1287 تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ (من المجلد الثاني)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2، والمدارسة، والتخريج رقم 1،والاستفادة
مسجد سعيد الشبلي
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
(جمع وتأليف سيف بن دورة الكعبي)
_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
1287 – قال الإمام أبو يعلى رحمه الله: حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا أبي حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله – صلى الله عليه و سلم – صلاة الفجر فغلس بها ثم صلى الغد فأسفر بها قليلا ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ الوقت فيما بين هاتين: أمس وصلاتي اليوم.
هذا حديث حسن.
==================
– أولاً: نتكلم عن فضل صلاة الفجر وفيه أحاديث:
الأول:
أخرجه البخاري: 573 – عن جرير بن عبد الله: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم (إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: (أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون – أو لا تضاهون – في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا). ثم قال: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ).
وعن أبي بكر، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى البردين دخل الجنة).
وأبو بكر هو بن أبي موسى الأشعري
وبعضهم قال الحديث حديث أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) – يعني: الفجر والعصر.
واختلف الأئمة أيهما أصوب (راجع فتح الباري لابن رجب). والمقصود الدلالة على عظم الفجر والعصر.
ومما ورد كذلك عن جندب بن سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في ذمته) خرجه مسلم.
ثانيا: أما عن وقت الفجر:
-ورد في حديث جابر: والصبح كان النبي صلى الله عليه وسلم (يصليها بغلس)، وحديث أبي برزة، (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ فيها بالستين إلى المائة)، وهذا يدل على شدة التغليس بها.
وبوب البخاري باب وقت صلاة الفجر وذكر في هذا الباب ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول:575 – عن أنس، أن زيد بن ثابت حدثه، أنهم تسحروا مع النبي (ثم قاموا إلى الصلاة. قلت: كم كان بينهما؟ قال: قدر خمسين أو ستين – يعني: آية)
الحديث الثاني::577 – عن سهل بن سعد رضي الله عنه يقول: (كنت أتسحر في أهلي، ثم يكون سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله).
الحديث الثالث:578 – عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس).
وفي هذه الأحاديث: دلالة على تعجيل النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة الفجر.
-أما ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه (كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم).وفي رواية له: أنه صلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول: قد طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعاً حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة).
قال ابن رجب: وهذا كله يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن عادته أنه يصلي الفجر ساعة بزوغ الفجر، وإنما فعل ذلك بمزدلفة يوم النحر. والله أعلم
– ومع تغليس النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فإنه كان يطيل فيها القراءة، وينصرف منها بغلس.
قال ابن رجب: فإن قيل: ففي حديث أبي برزة، أنه كان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، وهذا يخالف حديث عائشة.
قيل: لا اختلاف بينهما، فإن معرفة الرجل رجلاً يجالسه في ظلمة الغلس لا يلزم منه معرفته في ذلك الوقت أمرأة منصرفة متلفعة بمرطها، متباعدة عنه.
ثالثاً:
أما عن أول وقت الفجر وآخره:
أما أول وقتها: فطلوع الفجر الثاني.
قال ابن رجب: هذا مما لا اختلاف فيه. وقد اعاد أبوموسى وابن عمر صلاة الفجر لما تبين لهما أنهما صليا قبل طلوع الفجر.
وروى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: الفجر فجران: فجر يطلع بليل، يحل فيه الطعام والشراب ولا يحل فيه الصلاة. وفجر تحل فيه الصلاة ويحرم فيه الطعام والشراب، وهو الذي ينتشر على رؤوس الجبال. ورواه أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن ابن جريج، فرفعه. خرجه من طريقه ابن خزيمة وغيره. والموقوف أصح -: قاله البيهقي وغيره.
وروى ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن جابر عن النبي (، قال: (الفجر فجران، فإن الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة فيه ولا يحرم الطعام).
وروي عن ابن أبي ذئب – بهذا الإسناد – مرسلاً من غير ذكر: جابر. قال البيهقي: هو أصح. انتهى كلام ابن رجب
– وأما آخر وقت الفجر:
قال ابن رجب: آخر وقتها طلوع الشمس، هذا قول جمهور العلماء من السلف والخلف، ولا يعرف فيه خلاف، إلا عن الاصطخري من الشافعية، فإنه قال: إذا أسفر الوقت جداً خرج وقتها وصارت قضاء.
ويرد قوله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها).وفي (صحيح مسلم) عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس).
وفي رواية له – أيضا -: (وقت الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول). انتهى
مسألة:
في أن الأفضل: هل هو التغليس بها في أول وقتها، أم الإسفار بها؟ وفيه قولان:
أحدهما: أن التغليس بها أفضل، وروي التغليس بها عن أبي بكر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وأبي موسى، وابن عمر، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، ومعاوية، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول الليث، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وإسحاق، وأبي ثور، وداود
وسبق أدلة التغليس، وذهب آخرون إلى أن الإسفار بها أفضل، وروي الإسفار بها عن عثمان، وعلي وابن مسعود.
روى الأوزاعي: حدثني نهيك بن يريم الأوزاعي: حدثني مغيث بن سمي، قال: صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس، فلما سلم أقبلت على ابن عمر، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاتنا، كانت مع رسول الله (وأبي بكر وعمر، فلما طعن عمر أسفر بها عثمان).خرجه ابن ماجه. وذكر الترمذي في (علله) عن البخاري، أنه قال: هو حديث حسن.
واستدل من رأى الإسفار: بما روى عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود ابن لبيد، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر).خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح. وخرجه ابن حبان في (صحيحه).وقال العقيلي: إسناده جيد.
قال الأثرم: ليس في أحاديث هذا الباب أثبت منه.
يشير إلى أن في الباب أحاديث وهذا أثبتها، وهو كما قال.
وأجاب من يرى التغليس أفضل عن هذا بأجوبةٍ:
تضعيفه، وراجع له فتح الباري لابن رجب والجواب عنه
ومنها: تأويله، واختلف المتأولون له:
فقال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيره: المراد بالإسفار: أن يتبين الفجر ويتضح، فيكون نهياً عن الصلاة قبل الوقت، وقبل تيقن دخول الوقت.
وذكر الشافعي: أنه يحتمل أن بعض الصحابة كان يصلي قبل الفجر الثاني، فأمر بالتأخير إلى تبين الفجر وتيقنه.
ورد ذلك بعضهم بأن قوله: (هو أعظم للأجر) يدل على أن في ترك هذا الإسفار أجراً، ولا أجر في الصلاة قبل وقتها إلا بمعنى أنها تصير نافلة.
ومنهم من قال: أمروا أن لا يدخلوا في صلاة الفجر حتى يتيقنوا طلوع الفجر، وقيل لهم: هو أفضل من الصلاة بغلبة الظن بدخوله.
وهذا جواب من يقول بجواز الدخول في الصلاة إذا غلب على الظن دخول وقتها من أصحابنا كالقاضي أبي يعلي وغيره، وأكثر أصحاب الشافعي، وحملوا حديث ابن مسعود في تقديم النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة يوم النحر بالمزدلفة على أنه صلاها يومئذ بغلبة ظن دخول الوقت.
وقال آخرون: بل الإسفار يكون باستدامته الصلاة، لا بالدخول فيها، فيدخل فيها بغلس، ويطيلها حتى يخرج منها وقد أسفر الوقت.
وقد رد هذا القول على من قاله كثير من العلماء، منهم: الشافعي وابن عبد البر والبيهقي، وقال: أكثر الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل فيها بغلس، ويخرج منها بغلس؛ لحديث عائشة وغيره، وكذلك أكثر أصحابنا، وإن كان منهم من كان يخرج منها بإسفار ويطيل القراءة، كما روي عن الصديق لما قرأ بالبقرة، وعن عمر – أيضا. وقد روي أن عمر هو الذي مد القراءة في الفجر، وروي عن عثمان أنه تبعه على ذلك. وروي عن علي، أنه كان يقصر فيها القراءة، ولعله لما كان يسفر بها.
ومن الناس من ادعى أن في هذه الأحاديث ناسخاً ومنسوخاً، وهم فرقتان.
فرقة منهم ادعت أن الأحاديث في الإسفار منسوخة.
واستدلوا بما في حديث أسامة بن زيد، عن الزهري، عن عروة، عن بشير ابن أبي مسعود، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (- فذكر حديث المواقيت بطوله، وقال: في آخره: وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات، لم يعد إلى أن يسفر).
خرجه أبو داود.
وقد تقدم أن أسامة تفرد به بهذا الإسناد، وإنما أصله: عن الزهري – مرسلاً.
وفرقةً ادعت أن أحاديث التغليس منسوخة بالإسفار، منهم: الطحاوي.
وزعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغلس بالفجر قبل أن تتم الصلوات لما قدم المدينة، ثم لما أتمت الصلوات أربعاً أربعاً أطال في قراءة الفجر، وغلس بها حينئذ. وأخذه من حديث عائشة الذي ذكرناه في أول (الصلاة): أن الصلوات أتمت بالمدينة أربعاً، وأقرت الفجر لطول القراءة.
وهذا في غاية البعد، ولم ترد عائشة أنه حينئذ شرعت طول القراءة فيها عوضاً عن الإتمام، وإنما أخبرت أنها تركت على حالها لما فيها من طول القراءة، ولم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخفف القراءة في الفجر ثم أطالها، ولا أنه لما كان يخففها كان يسفر بها، وكل هذه ظنون لا يصح منها شيء.
وقد روي عن أحمد ما يدل على كراهة التأخير إلى الإسفار الفاحش.
قال إسحاق بن هانئ في (مسائله): خرجت مع أبي عبد الله من المسجد في صلاة الفجر، وكان محمد بن محرز يقيم الصلاة، فقلت لأبي عبد الله: هذه الصلاة على مثل حديث رافع بن خديج في الإسفار؟ فقال: لا، هذه صلاة مفرط؛ إنما حديث رافع في الإسفار أن يرى ضوء الفجر على الحيطان. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: الحديث في التغليس أقوى.
يشير أحمد إلى أنه مع تعارض الأحاديث يعمل بالأقوى منها، وأحاديث التغليس أقوى إسناداً وأكثر.
وكذلك الشافعي أشار إلى ترجيح أحاديث التغليس بهذا، وعضده بأنه: موافقاً ظاهر القرآن من الأمر بالمحافظة على الصلوات.
وقد حمل أحمد حديث رافع في الإسفار في هذه الرواية على ظاهره، لكنه فسر الإسفار برؤية الضوء على الحيطان، وجعل التأخير بعده تفريطاً.
وبعضهم قال أن أول الوقت وآخره سواء في الفضل. انتهى ملخصاً من فتح الباري لابن رجب 3/ 218 – 239
قلت: أكثر الأحاديث تدل على التغليس بقي نقول أحياناً النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة وهو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، وأحيانا أقصر من ذلك.
رابعاً: من أدرك من الفجر ركعة
أخرج البخاري 579 – عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر).
قال ابن رجب: وجمهور العلماء على أن تأخير صلاة الفجر حتى يبقى منها مقدار ركعة قبل طلوع الشمس لغير ضرورة غير جائز
وقال بعد أن ذكر أحاديث أخرى قريبة من معنى هذا الحديث: وفي هذه النصوص كلها: دليل صريح على أن من صلى ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس أنه يتم صلاته وتجزئه. انتهى