127 جامع الأجوبة الفقهية ص 166
– مجموعة سعيد الجابري وناصر الريسي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
38 – عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بثلثي مد، فجعل يدلك ذراعيه. أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة.
– مسألة: حكم الدلك.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
– أولاً: تعريف الدلك لغة واصطلاحاً
لغة: مصدر ” دلك “، يقال: دلكت الشيء دلكا من باب ” قتل “: مرسته بيدك، ودلكت النعل بالأرض: مسحتها بها.
– وفي الاصطلاح هو: إمرار اليد على العضو إمرارا متوسطا ولو لم تزل الأوساخ ولو بعد صب الماء قبل جفافه.
انظر: المصباح المنير وحاشية الدسوقي (1/ 90)، البحر الرائق (1/ 30)، لسان العرب لابن منظور (426/ 10)، مقاييس اللغة (297/ 2).
– حكم الدلك:
– أختلف العلماء في حكم الدلك على أقوال:
– الأول: سنة وهو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وقول عند المالكية وهو ايضاً قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي.
– قال النووي في شرحه على مسلم (3/ 107):
واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على الأعضاء ولا يشترط الدلك وانفرد مالك والمزني باشتراطه. انتهى
– قال ابن قدامة في المغني (1/ 161):
ولا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل والوضوء، إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده. وهذا قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق، وأصحاب الرأي وقال مالك: إمرار يده إلى حيث تنال يده واجب. ونحوه قال أبو العالية. انتهى
– الثاني: أنه واجب وهو المشهور في مذهب المالكية وقول المزني من الشافعية.
– قال في مواهب الجليل (1/ 218):
وقد اختلف في الدلك هل هو واجب أو لا، على ثلاثة أقوال؟ المشهور الوجوب وهو قول مالك في المدونة بناء على أنه شرط في حصول مسمى الغسل، قال ابن يونس: لقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها ” وادلكي جسدك بيدك ” والأمر على الوجوب, ولأن علته إيصال الماء إلى جسده على وجه يسمى غسلا , وقد فرق أهل اللغة بين الغسل والانغماس.
والثاني: نفي وجوبه لابن عبد الحكم، بناء على صدق اسم الغسل بدونه.
والثالث: أنه واجب لا لنفسه، بل لتحقق إيصال الماء، فمن تحقق إيصال الماء لطول مكث أجزأه، وعزاه اللخمي لأبي الفرج، وذكر ابن ناجي أن ابن رشد عزاه له، وعزا ابن عرفة القول الثاني لأبي الفرج وابن عبد الحكم، قال في التوضيح: ورأى بعضهم أن هذا راجع إلى القول بسقوط الدلك, والخلاف في الغسل كالخلاف في الوضوء، قال ابن عرفة: وظاهر كلام أبي عمر بن عبد البر أن الخلاف في الغسل فقط دون الوضوء أي: فيجب فيه بلا خلاف.
– قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (4/ 275):
ظاهرُ المذهب عندَ المالكية، أنَّ مُجرَّدَ إيصالِ الماء إلَى العضوِ لا يَكفي، ولا بُدَّ من أمرِ زائد عليه، فمنهم من يعبِّرُ عنه بالدَّلكِ، ومنهم من يعبر عنه بإمرارِ اليدِ في الغسلِ.
– وهناك قول ثالث: وهو التفصيل؛ إذا كان الماء كثيرا ينتشر على الجلد بلا إشكال فالدلك سنة، وإن كان قليلا فالدلك واجب، وهو ما رجحه ابن عثيمين.
– قال رحمه الله في فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (1/ 188):
استحباب دلك الأعضاء لقوله: “فجعل يدلك”؛ فيستحب منه الدلك، ولكن هذا فيما إذا كان الماء كثيرا يسبغ بدون دلك، فالدلك يكون سنة؛ لأنه أبلغ في الإسباغ، أما إذا كان الماء قليلا لا يمكن أن يجزي على الأعضاء إلا بدلك، فالدلك واجب وهذا القول وسط بين قولين:
الأول: أن الدلك واجب مطلقا؛ لأنه لا يتيقن أن الماء وصل إلى جميع العضو إلا بالدلك؛ إذ إن الجلد فيه شيء من الدهون، فقد لا يصل الماء عن موضع الجلد فلا يدرك الواجب.
الثاني: بعض العلماء: -وهم الأكثر يقولون: إن التدليك سنة، وفي هذا يقول القحطاني في نونيته رحمه الله: [الكامل]
الغسل فرض والتدلك سنة … وهما بمذهب مالك فرضان
لكن الصحيح: التفصيل؛ إذا كان الماء كثيرا ينتشر على الجلد بلا إشكال فالدلك سنة، وإن كان قليلا فالدلك واجب. إذا نزلنا هذا الحديث على ما ذكرنا من التفصيل يكون الدلك واجبا.
– الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وفّق بين القولين لأن الخلاف في المسألة على قولين:
1 – واجب
2 – ومستحب
والشيخ وفق بينهما وكل منهما عمل به في حالة.
– وقال البسام في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 223): لكن إِنْ كان الماء لا يصل إلى البشرة إلاَّ بالدلك، فهو واجب، وليس وجوبه من هذا الحديث، وإنَّما مراعاةً للإسباغ الواجب، وإِتمامًا للوضوء.
– أدلة الجمهور على القول بعدم الوجوب:
– الأول: عن عمران بن حصين قال: صلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بالناس فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال: ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟ قال: أصابتني جنابة ولا ماء. قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم قال له بعد أن حضر الماء: اذهب فأفرغه عليك. الحديث (أخرجه البخاري في صحيحه (344).
وجه الاستدلال:
أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يطلب منه إلا إفراغ الماء على جسده، ولو كان الدلك شرطاً في الطهارة لأخبره النبي – صلى الله عليه وسلم -، خاصة أنه كان يجهل أن التيمم رافع للحدث، وتأخير البيان عن وقته لا يجوز.
– الدليل الثاني: عن أم سلمة، قالت: قلت: يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين (اخرجه مسلم في صحيحه مسلم 330).
وجه الدلالة:
فقوله: «إنما كان يكفيك» ساقه مساق الحصر، وقوله: «ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» دليل أن الدلك ليس شرطاً في الطهارة وإلا لما طهرت بمجرد إفاضة الماء، وإذا لم يكن الدلك شرطاً في الطهارة الكبرى لم يكن شرطاً في الطهارة الصغرى من باب أولى.
– الدليل الثالث: من النظر، قال ابن قدامة: «ولأنه غسل واجب، فلم يجب فيه إمرار اليد كغسل النجاسة» اهـ.
– الدليل الرابع: قالوا لأن المأمور به في الآية الغسل، وليس الدلك من مسماه. انظر: سبل السلام (1/ 68)
– أدلة أصحاب القول الثاني وهم المالكية في الاستدلال على الوجوب:
– الأول: حديث الباب عن عبدالله بن زيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بثلثي مد، فجعل يدلك ذراعيه. أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة.
واجيب عنه:
بأن مجرد الفعل لا يفيد الوجوب قال البسام في التوضيح: لأنَّه لم يرد ما يدل على الوجوب، وأمَّا فعل النَّبي -صلى الله عليه وسلم- فيدل على الاستحباب، والمأمور به هو الغسل، وليس الدلك منه.
– الثاني: إن الله سبحانه وتعالى أمر بغسل أعضاء الوضوء، والدلك شرط في حصول مسمى الغسل، فلا يكون هناك غسل إلا إذا كان معه دلك، فليس المطلوب هو وصول الماء إلى هذه الأعضاء، بل المطلوب إيصال الماء إلى الجسد على وجه يسمى غسلاً، ولا يتحقق هذا إلا بالدلك. انظر: مواهب الجليل (1/ 218)
– الثالث: القياس على طهارة التيمم، قال المزني: ولأن التيمم يشترط فيه إمرار اليد فكذلك هنا.
وأجيب:
قال ابن قدامة: وأما قياسه على التيمم فبعيد؛ لأن التيمم أمرنا فيه بالمسح، والمسح لا يكون إلا باليد، ويتعذر في الغالب إمرار التراب إلا باليد.
– الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: وادلكي جسدك بيدك ” قالوا والأمر على الوجوب. قاله في مواهب الجليل (1/ 218) وعزاه لابن يونس.
قلت سيف:
قال بعض المشايخ:
واعترض الإمام ابن حزم – رحمه الله تعالى – على هذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: أنه من رواية عكرمة بن عمار، وقال: إنه ساقط.
قلت: وهذا الاعتراض وهم منه رحمه الله تعالى؛ لأن عكرمة هذا ثقة بلا شك؛ إلا أن روايته عن يحيى بن أبي كثير مضطربة ضعفها بعض المحدثين.
الوجه الثاني: أنه مرسل؛ لأنه من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة.
قلت: وهذا الاعتراض مردود أيضا؛ لأنه أدرك عائشة، وروى عنها، وعن ابن عباس، وابن عمر، وغيرهم.
وراجع كتاب: أنس البدوي والحضري
– الخامس: قالوا العلة هي إيصال الماء إلى جسده على وجه يسمى غسلا , وقد فرق أهل اللغة بين الغسل والانغماس.
– السادس: قول الله تعالى {حتى تغتسلوا} [النساء: 43] قال عطاء ولا يقال: اغتسل إلا لمن دلك نفسه.
(انظر المغني لابن قدامة (1/ 161)
واجيب عنه:
بأن هذا القول لا دليل عليه، قال ابن حزم في المحلى (مسألة: 115): من غمس أعضاء الوضوء في الماء ونوى به الوضوء للصلاة , أو وقف تحت ميزاب حتى عمها الماء ونوى بذلك الوضوء للصلاة, أو صب الماء على أعضاء الوضوء للصلاة, أو صب الماء على أعضاء الوضوء غيره ونوى هو بذلك الوضوء للصلاة أجزأه. برهان ذلك أن اسم «غسل» يقع على ذلك كله في اللغة التي بها نزل القرآن, ومن ادعى أن اسم الغسل لا يقع إلا على التدلك باليد فقد ادعى ما لا برهان
له به.
والله تعالى أعلم …
قلت سيف:
واعترض عليه الجصاص فقال: (والدليل على بطلان قول موجبي ذلك الموضع إن اسم الغسل يقع على إجراء الماء على الموضع من غير دلك، والدليل على ذلك أنه لو كان على بدنه نجاسة؛ فوالى بين صب الماء عليه حتى أزالها سمي بذلك غاسلا، وإن لم يدلكه بيده؛ فلما كان الاسم يقع عليه مع عدم الدلك لأجل إمرار الماء عليه وقال الله تعالى: “فاغسلوا” فهو متى أجرى الماء على الموضع فقد فعل مقتضى الآية وموجبها؛ فمن شرط فيه دلك الموضع بيده فقد زاد فيه ما ليس منه، وغير جائز الزيادة في النص إلا بمثل ما يجوز به النسخ، وأيضا فإنه لما لم يكن هناك شيء يزال بالدلك لم يكن لدلك الموضع وإمساسه بيده فائدة ولا حكم؛ فلم يختلف حكمه إذا دلكه بيده أو أمر الماء عليه من غير دلك).
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
– والذي يظهر لي في هذه المسألة التفصيل الذي ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح ذي الجلال والاكرام لأنه وفق بين القولين وأعمل كل قول في محله،
– قال رحمه الله: إذا كان الماء كثيرا يسبغ بدون دلك، فالدلك يكون سنة؛ لأنه أبلغ في الإسباغ،
– أما إذا كان الماء قليلا لا يمكن أن يجزي على الأعضاء إلا بدلك، فالدلك واجب وهذا القول وسط بين قولين:
الأول: أن الدلك واجب مطلقا، ….. إلى أن قال: إذًا نزلنا هذا الحديث على ما ذكرنا من التفصيل …. انتهى كلامه.
(فتح ذي الجلال والإكرام).
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
جواب سيف الكعبي:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” وأما دلك البدن في الغسل، ودلك أعضاء الوضوء فيه: فيجب إذا لم يعلم وصول الطهور إلى محله بدونه، مثل باطن الشعور الكثيفة، وإن وصل الطهور بدونها فهو مستحب .. “.
“شرح العمدة” (1/ 367 – 368).
قال الإمام الصنعاني – رحمه الله تعالى – حين قال: (والتحقيق أن المسألة لغوية؛ فإن الوارد في القرآن الغسل في أعضاء الوضوء؛ فيتوقف إثبات الدلك فيه على أنه من مسماه).
يقصد أن الدلك يحصل بامرار الماء.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” وشُرع الدَّلك ليتيقَّن وصول الماء إلى جميع البَدَنِ، لأنَّه لو صَبَّ بلا دَلْكٍ ربَّما يتفرَّق في البدن من أجل ما فيه من الدُّهون، فَسُنَّ الدَّلك “.
“الشرح الممتع” (1/ 361).
وقال أيضا:
” الواجب في الوضوء والغسل أن يُِّمِرّ الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره، وأما دلكه فإنه ليس بواجب، لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه، كما لو كان الماء بارداً جداً، أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك، فحينئذٍ يتأكد الدلك، ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره … فالغسل هو الفرض، والتدلك ليس بفرض”
“فتاوى نور على الدرب” (3/ 464 (.
تنبيه: حديث عبدالله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بثلثي مد، فجعل يدلك ذراعيه. أخرجه أحمد
ورد في سنن أبي داود:
94 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ جَدَّتِهِ وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْرُ ثُلُثَيِ الْمُدِّ»
قال سيف وصاحبه: ورجح هذا السند ابوزرعة.
ـ قال ابن أبي حاتم: سألت أَبا زُرعَة، عن حديث؛ رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأَبو داود، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد، عن النبي صَلى الله عَليه وسَلم؛ أنه أتي بإناء فيه ماء، قدر ثلثي المد، فتوضأ به.
ورواه غندر، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن تميم، عن جدته أم عمارة، عن النبي صَلى الله عَليه وسَلم.
فقال أَبو زُرعَة: الصحيح عندي حديث غندر. «علل الحديث 39».
وحديث أم عمارة في الصحيح المسند 1653
وليس فيه ذكر الدلك لكن الماء كان قليلا فالغالب أنه صلى الله عليه وسلم دلك.
وكما قال ابن تيمية: الدلك يجب إذا لم يعلم وصول الطهور إلى محله بدونه.
تنبيه: قال الصنعاني في السبل: ثلثا مد هو أقل ما روي أنه توضأ به صلى الله عليه وسلم. أما حديث (أنه توضأ بثلث مدٍّ) فلا أصل له. أ. ه