الحديث أخرجه الترمذي (ج 4 ص 490) وقال: حديث إياس حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي (ج 7 ص 307)، وابن ماجه (ج 2 ص 828).
وأخرجه عبد الرزاق (ج 8 ص 106) فقال رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* قال الترمذي في سننه 1271: “وفي الباب عن جابر و بهيسة عن أبيها و أبي هريرة و عائشة و أنس و عبد الله بن عمرو، قال أبو عيسى: حديث إياس حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أنهم كرهوا بيع الماء وهو قول ابن المبارك و الشافعي و أحمد و إسحق وقد رخص بعض أهل العلم في بيع الماء منهم الحسن البصري”.
حديث جابر وبهيسة وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم سيأتي لفظه، أما حديث أنس رضي الله عنه فقد جاء في نزهة الألباب في قول الترمذي «وفي الباب» (4/ 2012) 2077/ 112 – وأما حديث أنس: فرواه البزار في مسنده كما في زوائده 2/ 111 والطبراني في الصغير 1/ 242:
من طريق الحسن بن أبى جعفر عن بديل بن ميسرة العقيلى عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار” والسياق للطبراني وقد عقبه بقوله: “لم يروه عن بديل بن ميسرة إلا الحسن تفرد به عبد الصمد”. اهـ والحسن متروك وقد حكم على الحديث أبو حاتم في العلل 1/ 378 بالنكارة.
2078/ 113 – وأما حديث عبد الله بن عمرو:
فرواه أحمد 2/ 179 و 221 والطبراني في الأوسط 2/ 45 والصغير 1/ 37 وابن الأعرابى 1/ 176 وأبوالشيخ في طبقات المحدثين 3/ 516 والعقيلى في الضعفاء 4/ 51 والبيهقي 6/ 16: من طريق الأعمش وغيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: 5″أيما رجل أتاه ابن عمه فسأله من فضله فمنعه منعه الله فضله يوم القيامة ومن منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلاء منعه الله فضله يوم القيامة” والسياق للطبراني.
والحديث ضعفه العقيلى في ترجمة محمد بن الحسن القردوسى راويه عن جرير بن حازم عن الأعمش به وقد تابع الأعمش ليث بن أبى سليم عند أحمد وليث ضعيف.
وقد اختلف في رفعه ووقفه على عمرو فرفعه عنه من تقدم تابعهما شعيب بن شعيب إذ رفعه أيضًا إلا أنه خالف في سياق الإسناد إذ قال عن عمرو أخيه عن سالم مولى عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو واقتصر على النهى عن بيع الماء والراوى عن شعيب أبو بكر بن عياش وفيه شاء عند الانفراد خالف جميع من تقدم أبو الزبير إذ وقفه كما عند ابن أبى شيبة وأولاهم بالتقديم أبو الزبير وقد ساقه موقوفًا مثل سياق شعيب بن شعيب.
* صححه الألباني في سنن أبي داود 3480.
* قال محققو سنن أبي داود (5/ 345): “إسناده صحيح. أبو المنهال: هو عبد الرحمن بن مُطعِم البُناني.
وأخرجه الترمذي (1317)، والنسائي (4662) من طريق داود بن عبد الرحمن، والنسائي (4663) من طريق ابن جريج، كلاهما عن عمرو بن دينار، به. زاد النسائي في رواية داود: وباع قيِّمُ الوَهَط فضل ماءِ الوهط، فكرهه عبدُ الله بنُ عمرو.
وحسنه محققو المسند لغيره
وانظر (6673) «مسند أحمد» (11/ 331 ط الرسالة)
وفي رواية عند أحمد: 6673 – حدثنا إسماعيل، عن ليث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من منع فضل مائه، أو فضل كلئه، منعه الله فضله، يوم القيامة ”
قال المحققون: حسن لغيره. اهـ
والوَهَط: مال كان لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال. سليمان بن عبد الملك فمر بالوهط فقال: أحب أن انظر إليه، فلما رآه، قال: هذا أكرم مال وأحسنه، ما رأيت لأحد مثله لولا أن هذه الحرة في وسطه، فقيل له: ليست بحرة، ولكنها مسطاح الزبيب، وكان زبيبه جمع في وسطه، فلما رآه من البعد ظنه حرة سوداء.
وأخرجه ابن ماجه (2476)، والنسائي (4661) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، به أن إياس بن عبدٍ المزني رأى أناساً يبيعون الماء، فقال: لا تبيعوا الماء، فإني سمعت رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم – نهى أن يُباع. هذا لفظ ابن ماجه.
وهو في “مسند أحمد” (15444) و (17236)، و”صحيح ابن حبان” (4952).”
* قال ابن حبان في صحيحه (11/ 328): ذِكْرُ الزَّجْرِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ بِذِكْرِ لَفْظَةٍ غَيْرِ مُفَسَّرَةٍ، ثم أورد حديث إياس بن عبد المزني رضي الله عنه بلفظ: “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ، لَا يدري عمرو أي ماء هو”، ثم بوب ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُفَسِّرِ لِلَّفْظَةِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وأور تحته حديث جابر المتقدم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: “نهى عن بيع فضل الماء ليمنع به الكلأ”
* ترجمة راوي الحديث: إياس بن عبد رضي الله عنه.
قال ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة ((1) / (312)):
(383) – إياس بن عبد.
أبو عوف المزني [((1))] قال البخاري، وابن حبان: له صحبة، روى له أصحاب السنن وأحمد حديثا في بيع الماء.
قال البغوي وابن السكن: لم يرو غيره، ويقال كنيته أبو الفرات.
نزل الكوفة، قال البغوي: حدثنا علي بن سلمة، حدثنا ابن عيينة، قال: سألت عنه بالكوفة فأخبرت أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي أيضا من طريق ابن عيينة، قال: سألت عبد الله بن الوليد بن عبد الله بن معقل ابن مقرن المزني قلت: تعرف إياس بن عبد المزني؟ فقال: هو جدي أبو أمي. وروي أيضا من طريق عمرو بن دينار عن أبي المنهال- وهو عبد الرحمن بن مطعم، قال: سمعت إياس ابن عبد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا موقوفا.
ثانيًا: دراسة الحديث دراية:
1 – تبويبات الأئمة على أحاديث الباب:
* بوب البخاري في صحيحه بَابُ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ المَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ»، وأورد تحته من الأحاديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكَلَأُ». خ: 2353 م: 1566.
· … عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ المَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الكَلَإِ».
* وبوب البخاري أيضًا في صحيحه بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الِاحْتِيَالِ فِي البُيُوعِ، وَلاَ يُمْنَعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الكَلَإِ، وأورد حديث أبي هريرة المتقدم.
* بوب النووي في صحيح مسلم بَابُ تَحْرِيمِ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ بِالْفَلَاةِ وَيُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِرَعْيِ الْكَلَأِ، وَتَحْرِيمِ مَنْعِ بَذْلِهِ، وَتَحْرِيمِ بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ، وأورد تحته:
· … عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ».
· … وحديث أبي هريرة المتقدم.
* بوب أبو داود في سننه 3475 باب فِى مَنْعِ الْمَاءِ، وأورد تحته من الأحاديث غير ما سبق:
· … عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ فَضْلَ مَاءٍ عِنْدَهُ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ – يَعْنِى كَاذِبًا – وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ لَهُ». [أخرجه البخاري (2358)، ومسلم (108)]
- … عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ – رَجُلٍ مِنْ بَنِى فَزَارَةَ – عَنْ أَبِيهِ عَنِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا بُهَيْسَةُ عَنْ أَبِيهَا قَالَتِ اسْتَاذَنَ أَبِى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَمِيصِهِ فَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَيَلْتَزِمُ ثُمَّ قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا الشَّىْءُ الَّذِى لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ «الْمَاءُ».
قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا الشَّىْءُ الَّذِى لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ «الْمِلْحُ». قَالَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا الشَّىْءُ الَّذِى لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ «أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ». [ضعفه الألباني وقال محققو سنن أبي داود: إسناده ضعيف مسلسل بالمجاهيل، على اضطراب في إسناده فبعضهم يذكر فيه والد سيار بن منظور، وبعضهم لا يذكره كلما بينا ذلك في “المسند” (15945).]
· … عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثًا أَسْمَعُهُ يَقُولُ «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِى ثَلاَثٍ فِى الْكَلإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ». [صححه الألباني]* بوب ابن ماجه في سننه بَابُ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ فَضْلِ الْمَاءِ لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَأَ، ومما أورده غير ما تقدم:
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ، وَلَا يُمْنَعُ نَقْعُ الْبِئْرِ» [قال البوصيري: في إسناده حارثة بن أبي الرجال ضعفه أحمد وغيره. ورواه ابن حبان في صحيحه بسند فيه ابن إسحاق وهو مدلس، وصححه الألباني وهو في الصحيحة برقم 2388، ومحققو سنن ابن ماجه].* جاء عند بن أبي شيبة (6/ 253): 116 في بيع الماء وشرائه:
- … 21336 – حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَلْمِ بْنِ أَبِي الذَّيَّالِ، قَالَ: سأَلْتُ الْحَسَنَ عَنِ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الأَرْضُ وَلاَ يَكُونُ لَهُ مَاءٌ يَشْتَرِي ماء لأِرْضِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لاَ بَاسَ بِذَلِكَ.
· … 21337 – حَدَّثَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِيمَا قُرِاء عَلَيْهِ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَيْعُ الْمَاءِ فِي الْقِرَبِ؟ قَالَ: لاَ بَاسَ بِهِ، هُوَ يَسْتَقِيهِ هُوَ يَحْمِلُهُ، لَيْسَ كَفَضْلِ الْمَاءِ الَّذِي يَذْهَبُ فِي الأَرْضِ.
· … 21339 – حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ لِيَمْنَعَ بِهِ فَضْلَ الْكَلاَء مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
· … 21340 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: مَنَعَنِي جَارٌ لي فَضْلَ مَاءٍ، فَسَأَلْت عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لاَ يَحِلُّ بَيْعُ فَضْلِ الْمَاءِ.
· … 21341 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ يُعْجِبُهُ ثَمَنُ الْمَاءِ.
· … قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي السِّقَايَةَ عَلى الْجَمَلِ وَالظَّهْرِ يَبِيعه.
· … 21342 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بن زَكَرِيَّا بْن أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: يُكْرَهُ بَيْعُ فَضْلِ الْمَاءِ. - … 21343 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ غُلاَمًا لَهُمْ بَاعَ فَضْلَ مَاءٍ لَهُمْ مِنْ عَيْنٍ لَهُمْ بِعِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: لاَ تَبِيعُوهُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ.
2 – شرح الحديث:
* نقل البيهقي رحمه الله في معرفة السنن والآثار (8/ 179) في باب بيع فضل الماء كلام الشافعي رحمه الله: “11559 – قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ يُبَاعَ الْمَاءُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَلقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَاتِيَ بِالْبَادِيَةِ الرَّجُلُ لَهُ الْبِئْرُ لِيَسْقِيَ بِهَا مَاشِيَتَهُ، وَيَكُونَ فِي مَائِهَا فَضْلٌ عَنْ مَاءِ مَاشِيَتِهِ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِكَ الْمَاءِ عَنْ بَيْعِ ذَلِكَ الْفَضْلِ، وَنَهَاهُ عَنْ مَنْعِهِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ أَنْ يَسْقِيَ مَاشِيَتَهُ مَنْعًا لِلْكَلَأِ الَّذِي لَا يَمْلِكُ، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ”
* قال ابن حبان رحمه الله في صحيحه 4954 في شرح حديث أبي هريرة “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ”: “أَضْمَرَ فِيهِ الْمَاءَ الَّذِي لَا يَقَعُ فِيهِ الْحَوْزُ، وَلَا يَتَمَلَّكُهُ أَحَدٌ مَا دَامَ مَشَاعًا مِثْلَ الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرِكَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ لِلْمَرْءِ فِي الْبَادِيَةِ مِنْ بِئْرٍ، أَوْ عَيْنٍ، فَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ مَا فَضَلَ عَنْهُ، فَنُهِيَ عَنْ مَنْعِ الْمُسْلِمِينَ مَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ عَنْهُ، لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ ذَلِكَ منع الناس عن الكلأ “.
* قال الخطابي: معناه ما فضل عن حاجته وحاجة عياله وماشيته وزرعه انتهى ,
والحديث يدل على تحريم بيع فضل الماء، والظاهر أنه لا فرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة، وسواء كان للشرب أو لغيره، وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع، وسواء كان في فلاة أو في غيرها. عون المعبود – (ج 7 / ص 471).
* قال ابن عبدالبر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (13/ 129): ” فمعنى ذلك أن يأتي الرجل بدابته وماشيته إلى الرجل له البئر وفيها فضل عن سقي ماشيته فيمنعه صاحب البئر السقي يريد بيع فضل مائه منه فذلك الذي نهى عنه من (بيع) فضل الماء وعليه أن يبيح غيره فضل مائه ليسقي ماشيته لأن صاحب الماشية إذا منع أن يسقي ماشيته لم يقدر على المقام ببلد لا يسقي فيه ماشيته فيكون منعه الماء الذي يملك منعا للكلأ الذي لا يملك ودلت السنة على أن مالك الماء أحق بالتقدم في السقي من غيره لأنه أمر بأن لا يمنع الفضل والفضل هو الفضل عن الكفاف والكفاية ودلت السنة على أن المنع الذي ورد في فضل الماء هو منع شفاه الناس والمواشي أن يشربوا فضلا عن حاجة صاحب الملك من الماء وأن ليس لصاحب الماء منعهم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك متفقة تفسرها السنة المجتمع عليها وإن كانت الأحاديث بألفاظ شتى قال وإن كان هذا في ماء البئر كان فيما هو أكثر من ماء البئر أولى أن لا يمنع من الشفة قال ولو أن رجلا أراد من رجل له بئر فضل مائه من تلك البئر ليسقي بذلك زرعه لم يكن له ذلك وكان لمالك البئر منعه من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أباحه في الشفاه التي يخاف مع منع الماء منها التلف عليها ولا تلف على الأرض لأنها ليست بروح فليس لصاحبها أن يسقي إلا بإذن رب الماء قال وإذا حمل الرجل الماء على ظهره فلا بأس أن يبيعه من غيره لأنه مالك لما حمل منه وإنما يبيع تصرفه بحمله قال وكذلك لو جاء رجل على شفير بئر فلم يستطع أن ينزع بنفسه لم يكن بأسا أن يعطي رجلا أجرا وينزع له لأن نزعه إنما هو إجارة ليست عليه هذا كله قول الشافعي.
وأما جملة قول مالك وأصحابه في هذا الباب فذلك أن كل من حفر في أرضه أو داره بئرا فله بيعها وبيع مائها كله وله منع المارة من مائها إلا بثمن إلا قوم لا ثمن معهم وإن تركوا إلى أن يردوا ماء غيره هلكوا فإنهم لا يمنعون ولهم جهاده إن منعهم ذلك وأما من حفر من الآبار في غير ملك معين لماشية أو شفة وما حفر في الصحاري كمواجل المغرب وأنطابلس وأشباه ذلك فلا يمنع أحد فضلها وإن منعوه حل له قتالهم فإن لم يقدر المسافرون على دفعهم حتى ماتوا عطشا فدياتهم على عواقل المانعين والكفارة من كل نفس على كل رجل من أهل الماء المانعين مع وجيع الأدب وكره مالك بيع فضل ماء مثل هذه الآبار من غير تحريم قال ولا بأس ببيع فضل ماء الزرع من بئر أو عين وبيع رقابهما قال ولا يباع أصل بئر الماشية ولا ماؤها ولا فضله يعني الآبار التي تحفر في الفلاة للماشية والشفاه وأهلها أحق بريهم ثم الناس سواء في فضلها إلا المارة أو الشفة أو الدواب فإنهم لا يمنعون.
قال أبو عمر أما البئر تنهار للرجل وله عليها زرع أو نحوه من النبات الذي يهلك بعدم الماء الذي اعتاده ولا بد له منه وإلى جنبه بئر لجاره يمكن أن يسقي منها زرعه فقد قال مالك وأصحابه إن صاحب تلك البئر يجبر على أن يسقي جاره بفضل مائه زرعه الذي يخاف هلاكه إذا لم يكن على صاحب الماء فيه ضرر بين وعلى هذا المعنى تأول مالك قوله صلى الله عليه وسلم لا يمنع نقع بئر يعني بئر الزرع واختلف أصحابه هل يكون ذلك بثمن أو بغير ثمن فقال بضعهم يجبر ويعطى الثمن وقال بعضهم يجبر ولا ثمن له وجعلوه كالشفاه من الآدميين والمواشي فتدبر ما أوردته عن الشافعي ومالك تقف على المعنى الذي اختلفا فيه من ذلك وقال أبو حنيفة وأصحابه في هذا الباب كقول الشافعي سواء وقالوا لكل من له بئر في أرضه المنع من الدخول إليها إلا أن يكون للشفاه والحيوان إذا لم يكن لهم ماء فيسقيهم قالوا وليس عليه سقي (زرع) جاره (وقال سفيان الثوري إنما جاء الحديث في منع الماء لشفاه الحيوان وأما الأرضون فليس يجب ذلك على الجار في فضل مائه) وذكر ابن حبيب قال ومما يدخل في معنى لا يمنع نقع بئر ولا يمنع وهو بئر البئر تكون بين الشريكين يسقي منها هذا يوما وهذا يوما وأقل وأكثر فيسقي أحدهما يومه فيروي نخله أو زرعه في بعض يومه ويستغني عن السقي في بقية اليوم أو يستغني في يومه كله عن السقي فيريد صاحبه أن يسقي في يومه ذلك قال ذلك له وليس لصاحب اليوم أن يمنعه من ذلك لأنه ليس له منعه مما لا ينفعه حبسه ولا يضره تركه قال أبو عمر قول ابن حبيب هذا حسن ولكنه ليس على أصل مالك وقد قال صلى الله عليه وسلم لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء فيه من التنازع في باب ابن شهاب عن الأعرج من كتابنا هذا والحمد لله قال ابن حبيب ومن ذلك أيضا أن تكون البئر لأحد الرجلين في حائطه فيحتاج جاره وهو لا شركة له في البئر إلى أن يسقي حائطه بفضل مائها
فذلك ليس له إلا أن تكون بئره تهورت فيكون له أن يسقي بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره ويقضي له بذلك وتدخل حينئذ في تأويل الحديث لا يمنع نقع البئر قال وليس للذي تهورت بئره أن يؤخر إصلاح بئره ولا يترك والتأخير وذلك في الزرع الذي يخاف عليه الهلاك إن منع السقي إلى أن يصلح البئر قال فأما أن يحدث على البئر عملا من غرس أو زرع ليسقيه بفضل ماء جاره إلى أن يصلح بئره فليس ذلك له قال وهكذا فسره لي مطرف وابن الماجشون عن مالك وفسره لي أيضا ابن عبد الحكم وأصبغ بن الفرج وأخبرني أن ذلك قول ابن وهب وابن القاسم وأشهب وروايتهم عن مالك واختلفوا أيضا في التفاضل في الماء فقال مالك لا بأس ببيع الماء متفاضلا وإلى أجل وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد بن الحسن هو مما يكال ويوزن فعلى هذا القول لا يجوز عنده فيه التفاضل ولا النسا وذلك عنده فيه ربا لأن علته في الربا الكيل والوزن وقال الشافعي لا يجوز بيع الماء متفاضلا ولا يجوز فيه الأجل وعلته في الربا أن يكون مأكولا جنسا وقد مضى القول في أصولهم في علل الربا في غير موضع من كتابنا هذا فلا وجه لإعادته ها هنا”.
* قال البغوي في شرح السنة (6/ 168) في شرح حديث أبي هريرة: “هذا في الرجل يحفر بئرا في أرض موات، فيملكها وما حولها وبقربها موات فيه كلأ، فإن بذل صاحب البئر فضل مائه أمكن الناس رعيه، وإن منع لم يمكنهم، فيكون في منعه الماء عنهم منع الكلأ.
وإلى هذا المعنى ذهب مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، والنهي عندهم على التحريم.
وذهب قوم إلى أنه ليس على التحريم، لكنه من باب المعروف؛ لأنه ملكه، فلا يحل إلا بطيبة نفسه، كسائر أمواله، وكما لا يجب عليه سقي زرع غيره من فضل مائه، لا يجب سقي ماشيته.
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز له منع فضل الماء، ولكن له طلب القيمة، كما يجب عليه إطعام المضطر، وله طلب القيمة، والأول أصح أنه يجب بذله مجانا، لما روي عن جابر، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء»، وليس كالطعام وغيره من الأموال، لأن منقطع المادة غير مستخلف، والماء مستخلف ما دام في منبعه حتى لو جمع الماء في حوض، أو خزنه في إناء، فله منعه من غيره كالطعام.
ولا يجب سقي زرع الغير، لأنه ليس له من الحرمة ما للحيوان بدليل أن إطعام الحيوان عند تحقق الاضطرار واجب، ولا يجب سقي الزرع.
وهذا في الفضل عن حاجته، وحاجة عياله وماشيته وزرعه، فإن لم يفضل عن حاجته، لا يجب أن يجود على الغير به.”
* قال النووي في شرح مسلم (10/ 228 وما بعدها) …. وقرر مثل ما ذكر البغوي وقال أيضا: وأما الرواية الأولى نهى عن بيع فضل الماء فهي محمولة على هذه الثانية التي فيها ليمنع به الكلأ ويحتمل أنه في غيره ويكون نهي تنزيه قال أصحابنا يجب بذل فضل الماء بالفلاة كما ذكرناه بشروط أحدها أن لا يكون ماء آخر يستغنى به والثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع والثالث أن لا يكون مالكه محتاجا إليه واعلم أن المذهب الصحيح أن من تبع في ملكه ماء صار مملوكا له وقال بعض أصحابنا لا يملكه أما إذا أخذ الماء في إناء من الماء المباح فإنه يملكه هذا هو الصواب وقد نقل بعضهم الإجماع عليه وقال بعض أصحابنا لا يملكه بل يكون أخص به وهذا غلط ظاهر وأما قوله لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ فمعناه أنه إذا كان فضل ماء بالفلاة كما ذكرنا وهناك كلأ لا يمكن رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي الماشية من هذا الماء فيجب عليه بذل هذا الماء للماشية بلا عوض ويحرم عليه بيعه لأنه إذا باعه كأنه باع الكلأ المباح للناس كلهم الذي ليس مملوكا لهذا البائع وسبب ذلك أن أصحاب الماشية لم يبذلوا الثمن في الماء لمجرد إرادة الماء بل ليتوصلوا به إلى رعي الكلأ فمقصودهم تحصيل الكلأ فصار ببيع الماء كأنه باع الكلأ والله أعلم قال أهل اللغة الكلأ مهموز مقصور هو النبات سواء كان رطبا أو يابسا وأما الحشيش والهشيم فهو مختص باليابس وأما الخلى فمقصور غير مهموز والعشب مختص بالرطب ويقال له أيضا الرطب بضم الراء وإسكان الطاء”.
* قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/ 222): “وذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يمنع فضل الماء الجاري والنابع مطلقا، سواء قيل: إن الماء لمالك أرضه أم لا، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم، والمنصوص عن أحمد وجوب بذله مجانا بغير عوض للشرب، وسقي البهائم، وسقي الزروع، ومذهب أبي حنيفة والشافعي: لا يجب بذله للزروع.
واختلفوا: هل يجب بذله مطلقا، أو إذا كان بقرب الكلأ، وكان منعه مفضيا إلى منع الكلأ؟ على قولين لأصحابنا وأصحاب الشافعي، وفي كلام أحمد ما يدل على اختصاص المنع بالقرب من الكلأ، وأما مالك، فلا يجب عنده بذل فضل الماء المملوك بملك منبعه ومجراه إلا للمضطر كالمحاز في الأوعية، وإنما يجب عنده بذل فضل الماء الذي لا يملك.
وعند الشافعي: حكم الكلأ كذلك يجوز منع فضله إلا في أرض الموات.
ومذهب أبي حنيفة وأحمد وأبي عبيد أنه لا يمنع فضل الكلأ مطلقا، ومنهم من قال: لا يمنع أحد الماء والكلأ إلا أهل الثغور خاصة، وهو قول الأوزاعي، لأن أهل الثغور إذا ذهب ماؤهم وكلؤهم لم يقدروا أن يتحولوا من مكانهم من وراء بيضة الإسلام وأهله.”
* قال الطيبي في شرح المشكاة الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2150): ” ((لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا فضل الكلأ)) ومعناه: من كان له بئر في موات من الأرض، لا يمنع ماشية غيره أن ترد فضل مائه الذي زاد على ما احتاجت إليه ماشيته ليمنعها بذلك عن فضل الكلأ، فإنه إذا منعهم عن فضل مائه في أرض لا ماء بها سواه، لم يكن لهم الرعي بها فيصير الكلأ ممنوعًا بمنع الماء، وروى السجستإني ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)) والمعنى: لا يباع فضل الماء ليصير الكلأ ممنوعًا بسبب الضنة على الماء والمضايقة عليه، وفي المصابيح ((لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ)) والمعنى: لا يباع فضل الماء ليصير البائع له كالبائع للكلأ، فإن من أراد الرعي في حومات مائه وحواليه، إذا منعه من الورود علي مائه إلا بعوض اضطر إلى شرائه، فيكون بيعه للماء بيعًا للكلأ. واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو للتنزيه، وبنوا ذلك علي أن الماء يملك أم لا؟، والأولى حمله على الكراهة. ((تو)): الكلأ في موضعه هذا من فصيح الكلام الذي تهتز له أعطاف البليغ، لأن العشب يستعمل في الرطب من النبات، والحشيش في اليابس منه، والكلأ يعم النوعين.
أقول: التركيب من باب نهي الفعل المعلل، فيلزم بالمفهوم جواز بيع الماء لا لتلك العلة، كما يبيع فضل الماء لسقي زرع الغير. ((مح)): لا يجب على صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره فيما يملكه من الماء، ويجب بذله للماشية، وللوجوب شروط: أحدها: أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا، والثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية، والثالث: أن يكون هناك مرعى، وأن يكون الماء في مستقره، فالماء الموجود في إناء لا يجب بذل فضله علي الصحيح، ثم عابرو السبيل يبذل لهم ولمواشيهم، وفيمن أراد الإقامة في الموضع وجهان؛ لأنه لا ضرورة إلي الإقامة، والأصح الوجوب، وإذا أوجبنا البذل، هل يجوز أن تأخذ عليه عوضًا كإطعام المضطر؟ فيه وجهان، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع فضل الماء.
اعلم أن البئر يتصور حفرها على أوجه: أحدها: الحفر في المنازل للمارة، والثاني: في الموات على قصد الارتفاق، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب، والثالث: الحفر بنية الملك، فالمحفورة للمار ماؤها مشترك بينهم، والحافر كأحدهم، والمحفورة للارتفاق الحافر أولي بمائها إلى أن يرتحل، لكن ليس له منع ما فضل منه للشرب لا الزرع، فإذا ارتحل صارت البئر كالمحفورة للمارة، فإن عاد فهو كغيره، وأما المحفورة للتملك فهل يكون ماؤها ملكًا؟ فيه وجهان: أصحهما نعم، وبه قال ابن أبي هريرة، وهو المنصوص في القديم. ويجري الخلاف فيما إذا انفجرت عين في ملكه، فإن قلنا: لا يملك فنبع وخرج منه ملكه من أخذه، وإن قلنا بالأصح لا يملكه الآخذ، أقول: بعض هذه المسائل ملحق بالتعليل، وبعضها بالمعلل في المنع وعدم المنع”.
* قال ابن حجر في فتح الباري (5/ 31 وما بعده): “قال بن بطال لا خلاف بين العلماء أن صاحب الماء أحق بمائه حتى يروى قلت وما نفاه من الخلاف هو على القول بأن الماء يملك وكأن الذين ذهبوا إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك …
والمراد بالفضل ما زاد على الحاجة ولأحمد من طريق عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة لا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة وكذلك في الموات إذا كان بقصد التملك والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها وأما البئر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته هذا هو الصحيح عند الشافعية وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي في الملك لا يجب عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح.
قوله (فضل الماء) فيه جواز بيع الماء لأن المنهي عنه منع الفضل لا منع الأصل وفيه أن محل النهي ما إذا لم يجد المأمور بالبذل له ماء غيره والمراد تمكين أصحاب الماشية من الماء ولم يقل أحد إنه يجب على صاحب الماء مباشرة سقي ماشية غيره مع قدرة المالك قوله (ليمنع به الكلأ) بفتح الكاف واللام بعدها همزة مقصور هو النبات رطبه ويابسه والمعنى أن يكون حول البئر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعهم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلتحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك والصحيح عند الشافعية وبه قال الحنفية الاختصاص بالماشية وفرق الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع وبهذا أجاب النووي وغيره واستدل لمالك بحديث جابر عند مسلم نهى عن بيع فضل الماء لكنه مطلق فيحمل على المقيد في حديث أبي هريرة وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا مانع من المنع لانتفاء العلة قال الخطابي والنهي عند الجمهور للتنزيه فيحتاج إلى دليل يوجب صرفه عن ظاهره وظاهر الحديث أيضا وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور وقيل لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في إطعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز المنع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتترتب له القيمة في ذمة المبذول له حتى يكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ذلك نعم في رواية لمسلم من طريق هلال بن أبي ميمونة عن أبي سلمة عن أبي هريرة لا يباع فضل الماء فلو وجب له
العوض لجاز له البيع والله أعلم واستدل بن حبيب من المالكية على أن البئر إذا كانت بين مالكين فيها ماء فاستغنى أحدهما في نوبته كان للآخر أن يسقي منها لأنه ماء فضل عن حاجة صاحبه وعموم الحديث يشهد له وإن خالفه الجمهور واستدل به بعض المالكية للقول بسد الذرائع لأنه نهى عن منع الماء لئلا يتذرع به إلى منع الكلأ لكن ورد التصريح في بعض طرق حديث الباب بالنهي عن منع الكلأ صححه بن حبان من رواية أبي سعيد مولى بني غفار عن أبي هريرة بلفظ لا تمنعوا فضل الماء ولا تمنعوا الكلأ فيهزل المال وتجوع العيال والمراد بالكلأ هنا النابت في الموات فإن الناس فيه سواء وروى بن ماجه من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا ثلاثة لا يمنعن الماء والكلأ والنار وإسناده صحيح قال الخطابي معناه الكلأ ينبت في موات الأرض والماء الذي يجري في المواضع التي لا تختص بأحد قيل والمراد بالنار الحجارة التي توري النار وقال غيره المراد النار حقيقة والمعنى لا يمنع من يستصبح منها مصباحا أو يدني منها ما يشعله منها وقيل المراد ما إذا أضرم نارا في حطب مباح بالصحراء فليس له منع من ينتفع بها بخلاف ما إذا أضرم في حطب يملكه نارا فله المنع”.
* قال القسطلاني في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (10/ 107): ” والمعنى أن من شق ماء بفلاة وكان حول ذلك الماء كلأ وليس حوله ماء غيره ولا يوصل إلى رعيه إلا إذا كانت المواشي ترد ذلك الماء فنهي صاحب الماء أن يمنع فضله لأنه إذا منعه منع رعي ذلك الكلأ، والكلأ لا يمنع لما في منعه من الإضرار بالناس ويلتحق به الرعاء إذا احتاجوا إلى الشرب لأنهم إذا منعوا من الشرب امتنعوا من الرعي هناك. وقال المهلب: المراد رجل كان له بئر وحولها كلأ مباح فأراد الاختصاص به فيمنع فضل ماء بئره أن يرده نعم غيره للشرب وهو لا حاجة به إلى الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلى الكلأ وهو لا يقدر على منعه لكونه غير مملوك له فيمنع الماء ليتوفر له الكلأ لأن النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت ويكون ماء غير البئر بعيدًا عنها فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة اهـ”.
* قال الصنعاني في سبل السلام (2/ 15 وما بعدها): ” والحديث دليل على أنه لا يجوز بيع ما فضل من الماء عن كفاية صاحبه قال العلماء: وصورة ذلك أن ينبع في أرض مباحة فيسقى الأعلى ثم يفضل عن كفايته فليس له المنع، وكذا إذا اتخذ حفرة في أرض مملوكة يجمع فيها الماء أو حفر بئرا فيسقي منه ويسقي أرضه فليس له منع ما فضل. وظاهر الحديث يدل على أنه يجب عليه بذل ما فضل عن كفايته لشرب أو طهور أو سقي زرع، وسواء كان في أرض مباحة أو مملوكة، وقد ذهب إلى هذا العموم ابن القيم في الهدي وقال: إنه يجوز دخول الأرض المملوكة لأخذ الماء والكلأ لأن له حقا في ذلك ولا يمنعه استعمال ملك الغير وقال: إنه نص أحمد على جواز الرعي في أرض غير مباحة للراعي وإلى مثله ذهب المنصور بالله والإمام يحيى في الحطب والحشيش ثم قال: إنه لا فائدة لإذن صاحب الأرض لأنه ليس له منعه من الدخول بل يجب عليه تمكينه ويحرم عليه منعه فلا يتوقف دخوله على الإذن وإنما يحتاج إلى الإذن في الدخول في الدار إذا كان فيها سكن لوجوب الاستئذان، وأما إذا لم يكن فيها سكن فقد قال تعالى {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم} [النور: 29] ومن احتفر بئرا أو نهرا فهو أحق بمائه ولا يمنع الفضلة عن غيره سواء قلنا: إن الماء حق للحافر لا ملك كما هو قول جماعة من العلماء أو قلنا هو ملك فإن عليه بذل الفضلة لغيره لما أخرجه أبو داود «أنه قال رجل: يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح» وأفاد أن في حكم الماء الملح وما شاكله ومثله الكلأ فمن سبق بدوابه إلى أرض مباحة فيها عشب فهو أحق برعيه ما دامت فيه دوابه فإذا خرجت منه فليس له بيعه.
هذا وأما المحرز في الأسقية والظروف فهو مخصص من ذلك بالقياس على الحطب فقد قال – صلى الله عليه وسلم – «لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأخذ حزمة من حطب فيبيع ذلك فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطي أو منع» فيجوز بيعه ولا يجب بذله إلا لمضطر وكذلك بيع البئر والعين أنفسهما فإنه جائز فقد قال – صلى الله عليه وسلم – «من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين فله الجنة فاشتراها عثمان» والقصة معروفة”.
* قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (2/ 94): ” قوله: (لا يمنع أحدكم فضل ماء ليمنع به الكلا) الكلا هو العشب رطبه ويابسه كذا في القاموس، يريد أنه بفتحتين بلا مد وهو عام يشمل الرطب واليابس، بخلاف الحشيش فإنه اليابس، والعشب فإنه الرطب من النبات، والمعنى أن من حفر بئرا في موات فيملكها بالإحياء وبقرب البئر. موات فيه كلأ ولا يمكن للناس أن يرعوه إلا بأن يبذل لهم ماءه فليس له أن يمنع ماشية غيره أن ترد ماءه الذي زاد على حاجة ماشيته ليمنع فضل الكلأ، قيل: ومفهوم الحديث يقتضي أن لا يحرم إذا لم يمنع به الكلأ فلا يجب بذله للزرع ويجب للماشية”.
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (18/ 103): ” أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: باب في منع الماء، يعني: أن الماء الزائد عن حاجة الإنسان لا يمنعه. وأورد أبو داود حديث أبي هريرة: (لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)، وهذا فيما إذا كان الإنسان عنده بئر وحولها مكان فيه مرعى وكلأ، فلا يعطي الناس من الماء لتشرب مواشيهم، من أجل أن يبتعدوا عن الكلأ فيستفيد منه هو؛ لأنهم إذا لم يحصلوا على ماء عند هذا المكان فإنهم ينتقلون عنه، فيستفيد منه وحده، ويكون في ذلك إلحاق الضرر بالناس. ولكن عليه أنه يسقي مواشيهم، وأن يحسن إليهم بسقي المواشي، ويشاركهم في الكلأ، ويبذل الإحسان إليهم بكونه يسقي مواشيهم، فهذا فيه الإشارة إلى أن إحالة الإنسان بين الناس وبين الكلأ الذي جعله الله في الأرض العامة غير لائق بالمسلم، بل يشاركهم في الانتفاع بالكلأ، ويحسن إليهم في سقي مواشيهم”.
وقال الشيخ حفظه الله في شرح سنن أبي داود (18/ 104): ” يلاحظ أن الترجمة في منع الماء، مع أن الحديث في منع فضل الماء، وكما هو معلوم أن الإنسان إذا كان الماء قليلاً وليس فيه زيادة، فنفسه أولى من غيره، وحاجته أولى من غيره، ومعلوم أن النهي إنما ورد في منع الفضل والمقدار الزائد على حاجته، والنهي هنا عام وسيأتي التقييد له”.
* تنبيه في السلسة الضعيفة (5/ 175) 2173 – إن أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ومنع فضل الماء، ومنع الفحل. قال الألباني: (5/ 192): ضعيف.
تنبيه راجع لشرح الحديث أيضا الصحيح المسند
1319 – قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار.
هذا حديث صحيح.
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم بيع الماء، وهو المنع.
(ومنها): وجوب بذل الماء مجانا، من غير طلب عوض، وبه قال الجمهور، وحكى الخطابي عن قوم أنه تجب له القيمة مع وجوب ذلك، وهو مذهب ضعيف، والصواب الأول.
(منها): ما قاله ولي الدين رحمه الله تعالى أن لوجوب بذل الماء شروطا مأخوذة من الحديث:
[أحدها]: أن يكون ذلك الماء فاضلا عن حاجته …
[الثاني]: أن يكون البذل للماشية، وسائر البهائم، ولا يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره …
[الثالث]: أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا، ويدل لهذا قوله في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: “ليمنع به الكلأ”، فإنه متى وجد ذلك لا يلزم من منع الماء منع الكلإ؛ للاستغناء عنه بذلك الماء المباح.
[الرابع]: أن يكون هناك كلأ يرعى، فلو خلت تلك الأرض عن الكلإ فله المنع؛ لانتفاء العلة المعتبرة في الحديث. انتهى
(ومنها): أنه استدل ابن حبيب المالكي على أن البئر إذا تهايأ فيها مالكاها لهذا يوم، ولهذا يوم، فاستغنى صاحب النوبة عن الماء في ذلك اليوم، إما بعد أن سقى زرعه، أو لم يسق؛ لعدم احتياجه لذلك، فلشريكه أن يستقي في غير نوبته؛ لأن هذا ماء قد فضل عنه …
«ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» (35/ 225)